|
ان من يرى بلادنا تموج في كثير من الأزمات مثلها مثل كثير من البلاد العربية والإسلامية ، والتي بعضها قد وصل إلى التمزق والصراع الدموي ، لا بد أن يدرك أن لكل مصيبة أسبابها ،كما أن لكل خير مقدماته ، وما نحن فيه من مصيبة هو نتيجة للذلة التي اعترت الحاكم والمحكوم ، حاكم صار ذليلا أمام عدو غاشم ، ومحكوم صار ذليلا أمام حاكم ظالم ، انها ذلة السكوت على الباطل ،حتى انتفش ريشه ، وعظم شأنه ، وما كان ذلك ليحدث لولا استعظام ثمن العزة، عند من بيدهم التغيير، أو يدعون التغيير، حكاما أو معارضة أو نخبة أوعلماء، مع ان ثمن العزة والحرية ، أقل بكثير من ثمن الذلة والمهانة ، لم لا ؟ قد تضحي بسنوات قليلة في السجن والمضايقات ، لتعيش حرا بقية عمرك ، وقد تضحي بعمرك لتعيش أجيال من بعدك في عزة ، نتيجة لتضحيتك ، وتعيش أنت مُحبر عند ربك.
قيل أن اليد التي ترتعش لا تبني ، وهذه هي الحقيقة ، إن من يريد إرساء قواعد الحق دون تضحية ،كمن يريد الجنة دون تزكية ، ان من يريد أن يحدث تغييرا في الامة وهو خائف على منصبه، أو رزقه، أو حياته ، أو تجارته فعليه اللا يتصدر الاحرار ، ولا يدعي الحرية لنفسه ، لأنه لو كان حرا لتحرر من قيود نفسه وشهواته قبل أن يحرر الاخرين ،فان تحرر من قيود الارض سيحرّر أمّته من تسلّط الأرباب المزيَّفين، ومن هيمنة العدوّ و المحتل، وجبروته وطغيانه؟!.. فان لم يفعل واستمرعلى حاله سيجد نفسه في يوم من الايام منبوذا من اسياده كما هو مهان من خالقه قال تعالى (ومَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ) ومن استمرأ الذلة عليه أن يعلم علم اليقين أن في ايمانه خلل ، قال تعالى (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) وقال سبحانه ( وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) فكيف يكون عاليا من يأكل وهو خانع ، ويقول وهو طامع ، ويُطري وهو طامح، ويتخلى عن القيم والاخلاق وهو سكران بلذة المعصية ،ومتدثر بجلباب الذلة والمسكنة ،ان نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام لما خاف الله ، رفض الاغراء، والقرب من الملك ، عن طريق معصية ونيل شهوة زائفة ،وأعلنها مدوية قائلا (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) فما كانت النتيجة؟ أن أخرجه الله من السجن ومكن له قال تعالى \\\"وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ\\\" قال وهب بن منبه: لما مر يوسف على امرأة العزيز بعدما أصبح عزيز مصر قالت: (الحمد لله الذي جعل العبيد ملوكاً بطاعته، والملوك عبيداً بمعصيته ) ان التضحية مقدمة للتمكين والحرية ، ومن العجيب أن هناك من يبرر لذلته ، بل وقد ربما يُشرع لها ويستجلب لها مسوغات شرعية ، من النصوص أو السيرة ، فيسقطها في غير موضعها، كأن يقول لك قصة العهد المكي ، ويسقطه على زماننا اليوم ، وينسى أن العهد المكي كان عهد تضحية وثبات ولولا أن الله عز وجل قال لهم (كفوا ايديكم ) لحكمة يعلمها ،لكان لهم مع قريش شأنا أخر، فهل نحن قدمنا في سبيل ديننا وأمتنا وكرامتنا وشعوبنا تضحيات ما قُدم في العهد المكي ؟ هل نحن ثابتون على قيمنا ومبادئنا كما صمدوا ، ان الانحناء للمنكرات المقدور على انكارها ،أو السكوت عليها كالظلم والربا ،والخمور والفجور، واسترقاق الناس أوالتحدث عنها بصوت منخفض أو مرتعش متردد ،بحجج واهية غرضها التهرب من التبعات، يعد مساهمة واضحة في خرق السفينة ، واستمراء مفضوحا للذلة والهوان ،وانقياد لهوى النفس ،ومن لم ينتصر على نفسه ، لن ينتصر على خصمه، وعلى المسلم الحر أن يعلم ،ان الذلة التي تصيب الفرد أو الجماعة هي عقوبة دنيوية من الله لمن خالف أمره بعد علم قال عز وجل عن عبدة العجل : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اْتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الحْيَاَةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجِزِيْ الْمُفْتَرِينَ ﴾ وهذه العقوبة ايضا تنال ممن رضي بعبودية العجول البشرية ، أو الهوى، فيدفعون ثمنا غاليا في الدنيا قبل الاخرة ، وهي عقوبة لمن خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل : «وجعل الذل والصغار على من خالف أمري»والذلة عقوبة لمن ترك الجهاد في سبيل الله والاشتغال بالدنيا، قال صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً, لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم»
وأخيرا نحن بحاجة من الشعوب إلى براءة الذلة ،كحاجتنا من المسؤولين الى براءة الذمة ، أسأل الله ان يجعلنا أعزاء بطاعته وأن يجنبنا ذل معصيته .
في الأحد 26 ديسمبر-كانون الأول 2010 05:17:48 م