( الرموز تحمل قيمتها في موتها .. ووحده تاريخ الشهداء القابل للكتابة )
لن أكتب فيك نعيا ، أو عزاء ، بل سأحاول أسترد روحي العالقة منذ صاعقة نبأ استشهادك ..
أحاول دحرجة دموعي المتجمدة في عيني والتي لم تجرؤ على تصديق خبر الفاجعة ..
لن أكتب عن أستشهادك فأنت من القلائل الذين اختاروا أسلوب حياتهم وطريقة موتهم ..
لقد كنت تلازم الموت في كل وقتك ، فلم تكن تخشاه .. لدرجة أصبح صديقك المقرب ..
صدمني خبر رحيلك رغم أني من أتصلت بإبنك هشام لطمأنته بأنك لازلت بخير وكنت في الحقيقة أكذب على نفسي المضطربة لكن كلمات هشام وتتابع اسئلته أربكتني وخانتني ارادتي وهو يقول بصوت فيه من الحزن واللوعة والألم ( ارجوك طمني على أبي .. قل لي انه بخير .. قل لي انه سيعيش .. لن أستطع العيش بعد أبي .. لا طعم للحياة بعده ) واجهش بالبكاء .. عندها ألجم الحزن والاشفاق لساني ومسكت دموعي الصامتة وأنقبض قلبي في لحظة صمت عندها زاد نشيج هشام فنزعت بعض كلمات المواساة من صدري المحترق ابتلعت الغصة في حلقي وانا اقول له ( تذرع بالصبر ياهشام .. أذكر ربك .. أبوك لم يمت .. أنت رجل شجاع وكبير اخوانك كن عونا لاخوتك .. ولم استطع أن اكمل المكالمة ..
أبا هشام لم امتلك الشجاعة الكافية لألقي عليك نظرة الوداع في ثلاجة الموتى بمأرب ..
كنت أكذب على نفسي بأنه مجرد كابوس وأنني سأصحوا قريبا لأتصل بك واحكي لك عن كابوسي ..
ترددت كثيرا وانا انظر الى رقمك بجوالي وكلما هممت بالاتصال داهمني الخوف من الحقيقة ..
كنت انظر الى آخر رسالة منك بعد أن شكيت لك وجع الزمن وتطاول ليال القتل وتأخر النصر فرددت بقولك :
( أخي الكريم نحن نعلم انكم متعبين مثلنا لكن عزاؤنا أننا خرجنا من بيوتنا واهلنا من أجل هذا الدين وهذا يكفي وحسبنا ونعم الوكيل ونعم النصير .. )
صدقت .. حسبنا الله ونعم الوكيل ..
احتضنت ابنك البطل المصاب سعد وأنا أواسيه وأجد فيه بعضا منك ..
شعرت بالرجفة وأنا أمسك بجوالك المضرج بدمائك .. فدمغتني الحقائق وحاصرتني الحقيقة وأدركت أنك قد رحلت بلا وداع ..
( عندها داهمني ذلك البكاء الموجع الذي نسترقه سرا من رجولتنا وتساءلت أي رجلا كنت أبكيه فيك .. )
هل أبكي فيك أخي وصديقي المقرب الذي ساندني كلما احسست بقسوة الأيام وتقلبها .
أم أبكي فيك ذلك الاستاذ المربي والقدوة وذلك القلب المؤمن المتصل بربه .
أم أبكي فيك ذلك القائد العسكري البطل والمقاوم الشجاع الذي كان يتقدم صفوف المقاتلين وضحى في سبيل دينه ووطنه بماله وبيته ونفسه ..
حاول أعداء الحياة والدين والوطن تغييبك في جبهات القتال فلم يتمكنوا منذ ذلك فاغتالوك برصاص الغدر ..
قبلها فجروا منزلك لطمس كل ما يتعلق بك لكنهم لم يعرفوا انها مجرد حجارة وانك انشأت وصنعت جيلا من الشباب سيواصلون ما بدأت به وبإذن الله سيفرح اليمنيين بتحقيق النصر على أيديهم ..
أبا هشام أنت لم تمت .. ولم يرفعك الله إليه فحسب ؛ .. ولكنك نلت مبتغاك وأبدلك الله بأوسمة ورتب الدنيا الحقيرة ، رتبة ووسام الشهادة في سبيله ..
في سبيل وطنك المختطف من عصابات الإجرام والتفجير والتهجير ..
لم تمت أخي وأستاذي بل رحل عنا جسدك وبقيت فينا روحك التي تحمل كل صفاتك العظيمة ..
لم تمت نصر بل كنت شعلة النصر التي سيتحرر بها اليمن من براثن الاجرام والطائفية والفساد ..
اعذرني قائدي البطل أبا هشام فلم استطع أن أسرد تفاصيل مواقفك الانسانية والتربوية والبطولية رغم أنها تتزاحم أمامي منذ ذلك الخبر المشؤوم ..
سأكتب عنك الكثير والكثير بإذن الله لكن ليس الآن .. فما زلت تحت تأثير الصدمة .
وكلما حاولت أن أكتب عنك شيئا منذ ارتقائك إلى بارئك شهيدا وحتى اليوم رددت ( اللهم تقبله في الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) .. وأعجز عن الكتابة ..
نصر الربية .. القائد ، المعلم ، أيها الراحل عنا ولم يكن في يده شيء سوى سلاحه وإيمانه بعدالة قضيته في الدفاع عن دينه ووطنه ..
الراحل ولا شيء في جيبه سوى حزمة أوراق مخضبة بالدماء لا قيمة لها ..
الراحل ولا شيء على كتفه سوى وسام الشهادة ..
أيها الراحل عنا لم تمت .. بل أنت حي في قلوبنا
في الأربعاء 20 إبريل-نيسان 2016 05:05:13 م