مهددات الأمن القومي اليمني
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 11 سنة و 11 شهراً و 18 يوماً
الأحد 25 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 09:17 م

لخص أكاديميون مهددات الأمن القومي اليمني فغياب المشروع الوطني والارتباط الرسمي والشعبي بالتمويل الأجنبي وانكشاف الأمن القومي والتدهور الاقتصادي وغياب العدالة وأزمة المياه أبرز مهددات الأمن القومي اليمني. حسب حلقة نقاشية لمركز البحوث والدراسات السياسية الاستراتيجية منتصف الشهر الجاري

وحذروا من المشاريع الضيقة كالحوثية والحراك الانفصالي وعلمنة اليمن وعودة الاستبداد حد وصفهم.

أعد المادة للنشر / محمد مصطفى العمراني

عقد مركز البحوث للدراسات السياسية والإستراتيجية يوم الأربعاء 14 نوفمبر الجاري حلقة نقاش حول مهددات الأمن القومي اليمني , ولقد اقتصرت الحلقة التي تناولت موضوعات وأراء مهمة وحيوية على حضور عدد من الأساتذة والخبراء والمختصين من جامعتي صنعاء والإيمان.

غياب المشروع الوطني

افتتح حلقة النقاش رئيس المركز الدكتور احمد عبد الواحد الزنداني , الذي رحب بالحاضرين , وتطرق في حديثه إلى أهمية مناقشة وضع الأمن القومي اليمني الذي يعد في حالة خطر بسبب ما اسماه غياب المشروع الوطني الذي يتبنى الدفاع عن ثوابت البلاد المرتكزة على الهوية الإسلامية للدولة وعلى وحدة الجمهورية اليمنية.

ونوه إلى أن المشاريع الضيقة كمشروع الحركة الحوثية ومشروع الحراك الانفصالي ومشروع علمنة اليمن ومشروع عودة الاستبداد جارية على قدم وساق , وكل هذا ينذر بالخطر المحدق بأمن اليمن وسلامة مواطنيه , واعتبر الدكتور احمد الزنداني ان أحد أهم الإشكاليات هو غياب الإدراك في فهم المهددات الحقيقية للأمن القومي اليمني معربا عن تخوفه لما يراه من انجرار للنخب السياسية الفاعلة في الساحة اليمنية وراء المشاريع والأجندات الخارجية , وتخلي تلك النخب عن أحد أهم المفاهيم الأساسية في مسألة الأمن القومي للبلاد وهو مفهوم السيادة , وقال ان البعض لدية اعتقاد ساذج بأن المشاريع والأجندات الأجنبية أصبحت هي الطريق الوحيد وأنها ستوصل البلاد إلى بر الأمان , وهو عكس ما يثبته واقع السياسة الدولية الذي يقول إن الدول والشعوب التي استسلمت للأجندات الخارجية وصلت إلى طريق مسدود وانتهى بها الأمر إلى التمزق والفرقة والاقتتال , ثم افتتحت القاعة للنقاش.

ضعف الدبلوماسية اليمنية

تحدث الدكتور بكيل الزنداني أستاذ العلاقات الدولية بجامعة صنعاء ودعا إلى إبلاء مسألة الأمن القومي اليمني اهتماما خاصا , ليس في مركز البحوث السياسية والإستراتيجية فحسب وإنما في جميع مراكز البحوث في البلاد , وذلك ليستفيد صانع القرار السياسي من آراء الخبراء والمختصين للحفاظ على الأمن القومي للبلاد.

وبعد ان أكد الدكتور بكيل على أن الأمن القومي مرتبط ببقاء الدولة وديمومتها وضع عدد من النقاط المحددة للحفاظ على الأمن القومي اليمني يأتي على رأسها مؤسسة عسكرية وطنية حامية لا تكون طرف في أي صراع سياسي , وأكد على أهمية العمل على تنمية اقتصادية شامله في البلاد وتطرق إلى أهمية الاعتماد على تفعيل ما اسماه دبلوماسية يمنية محترفة التي من شأنها أن تعمل على تجنيب البلاد الكثير من الصراعات التي تهدد الأمن القومي لليمن .

