نكبة 21 فبراير ...رؤية مستقبلية
بقلم/ صالح السندي
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر
الأحد 12 فبراير-شباط 2012 04:10 م

سيسطر التأريخ هذا اليوم بمزيدا من الخزي والعار لليمن يضاف الي القوائم الطويله لنكبات والذل والمهانه التي يزخر بها اليمن , حين فشل أولا في تحقيق رغباته للحرية والتغيير والعداله والكرامة والمواطنة المتساوية , وحين فشل مجددا في إسقاط نظام الفساد كاملا بكافة رموزه واباطرته ومحاكمته كليا , وفشل ايضا في وقف مهزلة المبادرة الخليجية , وما نتج عنها من حكومة وفاق مدمجة وسياسات مفرُخه وليدة فرضت قرارات الخارج على الإرادة الشعبية والوطنية بالقوة والتدخل السافر , وألآن فشل جديد ونكبة جديدة في وقف تحقيق مهزلة الانتخابات الرئاسية القادمه , ومن نكبة الى نكبة سيسطر التأريخ مزيدا من نكبات متجددة , وتأريخا اسودا قاتم اللون والرؤى والمعالم , وستتوج هذه النكبات مجتمعة يوم 21 فبراير القادم , بقدوم النظام بحلته الجديدة ولباس سياسي جديد وبمباركة شعبية عارمه , وكأننا نحيا في قصص شهرزاد والفارس المقنع وأحلام ألف ليلة وليلة , ولم نصحو بعد من غفوتنا وغفلتنا وجمودنا الذهني والعاطفي والسياسي وصدماتنا المتكرره في حلقات المسلسل التآمري الدرامي الطويل , إلا على مزيدا من النكبات والسقوط والانهزام والتهاوي .

نتذكر جيدا حين قامت الثورة الشبابية السلمية لم يكن أبدا أحدى شعاراتها المستلهمة ترشيح هادي رئيسا للجمهورية المنتظره , ولم تكن احدى أهدافها الأساسية تأسيس الدولة المدنية الحديثة على أنقاض نظام مستمر بكافة صورة ورموزه وفساده , وحين انهارت دموع عتاب بنت الشهيد لم تقل رشحوا بابا هادي , بل قالت علي قتل بابا , وأنس الشهيد لم تغتال طفولته قذائف الهاون بلا رحمه ليكون مقاضاته ترشيح ممثلا وركنا من نظام القتل والإجرام , وتزكيته لقيادة مرحلة جديدة , ودمآء الشهدآء حين نفتش عنها و نقتفي أثرها في زحمة الحياة السياسيه والتآمرية نجدها تنتظر الحكم والقصاص العادل المنصف , وما يتم الترويج له عبر الحمله الانتخابية من استفزاز لمشاعر أسرالشهدآء خاصة وللشعب عامة من الصاق صورة الرئيس السابق مع المرشح القادم في صورة توافقيه واحدة, ذيل تحتها بالخط العريض معا لنبني اليمن الجديد , بعد المعارضه الشديدة من صقور المؤتمرعلى آلية الحمله الإنتخابيه المنفردة , لهو قمة الإستخفاف والمهزله الإعلامية والدعائية الانتخابية العقيمة والرخيصة , بإقحام رمز النظام السابق الملوث في أية رؤية مستقبليه قادمة لغد اليمن الجديد الطاهر , استخفافا بشعب باكمله اولا بوضع مرشحا وحيدا لا غير , بما يتنافي مع مبدأ أي ديموقراطية منتخبة كخيار وطني لأية عملية سياسية توافقية , وثانيا استخفافا بأرواح الشهدآء من ضحوا بأنفسهم لأجل يمنا جديدا متمدنا متقدما , واستخفافا بآمال الشباب بأية تغييرات قادمه منبثقة من وحل الديموقراطية المزيفة , بفقدان مصداقيتها ومشروعيتها الدستورية والقانونية والشعبية .

