بعد تهديد باجمال له.. في بيروت: علي ناصر محمد هل يكون حريري اليمن؟
نشر منذ: 18 سنة و 5 أشهر و 19 يوماً
الخميس 25 مايو 2006 11:21 ص

المسئولون في بلادنا يحتكرون دائما الوطنية لأنفسهم.. ولو كانوا كذلك لما وصلنا اليوم إلى مفترق الطريق.. بين دول تتهم اليمن بأنها ملاذ آمن للإرهابيين حتى وهم داخل السجون يستطيعون الإفلات وبسهولة.. وبين دول تدلل بفسادنا للدول النامية بأن اليمن دولة فاشلة ومعرضة للانهيار.. ومع هذا مسئولونا كثيرو كلام وغير مستوعبين مخاطر الأوضاع التي تمر بها البلاد، ولا يفكرون حتى بعواقب كلامهم الكثير.

فقبل ثلاثة أعوام وصلت إلى صنعاء قادما من لندن لإجراء لقاء خاص مع رئيس الوزراء عبد القادر باجمال في الصحيفة التي كنت أعمل فيها محررا "الشرق الأوسط" في مقرها الرئيسي بلندن، ووصولي للقاء باجمال كان قد جرى الاتفاق حوله مع مكتبه في صنعاء ومع أحد رؤساء تحرير الصحف المستقلة المحترمة في اليمن، وصلت إلى صنعاء التي كانت الأجواء السياسية ملبدة بالغيوم بسبب التفجيرات التي استهدف بها عناصر لجماعة أطلقت على نفسها " أنصار تنظيم القاعدة في اليمن " عدد من المسئولين الأمنيين، بقيت ثلاثة أيام في الفندق منتظراً أن يفي رئيس الوزراء بوعده بإجراء اللقاء رغم أن الموعد المتفق حوله عبر الهاتف من لندن هو أن يتم اللقاء ظهر نفس اليوم الذي سأصل فيه من العاصمة البريطانية.. انتظرت وكدت أفقد الأمل في لقاء رئيس الوزراء الذي حتى لم يعتذر مكتبه على اتصالاتي المتكررة لتحديد الموعد.. مرة الأستاذ نائم.. الأستاذ عنده اجتماع وسوف نتصل بك بعد ما ينتهي منه.. الأستاذ استدعاه الافندم بصورة عاجلة وعندما يرجع الى المنزل سوف يتصلوا بك الحراسة من البيت.. عفوا الأستاذ نائم تغدى ونام يبدو انه تعبان..صباح اليوم الثاني حاولت الاتصال مبكرا بمنزل رئيس الوزراء فرد علي صوت احد حراس قصره.. "الأستاذ والله خرج بدري سرح المكتب.." اتصلت بالمكتب قالوا "والله الأستاذ اتصل واعتذر لأنه مريض اليوم ولا يستطيع إجراء اللقاء لا في مكتبه ولا في منزله.." ضقت بهذا التلاعب من مسئولين لا يحترمون مواعيدهم ويعتقدون أن الناس عندهم عبيد، وأن الوطن لا يستقيم إلا بهم.. ذهبت إلى صديقي رئيس التحرير الذي أكن له ولا زلت احتراما كبيرا لأنه حاول مساعدتي ولكنه وعلى ما يبدو لم يعلم أن باجمال سيجعلنا نلف حول الموعد " مثل جمل المعصرة ".

كانت صنعاء تعيش أجواء مكهربة.. نقاط تفتيش في كل مكان.. بيان وزع على نطاق واسع يتوعد بضربات قوية لمسئولين أمنيين في العاصمة صنعاء ردا على اعتقال عناصر تابعة لذلك التنظيم في اليمن .. احتياطات أمنية كانت تطوق السفارة الأمريكية والبريطانية، في مساء ذلك اليوم وبعد ثلاثة أيام قضيتها اسأل فيها عن رئيس الحكومة اليمنية الذي يفترض أن يكون على شاشات التلفزيون يبدد مخاوف الشعب ويقلل من أهميتها للعالم الذي كان وما يزال يرى أن اليمن مرتعا للإرهاب (العشرات منهم فروا أخيرا من سجنهم ولا يزالون طلقاء)، أو يعقد مؤتمرات صحافية يطمئن المستثمرين فيها باستقرار الأوضاع.. ولكن إجابات من حوله كانت ترد انه بين نائم ومريض رغم انه كان يعلم بموعد اللقاء منذ أكثر من ثلاثة أسابيع من وصولي.. في اليوم الرابع حدد لنا الموعد في مكتبه في العاشرة صباحا، ولم أتصور أني سأجد نفسي خارج مكتبه بعد أقل من عشر دقائق من بداية اللقاء.. كان باجمال يعتقد أني سأبدأ حواري معه بأسئلة تقليدية على غرار الصحف الرسمية التي لا تقدم ما يريد المواطن طرحه بل ما يريد المسئول من إسهاب في الأكاذيب.. سألته: ما هي الاحتياطات التي اتخذتموها لمواجهة تحذير تنظيم أنصار القاعدة الذي حدد موعدا إما الإفراج عن عناصره وإما المواجهة، وهل انتم مستعدون للمواجهة؟.. رد رئيس الوزراء وكأن عقرباً قد قرصه من خلف مقعده وقال بغضب : لا توجد قاعدة في اليمن للقاعدة. عدت وسألته ولكن هناك بيان وزع على نطاق واسع داخل البلاد، وهناك ضربات قد وجهت لمقر الأمن السياسي وأخرى استهدفت منزل نائب مدير الأمن السياسي.. رد منفعلا: هذه حوادث غير مقلقة وسوف نضرب كل من يحاول إقلاق الأمن بيد من حديد. ثم سألته: كيف وانتم لا تقرون بوجود قاعدة للقاعدة في اليمن. عندها صرخ في وجهي: أغلق مسجلتك الحوار انتهى أنا لا اقبل حوارا كهذا.. هذه أسئلة يوجهها لي جون تانينت (الرئيس السابق للمخابرات الأمريكية السي آي ايه) لا توجهها لي أنت. سألته لماذا؟ فرد: إذا عندك أسئلة اكتبها وأرسلها إلى مكتبي وسوف أرد عليها.. بهذه الطريقة اللقاء غير مقبول.. غادرت مكتبه وأبلغت الصحيفة التي أعمل بها أن رئيس الحكومة اليمنية لا يستطيع أن يقبل أسئلة شفوية وحوار مواجهة.. إنه يريد أسئلة مسبقة ..

