تقرير أممي يؤكد تمرد الانتقالي عسكرياً على الشرعية مأرب تحتشد تضامناً مع غزة وتنديدا باستمرار حرب الإبادة الاسرائيلية مباحثات يمنية سعوديه بخصوص إجراءات سير تأشيرات العمرة اجراءات حكومية رادعة ضد محلات الصرافة المخالفة والمضاربين بالعملة في جميع المحافظات المحررة حشود هادرة بمحافظة تعز تنديدا بجرائم الابادة والتهجير بقطاع غزة الذكاء الاصطناعي يورط عملاق التكنولوجيا «تسلا» ويقودها للمحاكمة عبر القضاء كلاب آلية تنظف أحد الجبال المصنفة ضمن قوائم التراث العالمي رابطة اللاعبين المحترفين تكشف عن المرشحين لجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لشهر أكتوبر دولة خليجية تبدأ بسحب الجنسية من المئات من مطلقات مواطنيها الإنذار المبكر ينشر توقعات الطقس خلال الساعات الـ24 القادمة في 11 محافظة يمنية
الحديثُ عن الشَّخصيات مؤذنٌ باستدعاءِ داءِ التَّصنيف، وإني امرؤٌ أكرهُ «أن أُصنَّف»، لكن سأتجاوز التهمة التي قد أُرمَىٰ بها انتصارًا لما أراهُ حقًّا، وما الشَّجاعة إن لم نقل ما ينبغي أن يُقال في المقامِ المناسب؟!
عاش اليمن تحتَ الرَّماد سنين طوالًا، وعندما خرجَ إلىٰ العالم، ظهرَ منه بضعة رجال، مثلوا اليمن في كلِّ محفل وناد، خرجَ «البردوني» باليمنِ الكبير إلىٰ محافلِ الشِّعر، وظهر «المقالح» المثقف الأديب في الحياةِ الأدبيةِ العربية، وبزغَ نجمُ «عبد المجيد الزنداني» شيخُ العلم، وحامل همِّ الأمَّة، والوطن، والدعوة، الرجل الذي عرفته الميادين شرقًا وغربًا.
قلةٌ من رجالاتِ اليمن عُرِفوا عربيًّا ودوليًا، أحدهم الزنداني، تنقلَ بينَ البلدان، التقىٰ العلماء، والأمراء، والسَّاسة، وفي كل مكانٍ يحطُّ فيه الرحال؛ تجده صاحب هم، وفكرة، ومشروع، وهو من القلة التي (جُمِعَ) لها ما تفرَّقَ في غيرها، جَمعَ شرفَ العلم، ودهاء السِّياسة، وشموخ القبيلة، ونخوة العربي، ولمّا كانَ الرجل عريقًا في كلِّ تاريخه المليء بالحركة، والإنجاز، والعمل؛ تعدَّدَ الخصوم بتعددِ المَلَكات، فلا أعرفُ يمنيًّا ظُلِمَ من النخبة، والعامَّة، مثل الزنداني؛ وحقُّه التكريم والإجلال!
اجترحَ ميادين عدة، ودخلَ في صراعٍ محتدم، وكان ثمة ثمنٌ يدفعه لكلِّ موقفٍ مشرِّف، يقدمُ عليه؛ وكفىٰ بالمرءِ شجاعة وفخرًا أن يكونَ رجلًا في كلِّ مراحلِ حياته، يعيشُ لفكرته، ويقبلُ الخسارة فيما لم يوفَّق فيه. لكن خصومه وقفوا عند بعض أخطاءِ الرجل، ختموا تاريخه، دمغوه بالسواد، أقفلوا الباب، وراحوا ينوحون، ويشغبون، ويطمسون وجه الحقيقة، ويغطون الشَّمس بأيديهم الصَّغيرة، ظنًّا منهم أنهم يحجبونَ النور.. وأنَّىٰ لهم ذلك؟!
خاصمه السَّاسة؛ لأنهم أدركوا تأثيره، ومشروعه في إحلالِ مركزية الشَّريعة في قلبِ الحكم، وخاصمه بعض العلماء، لأنَّ الرجل أكبر من الخلاف، ورؤيته للعلم أعظم من اجترار بعضِ الأوهام، وخاصمه العامَّة؛ لأنهم ضحايا السِّياسي النفعي، وبعض أدعياء العلمِ والثقافة. أشاحَ الرجلُ عن كلِّ خصومه، ومضىٰ في سبيل الله عاملًا لا يقصدُ إلا اللهَ وحده!
