تآكل المقدرة القتالية للعجل الذهبي بقلم/ دكتور/عبدالوهاب المسيرى
نشر منذ: 16 سنة و 4 أشهر و 10 أيام الجمعة 04 يوليو-تموز 2008 07:41 م
يستند الوجود الصهيوني إلى العنف إذ انه يهدف إلى التخلص من أصحاب الأرض وإحلال آخرين محلهم، وهي عملية لا يمكن أن تتم بالوسائل السلمية لأسباب إنسانية معروفة.والكيان الصهيوني غُرس غرسا في فلسطين ليلعب دورا قتاليا ضد المنطقة العربية. وعلى مستوى من المستويات يمكن القول إن المشروع الصهيوني كان يهدف إلى نقل الفائض البشرى اليهودي من أوروبا إلى فلسطين وتحويله إلى "مادة قتالية" تخدم المصالح الغربية.العسكرية الصهيونية تشكل العمود الفقري للمشروع الصهيوني، فهو يكتسب شرعيته الصهيوني وشرعية وجوده منها.وكما قال ييجال آلون، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، في مؤتمر القدس لأصحاب الملايين اليهود يوم 29 يونيه 1969:"لا يتحقق الأمن الإسرائيلي عن طريق المناطق المنزوعة السلاح ولا بالبوليس الدولي ولا بضمانات الدول أو الهيئات الدولية وإنما بالأرض". ثم يُعرّف هذه الأرض بأنها القنوات (أي قناة السويس) والممرات والأنهار (أي نهر الأردن) والمرتفعات (أي الجولان). ثم يلخص الموقف كله بقوله "إن الأمن يتحقق بالاستيطان بالمسلح".وقد أحرز الاستيطان المسلح في فلسطين قدرا لا باس به من النجاح وبالتالي حصل على قدر من الشرعية أمام يهود العالم وجماهير المستوطنين والعالم الغربي.ولكن ابتداء من حرب عام 1973 بدأ إيمان المستوطنين الصهاينة بالعجل الذهبي – أي الجيش الإسرائيلي– في الاهتزاز ثم في التآكل. ثم جاءت عملية غزو لبنان التي انتهت بانسحاب القوات الإسرائيلية دون أن تحقق ما كانت تهدف إليه، أي "القضاء بشكل نهائي على منظمة التحرير".ولم تتوقف العمليات الفدائية البتة وكان من أهمها وتاجها عملية قبية التي بينت بشكل لا يدع مجالا للشك أن الذراع القوية لجيش الدفاع (!) ليست قادرة بالضرورة على حماية المستوطنين الصهاينة، وتوفير الأمن المطلق لهم.ثم جاءت ثورة الحجارة لتبين مدي عجز جيش الدفاع عن القيام بالعمليات الجراحية والضربات الإجهاضية التي تُسكِت الآلام مرة واحدة. وتبعتها انتفاضة الأقصى المسلحة ثم الانسحاب من جنوب لبنان، ثم أخيراً الحرب السادسة، التي فضحت جيش الدفاع الذي ادعى أنه لا يُقهر أمام نفسه وأمام المستوطنين الصهاينة، بل وأمام راعيه الإمبريالي، أي الولايات المتحدة.ويمكن القول إن استمرار الاحتلال في الضفة الغربية وغزة ما يزيد عن أربعين عاما كان من الصعب الدفاع عنه ، باعتباره دفاعا عن النفس.ولذا شهدت القوات العسكرية الإسرائيلية لأول مرة في تاريخها ظواهر احتجاجية مختلفة ، جديدة عليها كل الجدة مثل رفض الخدمة العسكرية تماما، أو رفض الخدمة في الضفة الغربية وغزة أو زيادة نزوح أبناء الكيبوتسات، العمود الفقري للمؤسسة العسكرية واحتياطيها الحقيقي ، بل زيادة نزوح أفراد من القوات المسلحة ذاتها.وقد أخبرني اللواء حسن البدري –رحمه الله- مؤرخ الجيش المصري، أن الجيش الذي يقوم بقمع عصيان مدني يفقد مقدرته القتالية. ثم أضاف ضاحكاً: ما يحدث هو أن الجندي ينسى كيف يستخدم بندقيته، وإن استخدمها فهو يستخدمها بالمقلوب.ولا يختلف رأي اللواء حسن البدري عن أوري ساجوري (رئيس القوات البرية) حسبما جاء في الجيروساليم بوست (ملحق 30 يناير1988) الذي قال إن استمرار الانتفاضة سيؤدي إلى تزايد فقدان جيش الدفاع للمقدرة القتالية. كما أن الانتفاضة أدت إلى توقف أو تعطيل برامج التدريب، وقد اشتكي احد الضباط الإسرائيليين من أنه لا يقوم بأداء ما دُرِّب عليه ، ولا يقوم بتدريب الجنود ليقوموا بما ينبغي عليهم القيام به ( تايم 15 فبراير 1988).