مباحثات يمنية سعوديه بخصوص إجراءات سير تأشيرات العمرة اجراءات حكومية رادعة ضد محلات الصرافة المخالفة والمضاربين بالعملة في جميع المحافظات المحررة حشود هادرة بمحافظة تعز تنديدا بجرائم الابادة والتهجير بقطاع غزة الذكاء الاصطناعي يورط عملاق التكنولوجيا «تسلا» ويقودها للمحاكمة عبر القضاء كلاب آلية تنظف أحد الجبال المصنفة ضمن قوائم التراث العالمي رابطة اللاعبين المحترفين تكشف عن المرشحين لجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لشهر أكتوبر دولة خليجية تبدأ بسحب الجنسية من المئات من مطلقات مواطنيها الإنذار المبكر ينشر توقعات الطقس خلال الساعات الـ24 القادمة في 11 محافظة يمنية قراءة تركية: من سيحسم المعركة الانتخابية في أمريكا ويفوز بكرسي الرئاسة؟ أول تعليق من أردوغان على تعيين نعيم قاسم خلفاً لـ نصر الله
لا غرابة إذا ظلت الأحزاب العربية الحاكمة متهمة بأنها مدللة وأنها تتحلل بمجرد غياب النظام أو القائد الذي أنشأها رغم أن هذه ليست قاعدة ثابتة بالتأكيد فلها استثناءاتها مثلها مثل غيرها من القواعد العامة، لكنها في الغالب لا تبذل في نشاطها السياسي الجهد نفسه الذي تبذله الأحزاب المعارضة التي لم تنشأ غالبا في كنف الحكومات، كما أنها لا تعاني من المصاعب المختلفة نفسها التي يمكن أن تعاني منها أحزاب المعارضة وهذا ما
يسهم في تسهيل فوزها عادة في أي عملية انتخابية – أي الأحزاب الحاكمة طبعا – ويطيل أمد بقائها في السلطة.. وأظن أن كل ذلك أمر طبيعي وليس مستغربا في ظل ديمقراطياتنا العربية الناشئة!
وبعد أيام سيحتفل الحزب الحاكم في اليمن (المؤتمر الشعبي العام) باليوبيل الفضي لنشأته، وهو بلاشك أحد الأحزاب العربية الحاكمة التي أثارت ومازالت تثير الكثير من الجدل حول دورها وأدائها السياسي... فهو – أي المؤتمر – نشأ في ظل ظروف سياسية قد تختلف عن أمثاله من الأحزاب العربية، إذ إنه تأسس في أغسطس من عام 1982م في شمال اليمن في ظل دستور يحرم صراحة بلا مواربة قيام الأحزاب السياسية، ولأن إنشاءه كان ضرورة لعدة أسباب فقد جرى التوافق بين القوى السياسية التي كانت تعمل تحت السطح وانضوت في إطاره على أن يتم اعتباره تنظيما أو تجمعا أو مظلة سياسية كنوع من التحايل على النص الصريح في الدستور... ذلك أن قيامه كان ضرورة لتخفيف أسباب التوتر بين القوى السياسية في شمال اليمن والتقريب بينها من خلال حوارها وتمثيلها في التكوينات التنظيمية للمؤتمر كالإسلاميين بمختلف تياراتهم واليساريين بمختلف أحزابهم (اشتراكيين وبعثيين وناصريين) والليبراليين المستقلين، كما أن قيامه كان ضرورة ليكون معادلا سياسيا للحزب الاشتراكي الحاكم في جنوب اليمن حينها وتنفيذا لاتفاق الوحدة بين شطري اليمن الموقع في العاصمة الليبية طرابلس عام 1972م الذي نص على قيام تنظيم سياسي موحد عند قيام الوحدة وهو ما يعني وجود تنظيمين ليتمكنا من الحوار في هذا الاتجاه.
ومنذ عام 1982م حتى عام 1990م ظل المؤتمر الشعبي العام صاحب تجربة متميزة في إدارة الحوار والخلاف بين الأطراف المكونة له حيث حقق بينها قدرا كبيرا من التقارب وكسر بينها الكثير من الحواجز النفسية وأسهم من خلال كل ذلك في تحضير المواطنين في شمال اليمن لاستحقاق الوحدة مع الجنوب والتئام شمل الوطن الواحد الذي أصبح أقرب من أي وقت مضى نتيجة انهيار المعسكر الشيوعي ورفع الغطاء عن النظام الماركسي في عدن... لكن المؤتمر نفسه ككيان تنظيمي لم يكن مستعدا بعد لاستحقاقات ما بعد الوحدة خاصة أن القرار الذي توصل إليه مع الحزب الاشتراكي عشية الوحدة لم يكن إنشاء تنظيم سياسي موحد يحكم اليمن الموحد بل كان السماح بتعدد الأحزاب وحرية إنشائها وهذا يعني حدوث تحول جذري بعد أن كان كل شطر يحكمه تنظيم سياسي واحد يمنع قيام أي أحزاب سياسية أخرى!
