وطن (يبتلع) حاضره ومستقبله (رئيس) .. لكن كيف بماضيه؟
بقلم/ رشاد الشرعبي
نشر منذ: 16 سنة و 9 أشهر و 10 أيام
الأحد 03 فبراير-شباط 2008 08:07 م

مأرب برس -خاص

\"إنك ماضينا وحاضرنا .. وأنت المستقبل\", العبارة هذه لم تنقش على واجهة احدى محاضن التربية والتعليم يقصد منها تعزيز الولاء لليمن (الوطن والشعب) في نفوس الأجيال المتوالدة التي تتدهور لديها بإستمرار ثقافة الانتماء للوطن كتدهور ركني التربية والتعليم في العملية التعليمية, لكنها محتوى للافتة دعائية وإلى جانبها انتصبت صورة الرئيس علي عبدالله صالح في أحد شوارع مدينة عدن, كما لمحتها الأسبوع الماضي.

أحترت كثيراً ولساني ومخيلتي ترددان محتوى اللافتة, بعد ان عرفت ان القصد منها ليس اليمن كوطن المتعارف عليه (أرضاَ وشعباً), وإنما قصد بها صاحب الصورة الأخ الرئيس الذي يحكم لمايقارب من 3 عقود, فتبادر إلى ذهني انها موجهة من إثنين لا ثالث لهما, منافق أو مجموعة منافقين من المسئولين في السلطة وحزبها الحاكم أو من الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي) نفسه بإعتبار ان ماضيه وحاضره وكذلك مستقبله يرتبط بوجود الرئيس صالح على سدة الحكم, لكن للأسف وهو المستحيل بعينه ان هذه العبارة – كما أُريد لها - تبدو كلسان حال شعب مل رئيسه بحسب إعترافه عندما أعلن رغبته بعدم الترشح, وهاهي الأوضاع على مختلف الأصعدة المتدهورة بإستمرار تؤكد ان الملل قد بلغ مداه على الأقل من طرف واحد وهو الشعب.

ليست هذه العبارة جديدة على المنافقين وحملة المباخر, فقبل سنوات كانت الحملة الإنتخابية تتصدرها عبارة \"بورك شعبُ انت قائده\", وكأن الآية القرآنية الكريمة التي أكدت ان اليمن \"بلدة طيبة ورب غفور\", والحديث الشريف عن ابناء اليمن \"ألين قلوباً وأرق أفئدة\" لم يكن المقصود بهما سوى العهد المبروك لمابعد 17 يوليو 1978م, وهي صورة فجة من التملق والنفاق الفج لدى زبانية الحاكم وحاملي مباخره, كانت طوال تلك السنوات تحظى بالرضا والمباركة والدعم من الرئيس نفسه, تزامنت مع إسناد كل المنجزات إليه بمافيها التي قطف ثمارها كسد مأرب واستخراج النفط اللذان يعود الفضل فيهما إلى العهود السابقة للرئيسين (الإرياني والحمدي), والحال نفسه بالتوجيهات أو قيام أجهزة ومؤسسات الدولة وموظفيها بواجباتهم جميعها تسند إليه حتى مشروع زراعة اشجار (عباد الشمس) في امانة العاصمة, والذي لم ير النور منذ سنوات.

ولذلك ليس من الطبيعي ان يستغرب أي أمي لايفهم بالسياسة شيء – وليس الحاقدين في احزاب المعارضة وحدهم - عندما يستمع الى الرئيس صالح وآلة نظامه الإعلامية تتحدث عن رغبته بتعديل النظام إلى رئاسي, ليدير الأوضاع ويتحمل المسئولية بنفسه بسبب توجيه أصابع الإتهام إليه بتحمله المسئولية عن كل ماوصلنا إليه من تدهور وغلاء وفساد وظلم وانتكاسات اجتماعية كارثية.

أتذكر عبارة وضعت على لافتة كبيرة وبارزة في جولة مذبح أثناء الحملة الإنتخابية في سبتمبر 2006م تتحدث عن الرئيس رجل العفو والتسامح مع ابناء شعبه, وعلق عليها ساخراً أحدهم عندما ذكرت له مضمونها بأن الرئيس اليمني الوحيد المنشغل عن مهمته الأساسية - كموظف لدى الشعب كمايفترض – في بناء دولة النظام والقانون وتنمية البلد وتوفير الأمن والإستقرار والحد الأدنى من الحياة الحرة والكريمة وحماية الحقوق والحريات لأبناء الشعب, بأداء دور آخر يتمثل في العفو المستمر لثلاثين عاماً عن شعب كله مذنب وخطاء بإستثناء رئيسه.

