قوة اللواء علي محسن وهروب العميد مناف طلاس
مع بداية عام 2011م ( عام الربيع العربي ) اندلعت الثورتين اليمنية والسورية في الأشهر الأولى من عام 2011م بعد نجاح ثورتي تونس ومصر وتفجر الثورة الليبية التي أخذت الطابع المسلح منذ أول أيامها نتيجة لطفرة الكبت والاستبداد للشعب ومصادرة ابسط الحقوق في الآدمية والعيش ، فمواطنين ليبيا لم يحصلوا على حقهم في وصفهم كبشر او إنسان ، والعقيد المقتول كان يصفهم بــ \" الجرذان \" وهذا منطق الطغاة حين يستعبدون الشعوب ، كتب نهايته بنفسه حين قتل بعد أن أخرجه الثوار من \"جحر \" ترتاده الجرذان وربما الكلاب الضالة ،
نجاح ثورتي تونس ومصر بزمن ثوري قصير لم يتجاوز العشرون يوما تقريبا وتعثر المسار الثوري في ليبيا واليمن وسوريا مع الاختلافات والفوارق المرتبطة بخصوصية كل بلد سياسيا واجتماعيا وأثرها على مسار الثورة في كل بلد من البلدان التي طال زمن الثورة فيها وتعسر إلى حد ما ، النجاح السريع والتعثر الطويل كان مرتبطا بصورة مباشرة بالمؤسسة العسكرية والأمنية ومدى استقلاليتهما أو خضوعهما لسيطرة الحاكم وعائلته ، حيث كان الوضع في تونس وسوريا متشابها ومتطابقا ، فالمؤسسة العسكرية في البلدين مؤسسات وطنية مستقلة محرم على رئيس البلد التدخل فيها ولا يستطيع ان يعين أي من أبنائه أو أقاربه في أي منصب عسكري ، وهذا ما كان عليه الوضع في مؤسسة الجيش في تونس ومصر التي لا يوجد فيها أي من أفراد العائلة الحاكمة وكانت النتيجة طبيعية وحتمية في الانحياز لصالح الشعب وعدم الخروج عن وظيفة مؤسسة الجيش من الحماية للوطن وسيادته إلى قمع الشعب وقتله ، فنجحت الثورة في زمن قياسي قصير ، وفي الجانب المتعلق بدور المؤسسة الأمنية كانت على وجه من الشبه في البلدين حيث وقفت في وجه الشعب وفي صف الحاكم للقمع والقتل وكل الأساليب التي تتنافى مع وظيفة هذه المؤسسة .
فنجاح الثورات وتعرقلها يتوقف على قدرة السيطرة العائلية للحاكم من عدمها على مؤسسة الجيش ، فالمؤسسة العسكرية التي كانت لا تخضع للحاكم وعائلته نجحت في ظلها الثورة ، وهذا الذي كان متوفرا في تونس ومصر ، والعكس في ليبيا واليمن وسوريا التي تخضع مؤسسة الجيش والأمن وكل السلطات لشخص الرئيس ويتحكم بها أفراد من عائلته وكان القرار النافذ للحاكم الأب ويليه الأبناء ودرجة النفوذ تخضع لدرجة القرابة تنازليا ،
يوجد في الثورة اليمنية والسورية بعض التشابهات والتقاطعات من حيث طبيعة الحكم والسيطرة والعقلية الفردية الشمولية وغياب المؤسسات ، وحصر القرار في دوائر ضيقة على عدد من الأبناء والأقارب ، وكان للثورتين منطلقات سلمية وحضارية ، ونظرا لسيطرة الحاكم وعائلته تم مواجهة الثورة بقوة السلاح من أول يوم ، وهنا تأتي المفارقات التي رافقت مسار الثورة في اليمن وسوريا ،
ومن التشابهات بين النظامين في اليمن وسوريا أنهما نظامين : فرديين الحكم فيهما مغتصب بقوة السلاح ، السيطرة الكاملة على كل مفاصل الدولة ومؤسساتها ، الأجهزة الأمنية تحظى بالنصيب الأكبر في تسيير أمور الدولة وتعتمد على منهجية القمع والتنكيل ، وتسخر جميع أجهزة الإعلام للنفاق للحاكم وعائلته وعدم التعرض لهم بأي عبارة تمس من قدسية الحاكم الخالد المؤبد وتظلل الشعب والعامة من الناس ، ويوجد في البلدين أبواق إعلامية متخصصة على وزن \" الجندي \" لقلب الحقائق ، فالدم الذي كان يراق كل يوم كان يوصف على انه \" طلاء احمر \" وجثث جاهزة وربما أن الإعلام السوري استفاد من إبداعات الجندي في الكذب والتضليل وتزوير الحقائق التي كان لا يقتنع بها إلا صانعوها ومروجيها ومن على شاكلتهم في مستوى الفهم وغياب الضمير .
