مديرية فرع العدين .. بين ضمأ التنمية وسطوة المشائخ
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر
الأحد 01 يوليو-تموز 2012 12:05 ص
 
 

ما إن تطأ قدماك مدخل مديرية فرع العدين – على بعد 60 كم إلى الجهة الجنوبية الغربية لمحافظة إب، حتى يبدأ مسلسل المعاناة الذي لا ينتهي.. طرق وعرة وخطيرة وضيقة في جبال شاهقة يعد المشي عليها راجلاً نوعاً من المخاطرة، عندما تصل إلى المديرية تدرك كم أنها وحيدة مع معاناتها إلا أن ابتسامة عريضة ترتسم على وجوه أبنائها تمنحك القليل من الأمل رغم الفساد المنتشر وعدم اكتراث المسؤولين وسطوة المشائخ.

تكاد تكون فرع العدين مديرية مجهولة عند غالبية اليمنيين فهم لا يعرفون أنها مديرية تابعة لمحافظة إب ويعدونها ملحقاً لمديرية العدين.. الأمر الذي يحز في نفس أحمد - الطالب الثانوي - كثيراً "مديرتنا شبه مجهولة"- قالها بحزن.

لمحة

تقع مديرية فرع العدين في الجزء الجنوبي الغربي من محافظة إب وتحديداً في المثلث الذي يربط محافظات "إب ـ تعز ـ الحديدة" المحافظات الأكبر في اليمن، توسطها هذا لم يشفع لها وجعلها وكأنها تعيش القرون الوسطى، هناك ووسط بيوت بسيطة يقطعن أبناؤها بمعاناتهم بمساحة إجمالية تقدر بنحو 220كم مربع يقيم عليها حوالي 89011 نسمة هم تعداد سكانها حسب إحصاءات 2004م إلا أن إحصاء آخر نفذه الصندوق الاجتماعي للتنمية قدر تعداد سكانها بأكثر من 150 ألف نسمة يتوزعون على 8 عزل هي: "المزاحن ـ الأهمول ـ المسيل ـ العاقبة ـ الوزيرة ـ بني يوسف ـ والأخماس ـ والثلث ـ وبني أحمد".

 بيئتها جبلية وعرة تتناسق مع حدودها المتشعبة بين المحافظات الثلاث، حيث تجاور فرع العدين حدودياً شرقاً العدين وشمالاً حزم العدين من أب وجنوباً مديريات شرعب الرونة والسلام ومديرية مقبنة من محافظة تعز وغرباً مديرية جبل رأس من محافظة الحديدة، وتفصلها أجزاء صغيرة من مديرية جبل رأس عن وصاب السافل من محافظة ذمار من جهة الشمال الغربي لها.

أغلب سكانها يعملون في الزراعة وتربية المواشي وتربية النحل لإنتاج العسل بأنواعه ومنه عسل السدر الذي يتم تصديره إلى دول الخليج العربي وخصوصاً السعودية التي حازت نصيب الأسد منه.

العسل ولحوم المواشي فقط هو ما يتذكره كل من وصل فرع العدين مسؤولاً فيها كمدير ناحية أو ضباط أمن أو قاضي محكمة، تاركاً همومها التنموية، التي تكاد أن تصرخ في وجه زائريها، وثم يعود هؤلاء المسؤولون بعد أيام من استضافتهم إلى مركز المحافظة ـ إب ـ قريبين من محافظها بعيداً عن عيون أبنائها المتطلعة لأبسط الحقوق الإنسانية وهموم حوالي 15277 هو تعداد أسر مديرية فرع العدين يتوزعهم مشائخ لا يجيدون سوى جمع الجبايات والسعي وراء من استغلوا مسؤوليتهم فيها لتقاسم تركة وعرق أبناء مذحج "بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، الذي قيل إنه كان يعيش في فرع العدين قبل الإسلام.

مدينة مذحج موقع أثري وهو عبارة عن هضبة غير مستوية تقدر مساحتها بحوالي خمسة كيلو مترات.. عمارات مهدمة، معالم لمدينة قديمة هي أطلال تغطيها الرمال والأتربة وحصون ومساجد أثرية تنتظر بشغف، عذراء معزولة نائية ومحرومة تحلم بعودة الملكة أروى بنت أحمد لتأمر بترميمها قبل أن تندثر، وتعاقب من دمروا شيئاً منها وتكشف النقاب عنها لتروح عن نفسها من وحي الأساطير هناك بعيداً عن ضوضاء المدينة وضجيج السيارات تبزغ فجر الثورة من جديد.

فرع العدين.. مديرية لها حكايات وفيها حكايات قصص شبيهة بالأساطير، سل كبار السن فيها واصغ لهم باهتمام ليقصوا لك فقرهم ومعاناتهم وهجرتهم الشاقة، معاركهم ضد الإمامة ومن بعدها ضد الجبهة،لا أبالغ إذا قلت لكم إنها كانت خارج نطاق سيطرة الإمام/ أحمد حميد الدين، الأمر الذي جعله يسعى لإنشاء محكمة فيها تكون فوق رؤوس من تمردوا عليه وعلى رأسهم "عبدالله جباح"..

المحكمة تلك مازالت وما زال قاضي المديرية المعين يمارس فيها مهامه بعيداً عن مركز المديرية الآن ومجمعها الحكومي الضخم والذي بني أصلاً كمكتب زراعي لا يقدم خدماته للمواطنين أيضاً، برغم تفشي العديد من الأوبئة والأمراض وسط حيوانات المواطنين مات بعضها وتعافت البقية دون مكافحة أو لقاحات من أحد، ولولا عناية الله تعالى بهم لأصبحت أطلال تاريخ لم يكتشفها أحد من محافظي المحافظة الخضراء.

