رداً على اللغط !
بقلم/ أستاذ دكتور/عبدالوهاب بن لطف الديلمي
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 24 يوماً
الأربعاء 08 أغسطس-آب 2012 12:00 ص

بسم الله الرحمن الرحيم

ويأبى الله إلا أن يحق الحق ولو كره الحاقدون

ونُعيدُ الكرَّة للحديث لما يُطلق عليه بعضُهم اسم \"الفتوى\"، فبعد أن كتبت مقالاً تحت عنوان: \"دوافع اللغط بما يسمَّى الفتوى\" ونُشر في كثير من المواقع الإلكترونية، والمقال المذكور لم يكن فيه سوى التركيز على التحريف ومخادعة البسطاء والشباب، وإلصاق تهم لا أصل لها، ولم يتعرض لتفاصيل المقال الذي يسمونه \"الفتوى\"

وقد أحدث المقال ردود فعلٍ متباينة: بين مُنصفٍ، وموضّحٍ لوجه الحقيقة، وكان من هؤلاء الأخ \"مرعي حميد\" الذي كان مقاله مُفعَماً بالأدلة والوقائع، وسرد الحقائق، بالحجج التي تدمغ كل باطل أُثير حول مقالي؛ وأقول جزاه الله خيراً هو وكل مَن أنصف في كتابته، وبَيْن آخرين لم تحمل كتاباتهم سوى الكلمات النابية، والشتائم بالألفاظ الخارجة عن حدّ الأدب، وما تخفي صدورهم أكبر، وهي عبارات خالية عن كل حجة أو برهان، سوى عبارات عائمة.

وممن أخذ اتجاه المكابرة والعناد، من أَورَد بعض نصوص كلامي المسمّى بـ\"الفتوى\" مع ما فيه من التحريف، غير أنّ المهم فيه أنه قد اعترف بالجانب الذي يتكئ عليه كل من يظهر لي الخصُومة والعداء، ويتبنّى التوعية بالباطل لمخادعة الناس، هذا الاعتراف يتمثل في أني قلت: \"إذا تمترس المقاتلون بالنساء والأطفال والشيوخ جاز قتلهم\"، وهذا الكلام إنّما جاء في معرض التأكيد على شرعية قتال الذين حملوا السلاح من الذين قاتلوا في صفوف الانفصاليين، ولم يكن بهذا النصّ، ولكنّي قلت: \"إذا كان أهل العلم قد أجازوا قتل المتترس بهم، من النساء والأطفال والشيوخ، فمن باب أولى قتل الذين يحملون السلاح\"، والعبارة واضحة في أنّي لم أدعُ إلى قتال أبناء الجنوب، ولم أستبح دماء أحدٍ منهم، وإنما هو قياس حال بحال، وافتراض ما لم يحدث إطلاقاً، دعا إليه دافع المعركة، وإذا كان المقاتلون في صفوف الانفصاليين ذلك الوقت لم يتخذوا لأنفسهم دروعاً بشرية من النساء والأطفال والشيوخ؛ فمعنى ذلك أنه لم يُقتل من هؤلاء الضَّعفة أحد، لا في ميدان المعركة، ولا في غيرها، والكل يعرف أن المعركة كانت تدور رحاها بين معسكرات، وأنّها لم تتجاوز ميادين القتال إلى المدنيين، إلا ما كان من صورايخ \"اسكود\" التي أطلقها الانفصاليون على العاصمة صنعاء، وسقط غالبها على بعض المستشفيات والمنازل الآمنة، وبهذا ينكشف التزييف على الناس، وعلى هذا فلا أصل للفتوى المزعومة، وأن الذين استهدفوا المدنيين هم الانفصاليون، وليست قوات الشرعية.

وأمّا القول: بأنّي كفّرت أبناء الجنوب، فهذا من الإيغال في الكذب، وتجاوز الحد في الخصومة، التي لا ينبغي لعاقلٍ أن يسقط فيها، فكلامي ليس فيه ما يدل على ذلك من قريب ولا بعيد، أضف إلى ذلك أنّ الكلام الإذاعي لا يسمّى \"فتوى\" فالفتوى لها ضابط معروف فهي في الشرع: \"بيانٌ الحكم الشرعي في قضيّة من القضايا جواباً عن سؤال سائلٍ معيّن أو مُبْهَمٍ، فردٍ أو جماعةٍ\".

