صواريخ تضرب تل أبيب في مدارس الحوثيين.. التعليم يتحول إلى أداة لترسيخ الولاء بالقوة الأمم المتحدة تتحدث عن توقف وصول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة فيتو روسي صادم في الأمم المتحدة يشعل غضب الغرب الحوثيون يبدّلون المنازل المستولى عليها إلى مراكز احتجاز بعد اكتظاظ سجونهم بالمعتقلين الحوثيون يبدّلون المنازل المستولى عليها إلى مراكز احتجاز بعد اكتظاظ سجونهم بالمعتقلين المحكمة الجزائية في عدن تصدر حكمها النهائي في المتهمين بتفجارات القائد جواس شهادات مروعة لمعتقلين أفرجت عنهم المليشيات أخيراً وزارة الرياضة التابعة للحوثيين تهدد الأندية.. واتهامات بالتنسيق لتجميد الكرة اليمنية أحمد عايض: ناطقا رسميا باسم مؤتمر مأرب الجامع
ما إن تقابل مسؤولاً عربياً، زعيماً كان، أو زيراً، أو موظفاً كبيراً، أو رجل أمن نافذاً، في الكثير من الدول العربية هذه الأيام حتى يبدأ بالشكوى والتذمر والاحتجاج على سوء الأوضاع والفساد المستشري في البلاد، وضرورة الإصلاح والخروج من هذه المحنة، إلى حد يجعلك تقلب على ظهرك من الضحك المجلجل، خاصة عندما يتنطع أحد المتفذلكين الناطقين باسم إحدى السلطات إلى القول:" نكاد لا نعرف مسؤولاً في الدولة إلا نسمع منه نقداً أعنف مما نسمع من المعارضة الخارجية". إن مثل هؤلاء كمثل المجرم الذي يقتل شخصاً ثم يشارك في جنازته.
هل يُعقل أن الممسكين بزمام الأمور منذ عشرات السنين من شراء البسطار إلى تعيين الطيار في الدول العربية غير قادرين على ضبط الأوضاع وإعادة الأمور إلى نصابها؟ هل يريدوننا أن نصدق أنهم قلقون فعلاً على حال البلاد والعباد، وأن الكرة في غير ملعبهم؟ أم أنها محاولة مفضوحة للتشويش على المنادين بالإصلاح والتغيير وسحب البساط من تحت أرجلهم إعلامياً لإبعاد الأضواء عن أنفسهم باعتبارهم أصل البلاء؟
أليست لعبة مكشوفة للهروب إلى الأمام بعد أن بلغ السيل الزبى، فراحوا يشاركون في جوقة التذمر ويذرفون دموع التماسيح على ما حل بالبلاد من مصائب، علماً بأنهم مسؤولون بالدرجة الأولى عن وصول الأوضاع إلى الحضيض؟ وبدلاً من الاعتراف بالأخطاء "التاريخية" يبدأون برمي الكرة في ملعب الشعوب، وكأنها هي المسؤولة عن تخريب الاقتصاد وإفساد العباد وتبذير الثروات واحتكارها والاستئثار بالمال العام على الطريقة العباسية وتدمير القضاء وتعهير وسائل الإعلام وتحويل الناس إلى قطعان وأنعام والأوطان إلى مزارع خاصة. عجباً من هؤلاء المشعوذين الذين يحاولون أن يغطوا عين الشمس بغربال، ويريدون إيهام الشعوب بأن المعأرضين الحقيقيين للأوضاع العربية الفاسدة هم الزعماء أنفسهم. هل يمكن أن نصدق مثل هذا الكلام؟ هل فعلاً أن بعض الحكام العرب ضاقوا ذرعاً بالوضع الراهن وهم أكثر قلقاً على حال البلاد حتى من جماعات المعارضة والشعوب المقهورة؟ أم أنها تدخل في إطار المزايدة الكلامية الفارغة على المطالبين بالإصلاح والمتذمرين من الوضع الذي وصلت إليه البلاد كي تضيع الطاسة ويُحيّد دعاة الإصلاح الحقيقيون؟
إن وضع بعض الأنظمة العربية التي تزايد على معأرضيها في قضية الإصلاح تذكرني بتلك الأحزاب العربية اليسارية والقومية التي ما أن خسرت كل معاركها وأفلست حتى راحت تركب عربة الأحزاب الإسلامية الصاعدة، ليس لاقتناعها بتوجهاتها، بل فقط لمجرد أن الأخيرة أخذت تكتسح الساحة وتستأثر باهتمام الشعوب. إنني أعجب كثيرا لماذا لا تشارك بعض أنظمتنا الحاكمة ببطولة العالم لركوب الأمواج نظراً لقدرتها الفائقة على ركوب كل أمواج الإصلاح والديمقراطية قوق الإنسان، ولبس مختلف الأردية والأغطية، والتلون كالحرباء بمختلف الألوان، وأعتقد جازما أنهم فعلوا لتمكنا من تسجيل النصر الوحيد في البطولات القارية بهذه اللعبة بالذات.
