بعد هزيمة إيران.. الرهان على الحوثيين في اليمن.
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: أسبوعين و 3 أيام و ساعة
الخميس 12 ديسمبر-كانون الأول 2024 05:58 م
 

يشكل الحوثي الآن التهديد العالمي الأكبر بنظر أمريكا والغرب وإسرائيل, وخطره الحالي والمستقبلي أكبر بكثير من حزب الله في لبنان ومن نظام بشار الأسد الهالك في سوريا.

وقواعد اللعبة الدولية قد تغيرت من مراضاة أذرع إيران في المنطقة إلى استئصالها النهائي.

والخطر الأكبر في اليمن إن حاضنة الحوثيين الفكرية والإجتماعية العنصرية التي تمكنت من الإنبعاث بعد أكثر من ألف سنة وتقويضها الأوضاع الداخلية للبلد وأمن المنطقة والتجارة العالمية لا يؤمن جانبها بعد اليوم بأي صورة كانت مع قدرتها وخبرتها التاريخية على التمويه والتخفي والمراوغة والحفاظ على حاضنتها القبلية والعقائدية وإخفاء قدراتها ونواياها عن الآخرين.

 

خيارات محدودة أمام عبدالملك الحوثي الآن إن لم يكن الخيار الوحيد فقط بعد انتفاشة كبيرة توسل له فيها الكبار قبل الصغار طوال السنوات الماضية من باب داروا السفهاء بنصف أموالكم لا أكثر.

 

سوف يواصل الحوثيون تخندفهم وعنترياتهم بالعقلية الناشفة والقلب المريض نفسه, وكأن ما حصل من خضات كبيرة ومزلزلة في سوريا ولبنان وانكسار محور الممانعة الإيراني لا يعنيهم بالمرة.. وأنهم حالة استثنائية مؤيدة من السماء السابعة وقوة عصية على كسر العظم الذي لا شفاء منه.

 

*ذهول إيراني*

 

لم تستطع إيران الرد حتى اللحظة على الضربات الصهيونية المدمرة الأخيرة لدفاعاتها الجوية ومصانع إنتاج الصواريخ وفقدت القدرة نهائياً على الرد وتخلت عن حليفها الضحية بشار الأسد بسهولة وتركت حزب الله وقياداته يواجهون مصيرهم المستحق.

واتهمت قيادات الملالي في تصريحات رسمية جيش الأسد الذي كان ينفذ أهدافهم الخبيثة طوال عقود بالعجز عن حماية النظام من معارضيه لتبرير هروبهم من مسؤولية ما جرى في المنطقة كلها.

 

راهنت إيران بمشروعها التوسعي على مدى جاهزية قوة أدواتها الحليفة وليست على قدراتها المبالغ فيها وتخلت هي عنهم في محنتهم وهم يتساقطون ويذبحون بعد استنفاذ أغراضها مع إدانتها لهم كإسقاط لفشلها الذريع.

*مصير الحوثيين*

عوامل الثأر الداخلية والإقليمية والدولية ضد الحوثيين لا توفر لهم الآن ضمانة الحد الإدنى من مزايا الحل السياسي القائم على التوافق والشراكة والمحاصصة على عكس ما كانوا عليه قبل شهر فقط في وضع الإنتفاش والإستكبار وفرض اشتراطات تعجيزية أكبر.

 

لم يرفض زعيم الجماعة الإنقلابية عبدالملك الحوثي السلام والتسوية السياسية المتحيزة لصالحه لذاتها ولا لإنه الطرف الأقوى عسكرياً في الظاهر بل لإدراكه العميق مدى انكشاف وتهاوي حجم شعبيته الضئيل عبر صناديق الإقتراع في اي انتخابات رئاسية أو نيابية مستقبلا تفرض مغادرته التلقائية للمشهد.

 

والعبارة اليمنية الشهيرة الساذجة لماذا لا يتحول عبدالملك الحوثي وجماعته المسلحة إلى حزب سياسي مضحكة لجماعة إستكبارية ألغت معظم مظاهر الحياة المدنية وعيش المواطن على السواء.

ولا حل سياسي في اليمن إلا حيث يتحكمون هم بمستقبل الأوضاع والقوى والكيانات الأخرى كتابعة فقط.

 

وطالما كان خيار الحرب المستمرة وسيلة الرجل المناسبة للهروب حتى من استحقاقات فاتورة جماعته وتأجيل حالات انقساماتها وتشظيات مراكز قواها الداخلية على بعضها.

 

كثير من مفاتيح اللعبة السياسية في المنطقة وتداعياتها في اليمن أيضاً تغيرت منذ حرب غزة 7 أكتوبر 2023م.

وأبرزها إن إسقاط الحوثي والقضاء على نفوذه وسيطرته في أقرب وقت مطلب قوى دولية و خارجية كثيرة وليس اليمنيين وحدهم.

