كنت في المغرب
بقلم/ عبدالله النهيدي
نشر منذ: سنة و 11 شهراً و يومين
الثلاثاء 13 ديسمبر-كانون الأول 2022 01:59 م

في عام ٢٠١٩ زرت المملكة المغربية وكانت بالنسبة لي تجربة فريدة، ورحلة متميزة، على عادة من يزور بلداً لأول مرة، لكن المغرب تختلف لعدة أسباب:

منها: أن البلد ذو حضارة عريقة، وبصمات الحضارة والتمدن بادية على شعبها، من حيث رقي التعامل مع السائح، والزائر، ومن حيث مظهر التمدن المادي، سواءً في معيشتهم وملبسهم، وكذلك في ترتيب وتنظيم مدنهم، فهناك مدن لا يسمح للبناء فيها إلا باللون الأحمر الترابي، ك ( مراكش الحمراء ) وهناك مدن يغلب عليها اللون الأزرق في مبانيها، مثل الفنيدق و شفشاون (المدينة الزرقاء) التي أنشأها المغاربة، لإستقبال المسلمين الذين رجعوا بعد سقوط الأندلس، هرباً من محاكم التفتيش، والإبادة الصليبية! كما تلاحظ اتساع ونظافة شوراعها، حسن ترتيبها، اتباع نظام السير في طرقها، تجد رجل المرور في أقاصي الجبال والوديان، كحالة رجل المرور في وسط العاصمة، لبسه، انضباطه احترام قانون السير، بل تجد في مدينة طنجة مثلاً، لا تحتاج أن توقف أو تتأكد من خلو الشارع من السيارات، إذا أردت قطع الشارع،

فما عليك إلا سلوك الطريق المخصص للمشاه، والسيارات تتوقف تلقائياً حال وجود مارة فيه، وجربت مع زملائي أكثر من مرة، لا نقف على حافة الطريق بل نقطع مباشرة، وتقف السيارات صفاً واحداً، حتى ينتهي المشاه، البنية التحتية هي الأخرى، تحكي دولة ذات إيرادات عالية، مع أنها ليست دولة نفطية، ومواردها محدودة، فتدرك أن هناك دولة!. أما المغرب كإنسان، فهو انعكاس آخر لرقي وتطور المجتمع المغربي، ولذلك انجبت على مستوى الفكر والثقافة، انضج العقول العربية، في علوم الشريعة، وخصوصاً الأصول والمقاصد، وفي علوم الفكر واللغة كذلك، لكن على مستوى عامة الناس، وهذا هو المعيار الذي تقاس عليه ثقافة الشعوب ورقيها، تجد المغربي ذو طابع فريد، لبساً وسلوكاً -ولا أتحدث إلا عما رأيت- وقد زرت وسط وغرب وشمال المغرب، وتنقلت من مراكش إلى الرباط، والدار البيضاء، وطنجة وتطوان في الشمال، مروراً بفاس، رأيت هدوءاً لم ألحظه في أي بلدٍ عربي، ورأيت مظهر النعمة على وجوه الناس، وأثرها على لبسهم، وجدت شحاذاً في إشارة يلبس أفخم وأفضل مما كنا نلبس، قلت لصاحبي من سيتعاطف معه وهو بهذا المظهر الحسن، فقال لي كلمة واحدة فقط، أنت في المغرب!،