لقد أصبح الإصلاح أزمة أخرى تضاف لسلسلة الأزمات التي تزخر بها المجتمعات العربية، وأصبح له منظروه وفلاسفته ومؤدلجوه المثيرون للشفقة وذرف الدموع والبكاء، فهل نضع العربة قبل الحصان أم وراءه، أم جانبه، ام نبقيه على قارعة الطريق، أنخرب ما تبقى لنعيد إصلاحه ونجد عملاً للعاطلين من الساسة وفقهاء الإصلاح، وهكذا أصبح "لهـّاية" توضع في فم هذه الشعوب الجائعة، كلما بكت وصاحت وعبرت عن جوع ولسد النقص والخواء الحاصل والمزمن في حرية التعبير والكلام لدرجة إصابة هذه الدول بالهزال الحضاري والكساح والشلل العام.
من المضحك جداً أن تعزو بعض الدول العربية تعثر الإصلاح إلى البيروقراطية والروتين، وكأن هذا السرطان الإداري نزل عليها من المريخ. يقول أحد المتذمرين المزعومين من الوضع الإداري المعوق للإصلاح في العالم العربي:"إن المجتمع الإداري كما القاع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي محكوم بذوي الإمكانيات المحدودة التي تظهر كالكابوس علي كل كفاءة، وتدير اختصاصاتها بالغباء، وترسم التبعيات لها من الأغبى فالأغبى، أو هي تظهر كبنى متسلقة تنحدر إلى الأكثر انتهازية بالمعني السلبي للكلمة". لكن صاحبنا المشتكي من الحال البيروقراطي الخطير في عالمنا العربي أشبه بالأمريكيين الذين بدلاً من التعرف على الأسباب الحقيقية للإرهاب ومعالجتها، يعزونه إلى وجود نزعات إرهابية لدى الإرهابيين أنفسهم.
إن سرطان الروتين سببه الدولة الروتينية الفاسدة ذاتها. أليست الأنظمة نفسها هي المسؤولة عن تمكين البيروقراطية واستخدامها سيفاً مسلطاً على رقاب الشعوب للتنكيل بها وإبقائها تحت سيطرتها ونعالها؟ إن الذي أفسح المجال للروتين كي يتحكم بمفاصل الدولة ويشل حركتها وينغص على الناس عيشتهم ويفرمل آمال وأحلام الطيبين يستطيع أن يستأصل الورم البيروقراطي ومحركيه، خاصة أن بعض البلدان التي تحترم نفسها أخذت تنتقل من الحكومة الورقية إلى الحكومة الالكترونية بسرعة فائقة لقطع دابر الروتين وتسهيل حياة الناس واجتثاث الفساد وكبح جماح المعرقلين لحركة المجتمع. إنها عملية سهلة للغاية لو توافرت النية الصالحة لا مجرد الدموع التمساحية الكاذبة. وكم من القضايا الشائكة حـُلت بقرار سريع ونافذ.