ضرورة العودة للدستور

 وقال الدكتور بكيل انه من الأهمية بمكان ان تعمل الدولة على الحفاظ على عقيدتها وهويتها كجزء أساسي من سياسات الحفاظ على الأمن القومي للبلاد , وأشاد الدكتور بكيل بالدستور اليمن الحالي وقال أنه من أفضل الدساتير المكتوبة ولا يحتاج إلا إلى تنقيح بعض مواده ونوه إلى خطورة تغييب العمل بالدستور على الأمن القومي في اليمن لأن الدستور هو الذي يحل أزمة الصراع السياسي في البلاد.

انكشاف الأمن القومي للبلاد

ثم أدلى الدكتور إسماعيل السهيلي رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الإيمان برأيه قائلا أن الحديث عن الأمن القومي في هذه المرحلة يعد ضرورة شرعية وضرورة وطنية لأن الأمن القومي اليمني يعاني من حالة انكشاف كبير بسبب الفقر وغياب الأمن , فملايين الأطفال في اليمن يعانون من سوء تغذية والجماعات المسلحة التي تمارس مهام الدولة باتت تعمل حتى في عاصمة اليمن.

وتطرق الدكتور السهيلي إلى مشكلة الخلل في مسألة الولاء للدولة اليمنية حيث أن بعض المواطنين لا يعرفون أنفسهم على أنهم يمنيين وأن الكثير من شباب البلاد صار محبطا فاقدا للأمل الذي يعد أساس في حفظ الأمن القومي للبلاد , وعزز الدكتور إسماعيل ما تطرق إليه الدكتور بكيل من أن الدستور اليمني بحاجة إلى معالجة ما يكرس الاستبداد ليس إلا , وبالتالي فإن الشعب بموجب ذلك يستطيع ان يحقق أمرين رئيسيين: الأول سيادة الشريعة وهي عقيدة الشعب وشريعته والثاني حرياته وحقوقه بحيث شعر المواطن اليمني بأنه إنسان وليس مجرد تابع وذلك للقضاء على التبعية التي كُرست في الماضي.

وأكد الدكتور إسماعيل ان الحديث عن الأمن القومي ينصرف إلى الحديث عن سيادة الدولة واستقلالها وسلامة أراضيها وانه من المتعذر الحديث عن الأمن القومي واليمن يعاني من حالة انكشاف في أجواءه وسواحله التي صارت مستباحة للغير , وأكد الدكتور إسماعيل على ان مهمة المختصين ان يزودوا ليس فقط صانع القرار وإنما القوى السياسية الوطنية والفعالة التي تنتمي لليمن كل اليمن بالمعلومات والمهام الصحيحة ليتمكنوا من القيام بدورهم بوعي وبصيرة.

حاجتنا لمشروع وطني يخدم الجميع

ثم تحدث الشيخ محمد الدعيس الأستاذ بجامعة الإيمان وعضو هيئة علماء اليمن عن مخاطر ومهددات الأمن القومي اليمني , وقال إن المشكلة الحقيقية اليوم هي تحول معظم القوى الفاعلة في البلاد عن خدمة البلاد وإصلاح الأوضاع وخدمة الناس إلى خدمة مشاريع تنهك البلاد بالتدخل الخارجي وبالاقتتال وضعف سيادة الدولة , وقال ان المطلوب من القوى الحية والفاعلة القوى الوطنية التي تنتمي إلى عقيدة البلاد وهويتها وشريعتها ان تلتحم بجماهير الأمة حتى تلتف حول مشروع وطني يعيد الأمر إلى نصابه , لتخدم البلاد وتقف في وجه كل ما يهدد أمنه القومي لحماية مصالحة وشريعته وسيادته.

