مغالطات الخُمُس
بقلم/ عبدالله القيسي
نشر منذ: 4 سنوات و 4 أشهر و 26 يوماً
الثلاثاء 09 يونيو-حزيران 2020 04:57 م


لا يستند مفهوم الخمس كما هو متداول اليوم لجعله قانوناً على أي أساس ديني حقيقي، وإنما يستند على مجموعات مغالطات تتناقض مع مقصد الدين في توزيع المال "كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم" بجعله دولة بين فئة واحدة:

المغالطة الأولى: مغالطة مصطلح الغنائم
كانت آية الغنائم ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[الأنفال:41]. تتحدث عن خمس لله في الغنائم فقط، والغنائم هي ما أخذه المسلمون من عتاد الكفار المحاربين المعتدين بعد الغلبة عليهم، ثم وسعوا مفهوم الغنائم بما لا يحتمله اللفظ، فأدخلوا فيه الخراج والركاز والمعادن وصيد البر والبحر ومال الذمي، وهذه قضايا لا يشملها لفظ الغنائم.. وهكذا بعد أن كان مفهوم الغنائم يتحدث عن مال كافر حربي صار يتحدث عن مال المسلمين..
والفارق أن المذاهب السنية أدخلت الركاز والمعادن تحت مسمى الغنائم كي تحدد مقدار الزكاة فيها، ثم يتم توزيعها في مصارف الزكاة والتي تعود لجميع مصالح المسلمين، بينما المذاهب الشيعية أدخلتها لتكون ضمن مصرف الخمس ولتذهب بكل تلك الأموال لفئة محدودة من الناس هي بني هاشم..

المغالطة الثانية: مغالطة مصرف الخمس
اختلفت المذاهب في مصرف الخمس الذي ذكرته آية الغنائم، ولم يقل بصرفه لبني هاشم إلا المذاهب الشيعية، ولا يعتد بقولها في تقرير شيء تدعيه لنفسها، وأكثر أئمة المذاهب السنية على خلافهم، إلا موافقة الشافعي في جزء من رأيهم لا كله، وهذا تفصيل بمصارفها عند المذاهب:

المذاهب الشيعية:
1- الاثنى عشرية: يوزعون خمس الغنائم وما ألحقوه بها كالتالي: سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى تفوض للإمام من آل البيت، وسهم اليتامى والمساكين وابن السبيل على بني هاشم فقراؤهم وأيتامهم .
2- الزيدية: يوزع الخمس كالتالي: سهم الله لمصالح المسلمين، وسهم الرسول للإمام من آل البيت، وسهم ذوي القربى لبني هاشم فقيرهم وغنيهم، وسهم اليتامي والمساكين وابن السبيل يصرف للهاشميين ممن انطبق عليه ذلك فإذا لم يوجد هاشمي يصرف لغير الهاشمي.

المذاهب السنية:
يوزع الخمس كالتالي:
1- أبوحنيفة وكل أهل الرأي: سهم الرسول وذوي القربى سقط بموته، والثلاثة الأسهم الباقية يوزعها ولي الأمر على اليتامى والمساكين وابن السبيل.
2- مالك: الغنائم تعود لبيت مال المسلمين وتصرف في مصالح المسلمين كافة.
3- الحسن البصري والثوري: يضعه الإمام في مصالح المسلمين.
4- الشافعي: يقسم الخمس لخمسة أقسام كالتالي: سهم الله ورسوله لمصالح المسلمين، وسهم ذوي القربى لبني هاشم فقيرهم وغنيهم، والثلاثة الباقية لليتامى والمساكين وابن السبيل بلا فرق بين هاشمي وغيره.

أما الفيء عند الفقهاء جميعاً فيعود لبيت مال المسلمين، وهو قول أبو حنيفة ومالك والشافعي في القديم وأحمد في رواية. ثم قال الشافعي في الجديد يخمس كما الغنيمة وتبعه أحمد. وقد ذكر ابن المنذر وابن رشد أن الشافعي هو أول من خمس الفيء وخالف الإجماع السابق.
إذن واضح أن المذاهب السنية لم تتحدث عن مصرف لبني هاشم، عدا ما قاله الشافعي، والشافعي مطلبي ويرى أن المطلبيين حكمهم مثل حكم بني هاشم في خمس الخمس، أما البقية من أئمة المذاهب فقد اعتبروها شأناً خاصاً بولي الأمر أي "الدولة" توزعه في مصالح المسلمين.

المغالطة الثالثة: مغالطة مصلح ذوي القربى
الآية تتحدث عن ذوي القربى، وهذا المصطلح يعني ببساطة أقارب الرجل من الدرجة الأولى، الأولاد والأبوين والزوجة والأخوة، والدرجة الثانية من الأعمام وأبناء الأعمام، والمقصود في الآية بحسب سياقها وسياق لفظ ذوي القربى في القرآن كله أنه ذوي قربى المقاتلين لا أقرباء النبي، لأن الخطاب موجه لهم أساساً "اعملوا -أيها المقاتلون- أنما غنتم من شيء ..." ولا يصح عطفه على أقارب النبي، وإلا اضطررنا لعطف اليتامى والمساكين وابن السبيل أيضاً على الرسول، وقد فصلت في هذا الرأي في بحث خاص بشكل أكبر باعتباره رأياً خاصاً بي لم يذكره المفسرون، وإن كنت أظن أنه متداول في القرون الأولى ولم يدوّن.