ويتحجج بعض الدول العربية بعدم وجود الكوادر لإطلاق عملية الإصلاح. ويقول أحد المبررين للأنظمة العربية تحجرها ومراوحتها في المكان:" إن المجتمعات العربية محشوة بإمكانات سطحية معلبة بشهادات ورقية أو أنها مجتمعات بلا نجاحات وبلا كفاءات. غالبية الكفاءات إما في الظل ويصعب الوصول إليها، أو هاجرت إلى الخارج أو إلى الداخل حيث شُحنت ضد الدولة. كما لا يمكن لك أن تجد مكونات الشخصية القيادية والخبرة الإدارية والنزاهة الشخصية مجتمعة إلا بصورة سحرية ونادرة في بعض الدول العربية. إن الكفاءات النادرة التي تتوافر أحياناً في السلطة محكومة عملياً بواقع يحدُ منها، وهو واقع يتألف من كفاءات محدودة وعادية وباهتة. باختصار هذا مجتمع متحجر يتعذر عليه الخروج من الدوران في الدائرة. نعم، هذا مجتمع يتجاوز الاحتجاز الداخلي إلى منع النجاح، وبالتالي منع التعلم".
لا أدري لماذا يتعامى أمثال ذلك المحلل عن السبب الرئيس الكامن وراء غياب الكفاءات أو نقصها في العالم العربي. من المسؤول عن عدم وجود المهارات؟ أليست الأنظمة التي تشتكي الآن من نقص الكوادر؟ من الذي دفع الرؤوس النظيفة إلى الهجرة وطرد العقول النيرة إلى الخارج؟ أليست الأنظمة الأمنية المخابراتية التي دست أنوفها في أدق تفاصيل الحياة العامة، وأفسدت كل شيء بحيث أصبح أتفه الأمور بحاجة إلى موافقات أمنية لها أول وليس لها آخر؟ من الذي رفع شعار "الولاء قبل الكفاءة"؟ من الذي أنتج ظاهرة الأزلام والمخنثين وأخصى الفحول في السياسة والاقتصاد والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والأدب والفكر كي تبقى الأجهزة والزعيم الفحل الأول والأخير في الدولة؟
ألم تقم بعض الدول العربية باستقدام بعض كبار الاقتصاديين والصناعيين والمستشارين العاملين في الخارج ثم ما لبثت أن لفقت لهم تهماً سخيفة وحجزت على ممتلكاتهم لأنهم لم يستطيعوا مسايرة فسادها وتخلفها؟ من هو المجنون الذي سيعود إلى بلده ليساهم في نهضتها بعد ما رأى ما حصل لبعض العائدين المساكين؟ ويحدثونك عن نقص الكوادر!! ثم لماذا لا تتم الاستفادة من الكوادر المحلية الكثيرة؟ أم لأن معظمها يرفض ثقافة الاستزلام والتبعية لهذا الجهاز أو ذاك أو لهذا الضابط أو ذاك وبالتالي عليه أن يبقى مهمشاً ومنزوياً حتى لو كان أرسطو زمانه؟
هل كانت حكوماتنا أبداً حكومات منتخبة أو من التكنوقراط أصلاً كي تهتم بالخبرات والكفاءات أم مجرد مجموعات مغامرة من العسكر والطامعين بالسلطة وتكديس الثروات وممثلين للقبائل والعشائر والطوائف والأثنيات لا رجال دولة أصحاب مشاريع حضارية وتنموية شاملة تقدم المصلحة الوطنية العليا على الخاصة ولا تتمتع بأية مواهب أو كفاءات قيادية تمكنها من إدارة الشعوب والأوطان، اللهم قدرات خارقة وإمكانيات بالغة في القمع والظلم والاستبداد؟
لا أدري لماذا يتجاهل بعض المنظـّرين "المكشوفين" لبعض الأنظمة أن الإنسان العربي أبدع في كل المجالات عندما هرب من بلده وتفوق في الطب والعلوم والإعلام والأعمال وحتى السياسة إلى حد أن بعض اللبنانيين والسوريين وصلوا إلى سدة الحكم في أمريكا اللاتينية لا لشيء إلا لأن المجتمع والنظام الذي وجدوا فيه أتاح لهم الفرصة لإثبات أنفسهم. وبالتالي بدلاً من ترحيل الأخطاء والمشاكل والعيوب إلى ساحة الشعوب يجب الاعتراف بأن طبيعة الأنظمة العربية الحاكمة هي التي عرقلت التطور والتقدم وهي التي تعوق الإصلاح الذي تتشدق به.
