مفهوم المقاومة في الإسلام
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 16 سنة و 11 شهراً و يومين
الأحد 02 ديسمبر-كانون الأول 2007 03:28 م

تسعى بعض الأنظمة العربية الخائرة والمأزومة أن تشوش على مفاهيم كثيرة، ومعان عديدة، في سبيل تركيع الأمة وإذلالها، كما يريد المستعمرون وعملاؤهم، ومن تلك المفاهيم المحفوفة بالمغالطات والدس والكيد، مفهوم \\\"المقاومة\\\"، هذا المصطلح ألغته الأنظمة العربية من قواميسها، وحظي بسيل عرمرم من التشويه والخداع والتزييف لمعانيه، والمراد منه، وذلك سعياً من هذه النظم لزرع الخذلان واليأس وتكريسه.

غير أن الإسلام بمنهجه الرباني وواقعيته يتصدى لهذه المناهج والأساليب، حيث لم يكتف الإسلام بتقرير حق الشعوب في الدفاع عن نفسها وكرامتها، بل أضفى على هذا الحق الإنساني صفة القدسية، والوجوب الديني، وعده أصلاً من أصول الشريعة .

فليس هناك دين ولا ملّة صنعت في نفوس أتباعها كل عوامل التحدي والمقاومة والصمود، كما فعل الإسلام، في نفوس أتباعه وأنصاره، فجعلهم خير أمة، وأعظم حضارة، وأصلب إرادة، عرفتها الدنيا، استعصت ولا تزال تستعصي على كل الأعداء والجبارين، بما تحمله من عوامل البقاء والصمود والاستقواء والنصر .

لقد قامت كثير من الأمم والحضارات على أسس خاوية وضعيفة وهشة، سرعان ما سقطت هذه الأمم وتلكم الحضارات، عند أول ضربة من ضربات الأعداء، كالحضارة الرومانية والفارسية والسوفيتية وغيرها من الإمبراطوريات، التي لم تكن تغيب عنها الشمس، هاهي اليوم أضحت أثراً بعد عين، وبات مكانها في زبالة التاريخ ومرويات القصَّاص .

إنّ البناء القوي والمتين الذي أرساه الإسلام في جسد هذه الأمة، القائم على التوحيد الخالص لله، ونبذ الطغيان والاستبداد، ومقاومة كل شر وعدوان، والقائم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الخير، واعتبار ذلك من أعظم القربات إلى الله، ومن أصول الديانة، وقواعد الشريعة، وضرورات الملة، كل هذا جعل من هذه الأمة السد المنيع الذي لا يمكن أن ينهار، في وجه كل ظالم ومعتدٍ ومتربص .

إن القوة الإسلامية ليست فقط في شدة البأس، وعتاد الجيوش، وبناء الشباب، ورجالات التاريخ والمجد، بل القوة الإسلامية التي دعا إليها الإسلام، تشمل كل جوانب حياة الأمة، سواء في الاقتصاد أو العلم والمعرفة أو النظافة والطهارة والأخلاق، أو الفكر والثقافة، أو الترابط والإخاء والوحدة، أو الحفاظ على البنية الاجتماعية من النزاع والشقاق، وعوامل الانهيار والسقوط، حتى لا يأتيها عدو متربص من هذه الثغرة، أو تلك .

قد تضعف الأمة، في حين من الأحيان، وفي جانب أو جوانب مختلفة من مسيرتها، بيد أن هذا الضعف سرعان ما تتجاوزه وتتغلب عليه، نتيجة لعوامل المناعة الإيمانية والفكرية والأخلاقية التي تحتفظ بها، والتي تمكّنها دوماً من تجاوز التحديات والصعاب والمؤامرات، مهما عظمت أو كبرت، ذلك أن هذه العوامل الإيمانية والفكرية والأخلاقية هي التي تشكّل السدود والموانع والحواجز، التي تحول دون سقوط الأمم، وبفقدان هذه العوامل تنهار الأمم والشعوب والحضارات، مهما بلغت من القوة والشدة والبأس .

إن مفهوم المقاومة في الإسلام مفهوم واسع وكبير، يبدأ من ميدان النفس، وينتهي بميدان الوغى وتلاحم الجيوش، وسكب الدماء، في سبيل الله، والدين والوطن، وفي سبيل المستضعفين والمضطهدين في الأرض، قال تعالى:

{وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً}النساء75 .

