المتمردون على النظام ...
بقلم/ أحمد عايض
نشر منذ: 16 سنة و 6 أشهر و 18 يوماً
الأربعاء 16 إبريل-نيسان 2008 08:52 م

لم نعد نعي الكثير مما يدور من حولنا خاصة في ظل الوحشية المخيفة التي بدأت تعصف بمجتمعنا وتنخر فيه , وحشية ما كنا نعهدها أو نسمع بها لكنها اليوم اشد ضراوة وأكثر وحشية من ذي قبل , ولم يعد مصطلح التوحش يقصد به توحش الوحوش بعضها على بعض , بل لقد تطور هذا المصطلح ليغدو ثقافة في حياة الناس سواء أكان بقصد أم بغير قصد ... قد تكون ظروفهم الحياتية هي التي تسوقهم إلى تلك التصرفات وربما خراب فطرتهم التي جبلوا عليها نتاج تحولات فكرية وسلوكية مورست عليهم.

لقد تورطت الحروب القبلية في اليمن في إسالة أنهارا من الدماء وأطنانا من الجثث حيث تشير أخر الدراسات التي أجريت في هذا المجال قبل سنتين تقريبا إلى أن الجمهورية اليمنية " خاضت في الفترة من 1979م وحتى 2005م أكثر من 450 حربا وصراعا مسلحا , ذهب ضحيتها قرابة الـ"80" ألف قتيل, وضعفهم من الجرحى والمعوقين والمفقودين.

وأكدت الدراسة أن معظم تلك الحروب والصراعات المسلحة القبلية كانت السلطة وأجهزة الأمن والقوات المسلحة طرفا فيها .

تلك الحروب أفرزت جيلا من أبناء القبيلة يقود حاليا موجه عنيفة من التمرد ضد كل أجهزة النظام خاصة في مناطق التوتر.

هذا الجيل لا يجد مانعا من الإعلان عن مواجهات مسلحة مع أي طرف خاصة في ظل أوضاع اقتصاديه لم يعد شيئا منها يستحق التريث أو التعقل حسب نظر البعض ممن سحقتهم الظروف وأذلتهم ويلات الأيام العجاف في زمن اليمن الجديد .

لم يعد عنفوان القبيلة يعلن تحديه في مأرب والجوف وشبوة فقط بل أنتقل إلى محافظات أكثر سلما ومودة وما جرى في محافظة تعز بعد مقتل شيخ ألأقيوس , وتحركات قبائل إب وذمار , وعدد من قبائل محافظات صنعاء وغيرها من قبائل اليمن بعيدا ًعن الراصد لتلك المتغيرات التي تعلن عصيانها و تمردها ضد ذالك الوضع .

لن أتحدث عن تاريخ الحروب لكن عن ألانعكاسات النفسية التي خلفتها تلك السياسات من قبل السلطة في نفسية " الفرد المنتمي للقبيلة " حيث قُتلت حرمة الإنسان من عقلية العديد من أبناء القبيلة بشكل عام وأصبح سماع تلك ألأخبار كسماع شيء ما من نشرات ألأخبار اليومية .

مأرب هي واحدة من الساحات الهامة التي مارست فيها السلطة حينا من الزمن جرائمها التاريخية في تغذية الحروب القبلية وتوسيع نطاقها الجغرافي لأهداف كان النظام أحوج ما يكون لتوسيع رقعة تلك الخلافات والصراعات الدامية بين أبناء القبيلة الواحدة , وتم تزويد معظم القبائل في اليمن بمختلف أنواع ألأسلحة وكان كل طرف يُوهم من قبل تلك ألأجهزة أنه هو الوحيد الذي يحظى بالدعم والرعاية الخاصة في حينها .

هذا التوسع الجهنمي في إحراق القبيلة داخليا , أنعكس مع تقادم ألأيام في تمرد عنيف من القبيلة ضد الدولة فبدلا من أن كان الجندي أيام ألإمامه يسوق قبيلة بكاملها من محافظة مأرب أو الجوف أو غيرها من قبائل اليمن أمامه أصبحت القبيلة اليوم تواجه الكتائب والفيالق وتسحق حتى القوات الخاصة والحرس الجمهوري ولا داعي لذكر شي من أمثلة الماضي القريب ففي ذالك نبش للجراح والآلام .

وياليت الأمر توقف عند ذالك وكفي .. بل تطور ألأمر وأصبحت القبيلة تأكل بعضها بعضا في سياق مكابرة مستندا للقوة والعتاد التي تملكها القبيلة ومعظم ذالك الإرث الحربي من خزائن معسكرات الدولة. 

ونشئ جيل ممسوخ قيميا فلا هو الذي تمسك بأعراف القبيلة وعادتها وتقاليدها النبيلة ولا هو الذي أنصاع للعلم والقلم ونبذ موروث الماضي المثقل بآهات الثار والخلافات .

تعاني السلطات المحلية اليوم والنظام بشكل عام من تمرد القبيلة وكثرة مطالبها وتعنتها في مواقفها وفشلت في وضع الكثير من الحلول الجزئية أمام تلك المعضلات , وما ذالك إلا نتاج لتعامل السلطة مع القبيلة في مراحل عدة من تاريخ اليمن المعاصر الذي عودها على العطاء لتدمير الذات والانتقام من الآخر فقط .

وستظل القبيلة شوكة مؤلمة في حلق النظام اليوم حتى تبدأ بمراحل طويلة لمعالجة سياساتها الخاطئة تجاهها, وهنا ستكون المراحل طوال والتكاليف باهظة الثمن لكن ذالك أهون الأمور حسب رأي الشخصي .

ورغم تطور الخطاب السياسي للقبيلة في عدد من المحافظات إلا أنه سيظل مُغلفا بدوافعِ ٍ سياسية لن تدوم طويلا لأنة سرعان ما تكشف القبيلة عن أنيابها المفترسة في لحظة ما تشعر بأن كرامتها قد أهينت أو أنتقص شيء منها .

سيلعن التاريخ يوما ما من عمد إلى مسخ القبيلة وتحويلها إلى مجتمع انتقامي متوحش وقطيع من البشر تسقط في لحظات ما كل قيم الدين والشرف والفضيلة من نفسياتهم .

على النظام في اليمن اليوم دراسة العديد من المجتمعات العشائرية والقبيلة في الوطن العربي والتي أصحبت مثلا يحتذي به في كل مجالات الحياة المعاصرة وخير مثال على ذالك التجربة الإردنيه التي أستطاع النظام هناك أن يفجر قدرات وطاقات القبيلة في خدمة الشعب والوطن و أصبحت العشيرة نموذجا حضاريا في التعامل الراقي مع كل قضايا العصر والحياة بعيدا عن حياة القتل وتأجيج الصراعات .

ما لم فستظل اليمن في ظل هذا الوضع تمخر في عباب التخلف والفوضى , وستظل الدولة وخططها التنموية في واد والقبيلة في واد آخر ... ولا نامت أعين الجبناء .

Mareb2009@hotmail.com