الرئيس يمهد الطريق لـ«أحمد» ... تقرير أمريكي
بقلم/ المصدر
نشر منذ: 16 سنة و 6 أشهر
الأربعاء 30 إبريل-نيسان 2008 04:28 م

ما هو مستقبل اليمن؟ سؤال يؤرق الكثير داخل اليمن وخارجها. وفي نفس الوقت، تعددت الإجابات على هذا التساؤل المقلق والمخيف.

في السطور التالية يتحدث تقرير أمريكي عن سيناريوهات مستقبل اليمن، وتكمن أهمية التقرير في صدوره عن "دورية المصالح الأمريكية" التي تم تأسيسها عام 2005، ويرأس تحريرها "فرانسيس فوكوياما" أحد أبرز المفكرين السياسيين المرشدين لقادة الإدارة الأمريكية الحالية.

ويقدم التقرير الذي تم الإفراج عنه مؤخراً معالم لمستقبل اليمن إلى جانب تشخيص جوانب الأزمة التي تمر بها بلادنا.

ويبدأ بتقديم لمحة تاريخية موجزة عن اليمن، مشيراً إلى أن صنعاء تعد أول مدينة بنيت بعد الطوفان الذي أغرق قوم نوح، حيث قام سام بن نوح ببناء صنعاء مدينة له.

أما بالنسبة لتاريخ اليمن الحديث، فيقول التقرير أنه اتسم بالفوضى والاضطراب في أحسن أحواله، حيث كان ميناء عدن ومعظم المناطق الجنوبية تعد أراضٍ مستعمرة بريطانياً منذ عام 1839 وحتى ستينات القرن الماضي. أما بقية أجزاء البلاد -بما في ذلك صنعاء- فإنها بقيت متحررة نسبياً من النفوذ الاستعماري المباشر، لكنها لم تكن كذلك فيما يتعلق بالفوضى الملكية والقبلية ومكائد وتدخل جيران اليمن.

طبقاً للتقرير فبعد اندحار البريطانيين عن عدن عام 1967 كان جنوب اليمن في أيدي خليط من الثوريين والماركسيين الذين قاموا بتأسيس جمهورية اليمن الديمقراطية عام 1970. كانت هذه الدولة الماركسية تعد ربيبة الاتحاد السوفييتي في العالم العربي من الناحية الايديولوجية. وفي عام 1990 وبعد فقدان اليمن الديمقراطي لراعيها السوفييتي فقد اتحدت مع جارتها الشمالية، التي قال انها لم تكن تمثل أي نموذج للاستقرار السياسي إذ عانت بشكل متكافئ من حكم الملكيين والجمهوريين، مروراً بالحرب الأهلية في الفترة من 1962-1970 والتي انتهت بالتدخل المصري والسعودي، لكن بحلول عام 1990 كانت الشمال أكثر قوة واستقراراً من الجنوب وتم تحقيق الوحدة بين الشطرين في مايو 1990.

عملية نهب موارد الدولة لا تشكل عائقاً للمهنة بل تعتبر مهارة شخصية

يتحدث التقرير عن الفساد في اليمن بصفته أكثر سلعة يكثر حولها الجدل مستدلاً بحكاية طريفة ذكرها "بول درستشي" في كتابه "تاريخ اليمن الحديث" حيث قال "أن مسؤولاً تم إلقاء القبض عليه وهو يقوم بسرقة ونهب شركة نفط في بلده، لكنه لم يتم إيداعه السجن أو حتى إجباره على إرجاع ما أخذه ولكن على العكس تم تعيينه سفيراً في عاصمة أوروبية"!.

واعتبر التقرير أن عملية النهب الناجحة لموارد الدولة لا تشكل عائقاً للمهنة في المجتمع اليمني لكنها تعتبر إلى حد كبير مهارة شخصية، حيث أن كل شخص في السلطة يعد متورطاً في الفساد مما يعني أنه ليس هناك شخص مذنب بحد ذاته، مؤكداً أن الفساد في اليمن أصبح متجذراً ويحظى بالرعاية، وعندما يشارك فيه أولئك الذين يتربعون في المناصب الكبيرة فإنه يجب على أولئك المصنفين ضمن الوظائف الوسطى والدنيا أن يحذوا حذوا أولئك المسؤولين من أجل البقاء.

