|
القمة الخليجية السابعة والعشرين التي ستعقد بالرياض يومي التاسع والعاشر من ديسمبر ينتظر منها أن تفعل وتعجل قرارات دمج اليمن في مجلس التعاون، فمنذ فجر التاريخ واليمن جزء لا يتجزأ من المشرق العربي، بل يعتبر ركيزة أساسية للحراك الثقافي والديموغرافي منذ صدر الإسلام، وقبله مروراً بمراحل التاريخ العربي.
اليمن جزء من النسيج الاجتماعي للمشرق العربي في أي دول الخليج وحواضره يتشارك في حركة الوعي والطيف الفكري في هذه الدول، ولذا ليس من المعقول أن تستمر عزلة اليمن عن محيطه، وأن يعزل هذا المحيط عن اليمن.
من المؤكد أن هناك تصورات بنيت على فكرة الصراع بين النظام الجمهوري اليمني والنظم الأميرية والملكية والسلطانية لدول المجلس وتداخلاتها بشكل واسع مع الموقف الدولي الذي يسعى للحفاظ على مصالحه بدقة وبالتالي يحرص على عدم الإخلال بموازين التفاعل السياسي، والاجتماعي، والثقافي لدول المنطقة بحيث يضمن صفاء الساحة لسلامة تدفق مصالحه الاقتصادية والجيوإستراتيجية. وكانت اليمن في ذلك الحين في دائرة القلق الغربي والإقليمي، لكنه الآن ُيعتقد على نطاق واسع بأن الموقف الدولي لم يعد يعارض انضمام اليمن لدول مجلس التعاون الخليجي فما هي مكتسبات انضمام اليمن للمجلس الخليجي، وللجمهورية اليمنية؟
الإجابات السريعة لمثل هذه التساؤلات تطرح في أجواء تحفز أمني واقتصادي سلبي النظرة يتوجه دائما لمنظور من الشك والقلق على مصالح المنظومة لو قررت الاندماج مع اليمن، وفقاً لهذا المنظور القاصر القائم على أن هذا الشعب العربي الأبي شعب من الضعفاء والمحتاجين وبالتالي المصلحة هي لليمن حكومة وشعباً، وليس هناك ما يقابل ما يقدمه الأشقاء اليمنيون لدول مجلس التعاون فضلاً عن مزايا الوحدة والتكتل التي أصبحت لغة عالمية لمن لا تجمعهم هوية فما بالنا في بيئة اتحدت هويتها وتاريخها وجغرافيتها .
وأود هنا أن أبين أن الموقف المبدئي لنا كتيار عروبي إسلامي لا يرتضي إجمالاً موازين القياس التي يطغى عليها النفس الإقليمي الضيق لدى البعض في الخليج وتختطف حديثها ورؤيتها مواقف عاطفية من أجواء ونزاعات متعددة مرت بها المنطقة ولم تعد تستطيع استعادة التوازن في تحديد الرؤية بعيداً عن هذا المنظور المرفوض على صعيد الإتحاد الفكري لشعوب المنطقة.
ولكني هنا سأستعرض هذه المصالح وفقاً للاعتبارات المادية الصرفة التي تغيب عند استعراض قضية انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي.
أولاً: اليمن هو العمق الأمني الإستراتيجي للخليج ، فإن قراءة الأوضاع عن مستقبل الخليج كلها تشير وبلا تردد على أن الحالة الأمنية تتهاوى حسب السيناريوهات المتوقعة في العراق، وفي برنامج الولايات المتحدة مع إيران، وبالتالي ينفتح الباب مجدداً على مصراعيه في الخليج لاحتمالات انفلات المواجهات العسكرية أو نتائج الصفقات السرية بين واشنطن وطهران وهذا ما يكشف مستوى القوة الأمنية والعسكرية لدول مجلس التعاون أمام المصير المجهول وفي كل الحالات تمثل اليمن بعداً أمنيا للهوية العربية الإسلامية للمنطقة، خاصة وأن كلا مدرستيه المذهبيتين مدرسة الإمام الشافعي السنية، أو مدرسة الإمام زيد رضي الله عنه هي عمق ثقافي وفكري منسجم مع المنطقة ولم تستطع محاولات الاستدراج الصفوية تغيير هذا الموقف الذي لم نستشعر مطلقاً بفرق مع إخواننا الذين عايشناهم زمناً طويلاً ولا نزال تحت آفاق التسامح والوحدة العربية الإسلامية باستثناء حركة الحوثي والتي تداخلت بين أزمة داخلية وموقف دولي كان لموقف الشيخ من العدوان الأمريكي على المنطقة العامل الأكبر لكن عزلة الحوثي وحركته كفلت للصفويين الدخول على الخط ودفعه نحو المزيد من التطرف وهذه قضية يطول الحديث فيها لكن المهم أن حالة الانسجام الثقافي والفكري مع اليمن واقعاً صلباً وراسخاً في الخليج .
