القيادة الأمريكية تعلن عن ضربات جوية جديدة تستهدف مخازن أسلحة الحوثيين وتصدي لهجماتهم في باب المندب مدير أمن المهرة يكشف عن حرب و مواجهات للقوات الأمنية مع مهربي المخدرات مكتب المبعوث الأممي يكشف تفاصيل لقاء سابق مع قيادات من حزب الإصلاح صاغت مسودته بريطانيا.. مجلس الأمن الدولي يصوت بالإجماع على قرار جديد بشأن اليمن الحكم على نجم رياضي كبير من أصل عربي بتهمة الاعتداء الجنسي الحوثيون يخنقون أفراح اليمنيين ..كيان نقابي جديد يتولى مهمة تشديد الرقابة على عمل صالات الأعراس مراقبون يكشفون لـ مأرب برس «سر» استهداف مليشيات الحوثي لـ أسرة آل الأحمر بصورة ممنهجة تفاصيل لقاء وزير الداخلية مع قائد القوات المشتركة لماذا دعت دراسة حديثة صندوق النقد الدولي لبيع جزء من الذهب الخاص به ؟ صدمة كبيرة بين فريق ترامب.. بسبب تعيين شخصية إعلامية في منصب سيادي حساس
مأرب برس – خاص
إن المديونية الناجمة عن تصاعد أعباء القروض الخارجية وفوائدها التي تزداد يوما بعد يوم قد أصبحت
– في الوقت الراهن – كارثة عظيمة حلت بالدول النامية الفقيرة ومنها مجموعة الدول الإسلامية ، كارثة دمرت اقتصاديات هذه الدول وسلبتها حريتها واستقلالها وجلبت لمجتمعاتها الفقر والذل والمجاعة ، ورهنت إمكانياتها ومستقبلها لصالح الدول الرأسمالية الغنية ولصالح مجموعة المصارف الدولية الكبرى التي أنشأها الغرب خصيصا للمتاجرة في الديون ، وتصدير القروض الربوية للبلدان النامية الفقيرة ، والتي في واقع الأمر تسيطر عليها الصهيونية العالمية .
ولقد صدرت كتب كثيرة ونشرت مقالات ودراسات لا تحصى بل وعقدت الكثير من المؤتمرات الإقليمية والدولية لإيجاد حلول وبدائل للمديونية الخارجية والتي أصبحت ظاهرة كونية وأزمة عالمية تهم الدول النامية والدول الغنية وتهدد الاقتصاد العالمي برمته . وهذه هي النظرة التقليدية لظاهرة المديونية الخارجية من وجهة نظر الفكر الاقتصادي الرأسمالي .
وأما نحن فلا ننظر لها كذلك، وإنما ننظر لها كقضية نجمت بشكل أساسي عن الربا الذي تقوم عليه هذه القروض. وهذا من وجهة النظر العقائدية .
فمما لاشك فيه أن الربا قد لعب ويلعب دور الشرير في مسلسل تصاعد أعباء القروض الخارجية. وهو الذي أوقع الأقطار الإسلامية في فخ الاستعمار الغربي بكافة أشكاله، وهو سبب رئيسي في المصائب والنكبات المتوالية النازلة بالأمة الإسلامية منذ بداية العصر الحديث وحتى الوقت الراهن.
ومع ذلك فلا زالت حكومات الدول الإسلامية تلهث وراء هذه القروض – ولا شك أن حكومتنا اليمنية واحدة منها – إن لم تكن في مقدمتها – بل هي كذلك بالفعل فالحديث عن القروض الخارجية والبحث عنها كان - ولا يزال - هو الشغل الشاغل للحكومات اليمنية المتعاقبة منذ حوالي أربعين عاما ..
أولا: القروض الخارجية والاستعمار المباشر
الديون منها قروض محلية أي تمنح ضمن إطار البلد الواحد وهناك قروض تمنح من أطراف أجنبية وتسمى بالقروض الخارجية ، ويطلق على القرض هذه الصفة سواء انتقل مال القرض من بلد لآخر ، أو تم الحصول على القرض من فروع البنوك الأجنبية ، التي تعمل في نفس البلد المدين.