إن الكثير من الأنظمة العربية لا يستطيع العيش سوى على التناقضات والمشاكل وإدارة الأزمات المختلقة من قبلها بالذات عمداً لإطالة أمد بقائها في الحكم والتسلط على الرقاب. فهذه البنى المتخلفة لا تزدهر إلا في ظل ظروف استثنائية وشاذة كالطفيليات والإشنيات التي لا تعيش إلا في المياه الآسنة وبالمستنقعات، وفي حال وجود ظروف صحية جيدة لا يمكنها الاستمرار ولو ليوم واحد، فمن مصلحتها بقاء كل الأزمات معلقة لأطول فترة ممكنة.
وكم أضحكني قول الذين يعزون تعثر الإصلاح العربي إلى غياب المؤسسات، إذ يجادل أحدهم في هذا السياق قائلاً: "الخطير كل الخطر هو عدم الإيمان بالمؤسساتية في العمل، ولكن خطراً أكبر يكمن في الاعتماد علي المؤسساتية فقط في مجتمع متخلف ليس فيه تراكم لطقسية المؤسساتية". من الذي أجهض بناء المؤسسات في دولنا وحال دون نموها؟ من الذي يبني المؤسسات ويحميها عادة؟ أليس النظام السياسي والنخب الحاكمة؟ لماذا لم تحاول أنظمتنا بناء أي مؤسسة يُعتد بها باستثناء المؤسسة الأمنية التي تعمل بدقة ساعة روليكس؟ ولماذا هي المؤسسة الوحيدة والناجحة والمزدهرة من بين كل مؤسسات القطاع العام، وهذا يعني حكماً لو أنهم أرادوا نظاماً مؤسساتياً ناجحاً وحازماً لأوجدوه بطرفة عين.
من الذي شجع العشائرية والطائفية والعائلية والشللية في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والبزنس، الشعوب أم الأنظمة المنبثقة من أصول قبلية وطائفية وما قبل مدنية؟
أليس من السخف أيضاً أن يعزو بعض الأنظمة بطء حركة الإصلاح إلى طبيعة المجتمعات ذاتها وكأنها لا دخل لها فيما وصلت إليه تلك المجتمعات على كل الصعد؟ لقد وصل التبجح بأحدهم إلى القول إن:" المجتمع لم يعد يعاني اليوم من السلطة كدولة بعد أن أصبحت السلطة اليوم أبعد بمسافات عن التسلط الذي عرفناه سابقا، ً لكن المجتمع يعاني أكثر من سلطة المجتمع نفسه". وقد قال لي مسؤول من دولة خليجية كبيرة ذات مرة إن الدولة أكثر تطوراً وتقدمية من الشعب وأنها تحاول الإسراع في التحديث والتطوير لولا أن "المجتمع المتخلف" يحد من حركتها وسرعتها. لكن ذلك المسؤول ومن قبله بعض المبررين للأنظمة تخلفها تناسوا أن الدولة العربية هي التي تمتلك كل وسائل التطوير والتوعية والتوجيه من وسائل إعلام وإرشاد وتأديب وتحفيز وتنوير وتمويل وتربية وتعليم، وبالتالي فإنها هي المسؤولة عن التخلف الشعبي إذا كان موجوداً حقاً. ولماذا يتناسى البعض أيضاً أن بعض الدول العربية كانت تتبع سياسات تلقين تعبوي وإفساد منظم بحق شعوبها. وقد قال أحد المفكرين العرب ذات مرة إن شعار بعض الدول العربية هو "إفساد من لم يُفسد بعد". بعبارة أخرى فإن مفاتيح الحل موجودة مع من أقفل الأبواب في المقام الأول.
باختصار على الذين يحاولون ترحيل أوساخ الأنظمة وسرطاناتها وموبقاتها إلى ملعب الشعوب أن يحترموا عقولنا قليلاً. ولا أدري إذا كانوا قد سمعوا من قبل بالمقولة الشهيرة: "السمكة تفسد عادة من رأسها" أو بالمثل الشعبي الرائع:"الثلم الأعوج من الثور الكبير" أو بالعبارة الدارجة "ضربني وبكى وسبقني واشتكى"!!.