ثانيا: اليمن هو أحد قواعد الفكر العربي القومي و الفكر الإسلامي المعتدل في المنطقة وبالتالي تعزز هذا الحضور لدى أشقائنا اليمنيين ضد العدوان على العراق من طرفي الاحتلال الأميركي والإيراني، وأصبح هذا المفهوم والسياق لغة تفاهم صلبة مع بقية شعوب المنطقة تزيد من وحدتها وتضامنها وعلى هذا الأساس وعبر دخول اليمن في مجلس التعاون الخليجي ستستطيع دول المجلس أن تعزز قدراتها الأمنية عبر أفراد من أشقائنا اليمنيين ينخرطون في القوات المسلحة ويعزز تواجدهم هذه الوحدة ولقد أثبت التاريخ الحديث بأن الخلافات السياسية التي حدثت بين بعض دول المجلس وبين اليمن لم يترتب عليها قيام أي من أبناء اليمن بما يعكر أمن هذه الدولة أو تلك وان كان تأثر اليمن بالموقف الموحد ضد أي اعتداءات خارجية هو أمر طبيعي يشترك معهم فيه جمهور الشعب العربي في الخليج.
إن التباطؤ في دمج اليمن بدول مجلس التعاون الخليجي سيؤثر سلباً على قدرة هذه الدول فرادى أو مجتمعة من مواجهة الأحداث الصعبة التي ستعصف بالمنطقة وبهويتها.
وأما المحور الثاني في الوحدة فهو الشراكة الاقتصادية و ليست المشكلة في عدد السكان في مجلس التعاون ولكن القضية في عدم خلق فرص الاستثمار وتداول الثروة الاقتصادية مع معايير النزاهة المعتدلة نسبياً ولذا حين تفتح أبواب الشراكة الاقتصادية بين المجلس بعد انضمام اليمن وتستقدم اليد العاملة اليمنية سيشكل ذلك عنصراً حيوياً للحياة الاقتصادية والاجتماعية خاصة إذا أقرت بوضوح مشاريع قوانين موحدة في دول المجلس تشرع حالة الاندماج بين شعوب المنطقة .
إن فتح الفرص أمام الوحدة الاجتماعية لشعوب المنطقة هو عامل قوة استراتيجي لها وليس عامل ضعف وهذا ما ثبتت به أوروبا الحديثة مشروعها سواء كان ذلك عبر ازدواجية الجنسية لمواطني المجلس أو حق الإقامة طويل المدى الذي أقرته دول المجلس وفقا لقوانين التجارة الحرة ومنظمة التجارة العالمية للقادمين الأجانب للمنطقة فكيف بأشقائنا اليمنيين الذي سيعزز حضورهم التجانس الشعبي وهو في حقيقته عنصر قوة وليس ضعف وذلك عبر آلية قانونية منظمة.
لم تعد قضية اختلال التركيبة السكانية مسألة اقتصادية كما هو الحال في الإمارات مع هذا الاجتياح الآسيوي الكثيف لديموغرافية الساحل العربي ولكنها أصبحت قضية تتداول لدى مراكز البحوث ودوائر القرار الدولي حول الهوية التي ستستحدثها هذه الدول في المستقبل ولقد تفطن لذلك رائد الوحدة الخليجية الشيخ/ زايد "رحمه الله" عبر توطين عدد من أبناء القبائل العربية الخليجية في الإمارات ولكن هذا الأمر توقف بعد فترة وجيزة.
وأقول أليس من الأولى لحركة العمالة في الكويت أو الإمارات أو غيرها من الدول أن تشرك العنصر اليمني العربي المنتمي لثقافة المنطقة والذي يحمل الاستعداد التام وفقا لثقافته وأصوله الديموغرافية للاندماج مع هذا المجتمع الخليجي عوضاً عن انتظار مفاجئات المستقبل السياسي التي سيحددها الآخر وليس أهل المنطقة.
أعتقد أن القضية بحاجة إلى تأمل ومبادرة، ومن هنا أقول لا بد من أن تدفع القوى الشعبية والتيارات الفكرية باستمرار نحو وحدة اليمن مع دول مجلس التعاون خاصة بعدما أبدى المجلس مرونة لهذه القضية ورفعت واشنطن اعتراضها، لأننا نؤمن بهذه القضية كمبدأ، إضافة إلى مصلحتها لأهل الخليج. فمتى سنبدد ما تبقى من مخاوف وقد وصل القوم الذين يستبيحون هويتنا إلى سواحلنا وعمقنا الاستراتيجي، أولم نستيقظ بعد إلى أن اليمن سيقف مخلصاً لنا ولأرضنا ونحن نستبدله بمن لا تؤمن عواقبه .. إنها دعوة للتفكر..ولا بد من صنعا وان طال السفر.
في الجمعة 08 ديسمبر-كانون الأول 2006 04:42:44 م