ويوم أن تعي الأمة هذه المفاهيم في المقاومة والتحدي، حينذاك يستبشر المؤمنون بالنصر القريب، بإذن الله .

إن روح المقاومة في الإسلام، تنبع من الحق الذي يؤمن به المسلمون، وتنبع من الإيمان بعدالة القضايا الإسلامية، ومن الوجوب الديني في دحر المغتصب والباغي، أياً كان، وإذا كان الفيتناميون قدموا في سبيل التحرر من نير البغي والعنجهية الأمريكية خلال سنوات الحرب الثماني، أكثر من مليوني قتيل و3 ملايين جريح، وما يناهز 12 مليون لاجئ، فليس هناك شعوب في الأرض قدمت من المهج والأرواح في سبيل دينها كما قدم المسلمون من الدماء والأشلاء والمهج والأرواح، لقد قدّم الشعب الأفغاني أكثر من مليون ونصف المليون شهيد، وأكثر من 6 ملايين مشرد، إبان الغزو السوفييتي لأفغانستان، وقدّم الشعب الجزائري أكثر من مليون شهيد، إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر، وقدم العراقيون إلى الآن أكثر من 700 ألف شهيد في مواجهة الاحتلال الأمريكي الغاشم، وملايين المشردين والمضطهدين، ولا يزال إلى اللحظة يقدم الشعب الفلسطيني في سبيل تحرره من نير الاحتلال الصهيوني الآلاف من قوافل الشهداء، وقل ذلك في الصومال والشيشان، وغيرها من ديار الإسلام التي أبت وتأبى كل أشكال الظيم والظلم والخنوع والاستعباد، وهو الأمر الذي جعل الأمة الإسلامية تستعصي على كل أعدائها وخصومها، مهما بلغت من الضعف .

ولنعرّج على بعض النصوص الشرعية التي توضح المعاني الآنفة الذكر:

قال تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }الأنفال60 .

وقوله تعالى: (من قوة) لفظ شامل لكل ما يتقوى به من مال أو عتاد أو ترابط ووحده، أو غيرها من وسائل القوة، كما قال علماء التفسير .

يقول سيد قطب في ظلاله:\\\" يجب على المعسكر الإسلامي إعداد العدة دائماً واستكمال القوة بأقصى الحدود الممكنة; لتكون القوة المهتدية هي القوة العليا في الأرض; التي ترهبها جميع القوى المبطلة; والتي تتسامع بها هذه القوى في أرجاء الأرض, فتهاب أولا أن تهاجم دار الإسلام ; وتستسلم كذلك لسلطان الله فلا تمنع داعية إلى الإسلام في أرضها من الدعوة, ولا تصد أحداً من أهلها عن الاستجابة, ولا تدعي حق الحاكمية وتعبيد الناس, حتى يكون الدين كله لله..\\\" .

وقال تعالى: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً }الفرقان52 .

قال الشوكاني في الفتح: \\\"أي جاهدهم بالقرآن واتل عليهم ما فيه من القوارع والزواجر والأوامر والنواهي، وقيل: الضمير يرجع إلى الإسلام، وقيل بالسيف، والأول أولى، وهذه السورة مكية والأمر بالقتال إنما كان بعد الهجرة، وقيل: الضمير راجع إلى ترك الطاعة المفهوم من قوله: { فلا تطع الكافرين }..\\\".

وقال سيد قطب في ظلاله: \\\"لا عجب مع ذلك أن يأمر الله نبيه أن لا يطيع الكافرين, وألا يتزحزح عن دعوته وأن يجاهدهم بهذا القرآن، فإنما يجاهدهم بقوة لا يقف لها كيان البشر, ولا يثبت لها جدال أو محال\\\" .

وفي قوله صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داوود وغيره \\\"جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم \\\"إشارة واضحة إلى الجهاد السياسي والتربوي والثقافي والاقتصادي، الذي أمتنا في أمس الحاجة إليه في ظل هذه الظروف الصعبة والحالكة السواد والمرارة، ويجب أن تسعى الأمة بكل فئاتها ومنظماتها وحكوماتها لامتلاك القوة الشاملة، في شتى ميادين وضروب الحياة، لأن هذا أمر يتعبد الله به، والتقصير فيه إثم كبير وذنب عظيم، تدفعه الأمة كلها إثما وذلاً وخساراً، وتسلطاً للأعداء عليها .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،.

Moafa12@hotmail.com

* نقلا عن موقع موقع الحملة العالمية لمقاومة العدوان