|
كنت اقرأ للحكيم واستوقفتني جملة في كتابه يقول فيها ( الفرق بين نوع الإنسان وفصائل الحيوان أن الفرد من الإنسان يلد الفكرة ، والفرد من الحيوان لايلد الفكرة ..فقم واطرح عنك الكسل وافرح لأن في رأسك فكرة ...)
حينها أغلقت الكتاب وتوجهنا سوياً لمشاهدة التلفزيون ..لم تكن رغبةً في المشاهدة بقدر إشباع الفضول في التنقل بين المحطات لا أكثر ..وكانت الفضائية اليمنيه هي أول ما وقع عليه نظري ..تأملت هذه الشاشة بما تحوي وبدأت بالتساؤل .. نحن في القرن الواحد والعشرين والالفية الثالثة .. هكذا نعيش .. ولكن نظرة واحدة لتلك الشاشة تكفي لإثبات اننا مازلنا ايام الأبيض والأسود ..إبتداء من الشعار الخالي من اي ملمح للحداثة والتطور(شكلاً) إلى كل ماتبثه فضائيتنا !!
لا أسال أي شخص في داخل الوطن وخارجه عن التلفزيون اليمني إلا ويجيب ضاحكاً ساخراً بأنه قد يكتفي بمشاهدة ما يتم عرضه من صور لمناظر طبيعية ..قد تأخذه في لحظات حنين إلى أرضه ووطنه وأمه .. ولم اظفر بسؤاله بأكثر من ذلك .. والناس بصراحه (مش بتحب الافترا ) !
سفيرتنا في الفضاء أردناها ان تحلق بنا إلى أعلاه .. جاعلةً النجوم موطئاً للقدم .... الواضح أنه حتى نظرتنا للفضاء هي نظرة خائرة .. لا أراها إلا باهتةً شاحبة اقل مايقال عنها ..تحتضر (ومالها الأرض) !..
السؤال ..أوالأسئلة هي .. أين هي البرامج التي اقل مايقال عنها انها حديث الناس..وبكثير من الجهد في التذكر وجدت واحداً (حدث يستحق الاشادة ) .. عنوانه لايخلو من النواح !!.. لماذا هذا الكم من العويل في الإسم ..ألا يكفينا مايعرضه المضمون من مأس .. ألهذه الدرجة اصبحنا شعبا مغدقا على روحه (النكد) ! نفس فكرة البرنامج شاهدتها في محطات اخرى ولكن بتسميات الطف .. جسر المحبة .. خبرني ياطير .. ما أجمل وقعها على النفس وما ألطفها بلسم لكل مشتاق .
وأعود للتسأول أين من يخاطب المشاهد بذلك المستوى من الشفافية والرقي والصدق ؟ وأين الرسالة ألإعلامية لتجعل منها رسالةً انسانية ؟ أين أعلامنا الرواد الفئات التي ضيعت واسقطت من الحسابات واختفت مواقعها من الخريطة الإعلامية ؟ أين الوجوه الشابة الممتلئة القاً وحيوية وحياة ترسم ببراعة إشراق غدٍ أبهى ؟ لماذا غائب هو مفهوم الخلق والإبداع ؟
أنا وغيري لانراها تقدم إلا حلقات إكتئاب متواصل ... ولست اطالب بإغداق حياة المشاهد بالفرح الهيستيري أو المواد الإعلامية المسمومه (السائد فضائيا).. لكن فقط اطالب بمحاولات جادة وحقيقية للوصول بها للمستوى المطلوب .. فهي تعاني القحط الشديد إلا من (الفراغ) ولكن يبدو أن لاشيء يفرغ غير صبري !!!
بالكاد نرى نماذج جميلة شابة واعدة تطل منها ولكن... يقتلها التكلف والجمود ورسمية الحضور ورتابة الاداء وكأننا دائما في حضرة حدث رسمي مطبقين على أنفاسنا بربطات العنق حتى وإن كان مايقدم هو برنامج معد لفئة الشباب !!
غياب مبدأ التخصص .. نشاهد مذيع الأخبار يوما مذيعاً لبرنامج تهاني وأغاني .. ويوماً لبرنامج إنساني .. ويوماً لبرنامج صباحي .. (علبة شوكولا) اختر منها ماشئت !! وفي الغالب شوكولا مرة المذاق.. فهو دائماً عابساً وكأنه يمن علينا بحضوره الكريم ، ناطقاً بالفصحى في مواضع لاتحتمل هذا التكلف ، مغدقاً على مسامعنا عبارات قد استهلكت ،عفا عليها الدهر ومضى موقع عليها (منتهي الصلاحية) ...
جال في رأسي كل مايقدم في المحطة إبتداء من الإعلانات (من ايام كنت رضيعة) وحتى الأخبار ومافيها من إسهاب وإطناب ممل.. وذكر لتفاصيل التفاصيل.. حتى يخيل لي انهم يقرأونها بعلامات الترقيم جميعاً (هنا سنكون الرواد) .. ناهيك عن المسلسلات التي يتم نبشها من القبور (إمتهان لجلالة الموت)... ونصل إلى ألوان الملابس وهي العلامة الابرز.. وكأن الوان الدنيا قد اختصرت في البني بدرجاته ! واخيراً وليس اخراً ديكورات البرامج الخالية من أي إبداع وخيال ( الكنباية والأبجورة ).. وكأنهم مبعزل عما يقدم ويعرض في الفضائيات الأخرى ..وطبعا تعرفون .. (المبررات حاضرة )...
ما أفهمه أن الإعلام ليس عالماً مغلقاً أو محدداً.. هو عالم مفتوح لأصحاب الأفكار والمواهب ..مالعيب بالإستعانة بتقنيات تكنولوجية وبشرية خارجية للأفضل ؟! ما الفخر في وضع ملصق (يمني الصنع) إن كان مايقدم ويعرض دون المستوى ؟! هل يعقل أننا نعيش زمن ثورة الاتصالات وتقنية المعلومات ولا يتم الإستفادة منها بالشكل المطلوب ؟! .. وهنا ايضا (المبررات حاضرة) ...
المشكلة أنها لم تستطع حتى مسك العصا من المنتصف إن اردنا قول هذا .. فهي لاتريد الدخول إلى حمى المنافسه (ومش مطلوب) ومن جانب اخر تريد الحفاظ على صورة تقليدية (تتباهى) بها في الأغلب فكانت النتيجة زهداً ..وإن كان زهداً فأفضل الزهد .. هو اخفائه .
فأصبحت في حيرة .. هل كل مايبذل من جهد (حقيقي) ليكون في مستوى الفنتازيا مثلا !! من حيث اختلافه عن بقية الفضائيات ... أم هو نوع من كسر القوالب !! كان وراء استنكار المشاهد ؟ ولكن ما اعتقده هو أن قوالب البرامج المقدمة تحطمت من دون إدراك (لفداحة الخسارة) .. لا أعرف سوى أن محاولة التحايل على الأفكار والتجديد هو دليل افلاس حقيقي..
قد يفسر البعض ماطرحته أنه تجنياً وقسوة .. لكن صدقاً يؤلمني أن أغادر فضاء (اليمن) لإنعدام الجاذبية في كل مرة يهبط بي الريموت اليها (والعتب على قدر المحبة) .. متى سنرى تلقائية الكاميرا وعفويتها في نقل صورة حقيقية تلامس المشاهد وواقعه وتدفعه للتفاؤل معها ..ناقلة صخب مدننا وصمتها وحدائقها وشوارعها وفرح شبابها المتعطش للحياة .. ليظل عشق الحياة .. ولحينها سأكتفي بالسلام الجمهوري .. فهو أجمل مايقدم ويعرض .
في الثلاثاء 12 أكتوبر-تشرين الأول 2010 07:23:47 م