ازمة المشتقات النفطية: الاسباب و الحلول!
بقلم/ أ.د سيف العسلي
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر و 4 أيام
الأحد 10 يوليو-تموز 2011 08:40 م

 من المعيب في حق النخب السياسية ( سلطة و معارضة) استخدام معانات الناس كوسيلة للكسب السياسي الرخيص. فليس صحيحا ان انعدام المشتقات النفطية في اليمن هو بسبب تعمد السلطة اخفاءها من الاسواق كما تدعي ذلك احزاب اللقاء المشترك. و كذللك فليس صحيحا ان ذلك بسبب الاعتصامات كما يدعي ذلك المؤتمر. و لكن الصحيح هو ان سوء الادارة يمثل السبب الاساسي لازمة المشتقات النفطية في اليمن.

 فمن الواضح الجلي ان هذه المهاترات بين الطرفين قد اضافت الى معانات الناس الشي الكثير. فقد تسببت استعداء بعض مكونات المجتمع للبعض الاخر. و ما كان ينبغي ان يحدث ذلك لو كان هناك حرص من الطرفين على مشاعر الناس. و لكن غياب ذلك فقد استمراء الطرفان التمتع بتبادل الاتهامات و ان كان ذلك على حساب مشاعر الناس العادين. و كذلك فلو كان هناك احساس وطني لديهما لبادرا لمناقشة الاسباب الحقيقة و الحلول المقترحة و عدم ربط ذلك بالصراع السياسي القائم بينهما.

 انه لا يمكن تبرير تصرف الطرفين على هذا النحو فما ترتب على السماح لهذه الازمة بالتفاقم على الناس جميعا ليس بالهين. فالمشتقات النفطية سلعة اساسية و استراتيجية بكل المقاييس و المعايير. فعليها يعتمد نقل المواد الغذائية و حفظها و اعدادها. و بالتالي فان عدم توفرها يؤثر و بشكل كبير على غذاء الناس و خصوصا الفقراء منها. و كذلك فان ذلك يؤثر على تواصل الناس و تنقلاتهم و خصوصا المرضى منهم و الذين يتأثرون بالاضافة الى ذلك من خلال اضطراب الخدمات الصحية المقدمة لهم مما يؤثر ذلك سلبا على حياتهم و آلامهم.

 و كذلك فانه لا يخفى على احد اهمية المشتقات النفطية كمادة استراتيجية مؤثرة على مجمل النشاط الاقتصادي. فالمصانع لا تعمل بدون توفر هذه المواد و بالتالي فان غيابها يعني توفقها مما يعني تسريح العاملين فيها و خلو الاسواق من منتجاتها. فالمزارع تعتمد على المشتقات النفطية في ري المزروعات و في حصادها و في نقلها الى الاسواق و في حفظها و لا شك ان انعدامها يؤثر سلبيا على المزارعين و العامين و المستهلكين.

 و تعتمد المؤسسات الحكومية على هذه المشتقات بشكل كبير في القيام بمهامها. فانعدامها يؤثر على تواجد العاملين فيها و على تكاليف تنقلاتهم و تنقلات المستفيدين و على دخولهم الحقيقية. و في دولة يعاني من ظاهرة الفقر المدقع فيها ما لا يزيد عن 50% من سكانها ان ذلك سيعمل على توسعها لتشمل ما لا يقل عن 80% من السكان.

 و اذا كان الامر على هذا النحو فانه كان على جميع القوى السياسية اخذ ذلك بالجديدة التي يستحقها. و لو تحقق ذلك لجعلها تتعامل مع هذه الازمة على اعتبارها اولوية قصوى على اي شيء اخر مثل الثورة او المشاركة في السلطة او اي اعتبار اخر.

 ان السبب الرئيسي في نظر لهذه الازمة هو سوء الادارة فيما يتعلق في ادارة عملية تسويق النفط الخام و تكريره و خزنة توزيعه. و لذلك فان حلها لا يمكن ان يتحقق الا من خلال اصلاح ادارة المشتقات النفطية. فإدارتها في الوقت الحاضر يتم وفقا لترتيبات قديمة كنت جزاء منها عندما كنت و كيلا لوزارة المالية. و تقوم هذه الترتيبات على اساس ان يتم بيع نفط مارب الخام لمصافي عدن بالسعر الدولي و لكن المصافي لا تسدد قيمة ذلك فورا. فتقوم المصافي بتكريره و بيعه دينا الى شركة النفط بالأسعار الدولية زائدا مبلغا لتعويض المصافي عن الفاقد في عملية التكرير نظرا لقدم المصافي و لتضخم نفقاته و عماله. و بعد ان تقوم شركة النفط بشراء المشتقات من المصافي تقوم بتوزيعه و بيعه لمحاطات التوزيع الخاصة و الى المؤسسات الحكومية مباشرة. و تقوم بعد ذلك بتحصيل قيمته بالسعر المحدد من قبل الدولة. و تقوم بعد خصم نسب العمولات للمحطات و نسبة الشركة تورد الصافي الى حساب وزارة المالية.

 و وفقا لهذه الترتيبات يتم تشكيل لجنة في كل شهر من وزارة المالية و مصافي عدن و شركة النفط لعمل التسويات اللازمة بين الاطراف الثالثة دفتريا. و تقوم وزارة المالية نتيجة لذلك بتغطية الفارق بين السعر الدولي للمشتقات و المبالغ المحصلة. تتم هذه التسويات محاسبيا و دفتريا. و بمقتضى ذلك فان وازرة المالية تعكس الفارق من حساب دعم المشتقات الى حساب الحكومة العامة.