كان الأحناف والمالكية يعتبرون أن لفظ ذوي القربى خاص بزمن النبي فقط، فهم قرابته في زمنه، أما بعد زمنه فيسقط هذا السهم، ويصير في مصالح المسلمين، لأن توزيع تلك الغنائم كان في مقام ولي الأمر، فينصرف تقسيمها بعد موت النبي إلى ولي الأمر ليصرفها في مصالح المسلمين، ثم تحول مفهوم ذوي القربى مع الإمام الشافعي ليكون في الذرية، وهذا تحميل للفظ بما لا يحتمل وإغفال للمقامات والسياقات، وحتى لو قلنا بتحويله للذرية فالنبي لا ذرية له من بعد بناته، وأولاد بنته هم ذرية علي لا ذريته، وهنا نلاحظ كيف تم التلاعب بهذا اللفظ كي يصل المال إلى يد فئة محددة، سبقه حكم فقهي خاطئ وهو أن الصدقة تحرم على بني هاشم.

المغالطة الرابعة: مغالطة تحريم الصدقة على بني هاشم
وهذا المغالطة جاءت عبر رواية ظنية جعلوها أساساً دينياً وذهبوا ليبحثوا عما يعوض الهاشمي الفقير، فخرقوا من أجل تثبيتها قانون الإسلام في توزيع الزكاة، ومقاصد القرآن في توزيع المال.
تقول الرواية التي رواها مسلم "إنَّ الصدقة لا تنبغي لآل محمدٍ، إنما هي أوساخ الناس". "إنَّما بنو المطلب وبنو هاشم شيءٌ واحدٌ" رواه البخاري.
وهذه الرواية آحادية ظنية وتخالف عموم القرآن، فالقرآن اعتبر الزكاة حق للفقراء والمساكين، فسماها القرآن حقاً لا أوساخاً. وكيف يعتبرها النبي عليه السلام أوساخاً ثم يقبل الأوساخ لعموم المؤمنين ولا يقبلها لأقاربه؟ هل جاء لتطهير كل المؤمنين أم أقاربه فقط؟!.
إذا افترضنا أنه قد منع أقاربه من أكل الزكاة أو الصدقة دون أن يقول عنها أنها أوساخ الناس، فهو قد يمنعهم لأنهم أغنياء لا يحتاجون، أو يمنعهم من المال العام ويعطيهم من ماله الشخصي، وهذا لا يعمم بعد موته عليه السلام.
كان أبو حنيفة كما ذكر الطحاوي يدرج فقراء بني هاشم ضمن عموم آيات الفقراء والمساكين، لا فرق بينهم وبين غيرهم، فيعطون من الزكاة ومن الصدقة مثل غيرهم، وكأنه إما رد الحديث لأنه آحاد خالف عموم القرآن أو تأوله في زمنه فقط.
الأحناف بعد أبي حنيفة كان لهم رأياً آخر تأثراً بالمذاهب الأخرى فقد قالوا مع الشافعية: تحرم على بني هاشم الزكاة فقط أما الصدقة فلا تحرم، وهذا تناقض آخر كيف تكون الزكاة أوساخاً وهي تصرف من الدولة، ولا تكون الصدقة أوساخاً؟!
ووصلت مبالغة الزيدية وتضخيمها لتحريم الصدقة على فقراء بني هاشم أن جعلوها أعظم مما ثبت بنص قطعي الثبوت والدلالة وهو أكل الميتة فقالوا:
"والمضطر من بني هاشم وهو الذي خشي التلف من الجوع أو نحوه إذا وجد الميتة والزكاة فالواجب أن يقدم أكل الميتة ولا يأكل الزكاة مهما وجد الميتة". [التاج المذهّب لأحكام المذهب للقاضي العنسي] وكل هذا من أجل تأسيس امتيازات خاصة لفئة بني هاشم.

إذن كخلاصة أقول لمن يريد إقرار الخمس لا ما تأخذونه غنائم، ولا مصرفه إليكم، ولا أنتم ذوي قربى، ولا الصدقة محرمة عليكم.. وكل تلك مغالطات لا أساس لها خالفتم بها مقصد الإسلام في توزيع المال، "كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"، فنقضتم وخالفتم هذا المبدأ الديني، ونهبتم أموال الناس وثروات البلد بالباطل، ويا سوء العاقبة في الدنيا والآخرة لمن ينقض مبادئ العدالة الاجتماعية، ويأكل أموال الناس بالباطل (إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا).