مأرب والعرادة وجهة نظر أخرى 2-3
بقلم/ عبدالرحمن الرياني
نشر منذ: 4 أشهر و 9 أيام
الثلاثاء 09 يوليو-تموز 2024 06:33 م
 

وسوفَ أُري الايامَ نقمةَ حاقدٍ … اذا ما تقاضاها أساءَ التقاضيا

  

هذا البيت لشاعرالعراق وصناجة العرب في القرن العشرين محمد مهدي الجواهري من قصيدة قالها في الثلاثينيات عندما جرى تهميشه وإبعاده يختصر البيت سيكلوجية السياسي الحاقد المهمش الذي لايصلح للحُكم والسلطة فما أن يقبض على السلطة بإنقلاب أو بدعم اجنبي حتى يبدأ بممارسة السلطة بصورة خاطئة إذا تقاضاها حكمها أساء التقاضيا ، شاءت ظروف اليمن وفي لحظة ضعف و انكسار تاريخي أن يتصدر المشهد انصاف ساسة حاقدين اينما اتجهت بنظرك في اليمن تجد أعلامً وصور رموز سياسية لرؤساء وزعامات وحكام وقيادات سياسية غير يمنية بأحجام متفاوتة على المقرات والمباني والوزارات وفي الشوارع الرئيسية على إمتداد التراب الوطني كتأكيد للتبعية المُطلقة للأجنبي بل وصل الأمر حتى إلى تغيير أسماء الشوارع التي تحمل أسماء رموزاً وطنية بأسماء مغمورة لا علاقة لها لا باليمن ولا بتاريخه ، مأرب سلطان العرادة ظلت حالة استثنائية بين المهرولين خلاصة القول أن مأرب القبيلة استمرت وفية لهويتها الوطنية مُحاصرة من الجميع لكن في حقيقة الأمر كانت هي المُحاصِرة وليست المُحاصرة ، طبيعة النقاء القبلي وبُعد الرؤية لدى الرجل الأول في المحافظة المحافظ الحاكم الحكم وليس الحاكم الحاكم هي الدافع وراء رفض المحافظة في الدخول في صفقات ومساومات على حساب القضية الوطنية والهوية الوطنية الجامعة التي ترسخت في مأرب في سنوات الحرب ، بينما الذي حدث في المناطق المحكومة بسلطات تابعة للقوى الأجنبية هو تنامي الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية بفعل تغول وتوحش المناطقية ـ بالعودة إلى سلوكيات الحاكم في السلم والحرب وفي المنعطفات السياسية الصعبة تظهر الزعامات والقيادات التاريخية التي لديها مشروعها الوطني الذي يحاكي التطلعات ، المتتبع للحوارات الصحفية التي أجريت مع اللواء سلطان العرادة محافظ مأرب عبر مختلف وسائل الإعلام وعلى مدى زمني يزيد على أكثر من عقد من الزمن وهو ما يولّد لدى الراصد قناعة أن " العرادة " السياسي لديه مشروعه الوطني الذي يتناغم ويتطابق مع الرؤية الوطنية العامة للمثقف الوطني من مختلف المشارب والأطياف السياسية مايعزز ذلك هي السياسات والممارسات على الأرض التي يستشعرها المواطن اليمني في مأرب وعندما نقول هذه العبارة فإننا نعني أكثر من مليونين مواطن من كل محافظات اليمن صارت مأرب لهم الملاذ الآمن أكثر من أي محافظة يمنية أخرى ، الكتابة عن مأرب اليوم تأخذ بُعداً آخر لا تحتاج إلى الحفر " الاركلوجي " المعمق بحثًا عن الكلمات والحروف التي يحاول الهواة رصها بلغة ثقيلة الدم المسألة هنا تبدو مختلفة حين تصير الكلمات هي من تكتبك وتشق طريقها في المتن والمقال وعليه انحيازاً للحقيقة أقول أنني بعيداً عن الإيدولوجيا التي لا تجعل الكاتب العقائدي مفكراً كان أو مؤرخًا لا ينحاز حتى إلى نصف الحقيقة أقول ان ماجرى في مأرب طوال عقد زمني ليس سوى معجزة ومعجزة لها أكثر من دلالة ومعنى فطوال خمسة عقود كانت المنطقة معزولة وتعاملت معها الحكومات المركزية في صنعاء أنها حاضنة قبلية لا تستحق العناية والتنمية وكأنما هي جغرافيا دخيلة على الجغرافيا هذا إذا استثنينا مرحلة حكم الرئيس إبراهيم الحمدي القصيرة ، وضع مأساوي كالذي كانت تعيشه مأرب " القبيلة " كان كفيلاً ووفق المنطق وقواعد الصراع والإشتباك أن يحيل المنطقة إلى وكر للعصابات والخارجين عن القانون وأن تنتشر فيها كافة أنواع الجريمة المُنظّمة بكونها على أهميتها الجغرافية والاقتصادية يمكن أن تكون الأسفين الأول والأخير في نعش الجمهورية اليمنية التي صارت في لحظة تاريخية والحرب في أوج اشتعالها مجرد مسمى بلا معنى ، سلطان العرادة تعاطى مع المنصب كرجل دولة وليس كرجل سلطة استطاع توظيف القدرات والطاقات في ضروف صعبة وتكاد تكون مستحيلة وتمكن من صناعة ظاهرة اعتراضية حقيقية فاعلة ونشطة لديها " ميكانيزم" متحرك بإستمرار حدد أدوات العمل وفق رؤية تقوم على تحقيق الصمود الذي يكفل الاستقرار لحياة الملايين في المحافظة الأستقرار الذي بدوره يصنع التنمية والعنوان لكل ذلك هي الدفاع عن المشروع الوطني المتمثل في النظام الجمهوري الديمقراطي وهو ما تكرس من خلال المنشاءات الحكومية التي فعلّت أداء أجهزة الحكومة الشرعية المُطاردة حينًا والمُحاصرة في كل وقت وحين ،الأمر الذي جعل من مأرب في لحظة حرجه بديل حاضن وجاهز لأداء دورها كعاصمة فعلية لليمن بعد اختطاف العاصمة صنعاء والعاصمة المؤقتة عدن على يد المليشيات ، ايجاد وترسيخ نموذج وطني في قلب المعركة ووسط اُفقً مشتعلاً بالنار ليست بالأمر السهل هي أشبه بالسير وسط حقول من الألغام ،صنع سلطان العرادة كل ذلك متكًا على موروث الحكمة اليمانية وبلا دعم سياسي تمكن الرجل من صناعة نموذج لسلطة جمهورية في بيئة أعتقد المُراهنون والمُرتهنون على الفشل أنها طاردة للنظام الجمهوري وأسسوا فكرتهم لضرب المشروع الوطني على هذا الأساس وأن وجود شخصية مهما كانت نظافة يدها وصدق انتمائها للوطن لن يخرج مشروعها عن الذاتية والإنعزالية وخدمة القبيلة بمفهومها الضيق والإنتقام لها وحدها من مراحل وعقود التهميش ، لكن حدث ماحدث تقاضى العرادة فأحسن التقاضيا .

  

- رئيس المركز الدولي للإعلام والعلاقات العامة