ضد الاستبداد ومع التعايش وعقد اجتماعي جديد

أما الدكتور عدنان المقطري أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء فلقد أكد ان تهديدات الأمن القومي قائمة , ولقد كانت موجودة نتيجة سياسة النظام السابق إلا أنها انكشفت اليوم بشكل أكبر , وان المشكلة تكمن في الاستبداد , وقال ان التنشئة السياسية في البلاد غير سوية وليس لها هدف وطني واضح فظهر لنا الحراك والحوثي والقاعدة وغيرها , وقال ان معظم التهديدات اليوم داخلية وهي التي استجلبت التدخلات الخارجية في الشأن اليمني , وهذه التدخلات الأجنبية تأتي من اجل مصالح وامن هذه الدول وليس من أجل اليمن , وقال الدكتور عدنان ان الحل هو الحوار لأننا نريد دستور جديد أو عقد اجتماعي جديد حتى لا تستمر هذه التهديدات , وقال الدكتور عدنان حتى نبقى معا لابد ان نقبل بعضنا البعض , أي القبول بالآخر , لان التهديدات الخارجية تمسنا جميعا وينبغي ان لا نترك فرصة لمن يريد ان يخرق سفينة الوطن , وانتقد الدكتور عدنان السكوت على تكريس الاستبداد في التعديلات الدستورية عام 2001م , وقال : إن النظام السابق أعطانا ما نريد في الدستور من مواد إسلامية التي نريدها جميعا مقابل السكوت على ما كرسه من استبداد في الدستور ولذا علينا ان ننتبه اليوم في صياغة الدستور الجديد بحيث نقف ضد الاستبداد.

رأي آخر في الثورة الشبابية السلمية

أما الشيخ محمد كرش المدرس بجامعة الإيمان فقد أثار الجميع بطرحه حيث اعتبر قيام ثورة الشباب في العام الماضي ومساندة الكثيرين لها وعلى رأسهم هيئة علماء اليمن الذي يرأسها فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني التي أصدرت العديد من الفتوى الشرعية لمناصرة ثورة الشباب على خلاف منهج أهل السنة والجماعة , قد هددت الأمن القومي اليمني , وأنها السبب في ما آلت البلاد إليه من تدخلات أجنبية منتقدا مسألة تحديد مدة الحاكم مدعيا أن لا أساس شرعي لها , وأننا بحاجة إلى مراجعة فقهية.

الله لا يرضى بالظلم وعبادة الفرعون

وبعد ذلك الطرح قال الدكتور أحمد الزنداني أن هناك مساحة كبيرة من الحرية في جامعة الإيمان على خلاف ما يروج عنها , كون الشيخ محمد كرش يعبر عن آراءه المخالفة للاتجاه السائد في الجامعة , وأشاد الدكتور احمد بهذا المناخ وقال انه يعتقد ان الفكر الإسلامي قد تجاوز هذه المرحلة لان الله لا يرضى بالظلم ويحثنا على مقاومته لا البقاء تحت الفرعون والتسليم المطلق له , وقال إنه لا يعني وجود خلل بعد قيام الثورة أن الثورة التي قامت ضد الظلم والاستبداد كانت خاطئة , وأكد على ان رأي الشيخ محمد كرش سيبقى محترم وأن انتقده الجميع.

إشكالية التجزئة والمنظمات والسفارات

ثم وضع الدكتور هود أبو راس الأستاذ بجامعة الإيمان رأيه في موضوع حلقة النقاش وقال : ان الأمن القومي لليمن في حالة خطر كبير حيث ان المسار الذي تسير عليه البلاد اليوم يؤدي إلى تجزيء المجزئ وتقسيم المقسم , فاليمن يعاني من أزمة هوية حادة وإشكالية حول الشعور بالانتماء , هناك حوثي , حرس , فرقه , جنوبي , انفصالي إلخ...وهناك مهددات كبرى تتمثل في إقصاء الشريعة وتمزيق الوحدة , إلا أنه يرى أن السفارات الأجنبية ومنظمات المجتمع المدني المرتبطة بالخارج تعد أكبر المهددات للأمن القومي , لأن تلك المنظمات تنفذ أجندات استخباراتية وعلى سبيل المثال لا الحصر فلقد قامت العديد من الدول مثل مصر والبحرين والإمارات وغيرها بطرد المعهد الوطني الديمقراطي (معهد أمريكي) بعد ان تحقق لها ان أعماله مهددة للأمن القومي بينما لا يزال الباب مفتوح للمعهد الوطني الديمقراطي في اليمن ويستقبله كبار مسئولي الدولة ويعمل بحرية كاملة في اليمن .