وقد عرفت ظاهرة القروض الخارجية الربوية في القرن التاسع عشر فقد قامت الدول الأوروبية الرأسمالية والتي كانت قد خرجت من ظلمات العصور الوسطى ، إلى النهضة الحديثة - قامت في ذلك الوقت بمنح العديد من القروض لدول معينة في الشرق لضمان الحصول على المواد الخام الأساسية من هذه الدول وتصدير منتجاتها إليها ، وأيضا لزيادة معدل الربح من خلال أسعار الفائدة المرتفعة التي كان يحصل عليها رأس المال الأجنبي مقارنة بما كان يحصل عليه في موطنه الأصلي : ولقد تولت هذه العمليات المصارف الكبرى التي تحولت من مجرد وسيط بين المدخرين والمستثمرين إلى أصيل يندمج بداخله رأس المال المصرفي في رأس المال الصناعي ويقوم بخلق النقود خلقا .
وكانت الدول الغربية تستخدم هذه القروض الربوية كوسيلة للتدخل في شئون البلدان الشرقية المدينة ومن ثم فرض سيطرتها العسكرية عليها عندما تعجز عن سداد القروض وفوائدها المركبة وهو ما كان يحدث فعلا نظرا لسوء الإدارة وضعف الرقابة المالية والإدارية ، فضلا عن تدهور اقتصاد هذه البلدان ، ووقوعه - بشكل أو آخر - تحت السيطرة الاستعمارية .
ولقد وقعت في هذا الفخ عدد من الدول الإسلامية في ذلك الوقت ، والتي استدانت لغرض الخروج من الضوائق المالية وحل المشاكل الاقتصادية التي كانت تعاني منها نتيجة عدم اكتفاء القائمين على هذه الدول لإشباع ملذاتهم ، بما يحصلون عليه من وسائل دخل كفرض الضرائب والرسوم الجمركية وغير ذلك ، وذلك حسب اعتقاد ضعفاء النفوس من ولاة أمر المسلمين في تلك الفترة ، وبإيعاز من مستشاريهم الأوروبيين الذين كانوا يخدعونهم باسم الإصلاح والتقدم والمشروعات ، ويستدرجونهم لعقد القروض الربوية مع البنوك الأجنبية التي كان أغلبها يملكها اليهود ، ولكون أولئك المستشارين الأجانب كانوا يحصلون على نسبة من القرض . علما أنه كان قد تم تأسيس الكثير من البنوك الأجنبية في بلاد المسلمين ، لتكون قريبة من الحكام المسلمين فيكون ذلك أسهل في أن يقترضوا منها حينما شاءوا . وكانت هذه البنوك بين أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين سلاحاً فتّاكاً بيد القوى الأجنبية الاستعمارية.- الأوروبية تحديدا -
وفي بعض الأحيان كانت حكومات هذه الدول الإسلامية تقترض من أموال المرابين الذين كان كان لهم تواجد مالي وتجاري في بلاد المسلمين ، وتكون هذه الحكومة الأوروبية أو تلك ، والتي يحمل جنسيتها هذا المرابي أو ذاك ، هي الواسطة بين الطرفين ويرتهنون أحدى وسائل الدخل المهمة عند الحكومات المقترضة - كالجمارك مثلا - لضمان الوفاء بمبالغ هذه القروض، وفوائدها .
وعندما كان يحدث تأخر أو نقص في السداد ، كانت تلك الحكومة الأوروبية تتدخل مباشرة لصالح المرابين الذين يحملون جنسيتها ، وهذا هو الوضع الطبيعي ، لأن الربا والديون والاستعمار كانت كلها شيئا واحدا. ولذلك في حالات كثيرة كان يتم إضافة دخل مورد ثان وثالث بجانب المورد الأول.