ولا ترضيات وتنازلات ووعود ومغريات للإنقلابيين على حساب طرف الشرعية كتلك التي كانت تنهال عليهم قبل ذلك من السعوديين والأمريكان والأوروبيين وغيرهم إلى درجة فرضوا فيها على الرياض التفاوض المباشر التوقيع معهم لحماية المنطقة العازلة على الحدود الجنوبية في صعدة بين البلدين.

ولا اعتراف من الحوثة بالشرعية كطرف في أي مباحثات بتأثير إرغام السعودية على الإستجابة حتى لمطالب مالية ضخمة غير مشروعة بتهديد آبار وتجارة النفط بالصواريخ والطائرات المسيرة التي يعتبرونها أبرز عوامل فرض شروطهم على الآخرين إلى اليوم مع التأييد الإلهي الذي سوف يكبر معه ثمن مطالبتهم بمجهود إسناد غزة.

 

ولا تستقيم رؤية إزاحتهم النهائية أو القضاء عليهم وحتى تقليص مشاركتهم ونفوذهم المستقبلي وقد ازداد احساسهم بأهميتهم الإقليمية في صنع معادلات جديدة كما يتصورون ويتغنون بالإسطوانة الصعبة.

 

وحتى بنود قرار 2216 ومرجعياته لا تكفي لضمان متغيرات الأمن والتجارة الدوليين المستجدة في البحر الأحمر وبحر العرب وممرات الملاحة الأخرى بعد حجم الخطر المستقبلي الداهم الذي يشكله بقاء مليشيات متهورة تطالب بإرث أجدادها من العالم كله وليس من اليمنيين وحدهم.

 

يظل تفكيك وإضعاف مليشيات إيران عسكرياً من سوريا إلى لبنان والعراق وقطع طرق إمداداتها أقل أهمية بكثير لارتباطه بتأمين كيان الإحتلال الإسرائيلي فقط, على عكس شمولية خطر الحوثيين على مصالح ومنافع العالم أجمع.

خطر نابع من طبيعة فكرة مشروع الأحقية الإلهية التاريخي بالحكم لا تستمد ديمومتها واستمرارها بدعم إيران للحوثيين وحدها ولا تنقطع بإضعاف ونهاية حكم الملالي والخميني بل بثقافة تعبوية موروثة في الطقوس الدينية اليومية للجماعة أكثر من ألف سنة.

وإيران التي استسلمت لهزيمتها في سوريا لم تنس تأكيدها الرسمي ومطالبتها بحماية مزارات الشيعة هناك.

وبحسب قيادات وسطى في طهران بعد انكسار التحالف العسكري تبقى الكثير من علاقات المحور الثقافية والدينية والسياسية.

معطيات لا تدل على إقرار نهائي بهزيمة المشروع الإيراني أو المراجعة والإعتراف بالجرائم الجسيمة التي ألحقوها بشعوب وأنظمة المنطقة بل انحناء مؤقت للعاصفة له ما بعده بإعادة التخندق بوسائل ماكرة خبيثة تغذيها روابط التشيع لمذاهب الخرافة.

 

وفي اليمن تكمن قوة الحوثي العسكرية في أدواته القبلية المرتمية بأحضان عائلته أكثر من 1000 سنة رغم تهميش عبدالملك لها واحتقارها وتنكره لأدوارها في تعزيز مكانته وقبولها بلعب دور العبد المطيع الذليل مع ناكر المعروف والجميل.

 

حتى المقتنعين بأن الحوثيين ساهموا بجهد ما في حرب غزة الأخير لا يعني رضاهم بشراكة ولو محدودة لهم في إدارة شئون البلاد بفعل تجربة منهج التلسط القمعي العنصري البغيض.

 

معركة اليمنيين مع الحوثي سياسية وفكرية والمعركة العسكرية تخص الذين أنقذوه في الحديدة وفرضوا على حكومة الشرعية وقف القتال والإنسحاب منها.

 

مشكلة تجربة الحوثيين في السيطرة على سلطات وأجهزة الدولة عدم تمييزهم بين التسلط وإدارة المؤسسات فلم يقنعوا الداخل الرافض لهم ولا الخارج الذي وصل إلى طريق مسدود معهم بمنطق جدل عقلياتهم السياسية.

 

ويعتبرون تشارك وتقاسم السلطة مع القوى الأخرى معاداة ومنازعة لهم على الحق الإلهي وانتزاع الآخرين جائزة مجهودهم في حرب غزة.

 

 ويشعر عبدالملك الحوثي بمهابته وعظمته واعجابه بنفسه أكثر عندما سقط بشار الأسد وانكسر سلاح حزب الله وبقي هو يمطر بوارج وسفن أمريكا بجلالة قدرها بالصواريخ والطائرات حتى اليوم.

أسقطوا قوانين السلطات والهيئات القضائية وغيرها فقط والغوها لتمكين رأس الجماعة من الحكم الفردي.

