خطر ببالي أكثر من مرة أن أقوم بالرد على نداءات زملائي ومنشورات أصدقائي بمواقع التواصل الاجتماعي واللقاءات العامة والخاصة والتي تفتش في أسباب غيابي وتبحث في حيثيات اختفاء أعمالي الصحفية ، وفي كل مرة كان يخطر ببالي الرد أو التعليق كنت أتراجع عن نيتي استناداً إلى حضوري الفاعل بيدي ولساني وقلمي ولم ألجأ يوماً لقلبي كأضعف الإيمان .. إذ ما زلت في قمة الحيوية والنشاط أتنفس هواء الصدق والكرامة وأعيش على حروف الكلمة الأمينة ونبض الرسالة الأسمى ، ساعياً بكل ـ إصرار ومثابرة ـ لتحويل نفثات يراعي إلى واقع وأحلامي إلى حقائق ، ولم تعد تشغلني الكتابة والنشر كوسيلة من وسائل المناصرة بقدر ما صار يشغلني صدى صوتي في المكان الذي أعمل فيه ، ورضا ضميري عما أقدمه للغايات التي ننشدها والمطالب والحقوق التي طالما كتبنا عنها وناضلنا من أجلها ، حيث مثلت فرصة العمل "سكرتيراً صحفياً لمحافظ مأرب سلطان العرادة" تحدياً جديداً وفرصة لوضع النقاط على الحروف.
كثيرون لا تشغلني أسئلتهم عن غياب قلمي الذي يكتب حالياً بخط مسموع ، ولا يعنيني أن يصدقوا جواباً لا يقل نفاقاً عن سؤالهم !! ولكن مع آخرين من رفاق النضال والكفاح الإعلامي المقدس كم يلزمنا من الحروف الصادقة لنشر الإجابات الوافية والكافية .. ولا أخفيكم أن بعضاً ممن يسألون عني بتهكم وبطريقة مستفزة في سياق التجريح الشخصي غير المباشر هم ممن كانوا يحاولون إثنائي عن تبني مواجهة ناهبي ثروات مأرب من جلاوزة الفساد والعبث بخيرات أرض الجنتين ، وكثيراً ما قدم لي أولئك الأشخاص النصائح المغلفة بإدعاء الحرص على شخصي ومستقبلي من قبيل (ابعد لك ) ، (خل غيرك) ، ( مأرب تركوها منهم أقوى منك نفوذاً ومالاً وسلطة ، لا تتعب نفسك وتشل الهم فوق رأسك) ، بل وصل الحال ببعضهم إلى التعامل معي كما لو كنت مداناً بارتكاب جريمة !!
ثمة محطات في حياتي الخاصة ومشواري المهني تعلمت منها ألا تشغلني أحلامي عن مصفوفة الممكن والمتاح حتى لا أصاب بالإحباط ، فأتكبد خسارة الممكن وأتجرع مرارة الإفلاس من بلوغ الحلم .. كنت ولا زلت مع المبادئ ملتزماً دون تفريط ، استعمرتني الكلمات وأعلنت لها ولائي المطلق لأنها الضامن الرئيسي لتوازن العقل والمنطق والعواطف والمحبرة .. غرست في نفسي حين اقتحمت عالم الصحافة معاني التضحية ، وأدمنت تناول إكسير الشموخ والكبرياء ، لم أدخر جهداً ولا وقتاً من أجل محافظتي الغالية (مأرب) ، في الوقت الذي كانت آليات التواصل تقليدية ومتعبة للغاية ، لكن كان لها طعم حلو أفرزته المواقف المالحة !! .. تلك اللحظات لا يستشعرها إلا من طاف بمراكز اتصالات مدينة مأرب على مدى سنوات بحثاً عن جهاز فاكس لإرسال خبر أو تقرير أو مقال صحفي بالآجل طبعاً !! بالإضافة إلى تقديم شيء من مقتنياته الشخصية لتحميض فيلم (24) أو (36) صورة لإرسال أفضل الصور مع سائق (البيجو) لحجز مساحة خبرية مدعمة بالصورة تضمن حيزاً من المساحة الصحفية لـ (مأرب) بين زحام التناولات الإعلامية .. صدقوني:كان الإرسال بالإيميل والنشر في الديوان والمجلس اليمني ومنتديات مأرب وحوار وغيرها من المنتديات بمثابة الحلم الكبير الذي أضحى صغيراً في ظل ثورة الاتصالات وانتشار الكاميرات الحديثة والجوالات الذكية والإقبال الكثيف من الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي .
هناك قضايا في محافظة مأرب تحتاج إلى طرحها على طاولة الحوار ومناقشتها بكل شفافية بعيداً عن دائرة الجدل العقيم والتفلسف المفرط والجنون المتدثر بعباءة العقول المهترئة .. في هذه المحافظة المثخنة بالهزائم والخيبات والمجروحة بطعنات الغدر ووجع الخذلان من السهل على سماسرة العبث وجنرالات النهب وأزلام الفساد الاستمرار في القيام بما يريدون مهما كان عبثياً ومنتهكاً للثوابت والأخلاق من اليسير على الفاسدين أن يغيروا جلودهم لأنه من الصعوبة مكاشفة المتلونين ومصارحتهم بمواقفهم المتناقضة ناهيكم عن تقديم أضعف أحمر عين أو أصغر طحطوح للمحاكمة أو تحذيره باحترام ..بعيداً عن جملة الانتهاكات التي طالت المحافظة تنموياً واجتماعياً على مر العقود الماضية ، والتزمت الشخصيات الاجتماعية النخبة الشبابية ونشطاء المجتمع المدني والإعلام الصمت حيالها وفضلت الأحزاب السير في ركب التوافق دون النظر في ضرورة محاسبة من اغتالوا أحلام حفيدات بلقيس وأحفاد أسعد الكامل!!
كلنا نتفق أن النهب والعبث طال كل شيء جميل في مأرب، الآثار ، النفط ، الزراعة ، القيم الأصيلة ، دماثة أخلاق أهل البادية ، لكننا نختلف في قراءة جذور المشكلة وأسبابها وتداعياتها وماهية الحلول الممكنة ويتهرب الجميع من فتح ذلك الملف الضخم العامر بقضايا الكبار وفساد بعض المشائخ والمسئولين والنافذين في بورصات الديزل والبترول والبرونز واللهث وراء المكاسب المادية في مواسم النكاح السياسي وأسواق التسول والارتزاق .... يتبع