ضرورة فك الاشتباك بين الثورة و الاصلاح!
بقلم/ أ.د سيف العسلي
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 14 يوماً
الأحد 17 يوليو-تموز 2011 07:33 م

 لسوء الحظ هناك خلط كبير بين الثورة و عملية الاصلاح لدى كل النخب السياسية القديمة و الشبابية مما جعلهم يوقعون انفسهم و شعبهم في معانات و متهات كبيرة. و قد نتج هذا الاشتباك لتداخل الحزبية مع مؤسسات الدولة و السياسي بالديني و المدني بالعسكري و الحضري بالقبلي. لولا ذلك لكانوا ادركوا الفرق بين الثورة و عملية الاصلاح و لاختاروا احدهما. اذ ان هما مثل الاختين التي لا يجوز الجمع بينهما.

 الثورة فكر و فعل و مزاج مختلف عن عملية الاصلاح. فعلى الرغم من ان الثورة في الاساس تدمير لكنها قد تكون مبررة في ظل شروط و ظروف معينة. الثورة لا تحدث الا لماما و عندما تصل الامور الى حد الانهيار. في حين الاصلاح عملية مستمرة بسبب التعلم و ارتكاب الاخطاء. فالانسان لا يولد متعلما و لكنه يتعلم طوال حياته و المجتمع كذلك. و لا معنى للتعلم اذا لم يتم الاستفادة منه. و بالتالي فان الاصلاح يجب ان يرتبط بما يتم تعلمه من افكار و ادوات و وسائل جديدة اكثر فائدة و نفعا. و كذلك فان الانسان غير معصوم و كذلك المجتمعات. فاذا ما تم ارتكاب اخطاء فانه لا بد من معالجتها اي اصلاحها.

 الثورة لها تكاليف كبيرة حتى في حال نجاحها و لذلك فهي ليست موضة و لا تطلب و انما هي ضرورة تلبى. و لذلك فهي التي تفرض نفسها على الجميع. فلا احد يخطط لثورة و يتمناها و خصوصا اذا كان ما تهدف الثورة الى تحقيقه يمكن تحقيقه من خلال عملية الاصلاح.

 و على الرغم من قناعتي بان ما يجري في العالم العربي بشكل عام و باليمن بشكل خاص قد يتطلب ثورة لكني اعتقد انه قد تم افراغها من حيث السطو و الاستحواذ عليها. فمن الواضح ان قيادة احزاب اللقاء المشترك قد استعجلت بها من اجل تحقيق اهداف سياسية غير مشروعة ( الاستيلاء على السلطة). و بذلك فقد خدعت نفسها و قد خدت الشعب. لقد خدعت نفسها عندما اعلنت ان لا علاقة لها بما يجري في ميادين التغير. فأوهمت ان الشباب هم الذي يقودون ثورتهم. و قد خدعت الشعب عندما اوهمتهم انها تتبنى معاناتهم.

 فلقد اتضح بما لا يدع مجالا للشك بان احزاب اللقاء المشترك كانت تبيت نية للاستلاء على السلطة او على الاقل المشاركة فيها. و لذلك فقد عملت في البداية على دفع الشباب ( المنتمين لها) بتبني مطالب ثورية بهدف حشد التعاطف معهم و لكنها في الوقت نفسه كانت تسعى الى ان تحل محل النظام و ليس الى اسقاطه. و الدليل على ذلك انها ما فتئت تقدم المبادرات و تدير المفاوضات من اجل ان تكون على الاقل شريكا في السلطة.

 لا شك ان تصرف احزاب اللقاء المشترك على هذا النحو يدل ان همها الاساسي هو الوصول الى السلطة باي ثمن. اي انها لا تهدف حتى الى اطلاق عملية اصلاح حقيقية ناهيك عن اطلاق ثورة.

 الثورة تنطلق فجاء و بدون اي تخطيط او مبادرة و لكن الصحيح ايضا انها تخمد فجأة و بدون استاذان من انصارها بها. وقت الثورة قصير جدا و لكن اذا نجحت فان تاثيرها يمتد لفترات طويلة. و مع ذلك فان علاماتها لا تخفى على المراقب الحصيف و الموضوعي.