ويؤكد التقرير أن الفساد المستشري أصبح مرتبطاً باليمن، مدللاً على ذلك بأنه في زيارة الرئيس صالح للولايات المتحدة في نوفمبر 2005 تم إبلاغه أن الحكومة الأمريكية والبنك الدولي سيقومان بتقليص الدعم المخصص لليمن بسبب ارتفاع مستوى الفساد، ويبدو أن اليمن وفقاً للتقرير قد أخذت تلك الرسالة على محمل الجد ولو حتى من ناحية شكلية حيث انتشرت في كافة أرجاء العاصمة صنعاء لوحات كبيرة تدعو لمحاربة الفساد وأنه لا يجب السكوت على الفساد، لكن التقرير يتساءل لا يزال، ما هي الآثار التي تركتها حملة صالح ضد الفساد؟!

وتحدث التقرير عن عدن المدينة التي كانت تنافس نيويورك وليفربول كأحد أكثر موانئ العالم اكتظاظاً بالسفن في خمسينات القرن الماضي، لكنها أصبحت الآن مجرد قشرة من حالتها السابقة بحلول عام 1994، حيث أن مباني الاسمنت المهترئة ومصنع البيرة تقف كمعالم تذكارية ترمز للجنوب الأيديولوجي والحرب الأهلية.

 

ويضيف التقرير: منذ عام 1994 يقوم النظام بتعيين مسؤولين في مناطق ومدن الجنوب يقومون بعملية نهب منظمة للأموال العامة كما قاموا بسرقة الأراضي، وبعضهم قاموا بتحويل أموالهم التي اكتسبوها بطريقة غير مشروعة إلى مصدر للربح من خلال المجازفة والمحاولات المحمومة لتطوير ذواتهم، أما ساحل المدينة الذي كان في يوم ما مزداناً بألوان الطيف قد أصبح الآن يعج بالمنازل والأكوام الإسمنتية التي صممت كمنازل سياحية ذات طابق واحد.

الشيخ الزنداني هو الوحيد الذي أخذ مسألة الإيدز محمل الجد

التقرير يشير إلى مشاعر الخوف والإحباط التي تسيطر على صنعاء كمكان يوشك أن ينهار آخذاً معه بقية مناطق اليمن، مؤكداً أن اليمن يمكن أن تصبح الحالة الأولى لما يحدث عندما تعاني دولة عربية ما من نضوب النفط والماء حتى وهي تواجه ارتفاع معدل البطالة والسخط العارم الذي سببه الفقر المتفشي والمشوب بالفساد، وحكومة مركزية ضعيفة جداً لا تستطيع التعامل بشكل فاعل مع تلك المشاكل أو غيرها، إضافة إلى أن التحولات القادمة في قيادة المفاصل الثلاثة الرئيسية للسلطة توحي – بحسب التقرير – بانعدام عاصمة سياسية تواجه التحديات.

التقرير يحذر من مشكلات بعينها يصفها بـ"القنابل الموقوتة التي لو انفجرت فإن اليمن سوف ينتقل من مرحلة الدولة الهشة إلى مرحلة الدولة الفاشلة كلياً".

المشكلة التي تتصدر قائمة مشاكل اليمن على المدى القريب طبقاً للتقرير هي مشكلة التناقص السريع في الاحتياطات النفطية؛ حيث يقدر البنك الدولي أن إنتاج اليمن من النفط سوف ينضب في السنوات القليلة القادمة فقد انخفض ذلك الإنتاج في عام 2004 بمعدل 5.9%، وفي عام 2005 انخفض بمعدل 4.7%، وفي 2006 قدر إنتاج اليمن من النفط بـ386 ألف برميل يومياً، مما يعني حصول انخفاض مقداره 25 ألف برميل يومياً مقارنة بالإنتاج في 2005. ومع استمرار المستوى الحالي في الإنتاج فإن اليمن سوف تعاني من نضوب النفط في غضون السنوات الخمس القادمة. وإذا تم تقليص الإنتاج بشكل بطيء وهو ما يبدو أنه يحدث الآن؛ فإن البلاد يمكن أن تستمر في تصدير النفط لمدة اثني عشر عاماً أخرى، وهناك بالطبع إمكانية لحدوث استكشافات نفطية جديدة، لكن الحكومة وشركات النفط تعتقدان أن فرص الاستكشافات تلك تعتبر قليلة. ونتيجة لذلك يخلص التقرير: " مادام النفط يشكل 75% تقريباً من الميزانية السنوية لليمن والبالغة 5.6 مليار دولار تقريباً، فإنه من الواضح أن فقدان مصدر الدخل هذا سوف يكون له نتائج كارثية!".

