يدخل حيز التنفيذ من اليوم .. بوتين يرد على صواريخ الغرب بالتوقيع على مرسوم العقيدة النووية الروسية المحدثة احتراق حافلة متوسطة مخصصة لنقل الركاب في هذه المحافظة بعد تحديث بوتين عقيدة روسيا النووية.. أردوغان يوجه تحذيراً لـ الناتو على طريقة الاحتلال الإسرائيلي.. مليشيات الحوثي تهدم منزلاً على رؤوس ساكنيه ماذا ينتظر وكلاء طهران في اليمن في عهد ترمب...وهل سيكون هناك استهداف للقادة الحوثيين ؟ كيف نجا البرنامج النووي الباكستاني من مخططات إسرائيل والهند ؟ السعودية تحدد أقصى مبلغ يسمح للمقيمين بتحويله إلى خارج السعودية وعقوبة بالترحيل الفوري مفاجآت صحية حول تأثير البرتقال على الكبد والكلى رئيس دائرة العلاقات الخارجية بمؤتمر مأرب الجامع في أول مهمة دولية تبدأ بالقاهره وتمر عبر الإتحاد الأوروبي مجلس الأمن يوجه دعوة عاجلة للحوثيين
يساري أنت أم يميني ؟ .. هذا السؤال هو عنوان قصة قصيرة للكاتب التركي العالمي الساخر عزيز نيسن الذي أقرؤُه كثيراً وتستهويني كتاباته المنحوتة من جبل الهزل الغاضب .
وملخص القصة أنّ شاباً قروياً خرج إلى مدينة استانبول باحثاً عن عمل يؤمن نفقاته التي تعينه أثناء فترة الخدمة العسكرية وفي طريق بحثه عن عناوين أقاربه وأبناء قريته المقيمين هناك لم يجد نفسه إلا وسط تجمع جماهير مكتظة فبات بين فكي كماشة وهم يصيحون ثم يركضون يمنةً ويسرة وهو لا يعلم من أمرهم شيئاً وتحت ضغط المتدافعين وجد نفسه يركض معهم ولكنه لم يستطع مجاراتهم فوقع بين الأقدام إلى أن تناولته جماعة وأشبعته ضرباً وبعد صراخه وتوسله لهم رأفوا به فأتاحوا له فرصة للجواب عن سؤال يساري أنت أم يميني فتمتم "الحمد لله جميعنا يساريون" ولم يكمل عبارته حتى انهالوا عليه ضرباً مبرحاً وظنوا أنه قد مات وأنهم قد تخلّصوا من "كافر" وانصرفوا وبعد أن هدأت الأمور راح يزحف وإذا بالجماعة الأخرى تتلقفه وتسأله السؤال ذاته "يساري أنت أم يميني" فأجاب بسرعة الراغب في الانعتاق والواثق من ذلك وقال: "شكرا ًلله أنا يميني" فضُرب حتى كادت روحُه تُزهق وعندما كان في حالة غيبوبة أفاق على لكزات من عصا أحدهم وسأله نفس السؤال فدعا الله أن ينطقه بما يعفيه من شر هؤلاء فكان جوابه أنا "عامل على باب الله" فقال له صاحب العصا : عامل يعني كادح إذاً أنت يساري وهمّ بضربه ثم فرّ منهم جميعاً إلى مخفر الشرطة وظنّ أنه في مأمن وأول شرطي التقاه صاح في وجهه قائلاً أما قلت أمام الجميع أنك يساري فأجاب : لقد قلت ذلك مجبراً تحت الضرب وتلقى عدداً من الرفسات وظل السؤال يطرح نفسه وفي أثناء ذلك قدم مسؤولهم الكبير وقال أنا سأعرف إن كان يسارياً أم لا .. هيا قل لنا من هو ناظم حكمت وكيف عرفته ؟ فظنّ صاحبنا أن ناظم حكمت الذي لا يعرفه ولم يسمع عنه أصلاً هو شخص مهم وأن إجابته بالإيجاب ستنجيه فقال : ليحمه الله .. مكانته محفوظة في قلوبنا .. ليبق اسمه خالداً ، ولم يكد يتمم عبارته حتى كانت نجوم الظهر تلمع أمام عينيه من شدة الضرب الذي كان كفيلاً بأن يجعله لا يفرق بين يديه ورجليه .
