تقرير أممي يؤكد تمرد الانتقالي عسكرياً على الشرعية مأرب تحتشد تضامناً مع غزة وتنديدا باستمرار حرب الإبادة الاسرائيلية مباحثات يمنية سعوديه بخصوص إجراءات سير تأشيرات العمرة اجراءات حكومية رادعة ضد محلات الصرافة المخالفة والمضاربين بالعملة في جميع المحافظات المحررة حشود هادرة بمحافظة تعز تنديدا بجرائم الابادة والتهجير بقطاع غزة الذكاء الاصطناعي يورط عملاق التكنولوجيا «تسلا» ويقودها للمحاكمة عبر القضاء كلاب آلية تنظف أحد الجبال المصنفة ضمن قوائم التراث العالمي رابطة اللاعبين المحترفين تكشف عن المرشحين لجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لشهر أكتوبر دولة خليجية تبدأ بسحب الجنسية من المئات من مطلقات مواطنيها الإنذار المبكر ينشر توقعات الطقس خلال الساعات الـ24 القادمة في 11 محافظة يمنية
"أي مشعل للفكر قد انطفأ وأي قلب قد توقف عن الخفقان".
بهذه العبارة نعى الحزب الاشتراكي اليمني رحيل مؤسسه عبدالفتاح إسماعيل في أحداث 13 يناير 1986 الدامية التي مثل استشهاد فتاح فيها أحد أفدح خسائرها المعنوية.
قدم الفتى الفقيرعبدالفتاح إسماعيل علي الجوفي على أخيه محمد إسماعيل في مدينة عدن ليواصل دراسته التي كان ابتدأها في كتاب قرية الأشعاب الواقعة في عزلة الأغابرة بمديرية حيفان من محافظة تعز حيث ولد في 28 تموز يوليو 1939.
وفي عدن واصل فتاح وهو اللقب الذي اشتهر به فيما بعد دراسته حتى أكمل الابتدائية والمتوسطة في المدرسة الأهلية بحي التواهي ثم التحق بمدرسة تدريب العمال لمصافي الزيت البريطانية.
لم يدر بخلد الفتى الفقير في هذه الأثناء أنه سيملأ الدنيا ويشغل الناس في المنطقة فيما بعد وستعرض قوات الاحتلال البريطاني أعلى مبلغ ثمناً لرأسه ثم سيضع لبنات أول وأوحد دولة تقدمية في منطقة الجزيرة العربية.
بدأ عبالفتاح نشاطه السياسي في 1959 حين انضم إلى حركة القوميين العرب التي كانت قبلة المثقفين والزعماء السياسيين المناهضين للاستعمار الأجنبي في كل البلدان العربية والمتطلعين. وشارك في إضراب نفذه عمال المصافي عام 1960 وخلال الإضراب، وزع منشوراً بمطالب العمال فتعرض للاعتقال والتحقيق وفصل من وظيفته، فعمل مدرسًا في عدد من مدارس مدينة عدن ثم نشط في نشاطاته السياسية حتى صار من أبرز قياديي حركة القوميين العرب في عدن.
** عقب قيام ثورة سبتمبر التي أطاحت بنظام الإمامة الملكي قي شمال البلاد سنة 1962، تشكلت الجبهة القومية لتحرير الجنوب فتلقى فتاح دورة تدريبية في استخدام السلاح وتولى الإعداد العسكري لجبهة عدن والإشراف على تهريب الذخائر والأسلحة إلى مدينة عدن وإخفائها ثم عين مسؤولاً أولاً عن هذه الجبهة واتخذ "عمر" اسمًا تنظيمياً له وتفرغ للعمل في هذه الجبهة بعد أن ترك التدريس وعمل مع أخيه المتعهد عبدالجليل إسماعيل في المقاولات فكان يستغل مخازن مواد البناء في إخفاء الأسلحة وتخزينها.
ومذاك، بدأ يشن غارات على مواقع الجنود البريطانيين وصارت جبهة عدن من أخطر الجبهات على القوات البريطانية خصوصاً بعد أن تم تصفية العناصر الاستخباراتية التي تعمل لحساب الاحتلال ولماعلمت بريطانيا بخطورة عبالفتاح، وزعت صوراً له على نقاط التفتيش ورصدت مبلغًا ضخمًا لمن يدل عليه.