من وقتها وكل ما أرى مقابلات وأحاديث رئيس الوزراء خاصة على التلفزيون أنفجر ضحكا وأسأل نفسي: ترى كم مرة جرى منتجة اللقاء قبل عرضه لكي يظهر عبد القادر باجمال وكأنه متحدث لبق ورجل يقنع محاوريه، وليس كثير كلام كما هو في الواقع.. هؤلاء المسئولون الذين يعتقدون ان الوطن لا يستقيم إلا بهم وأن الوطنية صك لا يمنح إلا لمن ترضى عنه.. وان الحديث عن اليمن يجب ان يكون بعقلية باجمال الذي يرى في اليمن عكس ما نراه ويراه بقية أبنائه المهمشين من قهر وظلم وفساد ونهب وانفلات أمني وقضائي وصحي وانهيار تعليمي..

ما جعلني أكتب هذه المقالة هو الطرح الذي تعامل به عبد القادر باجمال مع الرئيس الجنوبي السابق علي ناصر محمد من خلال ما كشفت عنه صحيفة "الوسط" عن مكالمة هاتفية أجراها رئيس الحكومة عبد القادر باجمال مع مكتب علي ناصر محمد، الرئيس الجنوبي الأسبق ورئيس المركز العربي للدراسات الإستراتيجية، يهدده فيها بشأن الندوة التي يعتزم المركز تنظيمها قريبا في بيروت عن الإصلاحات المطلوبة في اليمن.

ونقلت أسبوعية الوسط، عدد الأربعاء الماضي، عن مصادر وصفتها بالمطلعة قولها إن رئيس الحكومة أجرى اتصالا بمكتب الرئيس علي ناصر محمد مهددا بأنه إذا لم يتم إيقاف الندوة التي يحضر لها المركز العربي للدراسات الإستراتيجية بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة (الأيسكوا) والمنتظر إقامتها في بيروت تحت عنوان (قضايا الإصلاح الاقتصادي والتنمية وتطوير الديمقراطية التعددية في اليمن) فإنه سيكون هناك " كلام ثاني".

وحسب الوسط، بعد أن كان باجمال قد طالب مكتب علي ناصر بضرورة نقل الندوة إلى صنعاء إلا أنه حينما أخبر بعدم إمكانية ذلك استفز وقال بغضب "كيف تعقد ندوة عن اليمن في خارجها وهل أنتم يمنيون أم لا لكي تقبلوا بهذا؟" وأشار في مكالمته بأنه كلف سفير اليمن في بيروت بنقل رسالة لمن أسماها (مرفت التلاوي) وكذلك سفير اليمن في دمشق للتحرك للاتصال بكوفي عنان مضيفا "نحن أعضاء في الأمم المتحدة ولن نسمح بهذا الوضع" وأضاف باجمال متسائلا عن سبب إرسال الدعوة إليه من مدير عام المركز قائلا " ليش ما وقع على الدعوة علي ناصر وإلا في حاجة؟".

وتنفذ الحكومة ضغوطات على الأيسكوا لعدم المضي في إقامة الندوة مهددة بانسحاب اليمن من المنظمة.