وتذكرني هذه القصة بمشهد كاريكاتوري يصف الحال في العراق بعد أن تعالى صوت الاقتتال الطائفي تحت الاحتلال حيث يسأل القاتل الطائفي أحد المواطنين: سني أنت أم شيعي؟ فيجيب المواطن هرباً من الموت وهو لا يعرف الهوية الطائفية للمجرم : أنا (سيعي) بالسين .
وبالمناسبة والشيء بالشيء يُذكر فقد كان عراقيون يسألون مواطنين يمنيين/يمانيين في الخارج على سبيل التندر والسخرية "يمني أنت أم يماني" وكلٌ يجيب على طريقته ولا يتنبه لسر هذا السؤال سوى قلة ممن احتكوا بالوسط العراقي وعرفوا القصة ، فالعراقيون يطلقون على الحذاء "يمني" وفي التاريخ غالباً ما يُطلق على أهل اليمن نسبة يماني وليس يمني . ولذلك كنتُ كلما سألني أحد العراقيين يمني أنت أم يماني؟ أُجيب على الفور "يماني" فأنجو من شرنقة تندّره وسخريته .
وفي المشهد السياسي اليمني / اليماني يغلُب التفريق بين معارضتين إحداهما تدعي أنها "حقيقية" وهي الأكثر حظوة والأكثر امتلاكاً لصك المعارضة في اليمن وإن كانت تستعمل المكياج تارة في الليل وأخرى في النهار ويمثلها "تكتل اللقاء المشترك" والأخرى تدعي أيضاً أنها "حقيقية" - فكل يدعي وصلاً بليلى - ولكنها تبدو كما لو كانت امرأة أكثرت من مكياجها وأسرفت فتحولت إلى بهلوان أو مهرج ويمثلها بقية ما يسمى أحزاب معارضة التي تتبع الحزب الحاكم بلا مواربة وهي لا تستحي من هذا الفعل ولا تعتبره شنيعاً ومقززاً على الإطلاق ولذلك يقال "إذا لم تستح فاصنع ماشئت" . وهؤلاء من الأفضل لهم أن يستعيروا من لبنان الشقيق اسم "موالاة" ويسموا أنفسهم مثلاً "تكتل أحزاب الموالاة" وبذلك ينجون من تندر الناس ومن سؤالهم سلطة أنتم أم معارضة؟ ، فهم ليسوا سلطة وليسوا معارضة وإنما "موالاة" . وليفكّروا بالموضوع على كل حال!.
وتساءلتُ أكثر من مرة وخاصةً كلما حاول بعضُهم إقحامي في المعارضة لمجرد أنني أكتب آراءً مخالفة للسلطة وناقدة لها ولرموزها وفي مُقدمهم (الرئيس) وربما بصورة مُعادية في بعض الأحيان إن كنتُ معارضاً أم لا ؟ وأنا لا أنتمي في حقيقة الأمر لأي من أحزاب المعارضة في اليمن بشقيها المشار إليهما آنفاً وأجد في أدائهم جميعاً الكثير والكثير مما لا يلبي طموحي كمواطن ، ولم أجد حلاً لهذه المعضلة سوى التفريق بين مُعارض ومُقاوم . وإن كانت بالنسبة للسلطة لن تكون ذات أهمية كبيرة من حيث المضمون وربما كان الحال بالنسبة لها كحال مرتكب الكبيرة عند المعتزلة فهو ليس كافراً ولا مؤمناً وإنما (فاسق) وهو ما يُعبّر عنه في عقائدهم "المنزلة بين المنزلتين" . ولكن سيبقى في رأينا أنه "رُبّ مُقاوم فاسق خيرٌ من ألف مُعارض فاسق أيضاً" ، كما أنه "ليس كل مُعارض مُقاوم" -علاقة (عموم وخصوص من وجه) في علم المنطق- .
وأتذكر أنه قد التفت إلى هذا الأمر ذات مرة الكاتب الصديق منير الماوري في مقابلة أجريتها معه ونشرتها صحيفة "إيلاف" حينما قال أنه "مُقاوم" وليس "مُعارض" ، فهل يا ترى يمكن لسؤال "مُعارض أنت أم مُقاوم؟!" إذا ما أخذ بُعداً أفقياً وعمودياً في الساحة اليمنية أن يُؤسّس لتيار جديد هو تيار "المقاومة الوطنية" مثلاً والتي قد تُشكّل مخرجاً للناس من جنون السلطة وهرطقة المعارضة ؟!!.
eskandarsh@yahoo.com