الوضع المائي لا يقل كارثية عن الوضع النفطي في البلاد؛ حيث كان معدل الفرد في اليمن من المياه في عام 2002 لا يتجاوز 2% فقط من المتوسط العالمي، ومع مضي ست سنوات لا تزال المشاكل المائية تتفاقم دون وجود أية حلول لها، كما أن مدينة صنعاء العاصمة التي يقطنها حوالي 2 مليون نسمة ربما تكون أول عاصمة في العالم تعاني من نضوب الماء حيث يتناقص مستوى المياه الجوفية في العاصمة بمعدل ستة أمتار في العام، كما أن فقدان المياه الجوفية قد أثر بشدة على الزراعة في اليمن، البلد الذي كان في الجيل الماضي يستطيع توفير الغذاء لكنه أصبح الآن يستورد أكثر من 80%من الحبوب الموجودة في أسواقه. وأكد التقرير أن اليمنيين سيعانون من أزمة مائية شديدة في العقدين القادمين.

التقرير يعتبر مشكلة "الإيدز" من القنابل الموقوتة في اليمن، وإذ يشير إلى أن الحكومة اعترفت بأن اليمن تعاني من مشكلة الإيدز، ينقل عن تقارير تذكر أن هناك 5 آلاف حالة إيدز في اليمن؛ لكن منظمة الصحة العالمية تقدر بأن حالات الإيدز تتجاوز الرقم المذكور بحوالي 15 مرة.

وقال التقرير: "الغريب أن الشيخ الزنداني فقط هو الوحيد الذي أخذ مسألة الإيدز على محمل الجد حيث أنه مصمم على أنه يستطيع معالجة مرض الإيدز ولا تزال قضية منحه براءة اختراع علاج الإيدز عالقة".

النخبة تسكن أحياء مبهرجة بينما المجتمع في شوارع تعج بأكوام البلاستيك

يسهب التقرير في الحديث عن البنية التحتية لليمن وتدنيها وعدم مقدرتها على مواجهة متطلبات السكان المتزايدة، حيث لا تصل خدمة الكهرباء إلا لحوالي 40% فقط من السكان. وحتى في صنعاء التي يكثر فيها استهلاك الكهرباء، فإن انقطاع الكهرباء بشكل يومي أصبح عادة أو عرفاً. ويتزايد الإحباط لدى الناس وخاصة التجار المحليين بسبب إدراكهم أن ذلك الانقطاع يحدث في جميع مناطق اليمن ما عدا منطقة حدة الراقية التي يسكن فيها أغلب المسؤولين الكبار حيث المنازل الحجرية المرتفعة والمشهورة والتصاميم الحديثة المبهرجة الخاصة بالأذواق المعاصرة لأفراد النخبة، حيث يمتلك مسؤولو الحكومة – حسب التقرير – مجمعات سكنية ذات بوابات رئيسية تكلف ملايين الدولارات وبداخلها سيارات باهظة الكلفة وتقع تلك المجمعات في شوارع يعج بأكوام الأكياس البلاستيكية السوداء التي يطلق عليها البعض "الطائر الرسمي في اليمن".

