خذ الحكمة من أفواه النواب
بقلم/ علي كاش
نشر منذ: 17 سنة و 4 أشهر و 29 يوماً
الجمعة 15 يونيو-حزيران 2007 09:56 م

مأرب برس ـ خاص

بعد المشادة التي تطورت إلى اعتداء من قبل حراس رئيس مجلس النواب محمود المشهداني على النائب من الائتلاف فرياد عمر عبد الله خرج المشهداني من الشرنقة الرسمية بحلة جديدة معرباً عن استغرابه من تطور الأمور إلى ألمطالبه بتنحيته عن منصبه وإيجاد بديل عنه خلال فترة أسبوع واحد من ق بل قائمته التوافق التي رشحته لمنصبه هذا، مؤكدا بأن تسلمه المنصب جرى وفق صفقة سياسية هرمية الشكل شملته مع رئيسي الجمهورية والوزراء وهذا يعني أن أقالته تستلزم إقالتهما وفقا لهذه الصفقة؟ وتتسارع الأحداث كالنار في الهشيم، عندما يوجه المشهداني لكمة مزدوجة للرئيس الطالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي مدعيا أن الطالباني يجب إقالته بتهمة عدم الحل والربط! والمالكي باعتباره المسئول عن حمام الدم وما يجري على الساحة العراقية وهي كلمة حق أريد بها باطلاً فهي لم تأت في ظرفيها ألزماني والمكاني الطبيعيين بل جرت جراً بأداة المشادة وتطوراتها؟

لا أحد يجهل أن الرئيس الطالباني يتمتع فعلاً بالسمة التي أغدقها عليه المشهداني وأن كان المشهداني قد جهر بها فهذا لا يلغي حقيقة أن جميع السياسيين يشاطرونه الرأي بمن فيهم الأمريكيين أنفسهم، ولكن كما يبدو أن المرحلة الحالية من وجهة النظر الأمريكية تحتاج إلى رئيس مثل الطالباني يهتم بالزاد أكثر من العباد غير عابئ بمصير العراق وشعبه؟

 فهو رئيس شكلي بكل معنى الكلمة يعاني من التخمة الجسدية والترهل بالعمالة لذا ففي الوقت الذي تدور رحى عنف طاحن يسحق العراقيين يوميا فأن هذا الرئيس توجه إلى نيويورك ليس لمعالجة الترهل في العنف الذي دمر العراق وطنا وشعبا وإنما لمعالجة الترهل الجسدي وإتباع نظام حمية خاصة لتقليل وزنه على بعد نحو شهرين من علاجه في مركز الملك حسين الطبي في عمان! وسخر الكثير من أدعاء الأطباء بأن سيادته يعاني من الإرهاق وهم على يقين بأن الإرهاق ينجم كما هو معروف عن العمل الجسدي المتعب وانشغال الفكر المضني وهذه الظواهر غير معروفة عن سيادته؟ ففي الوقت الذي صرح فيه بأنه سيذهب إلى الولايات المتحدة " لتخفيف وزني والحصول على قسط من الراحة والاستجمام بعيداً عن ضغوط العمل والاجتماعات"؟ فأن الناطق بأصم حزبه نفى " أن يكون الرئيس يعاني من متاعب صحية ولكنه بدأ يشعر بالإرهاق في الآونة الأخيرة بسبب العمل والاجتماعات الكثيرة".