منطق القوة والتحدي في الثورة اليمنية :
مع وجود كثير من نقاط الالتقاء وأوجه الشبه في مقاومة الثورة في اليمن وسوريا الاّ أن الثورة اليمنية تميزت عن مثيلتها في سوريا بعناصر ومرتكزات أساسية ساهمت للحد من تفوق الحاكم على الأرض وخلقت توازنا ، مثّل كتحدي قوي في وجه الحاكم وعصابته الإجرامية ، وكانت سببا في هزيمة الحاكم ونصرا للثورة ، من هذه العناصر على سبيل المثال تماسك جبهة المعارضة تنظيميا ، حيث تميزت المعارضة اليمنية بقوة تنظيمية ما جعل منها قوة جماهيرية ضاربة ، مسلحة بالوسائل اللازمة وتمتلك جهاز إعلامي متكامل وتمتلك قيادات سياسية ذات خبرات طويلة في العمل السياسي والتنظيمي ولها قدرة على التأثير وخلق وعي عام يؤمن بمبادئها ، وهذا ما كانت ولا زالت تفتقد له جبهة المعارضة السورية التي كانت عبارة عن أشخاص مبعثرين هنا وهناك ،
كما أن الثورة اليمنية بدأت من وقت مبكر للخروج في وجه الحاكم والتمرد عليه علنا وكان لها برامج تصعيديه بشكل متواصل كان آخرها \" الهبة الشعبية \" التي سبقت ثورة الربيع العربي بأيام قليلة ، زاد من زخمها ولهيبها ثورة البوعزيزي في تونس وحققت نجاحا وكانت لحظة هروب الرئيس التونسي بن علي دافعا للغضب الشعبي في اليمن ، حتى اندلعت ثورة مصر وكتب لها النجاح ، وكان صداها القوي في ميدان التحرير بصنعاء الذي وقفت في وجهه السلطة بكل قوتها ومارست القمع ضد الشباب ، وعلى اثر هذا المنع والقمع كانت ولادة ساحة الحرية بصنعاء بجوار اهم مرفق تعليمي \" جامعة صنعاء \" وكانت خطوة ايجابية أكثر لو كانت الساحة في ميدان التحرير
اللواء الأحمر : القوة في خدمة الثورة
من أهم العناصر التي ساندت الثورة اليمنية وكسرت شوكة النظام وجبروته هو إعلان اللواء علي محسن الأحمر قائد المنطقة الشمالية الغربية قائد الفرقة الأولى مدرع يوم الاثنين 21مارس 2011م تأييده ودعمه لثورة الشباب الشعبية السلمية وحمايتها ، هنا كانت اللحظة الفارقة التي فارق معها النظام سطوته وجبروته وقوته المادية والمعنوية ، وكانت لحظة وطنية انهار معها كيان السلطة التي كان يستند إليها الرئيس السابق ، وأعلنت مئات الاستقالات من الحكومة والجيش والأمن والدبلوماسيين والبرلمانيين وأعضاء قياديين في الحزب الحاكم \" المؤتمر الشعبي العام \" الواجهة التي يقف الرئيس السابق خلفها يحكم اليمن الذي حوله إلى بلد متخلف ، وهذا الحزب كان كارثة ولا زال على اليمن فهو الوعاء الذي يجمع بداخله الفوضى والتخلف والقهر والحرمان وهو رمز في قيادة الفساد والعبثية بالمال العام ،