ثم ماذا كانت النتيجة ؟
النتيجة أن هذه القروض الربوية كانت - بعد ذلك - وبالا على أولئك الحكام وعلى شعوبهم وأمتهم ولم يجنوا من وراءها سوى الفقر والعار وضياع استقلال البلدان الإسلامية ، وإيقاعها فريسة للاستعمار الرأسمالي الغربي ، ورهن إمكانياتها وموارد الدخل فيها للوفاء بهذه الديون وفوائدها وجعلها تصب في مصلحة الحكومات الاستعمارية .
وقد كانت الدول الغربية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، تسلك أسلوب إعطاء المال قرضا ، ثم تدخل عن طريق الدين لتتغلغل في البلاد وكان ذلك تمهيدا فعالا للاحتلال العسكري والتجاري المباشر بعد ذلك ، وما استعمرت انجلترا مصر إلا عن طريق الديون ، وما احتلت فرنسا تونس إلا عن طريق الديون ، وما بسطت الدول الغربية نفوذها على دولة الخلافة العثمانية - في أواخر أيامها - إلا عن طريق الديون ، ونفس الشيء حدث تقريبا بالنسبة للجزائر والمغرب وإيران ودولة حيدر أباد الإسلامية في الهند ، فكل هذه الدول أو الحكومات استدانت من الأجانب ، ثم عجزت عن سداد القروض الذي تضاعفت قيمتها بالفوائد المركبة الرهيبة ، فكان أن عقدت قرضا أكبر ، بفوائد أعلى ، وعجزت أيضا عن السداد ، ومع توالي القروض وتضاعف الفوائد والأعباء المترتبة عليها أخذت هذه البلدان تتحول شيئا فشيئا إلى مزارع أوروبية ، يكد العمال المحليون في العمل فيها ليلا ونهارا ويذهب خيرها إلى وراء البحار لتساهم في رفاهية المجتمعات الأوروبية ، وأن أدى ذلك إلى افتقار الشعوب في هذه الدول أو حتى أكلوا التراب والحصى ، ثم انتهى الأمر بضياع الاستقلال ، وارتهان إمكانات البلد ومرافقه للمصارف الربوية الأجنبية التي بدورها أسلمت البلد المدين لجيوش الاستعمار . وهذه بعض الأمثلة العملية لذلك .
كيف احتل الانجليز مصر :
بالرغم من استبداد محمد علي باشا واعتباره مصر ملكية خاصة له ولأبنائه وبالرغم من رغبته الطموحة في تحديث هذا البلد على غرار النموذج الأوروبي الذي كان مغرما به ، إلا أنه كان ذكيا بما فيه الكفاية ، وقد جعله ذكاؤه هذا حذرا من رأس المال الأجنبي ، ورفض العديد من عروض القروض الأجنبية ، ولم يسمح لنفسه قط بالتورط في الديون ، وكان يتجنب دائما التورط في مشروعات تفوق أعباؤها موارد البلاد المالية . وقد رحل عن العالم عام 1849 دون أن تكون مصر مدينة لأحد بقرش واحد. وأما أحفاده من بعده ونظرا لكونهم لم يكونوا على شاكلته، فقد كانوا صيدا سهلا لرأس المال الأجنبي وللمرابين الأجانب. وكان تغلغل رأس المال الأجنبي أوضح ما يكون في القروض الربوية التي حصل عليها خلفاء محمد علي.
إذ لم يمض وقت طويل على اعتلاء عباس باشا العرش حتى أضطر لاقتراض مبلغ 400 ألف جنيه استرليني من " بننسيولا أند اورينتال كومباني " مدشنا أول بادرة خروج على سياسة محمد علي .
وفي عام 1854 وافق خلفه محمد سعيد على إنشاء " بنك أوف إيجيبت " لكي يحرر نفسه من معدلات الفائدة الربوية التي كانت تطلبها البيوت المالية المحلية ، والتي كان يديرها المرابون الفرنسيون واليونانيون واليهود ، ومع ذلك لم يكن حظه أفضل مع رجال البنوك الأوروبيين الذين كانوا يوقفون عروض القروض حتى يوافق الوالي على شروطهم .
