الأمراض الطفيلية المنتشرة في اليمن الحلقة الثانية
بقلم/ أ. د صالح العثربي
نشر منذ: 3 سنوات و 4 أشهر و 16 يوماً
الخميس 12 أغسطس-آب 2021 07:05 م
 

داء الجيارديا Giardiasis

من الأمور التي يجب أن يدركها كل فرد في مجتمعنا اليمني بدءا من العامل و الفلاح والتاجروالطباخ والجزار والمعلم والطالب والعسكري والقائد، والأم والأخت والأسرة في البيت اليمني والمجتمع اليمني أن النظافة العامة والشخصية هي عناوين للصحة العامة في المجتمع كله، وهي الوقاية الأساسية من الإصابة بالكثير من الأمراض، وصدقت الحكمة القائلة: وقاية بدينار خير من علاج بقنطار.

ولقد عايشنا مختلف ظروف الحياة لمجتمعنا اليمني في الريف والحضر منذ طفولتنا من بداية الثورة عام 1962م وحتى اليوم، وعايشنا في سن الطفولة فترات انتشرت فيها الكثير من الأمراض الفتاكة بشكل مفزع، حتى أن الأسرة الواحد في اليوم أو الأسبوع الواحد كانت تشيع واحدا أو أكثرمن أفرادها، وأن كل بيت فيه أكثر من مريض يئن في وقت واحد، حيث في ذلك الوقت لا يوجد طبيب في اليمن ولا أي وسيلة لمعالجة المرضى وإنقاذ حياة المريض من الوفاة المحتومة ما سوى بعض الطرق البدائية ومنها الكي أو "المحو" كتاب طلسم من السيد الفقيه الذي يزعم أن بركة كتابه يشفي المريض من المرض. لكن الكثير ماتوا صغارا وكبارا وكنت رغم طفولتي أرصد تلك الحالات التي رسخت في ذاكرتي، وكنت أحضر غرغرة المودع للحياة رغم صغر سني، ومات أحد إخوتي ، والكثير من أقاربي، ولعلي قد تحصنت بالتطعيم من شربي لحليب البقر والغنم منذ السنة الأولى من عمري بينما عافه إخوتي فأصيبو، ولم أصب بأي مرض من تلك الأمراض، فاكتسبت مناعة. وكنا صغارا نأكل مع المجذوم والمريض من قصعة واحدة. كانت الأمراض التي تفتك بالناس متعددة منها مرض السعال الديكي (الخناق-بيرتوسس)، الجدري، الحصبة، الدفثيريا، البلهارسيا ، الملاريا، الجذام، ديدان البطن، التيتانوس، التسممات الغذائية والاٌسهالات الحادة للأطفال والكبار، والتي استرجعت الكثير منها بعد أن تخصصت في دراساتي الجامعية.

ولعلنا إن أمد الله في أعمارنا أن نكتب عن بعض الأمراض الشائعة وإن كنا متأخرين، والتي لا تزال منتشرة في مجتمعنا اليمني خصوصا الريف اليمني بسبب غياب الوعي الصحي والثقافة الصحية، ونرجو أن ينتفع بها القراء وينفعوا بها غيرهم.

داء الجيارديا Giardiasis

يعتبر داء الجيارديا الأكثر انتشارا على مستوى العالم خاصة عند أطفال المدارس من سن 12-6 سنة مما يتسبب لهم ضعفا في النمو وقصورا في الاستيعاب الدراسي والقدرة على الفهم وضعف النشاط المدرسي، كما يصيب ضعاف المناعة من البالغين والمسنين، وكذلك ممكن يصاب المعلمون في المدارس ودور رعاية الأطفال، والعاملون في مجالات علم الوبائيات نظرا لتعرضهم للمواد الملوثة بكيسيات الطفيل وقربهم من المصابين، وكذا أسر المصابين حيث لا تظهرأي أعراض على كثير من المصابين.