 فمن علامات الثورة الياس من الواقع المعاش. و كذلك انعدام الرؤيا او الرغبة في تغيره من قبل النخب السياسية. اي ان من علامات الثورة توقف عملية الاصلاح. و لهذا السبب فان علامات الثورة في اليمن كانت موجودة و لكن ربما ان الوقت لم يحن بعد او انه حان و لكن تدخلت القوى غير الثورية لإفشالها. و في اعتقادي ان اللقاء المشترك قد ساهم و بشكل كبير في افراغ الزخم الثوري لأنها تخشى الثورة فلا تريد ان تخرج من الملعب السياسي في حال نجاح الثورة.

 هناك العديد من الادلة على تورط احزاب اللقاء المشترك في ذلك. فنظرا لفشل عملية الاصلاح نتيجة لضعف النظام السياسي ( السلطة و المعارضة) كان من الضروري اما اطلاق عملية اصلاح حقيقية او توقع الثورة. و لعل من الاسباب التي وقفت وراء فشل عملية الاصلاح هو سيطرة الحزب الحاكم على مؤسسات الدولة و قبول احزاب اللقاء المشترك بالمشاركة في ذلك.

 لقد فشلت عملية الاصلاح نظرا لانقسام النخب السياسية بين السلطة و المعارضة اي اما مؤيدين للحزب الحاكم و اما مؤيدين لأحزاب اللقاء المشترك. و نتيجة لذلك تحولت الانتخابات الى موسم لتوزيع الوعود الكاذبة و ليس الى موسم لتقيم الرؤى و البرامج ليختار الشعب افضلها. و كانت نتيجة هذه الانتخابات ان حافظ كل طرف على مكاسبه.

 و الان و بعد ستة اشهر على انطلاق الثورة لا زال المجتمع منقسما بل انه يمكن القول بانه قد تعمق الانقسام . فنظرا لغياب العقلانية فبدلا من ان تعمل ثورة الشباب على كسر هذه الحلقة بحيث يسعى الجميع لتحقيق العدل للجيمع و ازالة الظلم عن الجميع فقد تمكن المعادون للثورة الى تكريسها. و لا يمكن التخليل عن بعض المنافع الخاصة لصالح المصالح العامة الا في ظل التوافق على معايير و اعراف و قواعد و قوانين جديدة تسمح بالتعايش السلمي في الداخل و الخارج. و في هذا الاطار فانه لا بد من ايجاد البنية التحتية الضرورية لذلك. و لعل من اهم ذلك تغليب العقلانية على المسلمات و المنطق على الشعارات. فالعقلانية تعني التصرف وفق لحساب المنافع و المضار و تمكن من المقارنة بين الخيارات المتاحة. و في هذه الحالة يمكن التحاور و التوافق على القضايا الاساسية للعيش المشترك على الاقل. اما في حال تغليب العاطفة فان مواقف الاطراف المكونة للمجتمع تتغير مواقفها وفقا لتغير حالاتها النفسية مما يشيع الفوضى.

 و نتيجة لذلك فان الاوضاع في البلاد قد وصلت الى توازن الفوضى. اي توازن يعرقل البناء الوطني و يشجع التصرفات الفوضوية. في ظل الفوضى ينتشر الظلم و ينعدم العدل. فالعدل في هذه الحالة يفسر على انه المصلحة الخاصة و الظلم هو مصلحة الاخرين و المصالح العامة. و في هذه الحالة فان السلطة تعمل على المحافظة على الوضع القائم الذي يخدم مصالحها و المعارضة تعمل على تغيره ليخدم مصالحها فقط و لن يكترث اي طرف بمصالح غيره. ولقد تسبب ذلك في دخول المجتمع نفسه في دائرة الظلم و الظلم المضاد.

 فاذا كانت ثورة الشباب في الوقت الحاضر قد عجزت عن تغير البيئة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية على الرغم من طول عمرها فانه لا بد من فك الاشتباك بينها و بين عملية الاصلاح الفاشلة من خلال تبني مرحلة انتقالية خاصة تعمل على تحقيق بعض اهداف الثورة من خلال اطلاق عملية اصلاح عميقة وواسعة. ان ذلك يتطلب بالضرورة اطلاق الابتكار و التجديد. فليس من المفيد تقليد الاخرين و انما السعي لتحقيق ما هو ممكن و مفيد.

