كيف بنى النبي أقوى جيوش العالم، 2
بقلم/ د شوقي الميموني
نشر منذ: 3 سنوات و شهرين و 25 يوماً
الإثنين 23 أغسطس-آب 2021 05:59 م
 

يف بنى النبي صلى الله عليه وسلم أقوى جيوش العالم؟ (2)

 قد يتبادر إلى الأذهان أن قيادة الجيوش في العصور القديمة كانت سهلة التكاليف بالنسبة للقيادة في الحروب الحديثة لقلة عدد القوات حينذاك مقارنة بضخامة عددها وكثرة أسلحتها ووسائلها في الجيوش الحديثة، ولكن العكس هو الصحيح. "

كانت مهمة القائد في العصور القديمة أصعب من مهمته في العصر الحديث؛ لأن سيطرة القائد ومزاياه الشخصية، كانت العامل الحاسم في المعركة، بينما يسيطر القائد في الحرب الحديثة على قواته الكبيرة بمعاونة عدد كبير من ضباط الركن الذين يعاونونه في مهمته ويراقبون تنفيذ أوامره في الأوقات والأماكن المحددة، كما يسيطر القائد على قواته بوسائط الاتصالات الآمنة من أجهزة لاسلكية وسلكية واردار وطيارات وأقمار صناعية، بل إن هيئة الأركان مسئولة حتى عن تهيئة خطط القتال قبل بدأ المعركة بوقت كافي، ولا يقوم القائد إلا بمهمة الإشراف على التنفيذ." إن القائد في الحرب الحديثة يحتاج إلى العقل وحده، لكن القائد في الحرب القديمة كان يحتاج إلى العقل والشجاعة والقوة معاً".  

 لا يمكن فهم كيف انتشرت الجيوش الإسلامية ونجحت على أكثر من جبهة قتالية في آن واحد، وفي مساحات جغرافية شاسعة دون استيعاب أن هذه القوات التي تمكنت من إنجاح مهامها القتالية والعملياتية في عصر الخلفاء الراشدين (11- 40هـ) إنما استمدت عوامل نجاحها من العصر الذي سبق ذلك، عصر النبوة حيث المعاناة والضعف في أول الأمر ثم الانتصار السياسي والعسكري في نهاية المطاف.

  فيرى بعض العسكريين أن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم من الناحية العسكرية يمكن تقسيمها إلى أربع مراحل : مرحلة الحشد، ومرحلة الدفاع عن الدين، ومرحلة الهجوم، ومرحلة التكامل. فمرحلة الحشد ظهرت منذ البعثة حتى الهجرة إلى المدينة المنورة واستقراره هناك، وفي هذا المرحلة اقتصر الرسول صلى الله عليه وسلم على الحرب الكلامية، حيث التبشير والإنذار، وأما مرحلة الدفاع عن الدين، فكانت منذ بدء إرساله صلى الله عليه وسلم سراياه وقواته للقتال إلى انسحاب الأحزاب عن المدينة المنورة بعد غزوة الخندق، وبهذا ازداد عدد المسلمين فاستطاعوا الدفاع أكثر عن عقيدتهم.  

أما مرحلة الهجوم، فظهرت من بعد غزوة الخندق إلى بعد غزوة حنين، وبهذا انتشر الإسلام في الجزيرة العربية كلها، وأصبح المسلمون قوة ذات اعتبار وأثر في بلاد العرب، فاستطاعوا هزيمة كل قوة تعرضت للإسلام، أما الرابعة والأخيرة فهي مرحلة التكامل، وكانت من بعد غزوة حُنين إلى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فقد تكاملت قوات المسلمين بهذا فشملت شبه الجزيرة العربية كلها، وأخذت تحاول أن تجد لها متنفسًا خارج شبه الجزيرة العربية، فكانت غزوة تبوك إيذانًا بمولد الإمبراطورية الإسلامية.

ولعظمة القيادة العسكرية الفذة للنبي صلى الله عليه وسلم اعترف كثير من جنرالات العالم ومفكريه بهذا، فهذا ريتشارد جابريل يقول "وقد استطاع محمد توحيد الجزيرة العربية وتكوين أول جيش نظامي، بعد أن كانت مجرد قبائل متناحرة، وقاد عمليات ناجحة في سنوات وجيزة وصلت لحدود الشام، ولكن ثورته العسكرية التي انتشر بفضلها دين الإسلام، لم تكن يحركها دوافع مادية كعادة الجيوش، لتكوين إمبراطوريات أو جني غنائم، وإنما كان غرضها نشر دين التوحيد بعد عصور من الظلام وعبادة الأصنام. [ريتشارد جابريل، العبقرية العسكرية الفذة للمتمرد الأول، دراسة] أما وليام مونتغمري واط، وهو من أبرز أعلام المستشرقين في بريطانيا فيقول "كلما فكرنا في تاريخ محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتاريخ أوائل الإسلام، تملكنا الذهول أمام عظمة مثل هذا العمل.

ولا شك أن الظروف كانت مواتية لمحمد فأتاحت له فرصًا للنجاح لم تتحها لسوى القليل من الرجال غير أن الرجل كان على مستوى الظروف تمامًا. فلو لم يكن نبيًا ورجل دولة وإدارة، ولو لم يضع ثقته بالله ويقتنع بشكل ثابت أن الله أرسله، لما كتب فصلاً مهمًا في تاريخ الإنسانية. [محمد في مكة، مونتغمري، 517]. ويقول واشنطن أيرفنج أحد المستشرقين وأديب ومؤرخ أمريكي :

"إن الإنتصارات العسكرية التي حققها محمد لم تصبه بالغرور لان الدوافع التي كانت تدفعه لم تكن دوافع شخصية وإنما كانت إلهية، لم يكن محمدا ساعيًا إلى الجاه أو السلطان فقبيلته التي كان ينتسب إليها قبيلة معروفة في مكة وبعهدتها إدارة البيت الحرام، وبالفراسة التي كان يتمتع بها والمكانة التي يحتلها في النفوس كان سيصل لما يريد، كما أنه كان يعلم إذا عرض عليهم الدين الجديد سيفقد الجاه والاحترام، ولكنه سار لتحقيق أهدافه واضطر إلى الهجرة في سبيل الله من بلده مكة إلى المدينة، وفي نهاية المطاف استطاع العودة إلى وطنه، وكسر شوكة المشركين وأقبلت الدنيا عليه بمغرياتها، ورغم ذلك لم يغير سلوكه وأخلاقه، ولعل تواضعه ازداد وعزوفه عن الدنيا وزخارفها، وهذا مما يدفع عنه أي مجال للتهمة.

وتابع حديثه بقوله: وقد قصدت السرايا الأولى لإفهام قريش أن مصلحتهم تقتضي التفاهم مع المسلمين من أهلهم الذين اضطروا إلى الجلاء عن مكة بسبب ما عانوا من الاضطهاد، ولم يكن غرضها الانتقام ولا نهب القوافل كما تحدث

المستشرقين غير المنصفين." وهو يشير إلى أن الغرض الأساسي برأيه من حروب النبي صلى الله عليه وسلم كان إتاحة الدعوة لدين الله حرة طليقة، وكان لا يمانع من معاهدة قريش نفسها طالما تحقق هذا الغرض، كما كان يرمي لإرهاب اليهود ممن دأبوا على معاداة الإسلام في مهده.[واشنطن إيفرنج، حياة محمد، بتصرف] نقف اليوم عند هذا الحد ونكمل الحديث عن الموضوع في المقال القادم ان شاء الله.