أما بالنسبة للتعليم، فيتحدث التقرير عن تدني العملية التعليمية، مشيراً إلى انخفاض نسبة تعليم الإناث حيث تصل إلى 25% فقط وهي من أكثر النسب انخفاضاً في العالم، إلى جانب أن المدارس اليمنية في المناطق الحضرية مزدحمة جداً وفي بعض الحالات يوجد في الفصل الواحد أكثر من 100 طالب، إضافة إلى قلة المدارس في المناطق الريفية، أما المدرسون فقد فقدوا الأمل منذ وقت طويل فيما يتعلق بنشر المعرفة، حيث تركوا التدريس واتجهوا للقطاع الخاص من أجل الحصول على وظائف مريحة مادياً. ويسرد التقرير قصة للتدليل على مدى اليأس الذي وصل إليه الناس، حيث يقول: "حتى الحراس الذين يمارسون مهنة الحراسة خارج المباني المدرسية مثل مدرسة سيف بن ذي يزن في مركز العاصمة صنعاء يبدو أنهم قد استسلموا للوضع لقد رأيتهم يمنعون الأولاد من التسلل من البوابة أثناء فترة الراحة، بينما يتجاهلون أولئك الذين يتسلقون عبر فتحة في جدار المبنى على بعد أمتار قليلة من أولئك الحراس، حيث قال أحدهم "إنني أتقاضى راتباً لمراقبة البوابة فقط!".

أما بالنسبة للبطالة، فيشير التقرير أن في بلد كاليمن يعيش فيه 42% من السكان تحت خط الفقر. وتعتبر الحكومة أكبر مصدر للوظائف حيث توفر ما يقارب 40% من الوظائف، ولذلك فإن أي تقليص في التوظيف الجديد وكذلك تصفية الوظائف الحالية سوف يزيد بدرجة كبيرة من معدلات البطالة وذلك بدوره سوف يؤثر على الاستثمار الخارجي، وفي النهاية سيؤثر أيضاً على استقرار البلاد حيث يجب على الحكومة أن تتعامل مع 50 ألفاً من المتقدمين الجدد في القوى العاملة سنوياً، وهو رقم سينمو في المستقبل ما دام أكثر من نصف سكان اليمن لا يزالون تحت سن 15 عاماً.

 

 

الرئيس خفض التعاون بعد أن أفشت "البنتاجون" سره

يعد التقرير مشكلة الإرهاب في اليمن من التحديات الخطيرة التي تواجهها اليمن، ويؤكد أنه إذا تحولت الدولة في اليمن إلى دولة فاشلة فإن ذلك يعني ضمنياً أن اليمن يمكن أن تصبح ملاذاً آمناً للإرهابيين.

ويؤكد التقرير أن الدبلوماسيين الأمريكيين في صنعاء يحذرون من تلك العلل. ويعتبر التقرير تعيين السفير أدموند هول ليكون أول سفير أمريكي في اليمن بعد أحداث 11 سبتمبر والذي يعد خبيراً في مكافحة الإرهاب ليشغل ذلك المنصب يوحي بأن السياسة الأمريكية في الحافة الجنوبية لشبه الجزيرة العربية تركز على الحرب على الإرهاب بشكل استبعدت معه جميع الأمور الأخرى. ويؤكد التقرير بأنه ما دام أن الحكومة اليمنية تتعاون أو تواصل هاجس التعاون على تلك الجبهة فسوف يتم الصفح عن أي شيء آخر أو ربما نسيانه، وهذا بحد ذاته مشكلة -حسب تأكيد التقرير.

ويسرد التقرير قصة من أسماهم بالأفغان العرب ونجاح التجربة اليمنية في استيعابهم ضمن النظام السياسي، حيث تمكنت الحكومة اليمنية من تنظيمهم واستيعابهم في قوة شبه عسكرية فعالة لإفشال محاولة انفصال الجنوب في حرب 1994، وقد أثمرت هذه التجربة إلا أنه كما كان متوقعاً – حسب التقرير – فقد كان لذلك نتائج غير متوقعة حيث قام مجموعة من الأفغان العرب بمهاجمة المدمرة الأمريكية كول في أكتوبر 2000 بينما كانت تتزود بالوقود وفي عدن، كما قاموا بمهاجمة ناقلة النفط الفرنسية ليمبرج في أكتوبر 2002. وأكد التقرير أن الحكومة اليمنية قد قامت في أوائل 2002 باستدعاء قوات خاصة أمريكية كمستشارين عسكريين ومدربين لقوات الأمن اليمنية، وبعد الهجوم على ليمبرج تعاونت الحكومة اليمنية مع أمريكا عندما قامت طائرة أمريكية في نوفمبر 2002 بقتل قائد سنان الحارثي الذي يشتبه في كونه زعيم القاعدة في اليمن وخمسة من رفاقه.

وأضاف التقرير: "لكن اليمن دفعت ثمناً باهظاً على الساحة المحلية بسبب سماحها للولايات المتحدة بالقيام بضربة عسكرية داخل حدودها، كما أن الرئيس صالح قد خفض من تعاون اليمن مع الولايات المتحدة الأمريكية عندما شعر أن وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" قد خانته عندما أفشت السر المتعلق بالاتفاقية السرية بين البلدين لقتل الحارثي.

وعندما ألقت الشرطة اليمنية القبض على محمد حمدي الأهدل الذي خلف الحارثي في عام 2003، رفض صالح السماح للمسؤولين الأمريكيين بالتحقيق المباشر مع الأهدل، وجاء هذا الرفض على خلفية سلسلة من التفجيرات في صنعاء عام 2002 التي شكلت تهديداً لحكومة صالح، ومنذ ذلك الحين يبدو أن صالح وأعوانه قد توصلوا إلى اتفاقية ضمنية مع هذه التنظيمات تضمن عدم اعتداء أي منهم على الآخر، وتنص هذه الاتفاقية على أن اليمن سوف تتعقب مجموعة من الأفراد عندما تزودها الولايات المتحدة بأسمائهم، لكنها لن تقوم بتفكيك تلك الجماعات إذا لم تقم بمهاجمة الحكومة. وأكد التقرير أن هذه الترتيبات لن تكون مستقرة ولن تستمر على الأرجح حتى لو تمكن الرئيس صالح في الوقت الحاضر من تجاوز الضغوط التي تمارسها واشنطن والمعارضة الداخلية.

صادق وأحمد لا يمتلكان الخبرة والدعم كي يمارسان الحكم دون مساعدة والديهما

يرى التقرير أن ثلاث دورات انتخابية لبرلمان مكون من 301 عضو؛ تترك انطباعاً لدى المراقبين الأجانب أن المؤسسات السياسية الرسمية تعتبر مهمة في اليمن، لكن الواقع غير ذلك مطلقاً حيث أن المفاصل الثلاثة الرئيسية للسلطة ليست السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وإنما "الحكومة، الجيش، القبائل".

ويقول التقرير الذي صدر قبل أكثر من ستة أشهر ان كل مفصل من المفاصل السابقة يدار من قبل شخص واحد؛ حيث تدار الحكومة وحزبها المؤتمر الشعبي العام من قبل الرئيس صالح، بينما يسيطر علي محسن الأحمر على الجيش من خلال سلسلة من الروابط العائلية والشخصية، أما المفصل الأكثر قوة "القبائل" فيتزعمه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر (التقرير صدر قبل وفاته).

يضيف التقرير:"أولئك الأشخاص الثلاثة هم من يحكم اليمن"، وتلك المفاصل لا تتكلم بصوت واحد لكنها تحظى بولاء كبير وسلطة أقوى من تلك التي تمتلكها الأحزاب السياسية التي تبدو أنها للعرض فقط في معظم الأحوال، أما وراء الكواليس فإن روابط العائلة والقبيلة تعتبر مهمة أكثر.

وأكد التقرير أن انتقال السلطة في اليمن يجري من خلال ما أسماه "التعاقب الأسري" في إطار تلك المفاصل، وللتدليل على هذه النتيجة يورد كاتب التقرير الاستدلالات التالية:

عمر الرئيس صالح يبلغ الآن حوالي 65 عاماً، وبعد الانتصار الذي أحرزه في انتخابات ديسمبر 2006 سوف يبقى في السلطة حتى عام 2013، لينهي بذلك فترة 35 عاماً في السلطة، حيث سيستغل صالح فترته الأخيرة في السلطة ليضع الأساس لولده أحمد كي يخلفه في الحكم. لكن أحمد لا يحظى بدعم شعبي كبير حيث تشكك صحافة المعارضة بقدراته، ومزاجه، وعدم نضجه، وقد تخرج من أكاديميتين عسكريتين في الأردن وبريطانيا، وكان عضواً في البرلمان، وفي عام 1999 عينه والده قائداً للحرس الجمهوري والقوات الخاصة، وهو – حسب التقرير – ما أغضب علي محسن الذي يشاع أنه يضع عينه على منصب الرئاسة.

