أجهزة الأمن تضبط كميات كبيرة من مخازن الذخيرة في محاولة تهريبها جنوب اليمن
حيث الإنسان يصنع السعادة لصانع سعادة الأطفال.. رحلة التنقل بين محطات الألم والحرمان.. تفاصيل الحكاية
بشكل عاجل الرياض توفد طائرة خاصة الى مطار سيئون وتستدعي رئيس حلف قبائل حضرموت وقائد قوات الحماية الحضرمية
في موقف مخزي.. الرئاسة الفلسطينية تدين تصرفات حماس وتصفها بـ ''غير المسؤولة''
حسن نصرالله «يعيد» طبيبة لبنانية علوية من أمريكا الى لبنان بالقوة
اليمن تعلن موقفها من القصف الإسرائيلي على قطاع غزه
الحوثيون ينهبون مخازن برنامج الغذاء العالمي بمحافظة صعدة
الكشف عن اسم قيادي حوثي قُتل في الغارات الأمريكية الأخيرة
سلسلة غارات أمريكية دمرت مخزنًا سريًا استراتيجيًا داخل معسكر للحوثيين في الحديدة
تقرير حقوقي شامل بين يدي العليمي.. توجيهات رئاسية بتسهيل عمل لجنة التحقيق الوطنية والتعامل بمسئولية مع ما يرد في تقاريرها
يؤمن النقاد ومؤسسو مدارس النقد ان الأصل في النص (شعر مثلاً او رواية او غيره) ان يعبر عن ذات الشاعر وأفكاره وعالمه الخاص به، وان النص-حسب هذه المدارس- ينبغي ان يُقرأ كقطعة أدبية إبداعية مستقلة عن مؤثرات وتجارب وعوامل خارجة عن النص، يُقرأ فقط ماهو مكتوبٌ وكفى، ويتم تحليله ودراسته كماهو مكتوبٌ دون النظر الى علائق وروابط أخرى خارج حدود النص.. وتقول هذه المدارس ليس الشاعر او الكاتب ملزماً بالتعبير عن قضايا خارج حدود الذات، فالنص يعبر عن الشاعر وذاته وأحزانه وكفى وهذا مايسمى باختصار (منهج الحداثة في النقد الأدبي).. ولكن جاءت مدرسة نقدية أخرى في الأدب تسمَّى (مدرسة مابعد الحداثة) تقول باختصار شديد ان الشاعر لايستطيع عزل نفسه عن واقعه الإجتماعي والسياسي والثقافي ولهذا فالنص لايمكن ان يبقى مستقلا في ذاته ولا معزولاً عن مؤثرات بيئته، ومن هذا المنطلق، للنص دور ووظيفة في المجتمع، وان قراءة النص تشمل المؤثرات والقضايا المحيطة بكاتب النص وتعكسها.. مماسبق يصح القول هذا على قراءة اي نص ادبي فمن شاء ان يقرأه بمنهج (الحداثة) فليفعل او بـ (منهج مابعد الحداثة) فليفعل، فالنص يمكن تحليله تحت اي منهج او مدرسة يختارها القارئ او الناقد، ويصح القول هنا عند تحليل اي نص سواءً كان شعرياً او روائياً او نثرياً..
وشاعرنا الشاب عمار الزريقي جسد -في كثيرٍ من نصوصه- سمات المدرستين، الحداثة (الذات- النص مستقلاً بذاته) ومابعد الحداثة (للنص رسالة في المجتمع)، سوف نختار مثالين من نصوص الشاعر على ذلك كما يلي.. احد نصوص الشاعر( ثلاثينية):-
بُطُولَةُ عِشْقِيَ الآتِي
ثَلاثِينِيَّةٌ فَذَّة
مُقَدِّمَةٌ تُقَدِّمُ عَنْ
نَبِيذِ جُنُونِهَا نُبْذَة
وَخَصْرٌ يُنْشِدُ الفُصْحَى
فَيَأْخُذُنِي مَعِي .. أَخْذَة ..
وَتَحْتَ غِلافِهَا المَحْرُومِ
أَطْنَانٌ مِنَ اللَّذَّة
**
هذا النص (المغلق) -من وجهة نظر مدرسة الحداثة- يعبر فيه الشاعر عن خصوصية عاطفية له تجاه امرأة ثلاثينية بكامل حيويتها وعنفوان رغبتها من وجهة نظر كاتب النص، واشتهاءات ذاته هو، فالنص مغلق لحساب الشاعر وذاته ورغبته وتمنياته، ويُقرأ مستقلاً عن مكونات المجتمع الثقافية وتقاليدهم الاجتماعية ومفهوم (العيب) فكل ذلك لايهم هنا عند قراءة النص كـ (موديرن) أغلقه الشاعر لحساب ذاته، فليقرأ النص هنا معزولاً عن تأثيرات المجتمع (مؤثرات خارج حدود النص) فيتم تحليل النص تحليلاً منصباً فقط على ماهو مكتوب (شاعر يرغب بامرأة ثلاثينية تحت غلافها اطنانٌ من اللذة) وكفى.
اما المثال الثاني النص (قميص الرمال) يصلح لموضوع (منهج مابعد الحداثة) فالنص مفتوح للمؤثرات الخارجية (سياسية واجتماعية وعالمية إنسانية او شؤون محلية):-
هُتَافٌ عَلا فِي شِفَاهِ الحَصَى
سَئِمْنا اعْتِصَاماً .. سَئِمنا اعْتِصا...!
