حول توقيع علي صالح للمبادرة ومخاطرها على الثورة
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 12 سنة و 11 شهراً و 11 يوماً
الخميس 24 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 12:11 ص

سنستعرض في هذه الوثيقة اخطر ما ورد فيها من نصوص على الثورة ومستقبل اليمن ، ففي المقدمة فقرة 4 من الآلية « يحل الاتفاق على المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها محل أي ترتيبات دستورية أو قانونية قائمة ولا يجوز الطعن فيهما أمام مؤسسات الدولة» إن مضمون هذا النص في آلية المبادرة الموقع عليها من الإطراف السياسية منحها قوة قانونية أعلى من الدستور وأعلي من سلطة الشعب حاليا ومستقبلا وهذا اخطر ما ورد فيها، ولم يكن ذلك متضمن في نص المبادرة ، وهو ما يفسر تمنع علي صالح عن التوقيع طول الفترة السابقة ويفسر ابتسامته العريضة أثناء التوقيع بأنه المنتصر سواء بقي في السلطة آم انصرف عنها. لقد صدمت بهذه الصيغة التي حرصت على حماية القاتل ضد المقتول . لا حول ولا قوة إلا بالله.

لقد كان اليمنيون منذ اقتراح النسخة الأولى للمبادرة الخليجية على استعداد للتغاضي عن جرائم صالح وإمكانية التسامح عنه بالتجاوز والغفران عن مقدرة ورفعة خلق، أما وقد بلغ القتل والتدمير كل بيت واتسعت الخرق على الرقع إلى حد لا يطاق فان الحديث عن ضمانات للقتلة هو خيانة لدماء النساء والأطفال والشباب والكهول والشيوخ الذين سقطوا وهم يحملون بأيديهم قطاف الورد وبصدور عارية تلقوا آلة القمع والقتل وبالتالي فإننا بحاجة إلى الاشتغال ثوريا - بذكاء حول تعطيل بند الحصانة لعلي صالح بوسيلتين لا ينفذ إليهما القدح أو اللوم الدولي أو الإقليمي ممن رتبوا هذه النهاية له على حساب شعبه.

الأولى : أن يقوم النواب الحزبيون - رفعا للعتب واللوم عن الموقعين - بتقديم استقالاتهم من أحزابهم ليتسنى لهم التموقع في خانة رفض الضمانات وعدم تمريرها برلمانيا مهما كان وبذلك يكونوا قد فعلوا ما فعله زملائهم من نواب المؤتمر الأحرار الذين قدموا استقالتهم من حزبهم - برغم الإغراءات - انحيازا للشعب في وجه الظلم وليجد صالح لنفسه مخرجا من ورطته بطريقته وأفضل مخرج له هو الهروب إلى السعودية، وان لم يتم التفطن إلى فعل هذا فان الأحزاب ستكون قد ارتكبت جرما لن تنجوا هي من المساءلة الثورية والشعبية إن هي أكملت تحقيق الحصانة لصالح وعائلته ومعاونيه من القتلة عبر تشريع برلماني وقضائي.

الثانية : وفي نقض ما ورد في المادة 20 الفقرة ث : « يلتزم الطرفان في هذه الاتفاقية بعدم ترشيح أي شخص لخوض الانتخابات الرئاسية المبكرة أو تزكية أي مرشح غير المرشح التوافقي نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي». ومثل هكذا توافق يصادر حق الشعب ويلغي حريته في أن يختار من يراه مناسبا وليس من تتوافق عليه الأحزاب نيابة عن الشعب، والسؤال في هكذا حال : ماذا لو اتفق الشباب في الساحات ومعهم أبناء الشعب على مرشح آخر وفاز على مرشح التوافق « عبده ربه منصور» فهل ستكون المبادرة حاكمة على سلطة الشعب واختياراته ومقدمة عليه ؟. نعم فالفقرة 4 المشار إليها آنفا تجعل هذه الاتفاقية ذات علوية على سلطة الشعب وماضية النفاذ رغما عن أنفه.

ولعلاج هذا الخلل ينبغي أن يمضي الشباب وبتواطؤ من عامة الشعب الثائر بإعداد مرشح وحيد للفترة الانتقالية لمنصب الرئاسة خارج سياق المرشح التوافقي المحدد في شخصية عبده ربه منصور الذي ستكون مهمته توثيق الضمانات لقاتل متعمد سفك من دماء اليمنيين ما لم يسبق لرئيس يمني سابق آن يسفكها. وتلقي وراء ظهرها في هذا الالتزام.