وحين يساق الشعب اليها مرغما مكرها تحت وطأة سياسة العقاب الجماعي وقمع الآلة العسكرية , وفرض خيارات القوة السياسية والأمنية والإعلامية , وضيق سبل الحياة المعيشية , آملا في مخرجا ساقته اليه أحزاب اللقاء المشترك متآمرة مع النظام لاجل مطامع ومكاسب سياسية وقتية , لتعتبر بحد ذاتها في مقياس الأمم و معايير النزاهه الاخلاقيه والعالمية في أدبيات السياسة و ثقافة تعامل الحكومات مع شعوبها والقوانين والأعراف الدوليه , سابقه خطيرة في قتل وإنهاك شعبا باكمله سياسيا واقتصاديا , وتشريده وعقابه والإمعان في اهانته وتعذيبه وإذلاله , وفرض سطوة العقاب الجماعي في حرمانه من ابسط الحقوق وادناها من سبل الحياه الكريمة , وتوفير مقومات البنية التحتية والأساسية .

إن الديموقراطية الجديدة التي يتشدق بها النظام حاليا تعد سبقا خطيرا وانتهاكا جسيما في قانون الأعراف الديموقراطية لتحقيقها وانجاز الغايات المنشوده منها , فكيف تبنى هذه الديموقراطيات الوليدة على مبادئ و أسس دكتاتوريات قديمة مستبدة , وكيف تضاف لها شرعيتها المكتسبه خارجيا المخضبه بدمآء الشهدآء ومعاناة الاغلبيه الساحقه من الشعب اليمني , دون أدنى اية اعتبارات اخلاقية او سياسية للأمانة الملقاه على اعتاق المسؤولين في الدولة اليمنية , وكيف يراد تحقيقها في ظل رفض اكثر المكونات الشعبية والجماهيرية المستقله منها والحزبيه والسياسية والأغلبية الثورية المستقلة , وكيف يتم فرضها فرضا إجباريا وحلا وخيارا مطروحا لا بديل عنه إكراها في ظل أوضاع أمنية وعسكرية متردية ومتأزمة , وفي ظل تنافي ووجود العنصر الامني والاستقرار , فكيف أذن سيتم اثبات مصداقيتها والجدوى من إقامتها اذن ؟!

ولعبت وسائل الإعلام المختلفه و الصحف الحزبيه دورا بارزا ومؤثرا بصورة مباشرة في التعتيم الاعلامي والاستغفال الشعبي العام , وتمرير الحمله الانتخابية وتسويقها بشعارات رنانه وديموقراطية عاليه , كما تمر تمرير المبادرة الخليجية على غفلة من الزمن , متبعة سياسة الخلاص والتحرر و إخراج الثورة من عنق الزجاجة الى فك التمساح , منتجة بذلك جيلا جديدا من المتحزبين الجدد ولائهم للحزب أولا قبل الوطن , بتفكير سطحي ضيق و محدود , وخيارات استثنائية في رفض الآخر , وبنية ثقافيه ضعيفة هشة متباينة ومتناقضة , ولدت الاختلاف والتناحر الحركي بين مكونات العمل الثوري والشبابي في الساحات , وما يحدث في كريتر عدن والمعلا وقبلها في الضالع والجنوب بشكل عام من استهداف الحراك - الرافض للانتخابات - والأعمال التخريبية والقتل من قبل عناصر الإصلاح بإيعاز من قادتهم في صنعاء لتمرير الانتخابات , وتأليب الشارع الرافض للانتخابات ضد المكونات الرافضة لفرض خيار الانتخابات أمرا واقعا لا بد منه , ونشر أجوآء من الفوضى والتخريب لشرعنة الانتخابات وجر الناس اليها باعمال استفزازية رخيصة , واستخدام ادوات تآمرية بحته , بتغطية إعلامية ودعم مالي كبير , لهو قمة الإسفاف والاستهانة بقيمة الشعوب والوطن .