والمقال الذي ألقيته في الإذاعة أثناء الحرب لا ينطبق عليه شيء من هذا التعريف، ولو صحّ إطلاق \"الفتوى\" على كل مقال، أو خطبةٍ، أو محاضرةٍ، أو موعظةٍ، أو غير ذلك بأنها \"فتوى\" لاختلطت الأمور، وهذا يمثل نوعاً من الفوضى في استعمال المصطلحات الشرعية.

وإذا ثبتت الأمور السابقة، وهي:

1- أنه لا وجود لأيّ عبارة في كلامي تدل على استباحة دماء أبناء المحافظات الجنوبية، أو أموالهم، سوى الفهم المعكوس القائم على سوء النيّة والطويّة.

2- أن القتال لم يقم بناء على فتوى، أو مقال صدر من أيّ جهةٍ، سوى قناعة القيادات السياسية هنا وهناك، خاصّة وأنّ قادة الانفصال هم الذين بدأوا بالتعبئة والاستنفار، والجاهزية للقتال لإعلان الانفصال، والتاريخ والوثائق تشهد بذلك.

3- أنّ مقالي الذي ألقيته عبر الإذاعة، لم أقم بإلقائه إلا بعد أن أصبحت الحرب في نصف عمرها الزمني، في الوقت الذي كان غالب الناس مشدودين بالحرب، خاصة المباشرين للقتال، الذين لم يكن عندهم من الوقت ما يمكّنهم من الاستماع لوسائل الإعلام، وبخاصة الإذاعات، ولم يكونوا حينها في حاجة إلى فتوى، أو توجيهٍ من أحد للدخول في الحرب، وهم في معمعة الحرب، والمدافَعَة والمغالبة.

4- أنّه لم يصدر مني ما يسمونه \"بالفتوى\" لا بالمصطلح الشرعي، ولا بمحتوى المقال الذي لا يوجد فيه أيّ عبارة يستند إليها المغرضون بما يروّجونه من استباحة الدماء والأموال.

ويحق لي بهذه المناسبة أن أتساءل: إلى أي فتوى استند الحزب الاشتراكي عندما أشعل جناحاه الحرب الداخلية، في 13 يناير عام 1986م؟!

وأيُّ الحربين كانت أشدّ ضراوةً وفتكاً بأبناء المحافظات الجنوبية؟!

وأيتهما التي استهدفت المدنيين من أبناء المحافظات الجنوبية، وأيتهما التي ألحقت بالأمة خسائر فادحة في الأموال والمعدات؟!

فهذا كاتبٌ يسطّر بقلمه في صحيفة: \"الجمهورية\" العدد (15573) بتاريخ 9/رمضان/1433ه-28/يوليو/2012م الصفحة (3) الكاتب: \"صلاح صالح قعشة\" عنوان المقال: \"عبد الفتاح إسماعيل (73) عاماً من الحضور\" يقول في مقاله بالنص:

\"استقال الرئيس الراحل عبد الفتاح إسماعيل في إبريل \"نيسان\" 1980م مِن جميع مهامّه؛ بحجّة أسباب صحيّة، إثر الخلافات التي عصفت بالرفاق؛ ليعيش في منفاه بالاتحاد السوفييتي السابق في كييف، حتى عاد بطلب من الرفاق بعد خمس سنوات، مارس/1985م، قبل أن تندلع أحدات 13/يناير \"كانون الثاني\" 1986م، وهي الأحداث التي أدّت إلى اختفائه في ظروف لا تزال غامضة إلى اليوم، وقُتل في أحداث 13/يناير قادة بارزون في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ومنهم: علي عنتر الذي كان نائب الرئيس على ناصر محمد، إضافة إلى وزير الدفاع صالح مصلح، وعلي شايع هادي، الذي كان يشغل منصباً حزبياً، كما قتل في الأحداث أكثر من (23ألفاً) من المدنيين وقادات وكوادر وأعضاء الحزب الاشتراكي اليمني...\".