خطورة تغييب الثابت الشرعي والوطني

ثم تحدث الشيخ الدكتور أمين مقبل عميد كلية الشريعة بجامعة الإيمان والعضو البارز في هيئة علماء اليمن قائلا : ان أهم مهددات الأمن القومي تتمحور حول تهديد الثابت الشرعي وغياب المرجعية التي تحمينا من التمزق الطائفي والوصاية الخارجية التي تهددنا وتملي علينا أوامرها , ولا سيادة لنا ولا حرية ولابد ان يكون هناك ضوابط وقواعد لتحقيق أمن البلاد , ويجب أن نركز على الأمور التي نتفق عليها ولا نتنازع عليها.

ومنها الثابت الشرعي مرجعية الشريعة لكل التشريعات والقوانين , والجميع يعلمون انه لا يوجد في الشريعة تفصيل حكم نصي في كل جزئية ولكن لدينا تفصيل في الجوانب العقائدية والتعبدية والأخلاقية والفكرية , وهناك اطر عامة وضوابط عامة ونصوص خاصة تفصل الكثير من الأمور الاقتصادية والسياسية والقضائية ونحوها والحقيقة أن باب الاجتهاد مفتوح وواسع لكنه يقوم على أساس وضوابط وأوتاد ضابطه , ولا يمكن ممارسة الاجتهاد خارج هذه الضوابط.

الثابت الثاني وحدة الأمة وهي ليست محصورة على اليمن ولكن على الأمة الإسلامية كاملة ابتداء من الأسرة فالعشيرة وهكذا إلى إطار الأمة بالكامل , كما تثبت النصوص الشرعية وعليه فإن اليمن التي منّ الله عليها بالوحدة عليها ان تواصل مسيرة وحدة الأمة لا ان تعود إلى التمزيق , وهذا ثابت لتحقيق الأمن القومي , وهناك ثابت يتفق عليه اليمنيون ما عدا طائفة لا زالت تنازع فيه , وهو قيام حكم شوروي لا ملكي ولا عسكري , بحيث تختار الأمة من يحكمها بالضوابط الشرعية وضوابط المصلحة وليكن هذا عمل شفاف وواضح للجميع ويخضع للشورى.

مدة الرئاسة تخضع للمصلحة

وفي رده على آراء الشيخ محمد كرش قال الدكتور أمين علي مقبل : أما مسألة تحديد مدة الحاكم فهي من مسائل الحكم والسياسة الخاضعة للمصلحة ونحن مع الإجماع الذي يعني عدم الخروج على الدولة التي تحكم بالشرع وتجمع الأمة لا الدولة المستبدة كدولة صالح القائمة على الاستبداد وتوريث الحكم , فالإجماع هو الإجماع على خليفة الأمة أما إذا فهم الإجماع على غير هذا الأساس فإن كل محافظ سيصبح ولي أمر لا يجوز الخروج عليه سواء في إب واو صعده أو غيرها , ولكن الأمة مأمورة ان تتحد ومن يريد ان يمزقها ويستبد في مكانه فلا وألف لا , ثم أن الله سبحانه وتعالى يقول (لا ينال عهدي الظالمون) والظالم هنا المقصود به الظلم الأكبر لا الظلم الأصغر , وحكامنا المستبدين ليدهم من الظلم الأكبر بالكيل.

أما الأمر الرابع فلا بد من إيجاد مؤسسات عامة ترعى مصلحة الأمة بحيث لا تكون مجيرة لأحد , بمن فيهم الرئيس الذي يحكم باسم الأمة فهو ليس كل شيء فهو يحكم بعقد اجتماعي قائم على عدم خروج الحاكم على أهداف الشريعة , وان يجتهد في حدودها وان يكون محكوم بما يصدر له من الجهات التشريعية التي إن كان أهلا لها يشارك فيها وان لم يكن فعليه ان يترك القوس لباريها.

نحو هيئات ومؤسسات تخدم المجتمع

وقال الدكتور أمين انه يشجع خلق هيئات ومؤسسات كالنقابات كلا منها تخدم المجتمع بما اختصت به وعلى أساس تكاملي لا تنافسي أو تصارعي كما تفعل الأحزاب لأننا امة واحدة والولاء لدينا واحد فعلينا ان نتعاضد ونتكاتف ونتعاون معا , فعمل هذه الهيئات هو فرض كفاية يقوم على خدمة تخصص هذه الهيئة ومراعاة المصالحة العامة لتصب في مصلحة المجموع في النهاية , وهذا ما يساعد على تحقيق الأمن القومي .