فهي ليست انتخابات تنافسيه لعدة مرشحين ليتم المبالغه الاعلامية والدعائية فيها إطلاقا , واستنفار أكثر الأرآء والصحفيين والكتاب لخدمتها والصلاه على باباها وتمجيدها والتوجه الى قبلتها وتقديسها , والإفراط في التخريب والفوضي و بث روح الرعب والذعر بين الأهالي والسكان لإنجازها , هذه الروح التآمرية الرخيصة البائره لم تستخدم حتى في سياسات العهد البائد التآمرية , ولا في زمن الحكم الأسري الرشيد السابق المنحل جزئيا , نقول للإصلاح وقياداته .. كفى وهونوا على أنفسكم , فالأمر لا يستحق كل هذا العنآء والضحايا , ومبروك لكم الفوز مقدما يا سادة يا كرام , فالمرشح التوافقي غيابيا عن توافق الشعب مرشحا وحيدا لاغير, وسيفوز حتما وستمر الانتخابات بالنصرالاكيد , مثلما مرت المبادرة الخليجيه والحصانه والعدالة الانتقالية , ومثلما تم بيع دمآء الشهدآء في سوق النخاسه السياسية السودآء , وتم قبض الثمن مجموعة مناصب ومراكز سياسية مرموقة , ستمر الانتخابات -طوعا ام كرها- وسنشهد الاحتفالات الصاخبة والافراح العارمة ومظاهر الابتهاج الحزبي المقيت , والألعاب النارية والانتصارات الديموقراطية العظيمة , وستحتفل صنعاء واليمن بقدوم الزعيم القادم والمحرر الفذ والمنقذ العظيم .

لذا لا داعي للمبالغه والقلق السياسي والاستخفاف بالشعب اليمني العظيم , وامتهان مشاعرة الحضارية والتأريخية والإنسانية , فلا ديموقراطية تأتي بالإكراه والإذلال وفرض مبدأ القوة عنوة , ولا حريه تشترى بالثمن , وتورد من الخارج عبر مبادرات وقناعات خارجية لا تخدم الا مصالحها فحسب , ولا تنظر الا لمستقبل يحسب لها لا عليها , ويترجم طموحاتها ومنافعها , واذا كانت تلك القناعات السياسية الداخلية بالتغيير السلمي فقط عبر صناديق الانتخابات , والاقتراع الحر والمباشر , فلماذا تم إذن إقحام الشباب والشعب والوطن باكمله في أتون ثورة مفتعله قدم الشباب زهور حياتهم فدآءا لها , وقدم الوطن المزيد والمزيد من الانهيار وتدنى الأوضاع المعيشيه والحياتيه والأوضاع الكارثيه , دفع فاتورتها فقط المواطن البسيط لتقبض الثمن مجموعة من الأحزاب مقاعدا وزاريه زائلة .

حتى ألآن لم تحقق حكومة الوفاق الوطني أي تغيير ملحوظ او ملموس في شتي جميع جوانب الحياه المعيشية والسياسية والاقتصادية والأمنية , وتبخرت تلك الوعود بالتغيير والإصلاح والانفراج الكلي للأزمة وذهبت أدراج الرياح , فهل يا ترى ستحقق الفترة الانتقالية القادمة غاياتها , وما تصبو الية القيادات الحزبية مجتمعة بالتغيير للأفضل , في ظل وجود الخيارات الأمنية والعسكرية القاهرة في يد الرئيس وأقاربه و شبكات محسوبياته , ومماطلة التسويف بالإصلاح العسكري والأمني الذي يعتبر من أهم الجوانب الاساسيه للتغيير ,والأرضية المناسبة لإجرآء اية انتخابات نزيهه قادمة , يضع مصداقية الانتخابات وشرعيتها على المحك , فورقة الجيش والقيادات العسكريه والأمنية وكافة الأجهزة الاستخباريه ستظل الورقة الرابحة والأخيرة في يد الرئيس وابنآءه وفلول النظام السابق للضغط على أية تغييرات قادمة , ولكسب المزيد من الحصانات والضمانات المرجوة , ورؤية الى ما ستصير إلية الاوضاع المستقبليه بما يتناسب مع خدمه مصالحها وأجندتها الذاتية الوقائية , واستثمارها الاستثمار الصحيح في الخروج الآمن والسلمي تباعا , مالم ستنقلب الى كارت حارق يحرق الوطن باكملة.