انظر إلى هذا العدد المروّع من القتلى في صفوف المدنيين الأبرياء، والذين لم يُظهر التباكي عليهم، من يُظهرون اليوم التباكي على أبناء المحافظات الجنوبية فيما حدث أثناء حرب الانفصال 94م، بل لا يريدون من أحد أن ينبش هذا التاريخ المظلم؛ لأنه سيفوِّت عليهم الدعوة إلى الانفصال، إنّ الذي ينظر بعين الإنصاف إلى خسائر الحربين، يجد أنّ حرب 94م لا تساوي 10% من الخسائر التي نزلت بأبناء المحافظات الجنوبية في 13/يناير/86م؛ سواءً في جانب الأرواح، أو دمار الأسلحة، والممتلكات، إضافة إلى حرب ما عُرفَ: بحرب \"المناطق الوسطى\" في 79م، و80م، التي أرادوا من خلالها فرض هيمنتهم على اليمن، ونشر أفكارهم المستوردة من الاتحاد السوفييتي، والذي تولت كِبره الجبهة القومية في ذلك الوقت.

ولا بد أن يعرف الجميع أنّ الدفاع عن الوحدة، في حرب 94م ما كان له أن يحقق هدفه في الحفاظ على الوحدة، لولا وقوف أبناء المحافظات الجنوبية إلى جانب قوات الشرعية، بعد إرادة الله سبحانه وتعالى، وعلى هذا فلم تكن الحرب بين شطرين، ولكنها كانت بين متمردين خارجين على الشرعية، وبين مدافعين عن الحق من أبناء اليمن شماله وجنوبه، ولم يكن هناك حرب بين شمال وجنوب كما يصورها الذين يريدون طمس الحقائق.

ونحن عندما نتحدث أحياناً عن تاريخ الحزب، فإنّه لا بد من التفريق بين تاريخ لا يمكن إنكاره، وأخطاء حصلت في الممارسات والمعتقدات، وبين أفراد رجع غالبهم عن ذلك التوجه، وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ من تكتل يقاوم الظلم والاستعباد، وينشد الحياة الكريمة، مع إصرار أفراد على الخطأ، وعدم التراجع عنه، مع علمهم أنّ التاريخ لا يمكن أن يرجع إلى الوراء، وأنّ الحياة الكريمة لا يمكن أن تأتي من خلال إشعال نار الفتنة والفرقة، وتمزيق الأمة الواحدة، وهؤلاء نسأل الله لهم الهداية.

ولا يعني الحديث عن حرب الانفصال وملابساتها، أن نغض الطرف عن المظالم التي صاحبت الفترة الماضية، بل إنّ ثورة الشباب التي شارك فيها الغالبية العظمى من أبناء اليمن، كانت تعبيراً عن الوقوف في وجه الظلم الذي مُورِسَ لفترة طويلة بسياسات استبدادية، بعد محاولات جادة من المشترك وغيره في إسداء النصح؛ لتصحح المسار، دون جدوى وقد ذهب ضحيّة هذه الثورة ثلة من خيرة الشباب، بل ومن النساء أيضاً، وغالبهم من أبناء المحافظات الشمالية، مما يدل دلالة واضحة أنّ أبناء المحافظات الشمالية كانوا من أشد الناس إنكاراً على مظاهر الظلم، التي استشرت في كل المحافظات بدون استثناء؛ إلّا أنّه لا ينبغي إطلاقاً الربط بين الوحدة والظلم، فمحاربة الظلم واجب، والحفاظ على الوحدة أيضاً واجب، وعلى الجميع التكاتف لتحقيق هذين المطلبين الشرعيَّين، فالنجاسة لا تُغسل بالنجاسة، ولا ينبغي أن يُجعل من المعصيّة جسراً للوصول إلى الطاعة.