** كان نجم عبدالفتاح إسماعيل السياسي والقائد التحرري قد بزغ في هذه المرحلة، فانتخب عضواً في المجلس التنفيذي للجبهة القومية خلال مؤتمرها الأول الذي انعقد في مدينة تعز عام 1965 فانتقل إلى تعز وشارك في اجتماعت كوادر الجبهة بعد دمجها مع جبهة التحرير قبل أن يُعتقل بأوامر من القيادة المصرية وينقل إلى صنعاء فالقاهرة حيث ظل تحت الإقامة الجبرية إلى أن أعلن في 1966 بالقاهرة تشكيل مجلس قيادة من 12 شخصًا كان أحدهم كما شارك في مدينة القاهرة في الحوارات التي دارت بين الجبهة القومية ومنظمة التحرير.
** انتخب عبدالفتاح عضواً في قيادة الجبهة القومية خلال مؤتمر سري عقد في مدينة جبلة بمحافظة إب كما أعيد انتخابه عضواً في قيادة الجبهة في مؤتمر لها التأم في منطقة حمر القريبة من مدينة قعطبة.
** في مطلع تشرين الأول أكتوبر 1967 تعترف بريطانيا بالجبهة القومية وتقبل التفاوض معها، ويرأس الفتاح إسماعيل وفداً لمقابلة الرئيس جمال عبدالناصر ثم ينضم عضواً في وفد برئاسة قحطان محمد الشعبي تفاوض مع بريطانيا على الاستقلال لنحو عشرة أيام.
** في 14 من نفس الشهر، كان عبدالفتاح إسماعيل في مدينةعدن يقرأ بيان الاستقلال وسط جمع من الجماهير المحتشدة ويجني فتاح أغلى حلم حمل من أجله البندقية وأرخص في سبيله روحه النبيلة التواقة إلى التحرر دوما ثم يعين وزيراً للإرشاد القومي وشؤون الوحدة في أول حكومة أعقبت الاستقلال.
** خلال مؤتمر الجبهة القومية الرابع في مدينة زنجبار بمحافظة أبين، سيواجه عبدالفتاح إسماعيل أولى محطات التقاطع مع الحلول الجزئية المتحفظة فيودع السجن مع عدد كبير من قيادات الجبهة كانوا يشكلون فريقاً يرى أن إصلاح الجيش في الجمهورية الوليدة ينبغي أن يتم فورًا بإحلال الفدائيين ومليشيات الجبهة محل قيادات العهد السابق وأطلق على هذا الفريق "التيار اليساري" في مواجهة فريق كان يقول بإصلاح الجيش تدريجياً وسمي "التيار الإصلاحي".
** لكن الجيش الذي كان قد قاد انقلاباً ضد التيار اليساري وزج بقادته في السجن للحفاظ على مصالحه، تراجع أمام مظاهرات شعبية كشفت حجم التأثير الهائل لأفكار فتاح ورفاقه التقدمية ويغادر فتاح معتقله ثم يسافر للعلاج في بلغاريا متأثراً بتعذيب تعرض له أثناء فترة اعتقاله ومن بلغاريا يعود إلى تعز فعدن حيث كان سالم ربيع علي قد ترأس هيئة مجلس رئاسة الشعب في 1969 بعد استقالة قحطان الشعبي إثر تطور تلك الأحداث فعين عبدالفتاح عضواً في مجلس الرئاسة وأميناً عاماً للجبهة القومية.
** في هذه الفترة، ظهرت براعة عبدالفتاح إسماعيل في العمل السياسي فعمل على توحيد عدد من الفصائل في الجبهة القومية، لكن ذروة عطائه السياسي والفكري تبرز أكثر حين يُنتخب رئيساً لهيئة رئاسة مجلس الشعب عقب مقتل سالم ربيع في حزيران يونيو 1978 ‘ فبعد نحو عام يكون قد نجح في توحيد كافة الفصائل السياسية في "الحزب الاشتراكي اليمني" إلى جانب قادة فصائل آخرين في تشرين الأول أكتوبر 1978 وهو ذروة ماقدمه في حياته السياسية القصيرة.
** عقب حرب اندلعت بين شطري البلاد (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، الجمهورية العربية اليمنية) في 1997، عقدت قمة في الكويت بين عبدالفتاح والرئيس علي عبدالله صالح، اتفقا فيها على إنهاء كل أشكال الاحتراب والسعي في تحقيق الوحدة اليمنية على قاعدة الدمج فأغضب هذا الاتفاق قيادات في الحزب اعتبرته ضماً للجنوب إلى الشمال، لتشكل تحالفاً ذا ثقل عسكري وقبلي ضد عبدالفتاح الذي قدم استقالته من الأمانة العامة للحزب واختار العاصمة الروسية موسكو منفى اختيارياً، ظل فيها خمس سنوات ثم عاد إلى عدن.