 

*رؤية الحوثيين للحل*

 

يختصر الحوثيون رؤيتهم للحل المؤقت فقط باستئناف تصدير النفط والغاز اليمني لامتصاص الضغوطات الداخلية المتعاظمة الشعبية ضدهم لدفع المرتبات والأجور, وتمديد وقف إطلاق النار وليس إنهاء الحرب, وفتح بعض الطرقات وتبادل الأسرى, والمماطلة والتسويف في مسألة الحل النهائي أو تشكيل مجلس حكم انتقالي رئاسي حكومي مشترك.. ورفضهم بأية حال إشراف الأمم المتحدة ومراقبتها لتطبيق أي اتفاقات وقرارات.

 

وقد يوافقون كإجراء شكلي بالتشارك مع غيرهم في السلطة شريطة بقاء وضع سيطرتهم كما هو عليه كأمر واقع.

 

*مأزق الحوثيين والقوى الخارجية*

 

ولن يسمح للحوثيين بالسيطرة على رقعة جغرافية ولو بسيطة على الأرض كما أنهم لن يستجيبوا لأي حلول داخلية بتسليم الأسلحة الثقيلة ومؤسسات الدولة إلا باشتراط إدارتهم لذلك بأنفسهم وفرض سطوتهم على الأطراف الأخرى كتابعين لا أندادا.

ومع افتراض تسليمهم الأسلحة الثقيلة يظل الحوثيون بأسلحتهم الشخصية والرشاشات والمضادات التقليدية والمتفجرات وصواريخ آر.بي.جي هم الطرف المهدد للدولة القادمة لجهة ثبات النسيج التاريخي لتحالفاتهم الاجتماعية-القبلية وقدرة إعادة التنظيم والتموضع.

لم تتجاوز ردة الفعل الأمريكية البريطانية وغيرها على عمليات الحوثيين البحرية شن ضربات عسكرية محدودة عديمة التأثير على قدرات الحوثيين الصاروخية وهجمات الطيران المسير التي تجاوزت مؤخراً إلى ضرب المدمرات والبوارج وسفن الإمداد العسكري الأمريكية حتى بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا وانكسار حزب الله في لبنان.

وتوحي جولات التحركات الأمريكية في المنطقة بدور وعبئ كبير على قوات حكومة الشرعية في أي خيار عسكري قادم ضد الحوثيين لا يمكن التنبؤ بمصداقيته إلا أن انتقام أمريكا وحلفائها لا يراعي القدرات المحدودة للحكومة ولا التداعيات الإنسانية لما عجزوا هم عن فعله بكل جبروت.

ومعركة فرض السلام والأمن الدوليين في باب المندب والبحر الأحمر وبحر العرب معركة المجتمع الدولي والقوى الكبرى بالذات لا علاقة مباشرة لحكومة اليمن الشرعية بها.

ويستميت الحوثيون في جر الدول الكبرى للمواجهة بأي ثمن لإدخال اليمن في فوضى أشمل وأسوأ توفر عوامل استمرارهم وبقائهم كمليشيات تعتاش من الحروب والقلاقل أكثر من حالات الإستقرار.

 

والإستنتاجات:

 

أولاً: من الخطأ الفادح الخلط بين مشكلة اليمنيين مع الحوثيين وموقف الدول الكبرى الذي يدرس خيارات التصدي والتعامل مع تهديداتهم لطرق الملاحة والتجارة الدولية.

ثانياً: تورطت بريطانيا و أمريكا من خلال اتفاقية ستوكهولم بمنع تقدم قوات الحكومة الشرعية المسيطرة ومكنت الحوثيين من محافظة الحديدة ومينائيها الإستراتيجي التي تحولت إلى قواعد عسكرية لهجمات المليشيات الإيرانية ضد المصالح الدولية.. وتقع عليها كقوى كبرى استعادة هذه المناطق مثلما فرطت بها. 

ثالثاً : لا يحتمل الوضع الإنساني الكارثي في اليمن الإنخراط في حرب عبثية غير متوقعة النتائج.

رابعاً : تعتبر خارطة الطريق الأممية للحل السلمي المرحلي في اليمن الحد المعقول بإشراف أممي وقوات مراقبة دولية.

خامساً: منحت الدول الكبرى فرصة التسويف والتحايل والمماطلة الطويلة للحوثيين ليصبحوا على ما هم عليه.. ولم تكترث لأوضاع اليمن إلا عندما تعرضت مصالحها الخاصة للخطر فقط.

ودون حسم تطبيق ونفاذ المبادرات الدولية المزمنة الخاصة باليمن لا ضمانات مقابلة على عدم نشؤ تهديدات أمنية جديدة أكبر تنتهجها إيران في باب المندب والبحر الأحمر وبحر العرب كتعويض لهزيمتها وفشلها الذريع في سوريا وانكسارها في لبنان, وبما تشكله أوضاع اليمن وتضاريسها من منطقة ملائمة لنشر الفوضى والقلاقل.

 

وتبقى خيارات السلام والحرب مفتوحة مع الحوثيين من الداخل والخارج.