في نفس العام يتابع التقرير فقد علي محسن نصيرين قويين في الجيش في حادث تحطم طائرة مروحية هما أحمد فرج -نائب رئيس هيئة الأركان، ومحمد إسماعيل- قائد المنطقة الشرقية.

ويضيف التقرير: "لقد بدأ صالح في تفكيك وحدات الجيش وإزاحة الضباط الموالين لعلي محسن، وقد يستغرق سنوات، وإذا نجح في ذلك فسوف يصبح الطريق ممهداً أمام أحمد للوصول إلى الرئاسة. كما أن أحمد قام باتخاذ خطوات متزامنة لتلميع صورته أمام الشعب ولتعزيز الدعم في الجيش مثل القيام بأعمال أعراس جماعية، وأحداث خاصة بالعلاقات العامة، وكل تلك الأنشطة يتم تغطيتها بشكل جيد من قبل وسائل الإعلام.

وتوقع التقرير أنه خلال الفترة القليلة القادمة سوف يتم توظيف كامل لبطانة جديدة من طراز خاص.

أما على المفصل الآخر (القبيلة)، فقد أكد التقرير -الذي تم إعداده قبل وفاة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رحمه الله- أن الشيخ عمل على إعداد ابنه الأكبر صادق لكي يخلفه كزعيم لتجمع حاشد القبلي الذي يعتبر التجمع القبلي الأصغر في اليمن، لكنه يعتبر أفضل تنظيماً من تجمع بكيل. وقد تزعم الشيخ عبدالله حاشد لأكثر من 40 سنة، وأثناء تلك الفترة تمكن من تشكيل العديد من التحالفات لدعم صعود ولده صادق إلى السلطة.

ورغم قول التقرير أن أحمد وصادق " لا يمتلكان الخبرة والدعم كي يمارسا الحكم دون مساعدة والديهما"، فإنه يتوقع أن يستمر كل من أحمد وصادق في النمو وصولاً إلى أداء أدوارهما؛ كما هو عليه الحال في أزمتي نضوب الماء والنفط اللتين تواجههما اليمن واللتان وصلت إلى مرحلة الانهيار.

 

ويضيف: ولكونهما شابين وعديمي الخبرة فسوف يؤديان مهامها دون الاعتماد على الدعم الشعبي الذي مكن أبويهما من البقاء في السلطة رغم الأخطاء. ويصدر التقرير حكماً ختامياًَ في هذه النقطة بقوله: "لما سبق فإن قدرة كل من أحمد وصادق في إبقاء البلاد موحدة في أوقات الشدائد تعتبر محل شك".

تهامة ستحصل على استقلال ذاتي وحضرموت سيتم ابتلاعها من قبل السعودية

في ختام تقرير المصالح الأمريكية يرد التساؤل حول سيناريوهات لمستقبل اليمن؟ ويجيب أن البلاد تتجه نحو التشرذم والحرب الأهلية لعدد من الأسباب أهمها أن النفوذ الحكومي لا يمتد على أغلب المناطق اليمنية الصحراوية وشبه الساحلية، وفي حالة نضوب موارد الحكومة فإن سلطتها سوف تنحسر إلى جيوب حضرية صغيرة.

ويشير التقرير إلى قيام الحكومة في الأعوام الأخيرة بخوض معارك مع حركة تمرد صغيرة في مدينة صعدة قادها عضو البرلمان السابق حسين بدر الدين الحوثي، ووصف التقرير هذا التمرد بأنه يكتنفه الغموض والسرية إذ منعت الصحفيين من الذهاب إلى منطقة التمرد، لكن هناك تقديرات مستقلة تقول بأن تلك الحرب قد كلفت الحكومة أكثر من مليار دولار.

وبنظرة مغايرة لما يتوقعه الكثير، فإن التقرير يؤكد أن تهامة الساحلية ومحافظة حضرموت الغنية نسبياً مؤهلتان للتفكك، حيث ان منطقة تهامة الموبوءة بالملاريا والذي يشبه سهلها الساحلي المغطى بالأشجار شرق أفريقيا أكثر من غيره من مناطق اليمن يفتقد السلطة المالية والعسكرية التي تمكنه من الانفصال، ولكن في حالة ضعف سلطة الحكومة بسبب الأزمة الاقتصادية فإن تهامة يمكن أن تحصل على استقلال ذاتي هام حيث لديها تجارة سوق سوداء منعشة من أفريقيا، وإذا قاد المرء سيارته في الساحل فربما يرى فقط مهربي الكحول أكثر مما يرى جنود الحكومة، ويتذمر أهل تهامة من تحيز الحكومة الواضح ضدهم ويثبتون ذلك بالقول أن أكبر منصب حكومي شغله شخص من تهامة هو منصب وزير الزراعة.

أما بالنسبة لحضرموت فيقول التقرير: "أما حضرموت التي تعتبر كياناً منفصلاً من الناحية التاريخية فهي قصة مختلفة تماماً، فحضرموت في الوقت المعاصر قد فرت من لعنة الماضي، فلديها ثروة كبيرة مصدرها في الغالب الحضارمة الذين يعيشون في السعودية واندونيسيا، ولديها رغبة بسيطة لخوض صراع طويل من أجل الانفصال".

ويشير التقرير إلى أن الكثيرين في صنعاء يعتقدون أن التجار الحضارم لديهم خطط طوارئ للانسحاب من الدولة في حال عدم قدرة الحكومة على الحكم، وهناك احتمال آخر – حسب ما يرى التقرير – أن حضرموت سوف يتم ابتلاعها من قبل السعودية كما حدث في السابق للإقليم اليمني عسير الذي سقط في أيدي السعوديين عام 1934.

المواقف الخارجية

يطرح التقرير تساؤلاً هاماً وجوهرياً حول كيفية رد الفعل السعودي والأمريكي تجاه الأزمة القادمة في اليمن؟

ويرى التقرير أن الدور السعودي يعد أحد الأوراق الرئيسية في مستقبل اليمن حيث مارست السعودية نفوذاً كبيراً على جارتها الجنوبية أثناء الأربعين السنة الماضية وذلك عن طريق دعم الانقسامات الفئوية والتي حالت دون تمكن أي من الحكومة أو القبائل أو الجيش من تحقيق سيطرة تامة على الوضع، وبمعنى آخر – حسب تقرير المصالح الأمريكية – فإن المملكة السعودية لديها رغبة تقليدية في أن تستمر حالة من عدم الاستقرار في اليمن لكنها لا ترغب في حدوث فوضى شاملة. 
 

ويؤكد أنه ليس من الواضح ما هي السياسة التي سوف تتبعها السعودية إذا بدأت جارتها في التفكك، لكن ربما يسعى السعوديون إلى الاستيلاء على أراضٍ يمنية خصوصاً تلك الغنية بالنفط والواقعة على الحدود اليمنية-السعودية، وربما يسعون أيضاً إلى ممارسة النفوذ في البلاد.

ويضيف: إذا كانت تلك هي سياسة الرياض فإن الدولة اليمنية لن تبقى على الصورة التي تعرفها اليمن ولكن من الذي سوف يلتقط القطع الصغيرة الناتجة عن تفكك الدولة؟

بحسب التقرير، الفرصة سانحة أمام المتطرفين الذين يبحثون عن ملاذ نهائي لكي يحلوا محل الحكومة المتسارعة في التداعي والسقوط، وسوف يشعر السعوديون حينها بالندم لمساهمتهم في هذا الوضع!

هذا بالنسبة للموقف السعودي حسب ما جاء في التقرير. أما الموقف الآخر الذي ركز عليه فهو الموقف الأمريكي؛ حيث أكد التقرير أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر ذلك التحول في الأحداث اليمنية أمراً كارثياً وسوف تتحمل أمريكا مراقبة اليمن مراقبة دقيقة، وهناك جهود خلاقة ومستمرة في مساعدة اليمن على التعامل مع التحديات القادمة وخاصة الاقتصادية والاجتماعية.

وأشار التقرير إلى أن أمام الولايات المتحدة فترة تتراوح بين خمس إلى خمس عشرة سنة كي تحدث فرقاً واضحاً في اليمن، وسوف تحتاج في كل تلك الفترة على الأرجح لتحقيق ذلك. ويختتم التقرير سطوره بالتالي: "مهما كان ثمن تلك المساعدة الأمريكية لليمن فإنه سيبدو تافهاً مقارنة بالثمن الذي سوف تدفعه أمريكا في حال صارت اليمن دولة فاشلة".