زارَ جامعات إسلامية في الشَّرقِ والغرب، ثمَّ عصرَ كل الأفكار والرؤى، وخرجَ إلىٰ العالم (بجامعةِ الإيمان) العامِرة، مهبط العلم، موئل العلماء، ومحظرة الفقهاء، وبقعة الاجتهاد، جعلَ منها محرابًا للتِّلاوة، وزاويةً للمريد، ومركزًا للباحث، ومحضنًا للتربية. كانت مدينةَ العلم التي وصلَ صداها إلىٰ العالم، وإحدىٰ مفاخر اليمن، لو كانوا يعقلون!
فتِّش في كلِّ زوايا الأرض، ستجد برعمًا بزغَ من جامعةِ الإيمان، ستجدُ حارسًا للعلم؛ يمارسُ دوره التنويري في نشرِ المعرفة، والدَّعوة، وإصلاحِ الإنسان، لقد كانت بذرة مباركة آتتْ أكلها، وحتىٰ يدركُ الجيل أهميتها، فليرجع إلىٰ التاريخ القريبِ المعاصر، ويسأل نفسه: «لماذا كانت الجامعة المستَهدَف الأول عندما سقطَ اليمن في براثنِ الإمامة؟» لأنها بنيان العلم الشَّامخ، موطن بناءِ الرجال، ومشعل النور الذي أضاءَ في قلبِ القبيلة، المشكاة المباركة التي وصلت إلىٰ الجبال، والهضاب، والقرىٰ النائية، والسُّهول، والنُّجوع، لقد كانت الجامعة امتدادًا مباركًا لكلِّ مراكزِ العلمِ في حواضرِ العالم منذ أربعة عشر قرنًا.
لمكانة الرجل بينَ محبيه وخصومه، كانَ الصَّحفي المغمور إذا أراد الشُّهرة؛ نالَ من الشيخ، وأقذعَ له اللفظ، وأوغلَ في الكذب، والصحيفة الخاملة تعيشُ من أخبارِ الشَّيخ، ولو كانت كذبًا، بل، تحيا بعض القضايا؛ لأنها متعلقة به، ولو كان أصلها الزيف، يكفي أنه أحد أطرافها، حضوره قمنٌ بإحياءِ أي دعوى، ولو كانت منسوجة بأحرفِ البهتان والزور.
رجل بهذه المكانة، وهذا الحضور، ماذا تنقمون منه أيها القوم؟
وهو فخرُ الرجال، وشيخُ العلماء، وصوتُ الضَّمير، وخادم العلم، ومربي الفضلاء، وتاريخُ التَّاريخ، وأحد صنَّاعِه الكبار، أحد جبال اليمن الكبير، يعرفُ قيمته الرجال، وتعرفه العقول الوزانة في كلِّ مكان.
لا يعني هذا أنه بلا أخطاء؛ فهذا لا يقولهُ إلا بليد، وإنما الرجلُ النبيل، العامل، الحامل لهمِّ الفكرة ينبغي أن يُحمَل علىٰ الأكتاف ولو كانَ مخالفًا، فدفنُ فضل أهلِ الفضل والمكارم (من أي توجهٍ كان)؛ نكرانٌ لا يليقُ بعاقلٍ نبيل، ليكن الرجل منَّا من يكون، ما دام مخلصًا لوطنه، نافعًا للخلق، باذلًا من عمره في سبيل فكرته. لا ينبغي أن يهال عليه تراب القطيعة، والنسيان؛ فلا يهضم حق الرجال إلا ناقص. ومن السفه أن تسيء إلىٰ رجلٍ عظيم المكارم؛ إرضاء للسُّفهاء، وبعض سقَطِ المتاع من الساسة والنخب البائسة التي أطفأ الشيخ كل نور توهموه نورًا!
ما تمنيتُ أن تُدوَّنَ سيرة ذاتية لرجلٍ يمني كما تمنيتُ لسيرة هذا الرجل، لكنه لم يكتب شيئًا فيما أعلم، وها هو الآن في لحظات حرجة، مخوفة، يصارعُ الحياة، كما صارعها مذ مضىٰ في طريقهِ إلىٰ الله.
إياكم أن تدفنوا محاسن كباركم، فكل فضيلةٍ تُدفن، يحيا عليها وغدٌ ألِف التسلُّق علىٰ أكتافِ الرجال، لنكن شرفاءَ حتىٰ في خصوماتنا، وخلافنا، لنعطِ كل ذي حقٍّ حقه؛ لأننا سنكتشفُ في يومٍ ما أنَّ كل عظيم تربَّصَ به خصمه، أغلقَ دونه باب التاريخ، وطمسَ محامده، لنبقىٰ في العراء بلا نموذج أو سيرة تستحقُّ أن تُروَىٰ في ليالي المجد الطويل!