وفي عهد محمد سعيد باشا ( 1854- 1863 ) تزايد حجم الدين المصري بصورة هائلة نتيجة لتورطه بالاقتراض من بعض المصارف الأوروبية التي كانت قد أنشئت في الإسكندرية ، ولم تكفه القروض المحلية وأذونات الخزانة التي أشار بها ديليسبس عليه بها بل لجأ في عام 1860 لعقد أول قرض خارجي مع أحد المصارف الفرنسية ، وخصصت حصيلة جمارك ميناء الإسكندرية لضمانه ، ولجأ لعقد أول قرض خارجي تعقده الدولة المصرية في تاريخها الحديث ، قدمه لها مصرف ( أوبنهايم ) الألماني بمبلغ ( 2.5 ) مليونين ونصف مليون جنيه إسترليني ، مضمونا بحصيلة ضريبة الأطيان على أراضي الدلتا .
وقد كان ذلك إيذانا بدخول مصر عهد جديد هو عهد الإذلال والخضوع والوقوع في دوامة الهيمنة الخارجية وتحت رحمة الدائنين من المرابين الأجانب الجشعين الذين لا يرقبون في مدين إلا ولا ذمة، والذين صار الاقتصاد المصري رهينة بأيديهم وموجها لخدمتهم ، وبتعطيل النهضة التي كان محمد علي باشا قد بدأها ، وبشيوع الترف واللهو والخمر والنساء ، وأصبح من بين الأهداف الأساسية للإدارة الاقتصادية توليد الدخل الكافي لخدمة الديون ، التي تضاعفت أعباؤها ونمت نموا خياليا في غضون سنوات قليلة .
فقد توالت القروض التي اقترضتها الحكومة بين عامي 1864 و1875 حتى بلغت نحو خمسة وتسعين مليون جنيه استرليني ، وذلك نتيجة لارتفاع سعر الفائدة التي أصرّ عليها الدائنون الأجانب، وكانت السبب الرئيسي في الارتباك المالي الخطير ، حتى أن الرسوم الجمركية لميناء الإسكندرية ، والدخل الآتي من مبيعات القطن المصري طويل التيلة المشهور ، وإيرادات قناة السويس ، وغير ذلك من مصادر الدخل المصري والتي ارتهنت كضمانةٍ لسداد القروض ، لم تعد تكفي لسداد الأعباء السنوية التي ترتبت على تلك القروض، وأصبحت ثقة الأوروبيين بالحكومة المصرية محل شك ، بل أن ثقة الحكومة المصرية بنفسها أصبحت محل شك ، فقررت الدول الأوروبية التدخل المباشر جهارا نهارا لغل سلطة هذه الحكومة في شؤونها المالية والإدارية لضمان الوفاء بديونها - فجاءت بعثة كييف سنة 1875 واقترحت إنشاء مصلحة للرقابة على مالية مصر ، وأن يخضع الخديوي لمشورتها ، ولا يعقد قرضا إلا بموافقتها - واضطر الخديوي إسماعيل في هذا العام – وبعد أن سفح بالأموال من غير وعي أو تحوط ، في مظاهر أوروبية كثيرة غير مجدية ، وطلبا للزينة والترف والبذخ أودت بمصر إلى الإفلاس المالي – أضطر إلى بيع أسهم الحكومة المصرية في قناة السويس وعددها نحو 176 ألف سهم، إلى الحكومة البريطانية، لقاء دفع أربعة ملايين جنيه فوراً، ساعدت على تأجيل الانهيار المالي مؤقتاً. - وانشأ صندوق الدين سنة 1876 ، لتسلم المبالغ المخصصة للديون من المصالح المحلية - ويتولى إدارته مندوبون أجانب ، تنتدبهم الدول الدائنة ، ويعينهم الخديوي وفقاً لهذا الانتداب - فكانت هناك حكومة أجنبية داخل الحكومة المصرية ، وسلطتها فوق سلطات الحكومة المصرية ، وفي نفس