وأعلن رئيس أركان حرب الجيش الإسرائيلي (عل همشمار 3 يناير 1988، في مقال لآربية بالجي "جنوب أفريقيا وصلت هنا بالفعل "): أن الجيش سيبدأ برنامجا لإعادة تدريب الجنود على طرق حفظ الأمن في المناطق ، ويقول كاتب المقال إن هذا يعني تحول إسرائيل إلي جنوب أفريقيا. والاستنتاج الأخير يهمنا كثيرا، فمن وجهة نظرنا لا يوجد فارق نوعي بين الجيبين الاستيطانيين، ولكن ما يهمنا هو أن الجيش الإسرائيلي سيفقد قدرا كبيرا من مقدرته القتالية بسبب قيامه بالعمليات الأمنية، وهذا أمر معروف لدي المفكرين العسكريين. وقد عبر الأستاذ اسحق غالنور، وهو أستاذ في العلوم السياسية بالجامعة العبرية وضابط احتياطي برتبة رائد في الجيش الإسرائيلي، على ما هو متوقع بقوله:"سيخرج الجنود الإسرائيليون من الأراضي المحتلة وقد نسوا كيفية استخدام البندقية وماسورتها إلى الأمام، بعد أن تعودوا على استخدامها بشكل معكوس في الضرب [نفس ملحوظة اللواء البدري] (وول ستريت جورنال عن القبس 22 ابريل 1988). وقد لاحظ دان راكين ( في مقال بعنوان الجنود يلقون الحجارة وزجاجات الكولا " معاريف 25 فبراير 1988) أنه عندما تزداد كثافة الحجارة يستخدم الجنود نفس سلاح العرب: "يقومون برشق السكان بالحجارة والزجاجات الفارغة".وقد لخص العقيد عمانوئيل فالد حالة المادة القتالية الصهيونية بعد الانتفاضة الأولى في تقرير له عن الجيش الإسرائيلي قدمه لمكتب وزير الدفاع، ولكنه قوبل بفتور بدعوى أن المقترحات التي يقدمها ليست عملية ن وبعد أن وقع عقدا مع مركز الأبحاث الاستراتيجية في إسرائيل لإعداد البحث أُلغِي العقد، ولكنه نشر رأيه في نهاية الأمر في كتابه لعنة الأواني المكسورة – تقرير فالد. يقول فالد: "إنه ليس أمام إسرائيل من احتمال عسكري في المستقبل إذا استمر الجيش الإسرائيلي يسير في الطريق التي يسير فيها حالياً . ويؤكد أن دولة إسرائيل تعيش في "زمن مستعار" وان مؤسستها العسكرية "تسير نحو الضياع" ، وينتقل فالد من التعميم إلي التخصيص فيقول: "أن قادة الجيش يعانون من نقص واضح وظاهر في الاهتمام والفهم والتقنية في الحرب بصفة عامة وفي الاستراتيجية بصفة خاصة ، ويسود بينهم عداء لأي مبادرة في المجال الفكري. وهم يفتقرون إلي التفكير الاستراتيجي السياسي. فهذا جيل من أنصار حكومة التكنوقراط ، الذي تحول إلي أداة طيّعة في يد المؤسسة العسكرية".ثم يشير فالد إلي بعض الظواهر السلبية التي نشأت في السنوات الأخيرة في الجيش الإسرائيلي. مثل "نمو القيادات واتساعها على حساب القوة المقاتلة. فالذي يحظى بأفضلية كبيرة في الجيش الإسرائيلية، فعلا، هو القيادات والخدمات والإدارات المختلفة، وليس المقاتلين، وذلك على حساب السلك المقاتل، الذي انخفضت نسبته في حجم القوات.وهذا اتجاه عام ومتوقع في كل القوات المسلحة الغربية مع تزايد معدلات العلمنة والاستهلاكية التي تتطلب توفير معدلات عالية من الراحة للمقاتل، خاصة انه عادة ما يخوض حروبا غير أخلاقية الأمر الذي يؤدي إلى تزايد قطاع الخدمات داخل القوات المسلحة. وقد اتضحت هذه الظاهرة بشكل درامي أثناء الحملة الأمريكية على لبنان والتي تزامنت مع الحملة الأمريكية على جرانادا. وكلا الحملتين كانتا صغيرتين للغاية، ومع هذا اشتكت القيادة العسكرية الأمريكية من أن مصادرها الضخمة مرهقة لان كل جندي مقاتل يحتاج لكم هائل العسكرية الأمريكية من أن مصادرها الضخمة مرهقة لان كل جندي مقاتل يحتاج لكم هائل من الخدمات المساندة وعملية تغطية رهيبة. ولعل هذا هو عقب آخيل في آلات القمع القتالية المتقدمة : أن قمتها القتالية لابد أن تساندها قاعدة ضخمة مركبة يمكن إرهاقها بسرعة نظرا لضخامتها وتركيبيتها.ويتحدث فالد" عن التكايا الكبيرة في شعبة الطاقة البشرية، وشعبة المخازن والتموين، وحتى شعبة التخطيط.والله أعلم.عن موقع حزب العمل المصري..