وصَوتُ نَبِيٍّ يُنادِي .. انْهَضِي
أَيَا أُمّةً آمَنَتْ بِالعَصَا
وأُمٌّ تُلَمْلِمُ أَطْفَالَها
تَصِيحُ الرّصَاصَ الرّصَاصَ الرّصَااا...!
وبَيْتٌ يُغَنّي عَلى هَدْمِهِ
ويَبْكِي عَلى أَهْلِهِ مُخْلِصا
وكانَ السّلاحُ رَخِيْصاً بِهِ
فَأَصْبَحَ إِنسانُهُ أَرْخَصَا
**
أَيَا أُمّةً سَاسَها جَاهِلٌ
ومِنْ ضَرْعِ آلامِها مَصْمَصَا
وأَمْسَى وقَدْ داخَ مِنْ سُكْرِهِ
عَلى جُرِحهَا يَجْلِسُ القَرْفَصَا
وَيَا وَطَناً قَبْلَ بِدْءِ الزّمَان
تَخَيّرَهُ الله واسْتَخْلَصَا
وأَخْرَجَ مِنْ أَبْجَدِيّاتِهِ
خَيَالَ المَرَايَا وضَوْءَ المَصَا...
وأَنْبَتَ ظَهْرَانَ في ظَهْرِهِ
وأَخْرَجَ مِنْ ضِلْعِهِ قُبْرُصَا
**
لَقَدْ كانَ في سَبَإٍ آيةٌ
فَمَنْ ذَا اشْتَرَاهَا ؟ ومَنْ خَصْخَصَا؟!
ألَمْ تَكُ راياتُهُ في الجِهَات
تُرَفْرِفُ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنْقَصَا؟
قُرَيشٌ مَتَى أبْجَدَتْ؟ - بَعْدَهُ،
مَتَى سَعْفَصَتْ؟ - بَعْدَ أَنْ سَعْفَصَا!
ومَا رِحْلَةُ الصّيفِ إلا هُدىً
يَرُدُّ عَلَى كُلّ مَنْ خَرّصَا
وكانَ قَمِيصاً لِهَذِي الرّمَال
فَمَنْ ذَا لأكْمَامِه قَصْقَصَا ؟
وكانَتْ تَعُوذُ الّليَالِي بِهِ
مِن الجُوعِ والخَوفِ إِنْ غَصّصا
تُطَارِحُهُ الشّمْسُ أَشْوَاقَهَا
وإِنْ لامَهَا حَرّكَتْ عُصْعُصَا
وكانَ الزّمَانُ عَلى بابِهِ
عَجُوزاً عَقِيمَ الرّؤَى أَحْوَصَا
يُحَاوِرُهُ جَهْدَ أَقْدَارِهِ
ويَعْيَا بِفَهْمِ الّذي لَخّصَا
**
فَمَنْ ذَا يُفَسّرُ لِيْ مَا جَرَى؟
سُؤَالٌ بِلا لِحْيَةٍ حَصْحَصَا
أَدَارَ الزّمَانُ عَلى فَخْذِهِ ؟
وهَلْ كانَ لا بُدّ أَنْ يَنْكُصَا ؟
وهَلْ عَادَتِ الأُمّ عَنْ دِيْنِهَا
لِتَقْلِبَ مِحْرَابَهَا مَرْقَصَا؟
وهَلْ نَامَ نَامُوسُ أَهْلِ النّهَى
وقَامَتْ نَوَامِيْسُ أَهْلِ الخُصَى؟
وأَلْقَتْ سَجَاحٌ بِجِلْبَابِهَا
فَأَبْدَتْ لَنَا جِلْدَهَا الأَبْرَصَا
وهذا السّعِيدُ الّذِي... مَنْ تُرَى
تَجَنّى عَلَيْهِ ؟ وَمَنْ نَغّصَا؟
تَلَكّأَ إِبْلِيْسُ عَنْ أَكْلِهِ
وكَلّفَ بِالأَمْرِ أَوْلادَ صَا...!
**
موضوع النص أن الأمة (او الشعب) لا يعرف أسباب دائه وهزائمه وفشله مع حكامه ولاكيف يخرج بثورة حقيقية تجيب عن اسباب الداء والجهل والمرض فالأمر مضطربٌ ولانسمع سوى اعلان عن اعتصامات هنا او دوي رصاص العسكر هناك او صراخ امهات على الجانب الآخر فالأمر مشكلٌ على هذه الأمة من اوله الى آخره لم تعرف بالتحديد الطرق المؤدية الى الخلاص.. للنص هنا وظيفة ورسالة فهو ليس معزولاً عن قضايا المجتمع، والمضمون هنا (نقد سياسي واجتماعي) لهذا الاضطراب من غير حل يفضي الى الخلاص الحقيقي..
والآن يصح القول ان شاعرنا (موضوع الدراسة) وازن بين الذاتية والسياسية او بين النص المغلق والنص المفتوح او بعبارة أخرى كشاعر للحداثة وكشاعر لما بعد الحداثة او بعبارة أسهل وأوضح وأشمل ان النص يمكن ان نقرأه كنص (مغلق) منصبٌّ على ماهو مكتوب داخل النص فقط دون اي اعتبار لعوامل خارجية او خلفية ايديولوجية او سياسية (منهج الحداثة) او كنص (مفتوح) يتناول العوامل المحيطة بالشاعر والمؤثرة على بنية النص (مابعد الحداثة) فـ منهج ما بعد الحداثة جاء ليؤكد من جديد على ان النص لا يمكن ان يكون مغلقاً لنفسه ولا مستقلاً بذاته عن مؤثرات البيئة والمجتمع.
*شاعر وناقد يمني يقيم في الهند