والحقيقة أن أعراض العمالة التي يعاني منها الرئيس الطالباني ظهرت وطأتها مبكرة بعد عودته من نيويورك فقد وصل هذيانه الفكري إلى أقصى حدوده فأنفلت كالماء المحبوس عبر سد مكسور، فهو كما هو معروف عنه شيوعي سابق وملحد تحول بعدها إلى رجل علماني مواكبة لمظاهر العولمة ولم يعرف عنه إلمامه بالحد الأدنى من شؤون الدين الإسلامي فهو لم يستشهد يوما ما في تصريحاته بآية من الذكر الحكيم أو حديث نبوي شريف أو كلمة مأثورة لشاعر أو كاتب باستثناء النكات التي يسردها متندرا على غباء قومه والأخرى التي يكون هو نفسه محورها؟ لذا كان هذيانه بأن " الله قد أرسل لنا الرئيس بوش لإسقاط صدام حسين " معبراً على مرحله خطرة وحرجة في صحة الرئيس ولم يفطن سيادته بأنه كرر كلمة سابقة للرئيس بوش حظيت باستهزاء الأمريكيين أنفسهم عندما أدعى بأن الله أرسله إلى تحرير العراق، ولم يحدد لنا الطالباني حدود معرفته الإلهية هذه وكيف تمكن من استشفاء هذا الأمر العسير على الفهم العادي؟ وهل هناك خطة سماوية للتحرك على الرؤساء فقط باعتبارهم ظل الله في الأرض؟ فمن بوش إلى بلير إلى نجادي فالطلباني جميعاً يتكلمون باسم السماء وان الإرادة الإلهية هي التي تحرك خططهم وتوجهاتهم رغم المآسي التي نجمت عن هذه الخطط من فيتنام إلى العراق مروراً بالصومال والسودان ولبنان وفلسطين وأفغانستان وبقية الدول التي عانت ما عانت من هذه الخطط؟ ولم يتركنا سيادته وسط الطريق حيارى بلا دليل فقد فسر الأمر بطريقة أشد وطأة من سابقتها فقد أدعى بأن درويشاً كردياً في كردستان العراق يقول استنادا إلى الآية التي تقول قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، إن الله ادخل في قلب بوش أن يذهب إلى تحرير العراق من الدكتاتورية فذهب محققاً هذه الإرادة الإلهية؟ ولا نلوم الطالباني على عدم ذكر البسملة قبل الآية أو إنهائها بكلمة صدق الله العظيم كما هو متعارف عليه ! وربما رجال السياسية معفيين من هذه المراسم الشكلية طالما أنهم ينفذون إرادة السماء؟ ولكني حاولت جاهداً إيجاد علاقة ما بين الآية الكريمة وتحرير العراق فلم أجد ولعل رجال الدين الكرام يتفضلون علينا بفك هذا الطلسم الغريب؟ بل إني أجد إن التفسير الملائم هو عكس ما ذكره الرئيس الطالباني فالمسلم عندما يواجه مصيبة يؤمن بالقدر ويردد الآية الكريمة سابقة الذكر أو " حسبي الله ونعم الوكيل" وهذا ما يردده حاليا الشعب العراقي المبتلى بهذه القيادات الجاحدة والتي لم تكتف بتلويث الأرض بأفعالها الدنيئة وإدعاءاتها المغرضة وإنما توجهت إلى السماء هذه المرة؟ وزاد الطالباني الطين بله عندما فجر جملة مفخخة بقوله " وترك العراق لمن يحكمه عن طريق الانتخابات" جامعاً في كلمته حزمة من الحماقات الناتجة عن قلة الحنكة والدراية السياسية فهو ما يزال قانعاً بأنه رئيس منتخب جاء عبر انتخابات ديمقراطية رغم إن عفونتها أزكمت أنوف الكثيرين بمن فيهم بعض أعضاء المفوضية العليا للانتخابات الذين صحت ضمائرهم بعد ظهور نتائج الانتخابات بسنة ففضحوا بعض قواعد اللعبة وما رافقها من تزييف وتزوير تعدت الإجراءات الشكلية لكنها بقيت تتحرك ضمن هامش ضيق تناول الرتوش فقط؟

وفي الوقت الذي يتوقع فيه البعض ثمة بصيص أمل في تخفيف عوارض الهذيان يفاجأ الطالباني الجميع بافتراء جديد كأنه يقف في محطة قطار منتظراً قطارا فائتا بادعائه أن المعارضة العراقية كانت ترغب بالإطاحة بنظام صدام لكن الأمريكيين لم يسمحوا لهم بتحقيق هذه الرغبة الجياشة؟ وكأنه نسى أن الجيش العراقي تمكن خلال ساعات من دحر قواته عندما استنجد البرزاني بالرئيس صدام حسين ليسعفه في المعركة بين الفصليين الكرديين المتناحرين ؟ وبعد استعراض العضلات الكردية أستعرض الطالباني العضلات الإيرانية معتقدا أن الإيرانيين ساعدوا على إسقاط صدام على أيدي قوات التحالف " حيث توفرت للإيرانيين قناعات وثبت إنها قناعات حقيقية بأن أمريكا ستجري انتخابات وستكون الحكومة العراقية بأيدي الأكثرية في العراق ولذلك رحبوا بها" مؤكداً أن شيعة العراق لن يكونوا تابعين لشيعة إيران بسب خلافات شبهها بعقلية ساذجة ومتهورة بالخلافات بين الاتحاد السوفيتي السابق والصين حول بناء الشيوعية؟ ولا أظن أن هناك من يخالف المشهداني في تشخيصه لعلة الرئيس الطالباني بأنه " لا يحل ولا يربط" وهناك المئات من الشواهد التي تؤكد هذه الحقيقة ولكن كما هو معروف أن الثمار في غير فصلها لا تحمل نفس الطراوة والنكهة والطعم والفائدة .

 

أما المالكي فأنه كل الدلائل تشير إلى أنه سوف لا يعمر إلى نهاية هذا العام وربما في الثلث الأخير منه سيستأذن بالانصراف غير مأسوفاً عليه شأنه شأن سلفه الجعفري الذي عاد إلى التسكع في شوارع لندن بعد ملأ جيوبه من الملايين من الدولارات المخضبة بدماء العراقيين الأبرياء، وعندما حمل المشهداني المالكي مسئولية التدهور الحاصل في كل الأصعدة فأن تلك هي الحقيقة التي لا يمكن أن ينكرها أحد سيما انه القائد العام للقوات المسلحة العراقية والمشرف العام على الخطة الأمنية البائسة وعراب المصالحة الوطنية التي لم تلد بعد رغم عسر مخاضها وقد عف عن المالكي صفات لا تتصف والقيادة ومنها لكذب والضعف والتردد والتقلب والوداعة الزائفة وخير وصف يليق به " انه يعاني من إسهال حاد في الكلام وقبض حاد في التنفيذ" وقد تبخرت كافة الوعود التي أطلقها منذ تسلمه رئاسة الوزراء فالأوضاع بشكل عام تحولت من سيء إلى أسوأ والميليشيات التي وعد باستئصالها تناسلت بشكل خطير وأمست عضلاتها أقوى من عضلات الدولة الخائرة، وأثبتت بأنها شبكة أخطبوطية تمتد اذرعها في مختلف الوزارات و الدوائر والأجهزة الأمنية؟