لذا فالتصويت على الانتخابات تصويتا للمبادرة الخليجية والحصانة والعدالة الانتقالية بشكل غير مباشر , وإضفاء شرعية مكتسبة للنظام المخضرم القديم الجديد , ورسم سياسات اليمن المستقبلية حسب الأهوآء السعودية الخليجية عبر الأيادي المتنفذه والسياسات المتبعه في اليمن والمنطقه ككل , وما تم فيه التسويق عبر الانتخابات الرئاسيه بأنها المنقذ والمخرج الوحيد لليمن , والتحرر من شبح الحرب الاهليه , إنما هو رؤية مغلوطة تماما , لا ندري عن اية حرب أهليه يتحدثون؟ والجيش كله ومراكز القوى والثقل السياسي الفعلي بأيدي الرئيس واقاربة , والأحزاب السياسية مستسلمة كليا للنظام القديم وتحت عبائتة , وقوى المعارضة ألآن مدمجة في صف النظام تماما , والشعب ملُ من التناحرات السياسية والحروب والصراعات , فلن تكون هناك ابدا أية حروب أهلية قادمة يخشى منها او يروج لها تجار الحروب , بل هناك حصانة كامله قادمة لنظام بأكمله قدمت على طبق من ذهب وعن طيب خاطر للقتله والمجرمين , لن يجد النظام خيرا منها للإفلات والخروج الآمن والهروب من مطاردة العدالة والقصاص , والمماطله ماهي الا استمرآء لكسب المزيد من الوقت لتثبت الحصانه وتأكيدها , اذن لن تكون هناك حربا اهلية , فلماذا اذن استخدام هذه الورقة لتخويف الشعب المنهك , وإرعابه وتخويفه لكسب رهانات سياسية واصواتا انتخابية مرتعشة خائفة وجلة, لا ولن تصنع يمنا متقدما ومزدهرا وآمنا نحلم به .

- كتبت في مقال سابق عن الانتخابات الرئاسية..البدآئل والحلول ,, أتمنى لمن يريد المزيد من وضع صوره كليه ومجملة في هذا الموضوع الرجوع الى المقال , واختتم المقال بأبيات شعرية جميلة ومعبرة مقتطفة عن لسان حال الواقع اليمني المعاصر ,, للشاعر أبي الأحرار الزبيري , وأتمنى العودة للقصيدة كاملة تحت عنوان ,,رثـــــــآء شعب ,,

ما كنتُ أحسِبُ أني سوفَ أبكيهِ

وأنّ شِعْري إلى الدنيا سينعيهِ

وأنني سوف أبقى بعد نكبتهِ

حيّاً أُمزّق روحي في مراثيه

وأنّ من كنتُ أرجوهم لنجدتهِ

يومَ الكريهةِ كانوا من أعاديه

ألقى بأبطاله في شرّ مهلكةٍ

لأنهم حقّقوا أغلى أمانيه

نبني لك الشرفَ العالي فتهدِمُه

ونَسْحَقُ الصَّنَمَ الطاغي فتبْنيه

نَقْضي على خصمكَ الأفعى فتبعثُهُ

حيّاً ونُشْعُلُ مصباحاً فتُطْفِيه

قَضَيْتَ عُمْرَكَ ملدوغاً، وهأنذا

أرى بحضنكَ ثُعباناً تُربّيه

تشكو لهُ ما تُلاقي وَهْو مُبتعثُ الشْـ

شَكْوى وأصلُ البَلا فيما تُلاقيه

أحْلى أمانيهِ في الدنيا دموعُكَ تُجْـ

ـريها، ورأسُكَ تحت النّيرِ تُحْييه

وجرحُكَ الفاغر الملسوعُ يحقِنُهُ

سُمّاً، ويعطيه طِبّاً لا يداويه

يعيشُ في النكبةِ الكبرى ويجعَلُها

درساً إلى مُقْبِل الأجيالِ يُمليه