هذه السنة أيضا تم أنشأ نظام الرقابة الثنائية على مالية مصر ، فكان هناك مراقبان أجنبيان أحدهما إنجليزي لمراقبة الإيرادات ، والآخر فرنسي لمراقبة المصروفات - وكانا هذان المراقبان الأجنبيان يتمتعان بسلطة مطلقة في إدارة الحكومة المالية - ثم تطورت الرقابة الثنائية إلى تأليف حكومة مختلطة يدخلها وزيران أوروبيان أحدهما انجليزي لوزارة المالية ، والآخر فرنسي لوزارة الأشغال . وعندما حاول الخديوي إسماعيل مقاومة اشتراك هذين الوزيرين الأوروبيين في مجلس الوزراء المصري كلفه ذلك عرشه سنة 1879 . و تم فرض هذين الوزيرين بالقوة والقهر على المصريين. مما استفز الحركة القومية ... فوقف أحمد عرابي على رأس الوطنيين الوقفة الشهيرة في ساحة عابدين ... وذلك في عهد الخديوي توفيق الذي خلف إسماعيل عقب إقالته فاستعان توفيق بالإنكليز ليقضي على وثبة الجيش مما أفضى إلى الاحتلال الذي ظل جاثما على صدر مصر منذ سنة 1882 حتى ثورة يوليو1952
كيف احتل الفرنسيون الجزائر وتونس :
إن المعلومات والوثائق التاريخية تقول أن الجزائر في القرن الثامن عشر أي قبل أن تحتلها فرنسا كانت تملك اقتصادا نشيطا ، وكانت هي البلد الدائن وفرنسا كانت البلد المدين وفي هذا الصدد نشير إلى ثلاث معاهدات تخص اعتراف فرنسا بقروضها من الجزائر : المعاهدة الأولى أبرمت عام 1796 وتشير إلى أن الجزائر قدمت لفرنسا قرضين : الأول عبارة عن قمح لم تكن فرنسا تملك تسديد ثمنه آنذاك أي عام 1793 م ، والقرض الثاني نقدا وقيمته 5 ملايين من الفرنكات الذهبية في سنة 1796 بدون فائدة ( لأن الفائدة ربا والربا حرام في الشريعة الإسلامية ) وهناك معاهدة ثانية أبرمت في سنة 1801 وثالثة أبرمت في سنة 1820 ، تجدد فيهما اعتراف فرنسا بهذه الديون للجزائر .
ثم دار الزمان دورته بسرعه فقد: دخل الباي ( لقب يطلق على الحاكم في كل من الجزائر وتونس ) في علاقات مالية مع مرابيين يهوديين فرنسيين كان يقدمان له القروض في مقابل صفقات تجارية ، وكان الباي يتأخر في الأداء أحيانا فكان اليهوديان يلجآن إلى القنصل الفرنسي في الجزائر والذي كان يتدخل دائما لصالح الربا وأهله .. ثم أن الدول الأوروبية كانت قد اتجهت إلى الاستعمار لوضع يدها على منابع المواد الخام وضمان أسواق واسعة لتصريف البضائع. وكانت محصلة ذلك هو احتلال فرنسا للجزائر واعتبارها جزءا من الأراضي الفرنسية.
وفي تونس أتجه الباي هناك للاستدانة من أوروبا – ومن فرنسا تحديدا - وفي اقل من سبع سنوات بلغ الدين مائة وخمسين مليون فرنك فرنسي فاتخذت الدول الأوروبية ذلك حجة للتدخل في شئون تونس الداخلية واقترحت فرنسا تشكيل لجنة مالية ووافقتها انجلترا وايطاليا وصدر مرسوم من الباي سنة 1870 بتشكيلها من فرنسيين وانجليز وايطاليين يرأسها موظف فرنسي وجعلت مهمتها توحيد الدين وتحديد الفوائد وإدارة المرافق التي خصصت لهذا الدين وعن طريق هذا الدين وصل الفرنسيون إلى استعمار تونس ..