 وأثبت الوزراء جميعاً وبلا استثناء فشلهم بجدارة في إدارة وزاراتهم! وتوقف قطاع الخدمات عن الحركة بعد أن كان يحبو ببطء؟ وقتلت الكهرباء الوطنية في مهدها بعد أن تبين بأنها كانت عميلة وغير وطنية فلم تنفع (4) مليارات من الدولارات لإفاقتها من إغماء يشبه إلى حد ما إغماء القط عندما يرى فأراً؟ وتحول قطاع إسالة الماء من حالة الكرم والتبذير إلى حالة البخل والتقصير، مقدما لشعبه مياها قذرة تطفوا عليها كل الشوائب والطفيليات التي خلقها الله لتتكرم بأمراض على العراقيين عفا عليها الزمن حتى في الأمم المتخلفة في مجاهل إفريقيا من كوليرا وطاعون وإمراض كلوية وكبدية لا حصر لها؟ إما الوقود فأنه لا يزال متعنتاً في موقفه المتذبذب فهو كريم مع الميليشيات وبخيل مع المواطنين ولم تنفع نداءات الاستغاثة الشعبية لتقنعه بأن نرجسيته قد بلغت الزبى وأن وسائله السادية في التلذذ برؤية العراقيين وهو يقفون طوابير من الليل إلى الصباح بانتظار إلقاء تحية الصباح عليه قد وصلت إلى حد مقرف؟ وأن البطالة ما زالت مستمرة في عنفوانها وترفض أن تشيخ ويوما بعد يوم تزداد تألقاً وشبابا؟ وان الاقتصاد العراقي يعاني من مشاكل مزمنة وهو على وشك التقاعد؟ وأن الوضع الأمني قد قدم استقالته بقناعة بعد أن تيقن من فشله الذريع في النهوض بمهامه سيما أن الجثث مجهولة الهوية قد أحييت من جديد وباتت تؤرق مضاجعه؟ ولعل هذه الانتكاسات المتلاحقة هي التي جعلت الأدميرال وليام فانون قائد القيادة الوسطى في الجيش الأمريكي يوجه تحذيرا هو أقرب للتهديد للمالكي بأن لديه شهر واحد لتصحيح الأوضاع وإلا فأن الكونغرس سيتكالب ضده ويلحقه بنظيره الجعفري . والمشهداني محق كل الحق بأنه يتهم المالكي بقتل الشعور الوطني والقومي والعمل على تفتيت الوحدة الوطنية من خلال تنصيب بعض أزلامه وعملائه المعروفين بمزايداتهم الكلامية الفارغة واستعراض عضلاتهم الطائفية حيث لعبوا مع كافة الفرق وقبضوا من كل الجهات لخلق محاور هشة في كل قطاعات الدولة والأمر لا يحتاج إلى حجة؟

ولكن لابد لنا من أجل إحقاق الحق وقفة مع المشهداني نفسه فأن نزع قناع المسئولية بهذه السرعة وارتداء قناع الوطنية يجعله أشبه بالمهرج الذي انتهى دوره الاستعراضي وعاد إلى شخصيته الحقيقية، فعندما يصف مجلس النواب بأنه مجلس للمراهقين فأنه كان بحكم منصبه كبيراً للمراهقين؟ ورغم الفلتات اللسانية التي وردت منه بصورة عفوية فأنه كان رئيسا للسلطة التشريعية في البلاد وكان بإمكانه أن يعارض الكثير من المسائل المتعلقة بتمرير قانون الفدرالية و الاستثمارات الأجنبية وقانون النفط والغاز الجديد وغيرها ولكنه رضي بها فكان بذلك جزءا من المشروع ألاحتلالي ولا يمكن إعفائه من المسئولية مهما كانت ادعاءاته وتبريراته فهو ومجلسه المراهق أيضا يتحملون الوزر الأكبر من الوضع السيئ الذي آل إليه العراق؟ وليس من الأنصاف تحميل المالكي والطالباني فقط الوزر الكامل عن التدهور الحاصل فقد ساهم كل منهم بجهوده المخلصة في تدمير العراق من خلال تنفيذه المخطط الأمريكي الإيراني الصهيوني؟ ورغم تشبث المشهداني بمنصبه وإصراره بأن استقالته يجب أن ترتبط باستقالة الطالباني والمالكي فأننا نطمئنه بأن عندما يغادر أن يترك الباب مفتوحاً ورائه لآخرين سيستأذنون بالانصراف بعده ولكن بطلب أمريكي هذه المرة وليس عراقي كما حدث له؟

كاتب ومفكر عراقي