من المعلوم أن الأحزاب ليست مخولة شعبيا في منح علي صالح أي حصانة لكنها ملزمة - إن كانت قادرة على ذلك- بموجب توقيعها على المبادرة الخليجية التي عززها القرار الأممي 2014 وان كان القرار لم ينص صراحة على الضمانات لكنه نص على تنفيذ المبادرة الخليجية وهي تنص في أحد بنودها على هكذا ضمانات، والعقد شريعة المتعاقدين. وعلى الثوار تعطيل قدرة الأحزاب على إنفاذ الاتفاق بالوسائل المشار إليها سلفا.

إن علي صالح أراد من استدراج القرار الأممي أن يدعوه إلى تنفيذ المبادرة الخليجية لتكتسي صفة قانونية دولية وشهود دوليون، بينما كان توقيعه على المبادرة هو نفاذ وهروب من الضغوطات الدولية التي ستوصله إلى محكمة الجنايات الدولية وتجميد أرصدته ومنعه من السفر وإخضاع قواته العسكرية إلى حظر جوي هو متفوق على خصومه بها في حال نشبت أي مواجهات عسكرية . وهروبه كان مدعما بضمان الحصانة التي لا تقبل النقض .

إن هذا المخلوق تأبط شرا لشعبه طيلة حكمه 33 عاما وهو يضمر شرا ويجهر به علنا في خطاباته من خلال مواجهة التحدي بالتحدي وقصف قرى أرحب وأبين وساحة الحرية في تعز وعدد من أحيائها السكنية، وقتل الكثير من أبناء الشعب السلميين في الساحات أو في بيوتهم .

ان علي صالح هرب من تضييق الخناق الدولي إلى التوقيع على المبادرة وهو صاغر لكنه في منأى عن المساءلة والمحاسبة، وأزاح عن كاهله المسؤولية المباشرة لما سيحدث من قتل لليمنيين بعد التوقيع، وليس مستبعدا انه من خلال اجتماعه قبل ثلاثة أيام بلجانه العسكرية والأمنية بما لا يدع مجالا للشك قد رتب وخطط ودبر الشر لليمن ونقل مخاطر المواجهة المباشرة بينه وبين الشعب إلى مواجهة الشعب مع وكلاء القتل من أفراد العائلة وقيادة الحزب والمناصرين وسيظل يتفرج على الصراع ولن يسائله احد فهو قد تخلى – شكليا - عن السلطة وسلمها إلى نائبه بموجب المبادرة وآليتها التنفيذية ومحصن بالضمانات الإقليمية والدولية.

الأمل المتبقي لإنقاذ الشعب من هذه الورطة - وهو ضئيل – يكمن في سلوك شخصية نائب الرئيس الذي تسلم المسؤولية بكاملها عقب التوقيع وهو أمام خيارين: الأول : أن يحسن الخاتمة و يهتبل الفرصة التاريخية بالانحياز إلى الشعب وهو بذلك سيقضى نهائيا على نظام صالح العائلي والى الأبد، وهذا احتمال يبدو مستبعدا ولا متوقعا، والخيار الثاني : وهو الاستمرار على ذات الولاء لعلي صالح وعائلته وبذلك ستدخل اليمن في صراع طويل بالوكالة عن صالح وعائلته سيكون منفذها نائب الرئيس لن تنته منه اليمن قريبا خصوصا إذا علمنا أن آلية تنفيذ المبادرة الخليجية قد حملت ألغاما شديدة الخطورة كلها تؤدي إلى قتل الشعب من الوريد إلى الوريد وبكلفة باهضة بما في ذلك تدمير الأرضية الاجتماعية «= النسيج الاجتماعي» التي يمكن أن تبني عليها دولة يمنية لم تولد بعد وهذه الألغام تتمثل في البنود التالية:

الأول : ما ورد في فقرة 12 « تتخذ حكومة الوفاق الوطني قراراتها بتوافق الآراء.. ... وفي حال تعذر التوافق بينهما يتخذ نائب الرئيس أو الرئيس عقب الانتخابات الرئاسية المبكرة القرار النهائي. والسؤال هنا: من يضمن أن يتم مثل هذا التوافق خصوصا إذا قرر طرف من الحكومة على عزل أبناء العائلة والموالين لعلي صالح ونظامه من مواقع القيادات العسكرية والأمنية والمدنية. أو إذا قرر طرف من الحكومة من منع استعمال القوة ضد المتظاهرين السلميين إن هم ذهبوا إلى الاعتصام حول دار الرئاسة أو في ميدان السبعين ومسجد أبرهة ؟!! في هكذا حال سيكون على الشعب في حال عدم التوافق أن يظل معلقا إلى قيام الساعة حتى يتم التوافق خصوصا إذا لم يكن بمقدور الشباب والمعتصمين النفاذ إلى تحقيق أي شكل من أشكال الحسم الثوري خارج سياق التوافق وبدائل السياسة وشروط المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية .

الثاني: ما ورد في الفقرة 9 « سيتخذ الطرفان الخطوات اللازمة لضمان اعتماد مجلس النواب للتشريعات والقوانين الأخرى اللازمة للتنفيذ الكامل للالتزامات المتعلقة بالضمانات المتعهد بها في مبادرة مجلس التعاون » والسؤال : من يضمن هذا ؟ خصوصا إذا لم يستجب النواب الأحرار للتصويت على هذا البند وفضلوا الاستقالة من أحزابهم على البقاء في خانة المصوتين على القبول بهذه الجريمة. لأن ذلك يتعارض مع قيم العدالة والتشريعات السماوية والأرضية .

الثالث: تتولى الحكومة الانتقالية مهمة الحوار مع الشباب في الساحات وذلك للخروج بآلية لتنفيذ مطالبهم وتحقيق أهداف الثورة، وهذا البند يجعل من الشباب المرابطين في الساحات منذ ما يقترب من عشرة أشهر ليسوا ثوارا وإنما مجرد موظفين لدى الأحزاب « أو شقاة للهتاف والمسيرات » بالأجر اليومي بينما هم في الواقع ليسوا كذلك وهي إساءة بالغة الخسة للثوار وأهداف الثورة وخيانة لدماء الشهداء والجرحى وكرامة الإنسان اليمني .

ختاما إلى شباب الثورة في الساحات

من المعلوم أنكم لستم ملزمين بالاتفاقات وهذا من حقكم لكن ليس من الكياسة كيل التهم والشتائم للأحزاب فذلك ليس مجديا ولا أخلاقيا فالأحزاب وقفت إلى جانب الشعب بحجم قدرتها المتواضعة وبطريقة سياسية هي الممكن والمتاح في ظل وضع معقد بناه علي صالح طيلة فترة حكمه تحسبا لمثل هذا اليوم الذي وقع فيه، وفي ظني فقد وقعت في فخ بند الصمانات الذي لايقبل النقض بشكل جعلها شريكة لعلي صالح في ازهاق ارواح الناس ومصادرة حقهم في الاقتصاص من القاتل ، وعليه فان كان لديكم بديلا للحسم الثوري والانجاز السريع فلا تتأخروا ولا داع للركون على الأحزاب. ولا زلتُ على قناعة أفرغتها ذات يوم في مقال سابق أن الثورة ستنجح بالاستمرار وتعدد الأدوار. 1- فدور الشباب – أحزاب ومستقلون - ممارسة الثورة السلمية دون الانحراف عنها. 2- ودور القبائل والعسكر الأحرار حماية المعتصمين. 3- وقيادة الأحزاب اللعب السياسي والمناورة السياسية على قياس علي صالح والمناسبة مع أدائه السياسي. وكل من هذه الأطراف يمضي فيما هو ميسر له ولا يوجه سيف لسانه ولعناته إلى رفاق دربه في الثورة مع احترام اختلاف الأدوار، فتعدد الأدوار أدى إلى خلط الأوراق على نظام صالح وأربكه واستعصى عليه الأمر، وبدلا من حشر خصومه في الزاوية كان هو المحشور فيها، فخصومه كثر وليسوا على موقف واحد ولا نكهة واحدة، فهناك المُر، وهناك الحنظل، وهناك الصارم، وهناك الإخطبوط، وعليه أن يختار مخرجا لنفسه فهذا شانه وليفعل ما يشاء وليشرب من ذات الكأس.

النهاية اللائقة بعلي صالح والتي ستطفئ نار غضب الشعب هو إلقاء القبض عليه وعلى أفراد عائلته وكبار معاونيه الوالغين في دم الشعب اليمني وإفساد حياته السياسية والمدنية طيلة حكمه ، ولا أظن أن غير ذلك سيكون مرضيا للشعب ولن يقبل له مصيرا آخر.