وداء الجيارديا مرض يسببه طفيل معوي أولي من الأوليات السوطية Protozoan flagellate يسمى جيارديا لامبيليا (Giardia lamblia) وهو طفيل أولي وليس من الديدان، وهو يعيش في الإنسان في الجزء العلوي من الأمعاء الدقيقة بالقرب من الإثنى عشرملتصقا بالبطانة الداخلية للأمعاء وتسمى الزغابات المعوية التي وظيفتها امتصاص الغذاء والسوائل لإمداد الجسم بالطاقة، مسببة ضمورا لهذه الزغابات وفقدان الإنزيمات الهاضمة، وبالتالي يحدث سوء امتصاص للمواد الغذائية التي يتناولها الفرد مما ينتج عنه فقدان الوزن لدي المصاب وسوء التغذية مؤديا إلى فقر الدم (أنيميا) وتدهور صحة المريض.

اكتشف هذه الطفيل عام 1689م بواسطة العالم لوفنهوك عندما فحص برازه بأول مجهر بسيط صنعه بنفسه، ثم قام آخرون من بعده فتوصلوا إلى معرفة تفاصيل هذا الطفيل منهم العالم لامبيليا Lambiliaعام 1859م وجاء بعده العالم جيارديا، ومن هنا سمي الطفيل باسمهما (Giardia lamblia) جيارديا لامبيليا.

يوجد لهذا الطفيل طوران Two Stages:

-1 الطور السوطي النشط (تروفوزويت Flagellates-Trophozoites)، وهو الطور الممرض الذي يتغذي ويتكاثر في الجزء العلوي من الأمعاء الدقيقة خصوصا الإثنى عشر، مسببا ضمورا للزغابات (الزوائد المعوية في جدارالأمعاء الدقيقة التي وظيفتها امتصاص الغذاء وإمداد الجسم بالطاقة) وفقدان الإنزيمات الهاضمة، مما تتسبب في سوء التغذية للمصاب ونقص وزنه.

-2 الطور الكيسي Cysts - وهو الطور المعدي، حيث عند مرور هذه السوطيات النشطة إلى الأمعاء الغليظة فإنها تتحول إلى الطور الكيسي نظرا لانتقالها إلى بيئة غير صالحة لبقائها حية فتحيط نفسها بكيس سميك يحميها من الظروف الخارجية وتخرج مع البراز ملوثة البيئة وما تحتويه من مصادر لمياه الشرب والمنتوجات الزراعية من خضار وغيرها حيث تبقى الكيسيات لشهور عدة مقاومة لكل الظروف البيئية الخارجية الرطبة والجافة.

الإمراضية وطرق الإصابة بهذا الطفيل Pathogenesis and Method of Infection :

تحصل الإصابة عن طريق الفم عن طريق شرب وتناول الطعام والمياه الملوثة بكيسيات هذا الطفيل، وعن طريق الأيدي الملوثة ببراز المصاب، حيث يحتوي براز المصاب على الآلاف من الكيسيات لهذا الطفيل. وعند تناول الغذاء أو الماء الملوث الذي يحتوي على هذه الكيسيات Cysts الطفيلية ومرورها عبر المعدة إلى الإثني عشر تستقر في بداية الأمعاء الدقيقة فتلتصق مجدداً ببطانة الأمعاء (الزغابات) فتتحرر من هذه الكيسيات وتتحول من جديد إلى طورالسوطيات النشطة Flagellates-Trophozoites مسببة الإصابة بمرض الجارديا.

وفي حالة الإصابة المزمنة Chronic Disease فسيشكو المصاب من إسهال طفيف أو لا يوجد إسهال مع ألم في أعلى البطن وغازات معوية وغثيان وخمول، ومن الممكن أن تمتد الإصابة إلى عدة سنوات إذا لم تعالج كلياً، مما يؤدي إلى نحول الجسم وفتور الهمة وإعاقة النموعند المصاب.

الأعراض التي تظهر على المصابين Symptoms:

من الأعراض التي قد يسببها داء الجيارديا اضطرابات معوية حادة أغلبها الإسهال قد يكون حادا Acute أو مزمنا Chronic وأعراض مصاحبة نتيجة التصاق الطور النشط بمخاطية الأمعاء التي تؤدي إلى تخدش وتقرح في جدار الأمعاء و انسلاخ الغشاء الظاهري نتيجة لتغذي الطور النشط على خلايا الغشاء (الزغبات المعوية)، مما يؤدي إلى ضمور الزغبات المعوية وتضخم الغدد الليمفاوية المعوية و عسر في امتصاص الدهون و السكريات وبعض الفيتامينات الهامة لصحة الجسم.

