السيدة الأسترالية والسيدة الإيطالية
بقلم/ محمد كريشان
نشر منذ: 5 ساعات و 27 دقيقة
الأربعاء 21 أغسطس-آب 2024 08:52 م
 

سيدتان أجنبيتان تعملان في الأمم المتحدة وفي نفس الخطة، ولكن كل واحدة اختارت أن تكون على طرف نقيض الأخرى حول الحرب الوحشية الجارية في غزة منذ أكثر من عشرة أشهر. الأولى لم تقل شيئا فجاء من يقول عنها الكثير ويطالب بإقالتها والثانية لم تترك شيئا إلا قالته. المفارقة أن الأولى ستستمر على الأرجح في منصبها، أو في أي منصب آخر دولي، في حين ستجد الثانية نفسها على الأرجح محاربة وربما غير مرغوب فيها مستقبلا.

الأولى هي الأسترالية أليس جيل إدواردز المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بمسألة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. هذه السيدة طالب «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بإقالتها» من منصبها على خلفية «تقصيرها في أداء مهامها المنوطة بها، وعدم التعامل بموضوعية وفعالية بشأن ما يتعرض له الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون من جرائم خطيرة في السجون ومراكز الاحتجاز الإسرائيلية».

واعتبر الأورومتوسطي، وهو منظمة مستقلة مقرها جنيف، في رسالة وجهها إلى رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن هذه المقررة «أخفقت بشكل مثير للقلق في الالتزام بالمعايير الحقوقية المطلوبة وبالدفاع عن ضحايا الجرائم الدولية وانتهاكات حقوق الإنسان، وفقًا لمعايير القانون الدولي، حين تعلق الأمر بحالة إسرائيل وفلسطين» ذلك أن موقفها «شابه الصمت، ولم تقم بالإبلاغ عن هذه الجرائم (الإسرائيلية ضد الأسرى الفلسطينيين) أو إدانتها علنيًّا وبشكل واضح، أو مخاطبة المجتمع الدولي بشأنها، أو التحذير من مدى خطورتها».

ورأى الأورومتوسطي أنه رغم الأدلة والتقارير المتعلقة بالانتهاكات الإسرائيلية جميعها، «ما تزال المقررة الأممية إدواردز «تتقاعس عن إنجاز تحقيق شامل في الانتهاكات الإسرائيلية ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، والذي قررت فتحه في 8 آذار/مارس 2024 ولم تصدر حتى الآن أي من نتائجه».

 

النموذج المناقض تماما لهذه السيدة الأسترالية هي سيدة من إيطاليا وكلتاهما من بين المقررين الخاصين وهم إحدى الآليات التي أنشأتها الأمم المتحدة في سبيل حماية حقوق الإنسان في مختلف المجالات المدنية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويؤدي كل منهم دورا في مراقبة الحق الذي كلفه به مجلس حقوق الإنسان.

المقررة الأممية الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية الإيطالية فرانشيسكا ألبانيز لم تتردد منذ الأشهر الأولى من الحرب على غزة في الإصداع برأيها بكل جسارة في ما يجري من عدوان وحشي، حتى أنها صرحت في مارس/ آذار الماضي أنها تعرضت لهجمات وتلقت تهديدات عديدة منذ بدأت مهمتها في إعداد تقرير بشأن الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة.

لم تتردد هذه السيدة في القول إن التقارير التي أعدتها تؤكد وجود عناصر تدل على أن إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة اكتملت عناصرها. لم تبحث عن صيغ مائعة، يجيدها الكثير من الموظفين الدوليين، بل قالت بكل وضوح إن إسرائيل تقوم بـثلاثة أعمال تدخل في إطار الإبادة الجماعية، وهي قتل الفلسطينيين في غزة، وتهجيرهم، وفرض ظروف حياة تؤدي إلى الدمار البدني جزئيا أو كليا بحقهم وأنها تستخدم أسلحة محظورة ضد الفلسطينيين في غزة وتقوم بتجويعهم، وهذه مجموعة من جرائم الحرب لم يسبق أن حدثت في الأراضي الفلسطينية المحتلة». كما أعلنت أن إسرائيل تسعى بكل الوسائل إلى «خلق ظروف تجعل الحياة مستحيلة بالنسبة للفلسطينيين، وإن ما ترتكبه إسرائيل يعكس نيتها الرامية لتدمير كل شيء وهو ما يصنف ضمن جرائم الإبادة الجماعية».

لم تنتظر ألبانيز قرار محكمة العدل الدولية لتقول إنها وجدت «أسبابا منطقية للاعتقاد بأن الحد الأدنى الذي يشير إلى ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين كمجموعة في غزة قد استُوفي». لم تتوقف أيضا عن الظهور التلفزيوني والتصريح في هذا الاتجاه ولهذا منعتها إسرائيل مرارا من دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما أنها لم تتوقف عن الإدلاء برأيها في كل تطور بكل جرأة، وبرفعها إصبع الاتهام في عين من يستحق ذلك، من ذلك أنها علّقت مؤخرا على تقرير لشبكة (سي إن إن) بشأن استخدام إسرائيل قنابل أمريكية في هجومها على مدرسة التابعين قائلة على منصة «إكس» إن «التمويل الأمريكي للإبادة الجماعية الإسرائيلية يتزايد مع استخدام الجيش الإسرائيلي للقنابل الفتاكة بشكل غير مسبوق على غرار تلك المستخدمة في مدرسة التابعين» وأن «إسرائيل تبيد الفلسطينيين بأسلحة أمريكية وسط عدم مبالاة».

وصلت هذه السيدة حد الاعتذار المرير بالقول «ليصفح عنا الفلسطينيون لعجزنا الجماعي عن حمايتهم واحترام المعنى الأساسي للقانون الدولي» معتبرة بعد اغتيال هنية أن تاريخ اغتيال الفلسطينيين «طويل ويتطلب حسابا».

لكل ما سبق لا تتوقعوا أن يقع التجديد للسيدة الإيطالية الشجاعة في مهمتها الأممية المحددة لست سنوات، قابلة للتجديد، لكن توقعوا هذا التجديد للسيدة الأسترالية المتواطئة، خاصة عندما نرى ما قالته المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة عن الأولى من أنها «معادية للسامية» (كالعادة!) وأنه «من الواضح أنها غير مناسبة لهذا المنصب أو أي منصب في الأمم المتحدة».

المصدر/ القدس العربي