مداخلة للدكتور بكيل الزنداني

ما طرح من قبل الشيخ محمد كرش مستفز ويحتاج إلى وقت أطول للرد عليه وأريد أن أضيف أن الإرهاب سواء كان صنيعة أمريكية أو صنيعة محلية أو صنيعة نظام سابق أو قوى سياسية موجودة فإنه مهدد للأمن القومي , وهو الذي أدى إلى دخول القوات الأجنبية لتقتل المواطنين اليمنيين وانتهاك السيادة اليمنية تحت مبرر الإرهاب , ومن المهددات هي السياسة المهيمنة التي تتبعها الدول الكبرى فما موقفنا منها , وأيضا التكتلات الاقتصادية الكبرى , وهناك مهدد آخر وهو الغزو الثقافي المدروس بعناية , وهذا من مهددات الأمن القومي وهناك عامل حيوي وهو غياب التنشئة الوطنية على أسس وطنية مما فتح باب واسع للارتزاق السياسي لدرجة ان هناك من يذهب إلى السفارة الأمريكية ويعرض خدماته ويقدم تنازلات كبيرة , وفوق كل هذا فهناك غياب التنمية والاستثمار في الإنسان اليمني مع الأسف.

مداخلة للدكتور إسماعيل السهيلي

وفي رده على ما طرحه الشيخ محمد كرش قال الدكتور إسماعيل السهيلي : باعتباري متخصص في الفكر السياسي الإسلامي فإنه لا يوجد نص في ما يتعلق بعدم تحديد مدة حكم الخليفة وإنما كان المستند هو المصلحة , ولا يوجد إجماع صريح بل إجماع سكوتي مستنده المصلحة حيث كان الخلفاء الراشدين هم الأفضل والأقدر على تحقيق مصلحة الأمة, وبالتالي عندما تغير الحال بعد الخلافة الراشدة وتحول الأمر إلى ملك صار الغالب في الحكام هو الملك العضوض وهنا تغيرت المصلحة بحيث يتغير الأمر وتكون مصلحة الأمة هي تقييد مدة الحكام وعدم إعطائهم ولاية لمدة الحياة , الأمر الآخر انك كيفت ما تطرحه على أساس مفهوم الخروج على الحاكم وأنا كمتخصص قرأت عشرات الكتب عن هذا الأمر , ووجدت أن مفهوم الخروج ينصرف إلى الخروج على الحاكم بالسيف ولذلك قال الإمام الشهرستاني وأعظم خلاف بين الأمة هو خلاف الإمامة إذ ما سُل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سُل على الإمامة في كل حين.

خطورة الارتباط الرسمي والشعبي بالتمويل الأجنبي

ثم تحدث الدكتور مشعل الريفي أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء وقال دعونا نركز على البعد الاقتصادي في الأمن القومي حيث وقد ركزتم على البعد السياسي الذي أثريتموه , الاقتصاد يعد المحرك الأساسي لكل ما يدور من إشكاليات , وابر المشكلات تأتي من وراء الفقر واليمن بدل فقير والإحصاءات تقول أن ما نسبته 60% من سكان اليمن يرزحون تحت خط الفقر العام , والنسبة إلى زيادة فشبح المجاعة يهدد 8 مليون مواطن يمني , ولهذا ارتباط ويثق بالأمن القومي , فالفقر مهدد للسلم الاجتماعي لأنه يكون حلقة مفرغة من التخلف , فالفقر يولد فقر وإمكانية التحرر والنمو تصبح ضعيفة جدا , والفقر يخلق أمراض اجتماعية كبيرة مثل الجريمة والحرمان وهذا يجعل الفقراء عرضة للاستغلال السياسي وانظروا إلى ظاهرة البلطجية فترة الثورات العربية , وكذا تزوير الانتخابات وشراء الأصوات.

والفقر يعرض المجتمع للتبعية الاقتصادية للخارج الغني , وهي تتحول إلى تبعية السياسية وهذا واضح في الحالة اليمنية واليمن إما تتحول إلى دولة ضعيفة تابعة لدولة أجنبية أو ساحة للصراع أو حرب بالوكالة , وهذا جار في اليمن اليوم , المشكلة الأخرى تدني معدل ومستوى الأمية في اليمن الأمية بحسب الإحصاءات الرسمية 40% ومعدل التسرب من التعليم في تزايد مما لا يساعد على القضاء على مشكلة الأمية , تسرب أطفال المدارس الابتدائية تفوق ثلث الأطفال والمرحلة الثانوية وصلت نسبة التسرب إلى أكثر من 70% , ويعاني التعليم من إشكالية نوعية وهو تدني مستوى الجودة وعدم تلاءم المخرجات مع متطلبات سوق العمل نتيجة للفساد المستشري في جهاز التعليم , والفساد صار ممنهج , يهدف إلى إضعاف الذخيرة الاقتصادية للبلد وهو الإنسان , فساد في المناهج وفساد في إعداد المعلمين وفساد في الإدارة وامتد الفساد ليشمل القيم الإنسانية والقيم التربوية , ولعل ظاهرة الغش العلني في المدارس خير دليل على هذا , وهذا افقد التعليم قيمته وحوله إلى جهاز هدم وتدمير لمستقبل البلد وهذه كارثة بكل المقاييس , وهذا يهدد الأمن القومي بشكل كبير.

الإشكالية الاقتصادية كمهدد للأمن القومي

القضية الثالثة الاقتصادية المرتبطة بالأمن القومي البطالة , والتقديرات تقول ان هناك 40% من اليمنيين عاطلين عن العمل وهي تنتشر بين فئات الشباب والمتعلمين وهذا ما يخلق مشكلة اكبر , ولا يوجد ما يبشر بتراجع هذه المعدلات ومقابل النمو السكاني المرتفع مقابل المعدلات المتدنية لنمو الناتج المحلي التي تخلق فرص العمل ولم تعد هذه المعدلات منخفضة بل أصبحت سالبة فنمو الناتج المحلي في السنتين الأخيرتين أصبح -10% وهذا يعني أننا نخسر الوظائف الموجدة ولا نوفر فرص عمل , أما الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة فقد أوصل المعدل إلى -15% .

التفاوت الحاد في توزيع الثروة

المشكلة الرابعة هي التفاوت الحاد في توزيع الثروة بين السكان والقضاء على الطبقة الوسطى وهذا تهديد للأمن القومي ويخلق الصراعات وهذا التفاوت مشكلته انه يخلق في نفوس الفقراء الشعور بالظلم والرغبة في الانتقام وراجعوا الثورات العربية وإحراق أبو عزيزي لنفسه وإشعال الثورة , المشكلة السادسة الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل حيث أن 80% من صادرات اليمن من النفط , والاعتماد على منتج واحد يهدد الأمن القومي فإذا فرضنا ان أسعار النفط تراجعت على المستوى العالمي فإن هذا سيخنق ميزانية البلاد ويهدد بالاضطرابات الحادة , وهذا قد حدث في السابق كما يعلم الجميع , بالإضافة إلى هذا فإن الصراع على الموارد الاقتصادية في اليمن قد بدأ منذ زمن حتى لو تستر وراء عناوين سياسية أخرى (مناطقية , طائفية و انفصاليه) , إن شحة الموارد يؤدي إلى صراع على الموارد وهكذا.

أزمة المياه

المشكلة السابعة هي أزمة المياه , حيث إن اليمن من أفقر دول العالم في المياه ومخزونها المائي متجه نحو النضوب نتيجة الاستهلاك البشري في ظل معدل التعويض والحقن للمياه اقل مما يستنزف , وقد بدأ هذا في تعز وأزمة المياه مهددة للأمن القومي لأنها تنعكس على كل مظاهر الحياة في اليمن , ويعد القات احد أسباب الاستنزاف الحاد للمياه.