طرقات

ربما كان الحديث عن شبكة طرق حديثة في فرع العدين قفزاً عن الواقع وأحلام ربما تتحقق بعد عقود، لأن السلطة المحلية تركت واجبها متخلية عن مسؤوليتها في تعبيد طرق المديرية الترابية التي يتعذر السير فيها، حتى الطريق الخاص والذي يصل المديرية بالمحافظة لم يتم تعبيده، هكذا هم مسؤولو السلطة المحلية لا يجيدون سوى الاختلاف على مستحقات مشاريع لا تعرفها فرع العدين.. فالطريق الأسفلتي الذي يمتد من العدين توقف عند مدخل مديرية الفرع ليتجه صوب "المزاحن" ومنها إلى الحديدة..

يقول عبد الحميد: ليس في مديريتنا طريق واحد تربط بين العزل وأغلب الطرق في المديرية عمل على شقها المواطنون بأيديهم .

وأضاف بحزن: منذ سنوات ونحن نسمع أنه سيتم شق طرق ترابية وأنه سيتم تعبيد طرق أخرى إلا أننا اعتدنا على سماع هذه الأخبار عن المشاريع الوهمية بلا تنفيذ.

يقول عبدالحميد إن طريق بني يوسف الذي يربط بين مركز المديرية بالعدين لم يتم تنفيذ إلا ربع المسافة منه تقريباً رغم أن ميزانيته تم اعتمادها كاملة يقال أن حكومة قطر هي من أهدته لنا.

صحة غائبة

في فرع العدين مستشفيان متواضعان16 وحدة صحية و5 مراكز يعمل فيهاحوالي80عاملاً لكنها خالية من ملامح طلب الشفاء، إذ ليس فيهما أدوية متكاملة تلبي احتياجات المرضى، أما الفحوصات والأشعة فهي بأسعار باهظة..

يقول علي - أحد أبناء الفرع - إن وسائل الإسعافات الأولية لا نحصل عليها مجاناً حتى شاش المجارحة ندفع قيمته مضاعفة.

يضيف علي إن العاملين في المراكز الصحية في المديرية ليسوا مؤهلين، لذلك فهم من حملة الدبلوم في الصحة وممرضين، معظمهم من خارج المديرية وليسوا متواجدين إلا أنهم يستلمون رواتبهم.

طب شعبي

العديد من المواطنين في الفرع يلجأون للطب الشعبي بسبب تدهور الصحة في المديرية وبعد المسافة بسبب الطريق الغير صالحة لإسعاف مريض على وجه السرعة لأن ذلك يتطلب البحث عن سيارة والمشي بالمريض لمدة نصف ساعة على الأقل للوصول إليها، إضافة إلى تكاليف العلاج في محافظة أخرى مجاورة كإب أو تعز فذلك يتطلب مالاً كثيراً.

"لا تتفاجأ عندما ترى مريضاً أدركه الموت في الطريق للإسعاف" - قالها علي مستنكراً.

المياه

يلفت انتباهك وأنت تتجول في الفرع.. مشهد الأطفال والمسنين والنساء وهم يحملون الماء فوق رؤؤسهم وأكتافهم وعلى ظهور الحمير.. حيث أصبحت مشكلة المياه تؤرق المواطنين فالآبار توشك أن تجف ومشاريع المياه الموجودة لا تعمل لعدم صيانتها برغم حداثة إنشائها وإن كانت صالحه لا تتوفر مادة الديزل هناك.

وأصبح الموت عطشاً هو الهم الكبير لدى أبناء الفرع أما الكهرباء فهو هم يهون عندهم أمام أزمة المياه..

تطلعات

يتطلع أبناء فرع العدين الآن إلى حكومة الوفاق الوطني، مستنجدين بها وكل المسؤولين والقائمين عليها بالمحافظة إلى سرعة البدء بتنفيذ طريق سوق الحرية ـ القهرة ـ جبل رأس كمطلب رئيسي لعملية التنمية في المنطقة، ولارتباط الطريق الشديد، بمصالحهم الاقتصادية والاجتماعية. خصوصاً وأن المنطقة زراعية وتعتمد ـ بصورة رئيسية ـ على الخدمات في المناطق المجاورة لها لافتقار فرع العدين لتلك الخدمات من طرق مبعدة وصحة مفتقرة وكهرباء معطلة ولا تغطي حتى مركز المديرية وتعليم متدهور تتجاذبه التعددية الحزبية، إذ تبلغ عدد المدارس في المدرية حوالي 56 مدرسة تضم حوالي 29000 طالب وطالب ويعمل على تعليهم حوالي 750 مدرساً، وتأمل فرع العدين أن يتخرج من بين هؤلاء من يأتي ليهتم بها ويطالب بأبسط حقوقها التنموية، والتي حرمت منها منذ نصف قرن وكأنها اقترفت ذنباً لم تغفره لها الثورة والجمهورية والوحدة وحكم عليها بالعزل والمقاطعة حتى بزغ فجر الثورة الجديد اليوم وسيعانق المستقبل فرع العدين.

وهناك الكثير من الهموم والاحتياجات تراكمت عبر عشرات السنين من الإهمال والتجاهل تطلعات نأمل تلمسها ومعالجتها في هذه المديرية المنسية التي لم تجد الطريق إلا بعد مئات السنين وتبعد بمقدار هذه السنين عن عالم اليوم.

همسة

هل يعرف محافظ المحافظة وأمينها العام موقع مديرية فرع العدين وماذا تريد؟!

*تقرير/ مروان الأصبحي