وهكذا وجد المؤتمر الشعبي العام نفسه في أجواء مختلفة كليا عقب قيام اليمن الموحد في مايو1990م، ذلك أنه ظل طوال السنوات الثماني الماضية مجرد غطاء سياسي وليس حزبا حاكما بالمعنى المتعارف عليه فيما وجد نفسه بعد الوحدة يتقاسم الحكم مع الحزب الاشتراكي صاحب الخبرة الكبيرة في العمل الحزبي وفي ظل وجود عشرات من الأحزاب السياسية المعارضة التي توالدت خلال بضعة شهور، ناهيك عن أن الكثير من المكونات الحزبية التي كان يتشكل منها المؤتمر خرجت منه لتعلن عن وجودها المستقل عنه كالإخوان المسلمين والبعثيين والناصريين فوجد نفسه فجأة مفرغا من معظم الكوادر ذات الخبرة في العمل الحزبي، ولولا دهاء وكفاءة مؤسسه الرئيس علي عبدالله صالح الذي تمكن خلال أربع سنوات من إنجاز عملية تهيئة مؤقتة له لما استطاع أن يواصل دوره السياسي خلال تلك السنوات الصعبة التي انتهت بحرب صيف 1994م التي رسخت الوحدة وأنهت مشروع الانفصال.
يمكن القول إن المؤتمر الشعبي العام وضع حدا لسنوات الضبابية والهلامية بانعقاد مؤتمره العام الخامس في سنة 1995م الذي شكل نقلة تنظيمية حقيقية بالنسبة له بعد أن انتقل اليمن إلى مرحلة الاستقرار السياسي التي مكنته من التفكير في مستقبله كحزب سياسي في ظل نظام تعددي... ونتيجة لهذه النقلة فقد أعلن أمينه العام عبدالكريم الإرياني في العام التالي أن المؤتمر سيخوض نيابيات 1997م بغرض الحصول على الأغلبية التي تمكنه من تشكيل حكومة بمفرده بدلا عن الائتلاف القائم مع تجمع الإصلاح، وبالفعل فقد خاض الحزبان تنافسا حادا أفضى إلى حصول المؤتمر على أغلبية تجاوزت %70 من مقاعد البرلمان لينفرد بالحكم لأول مرة في ظل الوحدة... لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل أصبح المؤتمر حزبا حاكما بالفعل؟!
أعلم أنه سؤال غريب والإجابة عنه ستكون أغرب، إذ يمكن اعتبار المؤتمر حزب الأغلبية بمعنى أن مؤسسه الرئيس علي عبد الله صالح أرسى مبدأ يعتبره كثير من السياسيين حكيما وراجحا، وهو الفصل بين التنظيم والدولة خشية أن يتغول المؤتمر على أجهزة الدولة ومؤسساتها ويصبح حزبا قائدا على الطريقة الاستبدادية... وبموجب رؤية الرئيس صالح فإن المؤتمر كحزب لا يشكل الحكومة على سبيل المثال بل يترك الأمر لرئيس الحكومة في اختيار الكادر الأفضل من أعضائه وحتى من خارجه إن لزم الأمر، مع احتفاظ المؤتمر في الوقت نفسه بحق إعطاء ملاحظات على أداء الحكومة ومحاسبتها لكن ليس له أن يديرها أو يقرر نزع الثقة عنها، وكل ذلك من أجل أن يجري بناء الدولة بشكل مؤسسي وليس حزبي، ناهيك عن رغبة واضحة لدى الرئيس في أن يعتمد المؤتمر على كوادره وإمكانياته الذاتية وليس الاعتماد على الدولة في بناء كيانه التنظيمي وقاعدته الشعبية... واليوم يحتفل المؤتمر بيوبيله الفضي وهو يستعد للانتقال إلى مرحلة (الاحتراف) على حد تعبير أمينه العام الجديد عبد القادر باجمال دون أن يحظى بالنفوذ الاستبدادي ذاته أو يعاني من التشدد التنظيمي اللذين تتصف بهما أحزاب عربية مماثلة الأمر الذي يعطيه القابلية الشعبية والمرونة السياسية في الوقت ذاته .
المصدر المجلة