المشكلة الثامنة هي التبعية الاقتصادية والاعتماد على الدعم الأجنبي رسميا وشعبيا , فقر الدولة وفقر المجتمع دفع إلى طلب العون من الخارج , واستمرار اعتماد الدولة على الدعم الأجنبي بحسب الدراسات يؤدي إلى قتل روح المبادرة في المجتمعات وروح الإنتاج والبناء والمحاولة , وينمي روح الإتكالية والاستهلاك وينشئ اقتصاد ريعي تقوى فيه مراكز القوى والسلطة المركزية , ويصبح الناس مجموعة من التابعين , ثم تتحول التبعية الاقتصادية إلى تبعية سياسية , ليس على مستوى السلطة فحسب بل وحتى المجتمع , وتجد أن الجميع يرتبط , بما فيه منظمات المجتمع المدني والمشايخ وكل الفعاليات , ترتبط بالخارج دون غطاء رسمي.

هذا كله يهدد استقرار الدولة ويكبل إمكانية استقلالها في المستقبل , ولم تعد المسالة للتحرر من تلك التبعية مسألة قرار حكومي نتيجة تجذر التبعية في المجتمع وهذا ما حول اليمن إلى ساحة صراع إقليمي وإلى ساحة صراع وقتال بالوكالة , ونحن ندفع الثمن تحت عناوين الانقسام الطائفي والمناطقي وأي انقسامات محتملة في المستقبل , فالدعم الأجنبي اليوم وصل إلى مقومات الاقتصاد اليمني , نحن وصلنا لطلب الدعم لحماية العملة والغذاء والوقود وهذه مسألة كارثية.  

تعليق

وهكذا وكما رأينا من الطرح العلمي الناضج للدكتور مشعل فإن استمرار التبعية الاقتصادية يؤدي إلى تبعية سياسية , ويقود البلاد إلى مزيد من الكوارث والحقيقة أن الدول الكبرى تتخذ سياسات لإفقار العالم الثالث ووضعها في هذا الوضع الحرج , والإشكالية الآن تكمن في الإدراك لهذا المأزق , وكما تفضل الدكتور فإن الاتجاه السائد سواء للقيادات أو الشعوب هو الاتجاه للاعتماد على الخارج وبالتالي سنظل ندور في حلقة مفرغة بل أسوأ , فعلى الأقل لو وجد هذا النوع من الإدراك للقادة السياسيين ولو صلت هذه الأفكار للشعب واستمعت إليها النخب لوجدنا حلول مناسبة.

ضرورة التحرر من التبعية الاقتصادية

وكان آخر المشاركين هو الأستاذ علي الحليفي من قسم الاقتصاد بجامعة الإيمان الذي قال انه إذا أردنا أن نحافظ على أمننا فيجب أن نتحرر من التبعية الاقتصادية , فمن لا يملك قوته لا يملك قراره , ولابد من بناء اقتصاد وطني قوي واستثمار الأموال الوطنية المجمدة داخل الوطن , بهدف التحرر من التبعية الاقتصادية , ومن المشاكل أيضا البطالة التي تتمثل في المتعلمين والأوساط الشابة وهؤلاء يمكن ان يتحولوا إلى إرهابيين يهربوا المخدرات والخمور وحتى الأطفال وهذا لا يهدد اليمن فحسب بل الإقليم بأسره.

خلاصة الحلقة النقاشية

كما تعلمون أن مشكلتنا هي كيف تصل هذه المخاوف للقيادات والشعب معا , لذا على كل من ان يتحول إلى مؤسسة بذاته لإيصال الرسالة وإنقاذ الأمن القومي للبلد , لأن المخرج الوحيد أن يدرك الناس (صناع القرار والنخب والشعب) هذه الحقائق بحيث يتحرك الجميع لإيجاد الحلول المناسبة , نحن لا نريد حل سحري ولا ندعو للاصطدام بأي كان , ولكن ما وجدناه في الساحة السياسية أن كل القرارات تكرس هذه الاشكاليات , ولا توجد قرارات أو حتى مؤشرات تبشر بأننا نسعى للحصول على السيادة الحقيقة , ولكم سعُدنا عندما سمعنا أن النظام المصري الجديد قد تمكن من استعادة 11 مليار دولار من الأموال المنهوبة , هذا مؤشر على أن مصر في الاتجاه الصحيح ويبعث على الأمل والاطمئنان , أما أن تكرس التبعية وتبيع السيادة ويصبح هذا وعي للنخبة فهذه كارثة بكل المقاييس.