ولا بد في الأخير من التنبيه إلى ما وقع فيه بعضهم من الوقوع في تعمد الكذب، وإشاعته في القضايا الآتية:

الأولى: أنّي كُوفِئتُ على ما يسمونه بالفتوى بوزارة العدل، والجميع يعرف أنه بعد حرب الانفصال، وعندما أصبح الإصلاح جزءًا من كيان الدولة، تم تقاسم السلطة بين الأحزاب، وجاء من نصيب حزب الإصلاح مجموعة من الوزارات، من بينها وزارة العدل، وكنت حينها واحداً ممن اختارهم الإصلاح لوزاراته، كما اختار غيري لبقية الوزارات، ممن لم يُتَّهموا بإصدار فتوى ولا غيرها، وعلى هذا فلم تكن السلطة في ذلك الوقت هي التي كافأتني بالوزارة، ولم يكن لها عليّ منّة في ذلك لا من قريب ولا بعيد.

الثانية: أنّ الذي دفعني لإلقاء المقال، الذي يسمونه بـ\"الفتوى\"، هي السلطة بدوافع سياسية، وأنا يومها لم يكن لي أيّ صلة شخصية بالسلطة، بل أكثر من هذا، فحزب الإصلاح لم يكن على علم بهذا المقال، ولم أشاوره في إلقائه، حتى فوجئ كغيره باللغط حوله، وإنما كانت الدوافع شخصية.

الثالثة: أنّ عدداً من علماء مصر أنكروا على ما يسمونه بـ\"الفتوى\" ولفّقوا عليهم كلاماً نشرته يومها صحيفة \"الوثيقة\" الانفصالية، التي كانت تصدر من مصر، وقد وقع في يدي نسخة من هذا العدد، وشاء الله عز وجل أن أزور مصر في مناسبة، والتقيت خلال هذه الزيارة العلماء الذين نسبوا إليهم إنكارهم لما سمّوه بـ\"الفتوى\" وأَطْلَعْتُ كلّ واحد منهم على ما نُشِرَ عنه حول الإنكار على \"الفتوى\" المزعومة، فاستنكر كل واحد منهم أشد الاستنكار على ما نسب إليه، وكتبوا بأيديهم تكذيباً دامغاً لما نسب إليهم، بل قالوا: إنّهم لا يعرفون شيئاً عن هذه \"الفتوى\" المزعومة ولم يلتقوا بأحد من الانفصاليين لطلب الرد على ما نُسب إليّ، وقد نشرت صحيفة \"الصحوة\" في حينه في عددها الصادر في 15/رجب/1416ه، الموافق 7/ديسمبر/1995م، كما نشرت صورة لخطّهم وتوقيعهم، وفي إمكان أي قارئ الرجوع إلى العدد المذكور من \"الصحوة\" لمعرفة حقيقة الأمر.

الرابعة: أشاعوا عني في مواقع الانترنت وغيرها، أنّي كنت عازماً على زيارة حضرموت قبل شهرين تقريباً، وفوجئت حينها ببعض الشباب من أبناء حضرموت يسألونني: هل أنت ستزور حضرموت؟

وكنت استغرب لمثل هذا السؤال؛ لأنّي لم يخطر على بالي إطلاقاً هذا الأمر الملفق، ولكن لا غرابة لمن تعوّد الكذب، وصار له سجيّة، أن يصدر منه مثل هذا، والله المستعان.

وأخيراً: فإنّ هؤلاء الذين نَسجوا ما نسجوه حول ما سموه: بـ\"الفتوى\" لعلهم كانوا يريدون منّا أن نقول لقوات الشرعية في حرب الانفصال: كُفّوا أيديكم عن مواجهة قوات الانفصال، واتركوهم يعتدون عليكم وعلى غيركم، وأفسحوا لهم المجال؛ ليعيثوا في الأرض الفساد، ولا تحركوا ساكناً؛ حتى يحققوا كل ما يريدونه من الدمار والقتل وغيره، فلمّا لم نَقُل ذلك استشاطوا علينا غضباً؛ لأنّهم لم ينالوا ما يريدون، والحمد لله أولاً وآخراً.

aldelame@yahoo.com