لا أدري ما الذي يخيف رئيس الوزراء من عقد ندوة كهذه خارج اليمن طالما ان عنوانها إصلاح اليمن لا عن إصلاح العلاقات اليمنية الإسرائيلية السرية..! لماذا يرتعد رئيس الحكومة من ندوة تتحدث عن الإصلاح في اليمن طالما من يترأسها ويناقش فيها يمنيون يتبادلون الآراء مع خبراء دوليين وعرب حول قضايا الإصلاحات المطلوبة ليس لليمن بل العالم العربي اجمع، ولتكن اليمن نموذجا مع تحول الفساد من ظاهرة إلى وباء، وتردي الأوضاع في كل المجالات، بالإضافة إلى تأزم الوضع السياسي وحالة الغموض الذي تسوده بسبب تأرجح رأي الرئيس بين قراره بالتنحي طوعا كما أعلن نفسه بذلك وبطواعية العام الماضي، وبين بكاء العامة التي تصورها صحف السلطة بأنها تتضرع إلى الله أن يجعل قلب الرئيس رحيما ليستجيب لنحيب الشعب الذي لا يستطيع أن يرى اليمن بدون علي عبد الله صالح، حتى خطباء المساجد دخلوا على الخط في البكاء والنحيب لحال اليمن بدون فارس ومؤتمر بلا حصان. أجزم أن الجهة التي أوعزت لرئيس الوزراء عبد القادر باجمال الخروج علنا للتعليق على عقد هذه الندوة وإفشالها، تخاف أن تتحول الندوة الى تعرية علنية للنظام في اليمن وفي الخارج وبحضور خبراء في منظمة دولية، ومفكرين عرب، رغم أن مسئولينا يعرفون ان فسادهم الذي لا مثيل له وديمقراطيتهم الزائفة أصبحت محط سخرية العالم.. ولكن المفاجأة بالنسبة لهم هي أن موضوع الندوة يتحدث عن إصلاح الوضع، وهذه الكلمة تدل بأن الخلل كبير وعميق وبحاجة إلى إصلاح سريع، وهذا ما يرفضه النظام في اليمن الذي أنفق وينفق المليارات على احتفالات ورقص وبرع على بطون جائعة وشعب فاقد لأي أمل في عيش كريم.. طلب من باجمال ليس عرقلة الندوة فحسب بل التهديد بإفشالها بـ"كلام ثاني" إذا أصرت الجهة المنظمة في المضي قدما بعقدها حتى وإن أدى ذلك إلى حدوث أزمة بين دولة تحاول التستر على كارثة صارت وشيكة وشعبها من سيدفع الثمن، وبين منظمة دولية تعتقد أن من حق خبرائها المشاركة في ندوات وطرح الآراء لمعاهد الدراسات سواء كانت عربية أو دولية فما بالك بمركز يرأسه رئيس جنوبي سابق لا يزال على قيد الحياة ويملك خزينة من المعلومات والحقائق، ناهيك عن أنه الشخص الذي لا يزال يحظى باحترام داخلي وعربي وإقليمي ودولي أيضا، وقد يحل محل الرئيس الحالي علي عبد الله صالح اذا التزم بتعهده وعبر بشكل واضح عن زهده في السلطة وتنحى في سبتمبر المقبل ..

الكلام الأول جاء في الخبر وهو احتجاج اليمن لدى (الايسكوا) على الموافقة بعقد ندوة عن اليمن وبدون موافقة البلد المعني، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا وافقت اليمن على عقد مؤتمر إصلاح اقتصاد اليمن مع الدول المانحة في شهر نوفمبر المقبل في لندن وبحضور عالمي وخليجي ولم تشترط على عقده داخل اليمن خاصة وانه يخص اليمن، ونراها تعترض وباسم رئيس الوزراء على ندوة آراء المشاركين فيها ليست ملزمة لليمن وتعقد في عاصمة عربية فأين الخطورة هنا ولماذا القلق ؟

"الكلام الثاني" الذي هدد به رئيس الوزراء عبد القادر باجمال الرئيس الجنوبي السابق علي ناصر محمد وقصد به عرقلة الندوة "حسب الصحيفة " ربما ولا سمح الله يكون عملاً شيطانياً وفي بلد لا يزال يلملم أبناؤه آثار مقتل رئيس وزرائه الراحل رفيق الحريري ولا يحتمل كارثة من عرب يعيشون نفس الأوضاع التي عصفت ببلادهم. اليمن ملك لجميع أبنائه.. والوطن ملك للجميع لن يوقفهم أحد عن إصلاحه.. لا كلام أول خطير ولا كلام ثاني قد يكون مريراً.. وحتى لا تتحول زلة لسان إلى أزمة عالمية تجعل من الرئيس الجنوبي السابق علي ناصر محمد "حريري اليمن " لا سمح الله.. ولكن التحذير واجب.. لردع مسئولين في بلادنا دائما يتكلمون قبل أن يفكروا.. ولو كانوا يفكرون قبل أن يتكلموا لما وجدت أزمة أو حتى تهديد أو فكرة لإقامة ندوة لإصلاح وضع أفسده 28 عاما من الكلام بل والكلام الكثير.

اليمن وارهاصات الحرب العالمية الثالثة في عام 2020
الإهداء.. إلى الشيخ حميد الأحمر
الأسلحة الخفيفة والأسلحة الصغيرة في اليمن
الحرب على الفقراء......
حياة بالمناسبة
مشاهدة المزيد