 و يجب ان يكون الهدف الاساسي لهذه المرحلة الانتقالية الخاصة فك الاشتباك بين مؤسسات الدولة و الاحزاب السياسية. اي يجب ان تكون مؤسسات الدولة محايدة. في الوقت الحاضر فقد تم اقحامها في الصراع السياسي. و بدلا من ان تعمل هذه المؤسسات على تقديم خدماتها لكل المواطنين الموالين و المعارضين فان كل ممثل لهذه الاحزاب في مؤسسات الدولة يتعامل مع مؤيديه فقط.

 لقد مثل ذلك اختلالا كبيرا اثر على عدالة و فعالية النظام السياسي برمته. يتحقق الامن الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي فقط عندما لا تكون مؤسسات الدولة تابعة لحزب او طائفة او جماعة. ان تقاسم الاحزاب السياسية لمؤسسات الدولة يعمل على تفكيكها. و لا شك ان ذلك يثير الخوف في المجتمع. و في هذه الحالة فانه من غير الممكن الوصول الى اي تداول سلمي للسلطة و لا حتى التعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية. فكل مؤسسة من مؤسسات الدولة ستكون متحيزة لمن يدعمها. و لا يتغير ذلك حتى في حال اسقاط هذه المؤسسات و اقامة مؤسسات جديدة على نفس الأسس. فمن المتوقع ان تنحاز المؤسسات الجديد الى الفئات التي ساعدتها على الحلول محل المؤسسات القديمة. و نتيجة لذلك فان المجتمع كله يعيش في حالة خوف. فمن كان امنا يتحول الى الخوف و من كان خائف يتحول الى الامن لكن المجتمع بشكل عام يظل يعاني من الخوف باستمرار.

 ان حيادية مؤسسات الدولة امر في غاية الاهمية. فبدون ذلك تكون توقعات المواطنين من انفسهم و من مجتمعهم و من نخبهم السياسية و من محيطهم الاقليمي و الدولي غير منضبطة و غير واقعية و غير عملية. و لا شك ان ذلك يؤثر على تصرفاتهم و تحاوراهم و تنافسهم و تعاونهم. و في هذه الحالة فان المصالح الانانية قصيرة الاجل تزيح المصالح العامة طويلة الاجل. و من اجل ذلك يتحول المجتمع الى فئات متناحرة و متقاتلة و في هذه الحالة فانه يصبح خطرا على نفسه و على محيطه و على العالم اجمع.

 ان تحقيق ذلك سيمكن من اصلاح مؤسسات الدولة بحيث تعمل لصالح الجميع. و لن يتحقق ذلك الا من خلال تقييد صلاحيات و امتيازات من يديرها لتكون قابلة للشفافية و المحاسبة و بالتالي العزل و التثبيت. ان تقسيم السلطة و توازنها كفيل بذلك كما تدل على ذلك تجارب العديد من الامم و الشعوب.

 و بالاضافة الى ذلك فان ذلك سيمكن من تحقيق نزاهة و استقلال القضاء. و قبل ذلك فانه لا بد من تهيئة عقولنا للقبول بما لا نرغب فيه اذا كان ذلك صادرا من سلطة قضائية محايدة.

 ان كل ذلك ضروري و لكنه غير كافي. فالدولة بكل مؤسساتها لا تستطيع ان توفر لنا كل ما نحتاج من خدمات و لا ينبغي ان تمكن من ذلك حتى لا تتحول الى غول يلتهمنا. و لذلك فانه لا بد و ان يترك مجال لكل فرد لتدبير اموره بنفسه كما يرغب و تطوير مؤسسات مجتمع مدني طوعي يساعده في ذلك.

 في هذه الحالة سيكون من الممكن اما الاستمرار في عملية الاصلاح و بالتالي عدم الحاجة الى ثورة بكل ما يعنيه ذلك من تضحيات و معانات واما القيام بثورة باي ثمن و من ثم عدم التردد في حسمها.