 لقد كانت هذه الترتيبات ضرورة في ذلك الوقت و لذلك فقد كانت مؤقتة. ولذلك فقد كان يجب تطويرها منذ زمن طويل. و بالفعل فقد حاولت فعل ذلك عندما توليت مسئولية وزارة المالية و لكن لقصر فترة بقائي فيها لم اتكمن من انجاز ذلك. و لسوء الحظ فقد توقفت هذه الجهود بعد خروجي منها.

لقد كان تطوير هذه الترتيبات ضروريا لتلافي الفجوات التي ظهرت عند تطبيقها و المتمثلة في طول فترة المحاسبة و في التراكمات الدى الجهات الحكومية و خصوصا لدى وزارة الكهرباء و الجيش و بعض الجهات الحكومية.

 و قد كان تطوير هذه الترتيبات ضروري لتلافي حدوث ازمات متكررة في المشتقات النفطية. فالتطبيق الحرفي لها هو الذي تسبب في حدوث الازمة الحالية كما تسبب في سابقاتها. فعندما توقف ضخ النفط من مارب توقفت مصافي عدن عن التكرير بحجة انه ليس لديها مبالغ مالية لاستراد النفط الخفيف من الخارج و الذي يتطلب فتح اعتمادات كافية لهذا الغرض و حملت ادارة المصفاة وزارة المالية مسئولية. و على الرغم من ذلك فلم تتحرك شركة النفط لمعالجة هذا الاختلاف بحجة انه لا يتوفر لديها هي الاخرى مبالغ كافية و لا خبرة في استراد المشتقات و لا المخازن الكافية و لا سفن الشحن و حمل ادارة الشركة كلا من مصافي عدن ووزارة المالية مسئولية ما قد يترتب على ذلك. و تجاهلت وزارة المالية الامر بحجة نه ليس لديها مخصصات لذلك.

 و من وجهة نظري فان وزارة المالية تتحمل الجزء الاكبر من المسئولية لأنه لديها مخصصات للدعم كان يمكن ان تستخدم لتوفير اعتمادات الاستيراد المشتقات النفطية اما من خلال مصافي عدن و اما من خلال شركة النفط لو وفرت لها الاعتمادات الكافية من حساب مخصصات الدعم. صحيح ان ذلك كان يتطلب تغير الترتيبات الحالية لكن ذلك كان ممكنا. فالترتيبات الحالية قد اعدتها وزارة المالية و صدرت بقرار من وزير المالية.

 و الان و بعد حدوث هذه الازمة و التي تعد الاخطر من نوعها فان تطوير الترتيبات اصبح ضروريا لمعالجة هذه الازمة و منع حدوث ما يشبهها في المستقبل. اذ لو تم تطويرها لتم معالجة هذه الفجوات و لا تم تجنب الازمة الحالية.

 و في هذا الاطار فاني اقترح ان يتم تطوير الترتيبات على ثلاث مراحل. على ان يتم الحرص على التناسق بينها من الان بحيث يترتب على الانتهاء من المرحلة الاولى الدخول في المرحلة الثانية و بدون توقف.

 في المرحلة الاولى يجب على وزارة المالية توفير الاعتمادات الضرورية لمصافي عدن كي يكون قادرا على استيراد الفارق بين طاقته الانتاجية و الاحتياج الفعلي. فلا شك ان الاحتياج الفعلي بعد الازمة سيكون اكبر من الاحتياج العادي و لكن توفير ذلك ضروري من اجل تحقيق الاستقرار في هذا السوق.

وفي المرحلة الثانية يجب تحميل شركة النفط مسئولية شراء المشتقات النفطة بدلا من مصافي عدن سواء من مصافي عدن او استردادها من الخارج. و يمكن استغلال حاصل بيع المشتقات الناتجة من هدية المملكة العربية السعودية من النفط الخام و هدية دولة الامارة لتمويل عمليات استيراد شركة النفطة بدلا من توريدها الى حساب الحكومة العام. و كذلك فانه يجب اعادة هيكلية شركة النفط من كل النواحي الادارية و البنية التحتية و التمويلية.

 و في المرحلة الثالث يجب تأهيل القطاع الخاص لتولي عملية الشراء من المصافي او الاستيراد من الخارج. فمن الواضح ان عملية التأهيل ستكون اسهل في حال تحرير اسعار المشتقات النفطية و لكنها ممكنة حتى في ظل بقاء اسعارها مدعومة في ظل ترتيبات معينة.

 فمن اجل منع حدوث اي ازمة للمشتقات النفطية و الى الابد فانه لا بد من تمكين القطاع الخاص من القيام بمهمة شراء و توزيع و استراد هذه المشتقات. فلو كان ذلك مجودا في الوقت الحاضر لما كانت هذه الازمة بنفس الحدة. صحيح ان اسعار المشتقات النفطية سترتفع الى مستوى الاسعار الدولية لكنها ستكون متوفرة. في هذه الحالة فانه لن يكون هناك سوق سوداء تبيع المشتقات النفطية بأسعار جنونية و لن يكون هناك طوابير طويلة. و ما من شك بان هذا الوضع افضل بكثير من الوضع الحالي.

آلا هل بلغت اللهم فاشهد!