كيف ضاعت الهند الإسلامية :
بعد أن قضت انجلترا على التمرد الأكبر في الهند والذي اندلع في سنة 1858م ، ثبت للسياسيين البريطانيين أن المقاومة الحقيقية للاستعمار البريطاني تمثلت في مقاومة المسلمين لهذا الاستعمار ، وخاصة سلاطين دلهي وحلفائهم رجال نظام حيدر أباد ، فكان أن استقر رأي البريطانيين على إعلان الحرب على الإسلام وأهله في الهند ، فكان أن أيدت الهندوس والسيخ ..ضدهم. ولم ينفعها في هذا المجال شيء – أي في مجال القضاء على المقاومة الإسلامية - كما نفعتها القروض الربوية ، لأن نظام حيدر أباد ورجال دولته ، ظنوا أنهم ينفعون دولتهم إذا هم اقترضوا المال من المصارف الانجليزية وذلك لتمويل الجيوش وشراء الأسلحة الحديثة ، التي سيتم بها محاربة الانجليز الغزاة وطردهم من الهند ، وأيضا الدفاع عن أنفسهم من الهندوس والسيخ ، وما لبث أن خاب ظنهم ، لأن صناع السلاح وتجاره كانوا – ومازالوا – أحلاف المرابين والمستعمرين.
صحيح أن جزءا كبيرا من تلك الأموال قد ذهبت لشراء السلاح الحديث ، ولكن بأثمان خيالية والبندقية التي كان ثمنها - إذ ذاك - خمسة جنيهات انجليزية ، بيعت للمسلمين بخمسين جنيها مقترضة من بنك انجليزي ، بيد أنهم كانوا يقتصدون أو يسوفون في بيع الذخيرة لهم ، وفي وقت من الأوقات توقف بيع الذخيرة - أصلا - فأصبحت البنادق والمدافع مجرد حديد خردة بلا قيمة ومن ثم انفتح الطريق أمام التدخل الاستعماري الانجليزي للهند دون مقاومة . وهكذا ضاعت الهند الإسلامية .
كيف انتهت الخلافة العثمانية :
بعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر، صارت الإمبراطورية العثمانية مسرحاً واسعاً لتنافس البنوك الأجنبية ، حيث راح كل واحد منها، يحاول التركيز على هذا السوق المصرفي البكر، لتصريف العملات، وتوظيف الرساميل، ونهب المواد الأوليّة للصناعة .. وكانت هذه البنوك تسهّل للدولة العثمانية قروض التمويل للحروب، وتشترط عليها أن يكون سداد الدّين خلال فترة تُدرك هذه البنوك سلفاً أن الإمبراطورية غير قادرة على السداد فيها، وتضعُ على ذلك ضماناتٍ من المواد الأوليّة للصناعة، كالقطن والحرير والأخشاب – التي كانت من أهم مصادر الدخل للدولة العثمانية - وتحوّلت القروض التي كانت تمنحها تلك البنوك للدولة العثمانية إلى إحدى الوسائل المهمة لتغلغل القوى الأجنبية ، والتسلل في اقتصاد البلد، وفي الإدارة، وأجهزة الحكم وإحكام الطوق على الإمبراطورية العمثانية سياسياً، واقتصاديا ..
الأمر الذي أدّى إلى تعميق فقرها وجهلها وتفكّكِها، فضَعُفَتْ موارد البلاد، وقلّت مداخيلها، وكثُرت نفقاتها فلم تجد الإمبراطورية من خيار أمام الحاجة والضرورة سوى الإمعان في الاستقراض، إذ أن هذه هي الطريقة المتاحة أمامها لإنقاذ نفسها من الإفلاس والانهيار ، وبدلاً من إنفاق هذه القروض، على تحسين موقعها الإنتاجي والاقتصادي، أقدمت على إنفاقها ضمن قنواتٍ تزيد من حالة الإفقار والتجويع، حيث أنفقتها على الحروب، وعلى قمع الثورات التحررية التي كان الغرب نفسه هو من يثيرها ضدها ، كما أنفقتها على بذخ السلاطين والأمراء، وأيضا على دفع الفوائد، وتسديد القروض السابقة، التي عجزت عن الوفاء بها في حينه! ولهذا الموضوع قصة طويلة حزينة يشيب من هولها شعر الصبي . لأنه يتعلق بدولة خلافة إسلامية كبرى كانت تهيمن على ثلث الكرة الأرضية، وكانت سيدة البر والبحر