هذا مثال فقط، لكن أكثر شيء ابهرني في المغرب الاعتزاز بالعروبة، وحب اليمنيين، فعندما تُعرِّف بنفسك أنك يمني، ينقلب لك المغربي أباً وأخاً وصديقاً، ولا يكف عن الترحاب، والتهلي... مرحباً فيك (مرحباً)، وإذا عرفت أن الأمازيغ يفتخرون باصولهم اليمنية، وأنهم هاجروا في الهجرات الأولى، من اليمن عبر الحبشة ومصر، كما هو متعارف بينهم في الموروث الشعبي، الذي يتناقله الأبناء عن الأباء، وكل منهم يحدثك عن عروقه الضاربة في أعماق التراب اليمني، ولا غرابة، ف أربعة عشر (14) حرفاً من اللغة الامازيغية، مكتوبة بالخط المسند، والمفرادات اليمنية، حتى العامية عندنا، موجودة عندهم، بنفس الحروف والتركيب والإستخدام، عندما يقول الأمازيغي: (أنظر) يقول: ( تمقل ) قلت: يمنية يمنية وربي، وعندما استضافنا أحد الإخوة، في مدينة فاس، خرجنا وهو يودعنا ويقول والله ما بكم (سخى) أو (ماسخينا بيكم) قلت لصاحبي: وش وش سخى حقتنا، قال نعم ماهو ساخي علينا نطلع، وهذه كلمتهم، وكنت في السوق القديم، في مدينة فاس فقلت: لأحد المارة، هل أذن العصر فقال لي: أيوه ( قبيلات ) ضحكت قلت: والله ما كنت أظن أحد يستخدم كلمة قبيلات غيرنا، وليس غيرنا، بل حتى نحن قد كادت تندثر عندنا، لكن الموقف الأعجب أننا في مدينة فاس، ادركتنا صلاة العصر، وكنا في المدينة القديمة، اتجهنا صوب جامع القرويين، وهو من أقدم وافخم المساجد على مستوى العالم العربي، وفيه كانت أول جامعة بالعالم -بمفهوما الحديث- فلما وصلنا المسجد، كان مسؤول البوابة يقول لنا: انتهى وقت الصلاة، الآن وقت دخول السياح، قلنا اش المشكلة، قال ممنوع لازم تذاكر ممنوع تصور كذلك، قلت له لا مشكلة، ندفع تذاكر ولن نصور، قطعت تذكرتين لي ولصديقي، ب ٤٠ درهماً مغربياً، يعادل ٤ دولارات تقريباً، وتركته وهو متوتر، ونزلت دورة المياه، توضأت ورجعت وإذا به متغير تماماً، ويقول لي: تعال تعال، أنت من اليمن، طبعاً أخبره صديقي، قلت نعم: قال: هات التذاكر وهو يضحك، قلت لماذا: قال يمني والله ما تدفع درهماً واحداً، خذ فلوسك وهات التذاكر، ويا مرحب فيك، وخذ راحتك، وكلما مررنا بمكان فيعرفون أننا من اليمن تتغير حتى ملامحهم، ويزيدون في الترحيب، كثيرة هي المواقف.

الخلاصة: أنك تمشي في بلد يتحدث فيه التاريخ عن نفسه، في كل مكان من أرض المغرب، ابتداءً من تاريخ أجدادنا الفاتحين، في القرن الأول الهجري، عقبه بن نافع، وموسى بن نصير، وغيرهم من الفاتحين الذين اتخذوا المغرب قاعدةً ينطلقون منها إلى الأندلس وأوروبا مروراً، بالتاريخ الأندلسي، حيث كانت الأندلس، تحكم من مدينة مراكش، في عهد الخليفة يوسف بن تاشفين، رحمه الله الذي آخر سقوط الأندلس ثلاثة قرون، هزم فيها جيوش الأسبان والبرتغال، وأيضاً زرت مدينة اغمات التى فيها قبر المعتمد بن عباد، آخر ملوك إشبيلية وفيها سجن ومات ..

لكن ما احتفر في الذاكرة، واستقر في النفس، وتعلق به الفؤاد، أن المغرب يصنع لك الفرحة، إن زرته، ويغرس فيك الانطباع الرائع، عنه وعن أهله، كما يصنع لنا الفرحة اليوم بتألقه في مونديال ٢٠٢٢ بالدوحة، والفرحة الكبرى أن يكون فوز العرب على أرض العرب ونسميه #كأس_العرب.