ألتشخيص والعلاج  Diagnosis and Treatment

يشخص المرض عن طريق إجراء فحص مجهري للبراز، حيث يمكن مشاهدة طفيلي الجيارديا بطوريه النشط والكيسي، وقد لا نستطيع مشاهدته في الفحص الأول لزيارة المريض إلى المستشفى، لذا يتطلب تكرار الفحص مرتين أو ثلاثة عند الأشخاص المشتبه بهم، ولكن في الغالب المصاب تظهر الكيسيات تحت المجهر في عينة البراز ولو بمشاهدة كيسيات على الأقل عدد 5 -1 كيسيات تؤكد الإصابة، وفي حالة الإصابة الحادة تكون الكيسيات ظاهرة تحت المجهر بكثافة.

أما العلاج فعن طريق تناول كورس فلاجيل (Flagyl) أقراص أو ميترونيدازول ( (Metronidazolأقراص أيضا، والجرعة هي 250 ملجم ثلاث مرات يومياً لمدة خمسة أيام، وهو يقضي على الطفيل بنسبة (90%)، وهناك دواء آخر أفضل وهو (تينيدازول Tinidazole) ، حيث يقضي على الطفيل بنسبة (99%) وبجرعة 40 ملجم جرعة واحدة.

مضاعفات مرض الجيارديا Complications of Giardiasis:

قد يغزو الطفيل القناة الصفراوية مما يسبب انسدادها وتنخر في جدار الأمعاء الأمر الذي يؤدي إلى الإصابة باليرقان، أما من حيث الأعراض فمعظم المصابين يشكون من الأورام وانتفاخ البطن و إسهال مما يؤدي إلى فقدان البروتين، ويكون البراز سائل كريه الرائحة، لكنه خالي من الدم أو صديد وهذا ما يسمى بالتغوط الدهني كما يصاب بعض المرضى بفقدان الشهية والتوعك و الغثيان والقئ وتكون أعراض المرض أشد على الأطفال بشكل خاص فهي بالإضافة إلى ما سبق قد تحول دون نموهم بشكل طبيعي وانخفاض أوزانهم وبالتالي انخفاض نسبة الذكاء لديهم، وضعف النمو العقلي الذي ينعكس على التحصيل المدرسي.

طرق السيطرة والوقاية Surveillance, Control and Prevention :

بشكل عام وضروري أن يفهم الجميع أن النظافة العامة والنظافة الشخصية هما أساس السيطرة والوقاية من العدوى بأي من الطفيليات الممرضة. وتتمثل السيطرة وطرق الوقاية في الخطوات التالية:

(1) فلترة وغلي مياه الشرب، (2) استخدام فلترات منزلية وتوصيلها بالصنبور كوسيلة للحصول على مياه شرب آمنة وصحية، (3) غسل اليدين جيدا بعد قضاء الحاجة بالماء والصابون وغسل الخضار جيدا والتي تؤكل غير مطهية، (4) مراقبة مياه الصرف الصحي ووسائل تصريفها ومعالجتها، (5) معالجة المصابين وحاملي العدوى، (6) الحيوانات كالأغنام والقرود والخنازير والكلاب والقطط يجب مراقبتها ومعالجتها والتعامل معها بحذرعلى أنها خازنات وحاملات للطفيل. (7) الفحص الدوري للمطاعم وعمال المطاعم والفنادق والجزراين وبائعي الخضار والفواكهة، (8) الفحص الدورى لأبناء المدارس وحملات التفتيش الصحي للأسرة ومراقبة مصادر مياه الشرب لهم، (9) عمل الدورات التثقيفية في المدارس والجامعات والمعاهد وغيرها، (10) إعداد برامج تثقيفية صحية عبر القنوات التليفزيونية وغيرها، (11) عمل نشرات دورية وتثبيتها في المدارس والمطاعم والأسواق والمراكز الصحية والأماكن العامة.

المراجع: References

   Saleh Al-Othrubi, Lecture Notes for Medical Students, 2010-2018, Faculty of Medicine and Health Sciences

2- https://www.cdc.gov/parasites/

3- https://www.pinterest.com/pin/591238257302808420/?d=t&mt=signup

4- https://www.webteb.com.

5- CK Jayaram Paniker and Sougata Ghosh. Medical Parasitology. Text Book, 7th Ed, 2013. Page; 30-34.