وهنا لا بد من الإشارة للفارق الذي سجله موقف اللواء الأحمر ومقارنته بموقف العميد مناف طلاس ، فالرجلان عسكريان بامتياز ومن الدائرة القريبة للحاكم ، الأول شريك قوي في صناعة القرار بحكم قوته ومكانته التي أوجدها لنفسه والثاني مقرب من الحاكم بحكم مكانة والده وكونه شخص \" مدلل \" الأول يعشق القيادة والثاني يعشق السيجار !!الأول اعلن تأييده للثورة في وقت مبكر وكان له بصمات في حمايتها والثاني \" جمد \" من عمله كقائد لأحد ألوية الحرس الجمهوري في وقت مبكر قبل عام تقريبا ، الأول اخرج الحاكم من دائرة السلطة وأعلن الوقوف في وجهه من داخل مكتبة والتحق به المئات من كبار الشخصيات العسكرية والأمنية والإدارية والدبلوماسية والشخصيات الاجتماعية ، والثاني هرب بجلده متخفيا ضمن العائلات النازحة بعد محاولات للبقاء في كنف النظام ، انه الفارق بين القيادي القوي الذي يتمتع بشخصية مستقلة ويفرض على من حوله احترامه وبين القائد الباحث عن الشهرة من خلال المظهر السينمائي وشغفه بمقهى \"الكوت \" و \"دازور\" الفرنسية وجهته المفضلة في الصيف ، مفارقات بين قائد محنك وعميد مدلل!! وبالمختصر الأول عبارة عن دولة في كنف الحاكم والثاني \" مترعرع\" في كنف القصر
وعلى هذه المواقف كانت ردة الفعل من مختلف القوى والشخصيات ، فاللواء الأحمر رحبت كل الإطراف في المعارضة وكان مقر عمله مزارا للآلاف من المؤيدين والثاني لاجئا لا يستطيع الكلام الاّ عبر الشاشة وبخجل وظهر في وقت متأخر للنفاذ بجلده ،،
وعلى هذا تحقق للثورة اليمنية التوازن الكمي والمادي وخلق معادلة جديدة في وتحول الحاكم وعائلته من قائد يمتلك البلاد والعباد إلى خصم يبحث عن المخبأ الآمن ،
من المفارقات التي تحسب للواء الأحمر انه استجاب مبكرا لنداء الوطن والضمير والإنسانية والواجب الوظيفي الذي يحتله كقائد أن دعم الثورة مبكرا قبل أن تتحول إلى بركة من الدماء بسبب الشهوة الشيطانية التي كانت تسيطر على الرئيس السابق في تمسكه بالكرسي ، وقبل مجزرة جمعة الكرامة في 18 مارس كانت هناك هجمات يقوم بها النظام وبلاطجته على الشباب المعتصمين في ساحة التغيير بصنعاء وكان هناك ليلة دموية نفذتها قوات الأمن والبلاطجة على الساحة من عدة مداخل ما عدا المدخل الذي يقع بجوار الفرقة الأولى مدرع حين صدرت توجيهات اللواء بمنع تواجد البلاطجة في ذلك المدخل ، وجدتها كفرصة حينها ووجهت رسالة للواء علي محسن الأحمر ووضعتها على حائطي في الفيسبوك كانت هذه الرسالة تحديدا يوم 14 مارس وكانت المجزرة يوم 18 مارس وكان موقف اللواء يوم 21 مارس ، خاطبته حينها بوصفة بالعميد دون معرفة مني ما هي الرتبة التي يحملها حتى الصورة التي وضعتها على حائطي كانت ببزة \" عميد\"
أتذكر كم كانت الثورة بحاجة له ، وكم لرجولته وشهامته في تلبيته للنداء وللواجب وللوطن فكتب لنفسه مكانة وتاريخ كواحد من الأحرار الذين يستحقون وصفهم بالرجال الشجعان ، ومع موقفه كتب للثورة الشبابية الشعبية فتحا جديدا نحو الأمل الذي تحقق منه الكثير وتحت مؤثرات السياسة ومثبطاتها جعلت من ثورتنا تسير يبطئ ، والأمل لا زال قائما بتحريك سرعة المسار الثوري ... من اجل اليمن .. فهو قائد حكيم يعتمد عليه
في الجمعة 27 يوليو-تموز 2012 09:41:40 م