** عاد عبدالفتاح إسماعيل إلى عدن عام 1985 في ظل اشتداد الصراع بين علي ناصر محمد الذي كان حينها رئيساً لهيئة رئاسة مجلس الشعب وأميناً عاماً للحزب الاشتراكي اليمني ورئيساً لمجلس الوزراء وعلي أحمد عنتر الذي كان قد أقيل من وزارة الدفاع واتهم ناصر بالخروج عن الخط الاشتراكي واحتكار السلطة وكان عبدالفتاح قد عين سكرتيراً لدائرة الحزب العامة بعد عودته وتحالف مع عنتر واشتد الصراع حتى انفجر صباح 13 يناير 1986 وأودى بحياة ثلة من خيرة قيادات وكوادر الحزب كان عبدالفتاح في مقدمتهم بعد حياة مثيرة تقاسمها الكفاح والمعرفة والنضال لإرساء قيم الاشتراكية والتقدم والعدل.
** لئن كانت شهرة عبدالفتاح إسماعيل قد طارت جراء كفاحه ضد الاستعمار البريطاني وأدواره السياسية فيما بعد فثمة جانب آخر أكثر إشراقاً، أسهم في تخليد اسمه وإرثه العصيين على الفناء؛ كان عبدالفتاح مثقفاً من الطراز الأول وواحداً ممن سبقوا إلى كتابة القصيدة النثرية، فضلاً عن الشعر الغنائي ولعل غنائية "تاج النهار" التي غناها المطرب الكبير محمد مرشد ناجي من أروع ماكتبه في هذا الجانب وفيها يظهر عبدالفتاح - الشاعر – توقه إلى الوحدة التي كانت حلماً يخبل لبه.
** ومثل عبدالفتاح حالة نادرة في المنطقة العربية آنذاك أو الآن في أن يصعد إلى الموقع الأول في البلاد بإمكانيات مثقف، متجرداً من القبيلة والجيش والمال ويتخذ الأدباء والمثقفين جلساء قصره وندماء مجلسه واشتهر بـ"ذو يزن" اسماً أدبياً له..كان غزير المعرفة حتى أن أكثر من خمسة آلاف عنوان كانت تحويها مكتبته بعد استشهاده.
جمع عبدالفتاح ماندر أن يجمعه شخص في موقعه؛ رئاسة البلاد وثقافة الموسوعي وبراعة السياسي وأحاسيس الشاعر. فـ "أي مشعل للفكر قد انطفأ وأي قلب قد توقف عن الخفقان".
** من مؤلفاته:1- "نجمة تقود البحر"، ديوان شعر، قدم له الشاعر السوري علي أحمد سعيد (أدونيس). صدر عن دار (ابن خلدون) في بيروت سنة 1988م. 2- مرحلة الثورة الديمقراطية. صدر عن دار الفارابي. 3- الثقافة الوطنية. صدر عن دار ابن خلدون.
ومن شعره في مقطع من نص "نجمة تقود البحر":
وأضحى الخيار خيارا
ينبت بأغوار نفسي رائحة من لهيب
معطرة بالدماء
بالعرق
وأمضي..وأمضي بحد الصراط .صراطي سيف وسنة
رمح.وحولي تحيط
بي النار. ذات اليمين وذات الشمال
فتصهر جسمي, لينمو جسما
كصلب الحديد. وتشعل أحشاء روحي, فتكسب فكري
وضوحاً وعمقا. ويصبح هذا الخيار
أكثر ثباتا
وكيما يسود القرار..وأي قرار
وكان القرار, قرار المطارق..قرار المناجل
والبحر في المد
والجزر أنشودة
الدمار لأجل البناء. قرار تفترشه الصعاب
لكنه بلسم لجراح الشقاء
يملأ الطريق شوكاً يدمي الضلوع..لكنه يزرع الحب
والورد للكادحين. ومن عاصفات الرياح غربا
يوجج جمر التضحيات الدماء . ويصبح مغزلة
يحيل الظلام ضياء معلن
وسطوع النهار
* الإشتراكي نت