وعودة إلى العبارة الأولى, فقد وصلت إلى قناعة تامة واعتقد انها قد تكون قناعة لدى الكثيرين من أبناء الشعب المطحونين بالغلاء والفساد والاستبداد, بأن الحاضر والمستقبل قد (أبتلعهما) علينا الرئيس – سامحه الله -, لكن كيف به (سيبتلع) ماضي وطن يمتد على اكثر من نصف مليون كيلو متر مربع وشعب يزيد تعداده عن 22 مليون في يمن تمتلك تاريخ طويل لآلاف السنين وحضارة ملأت الدنيا حضوراً وتفاعلاً وحكمته العشرات ان لم يكن المئات من الأنظمة الوطنية بحضارات متنوعة وأحياناً متزامنة؟, لازلت محتاراً كيف سيتمكن رئيس حكم اليمن لثلاثين عاماً ونعتقد انه من البشر وليس معصوماً من الخطأ ولا يمتلك او حتى يدعي تميزه ببركة أولياء الله الصالحين التي آمن بها الكثيرين كبركة العالم الجليل احمد بن علوان وامثاله رحمهم الله جميعاً؟.

مانراه ليس سوى الطريق ذاته الذي سار فيه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين – رحمه الله - مع إختلاف في التفاصيل, فقد ظل اليمني وكثير من المواطنين العرب لسنوات في صف الرئيس صدام وتأييده, ولازال الكثيرين, بسبب معركته المعلنة ضد قوى الغطرسة العالمية المتمثلة في أمريكا والكيان الصهيوني ولمامن شأنه خدمة قضايا الأمة العربية, فيما كان يفقد بإستمرار رصيده ومخزونه الإستراتيجي بين ابناء شعبه العراقي وهم الأهم مع تصاعد حالة الحقد والكراهية بينهم واتساع مساحتها له ولنظامه, وهاهو الرئيس صالح يصيبك الذهول وانت تستمع لمواطنين عرب يشيدون به كحالة شاذة بين الزعماء العرب في مواقفه الجريئة والعروبية تجاه العديد من القضايا القومية العربية المعلنة, فيما تلمس مدى تراجع شعبيته في أوساط ابناء الوطن الذي يحكمه بصورة متصاعدة وتترسخ تجاهه ونظامه قناعة الحقد والكراهية جراء تدهور الأوضاع التي تمس الخبز والماء والكهرباء والحقوق والحريات, إلى درجة انك لا تعدم من اليمنيين من يتمنى حكم الأمريكان والصهاينة مقارنة بحكمه وهم من بسطاء الناس والكادحين كأغلبية في الشعب.

والمشهد يبدو أوضح كبداية لنهاية نظام يرفض بإستمرار أخذ العبر والدروس من تجارب الماضي والآخرين, فلقد ظل المؤتمر الشعبي (حزب الرئيس) مقلباً لـ(نفايات) الأحزاب الأخرى وخاصة عقب حرب 1994م, حيث يتسرب إليه النازحين من الأحزاب المعارضة والباحثين عن مصالح مفقودة او للحفاظ على مصالح قائمة ومأوى للمشائخ والتجار الباحثين عن ظهر يسند فسادهم وطغيانهم او الساعين لمنع تضرر مصالحهم, والحال ينطبق على موظفي الحكومة من أعلى مستوى وحتى الأدنى (مدنيين وعسكريين), وفي كل الدورات الإنتخابية منذ قيام الوحدة اليمنية كانت المعارضة تفقد مايزيد عن 5 اعضاء في مجلس النواب يتسربون الى المؤتمر وقلوبهم مشدودة للفوز بدورة برلمانية جديدة.

لكن منذ إنتخابات 2003م البرلمانية بدأ العد التنازلي لحزب الرئيس, فالأوضاع أختلفت والتسرب إلى مربع المستقلين المعارضين بدأ من بين صفوف المؤتمر الشعبي وخاصة في مجلس النواب دشنها النائب (صخر الوجيه) ويبدو في الطريق النائب (عبدالعزيز جباري), والحال ينطبق على التهديدات والتلويحات المتكررة لقيادات في المؤتمر بالمعارضة الداخلية او ماقد يؤدي إلى النزوح من الحزب, بعضها صمتت بعد ان قطفت الثمار لذلك بالحصول على نصيبها من الكعكة, كما علق الرئيس على معارضة النائب القريب منه اسرياً وعضو اللجنة العامة (محمد القاضي).

قبل سنوات لم أجد ما اقوله لأحد الصحفيين العرب العاملين في اطار طابور الإعلام الرسمي والمؤتمري والذي يجيد فبركة الأخبار والتقارير ضد احزاب المعارضة بالصورة التقليدية التي كان يمارسها نظام الرئيس صدام حسين – رحمه الله -, سوى انهم بعد ان \"شيعوا جنازة نظام صدام في العراق يبذلون جهوداً حثيثة لتسريع عملية تشييع نظام الرئيس صالح في اليمن\", وهذا ما يبدو بوضوح من خلال مسار الأحداث, خاصة مع فشل مشروعي التوريث ثم التمديد.

Rashadali888@gmail.com