أخطاء السياسة
بقلم/ عارف الصرمي
نشر منذ: 11 سنة و 7 أشهر و 12 يوماً
السبت 06 إبريل-نيسان 2013 05:03 م

أخطاء السياسة - التي تصنع على عجل - ويقوم بها المغامرون بحياة الشعوب وأرزاقهم هي التي تجعلنا نغفل قوانين الحياة، فنجرّب المجرب ونتجرع مرارا نفس الكأس!!  فنخسر الأصدقاء الأقربين ونضاعف بهم الخصوم ولا نكترث لنزيف المهابة!!

لا غنى لليمن واليمنيين عن السعودية ولا غنى للسعودية وأهلها عن اليمن، فكلاهما عمق استراتيجي وأمني لبعضهما، وبركة البارود إذا انفجرت في أحد البلدين فشظاياها لن تصيب الداخل فقط وإنما ستشمل الجوار والمصالح الإقليمية والدولية! فما يؤذي المملكة يؤذينا باليمن دولة وشعبا، كما أن رخاءها واستقرارها يعني بالضرورة استقرارا لنا، والعكس صحيح! وإذا كانت هذه القاعدة تسري في الظروف الطبيعية، فإنها تغدو أكثر أهمية حين تهب رياح السياسة من خارج الحدود محملة بعواصف تبرق وترعد تستهدف البلدين معا في آن واحد، ومن طرف واحد!

من حق المملكة العربية السعودية الشقيقة أن تصدر قوانينها التي تريد على أرضها وشعبها، والواجب احترام الإرادة والسيادة والقوانين لأكبر وأغنى دولة عربية، غير أن تطبيق قانون العمل بصيغته الحالية - دون تعديل أو استثناء - سيتسبب بمجزرة أخلاقية بحق أعداد كبيرة من العاملين اليمنيين داخل الأراضي السعودية، و سيقضي على مصدر أرزاقهم ومن يعولون! ونتيجة لذلك سيتلقى الاقتصاد اليمني المتهالك ضربة موجعة بذات القدر الذي ستهتز فيه نظرة الشعبين لبعضهما ويفتح الباب على مصراعيه للاعب ثالث يترقب هذه الفرصة! وخطورة الأمر هنا، أن يكون قانون العمل السعودي هو بركة البارود التي يُراد لها أن تنفجر في اليمن!!!

بعد حادثة تفجير مسجد الرئاسة بصنعاء العام الماضي، بادرت السعودية على الفور لتدارك اليمن من مصيبة فراغ الحكم! فاستضافت الرئيس صالح وفريق حكمه ورئيس حكومته و رئيسي مجلسي النواب والشورى للعلاج عدة أشهر في مستشفياتها!! وهذه الحادثة كشفت لنا فضيحة أن اليمن بعد 33 سنة من حكم الرئيس صالح، ليس فيها مستشفى واحد يصلح لعلاج الرئيس! وحين وقعت الواقعة إذا بالسيادة اليمنية ترقد على سرير المرض في الرياض، والممرض السعودي بيده أن يحيي النظام اليمني ويميته بحقنة تخدير!!! ومع ذلك وقفت المملكة موقفا عظيما سيخلده التاريخ، ثم جاءت بعد ذلك المبادرة الخليجية التي حصنت اليمن من الانزلاق في حرب أهلية، لتؤكد عمق إدراك قادة السعودية ودول الخليج لمخاطر انفجار بركة البارود في الجوار!

الحديث عن تاريخ اليد البيضاء للملكة في اليمن ومواقفها الأخوية النبيلة لا حصر له ولا ينكره إلا جاحد، والحديث في البديهيات إهدار لأوقات العقلاء!، ولذلك سأتوقف هنا فقط مع السياسة ومصالحها وتداعياتها الأخيرة تبعا لقوانين الحياة التي خبرها العقلاء في اليمن والسعودية. فإيران تضاعف من حضورها في اليمن بتسليح الجنوب ودعم انفصاله عن الشمال الذي تكثف فيه دعمها لجماعة الحوثي كذراع عسكري إيراني في خاصرة السعودية حيث يتواجد مخزون النفط العالمي!

أنا لا أكره إيران، وكثيرا ما توقفت أمام سؤال - لماذا نعادي إيران؟، وما هي مصلحة اليمن من ذلك؟، لكن للأسف فأخبار السفن الإيرانية المحملة بالأسلحة والصواريخ إلى جنوب اليمن وقبلها الى صعدة شمالا يجعلني أعيد السؤال معكوسا - لماذا تعادينا إيران؟، وما مصلحتها في ذلك؟..

الظاهر أن السعودية ودول الخليج ومعهم الغرب بدعمهم للثورة السورية التي تخنق اليوم نظام بشار، في الطريق لإسقاط الحليف السياسي الأول لإيران في المنطقة، وساعتها تكون إيران قد تلقت ضربة موجعة في العمق بخسارتها لنظام الأسد، وما سيترتب عليه من تداعيات تهدد مستقبل حزب الله في لبنان، وهي ضربة أخرى موجعة! ولمواجهة ذلك قررت إيران تفخيخ الجوار الخليجي في الجنوب السعودي بإقامة دولتين حليفتين لها في اليمن وحده!! فلن يستطيع أحد منع قيام الحوثي بدولة شيعية بصعدة شمالا إذا نجحت إيران بمساعيها بانفصال الجنوب!!. وإذا كانت ثورات الربيع العربي قد دفعت بالإسلام السني إلى الحكم حتى الآن! فإن إيران في حال نجاحها بانفصال جنوب اليمن وقيام دولة شيعية في جنوب السعودية ستسعى – قطعا - لاستهداف الأنظمة الخليجية من داخلها بتأجيجها للمشاعر الثورية لأنصارها داخل دول الخليج باتجاه وصول الإسلام الشيعي لحكم دول الخليج العربي!!! وكأن رسالة إيران تقول بوضوح: (إن الأنظمة الخليجية كلها هي الفاتورة في حال أصرت هي وأمريكا وأوروبا على إسقاط النظام في سوريا!!). والملاحظ أن إيران لم تقتصر عند هذا الحد، بل تنتهج سياسة الاستقطاب الناعم للنخب اليمنية من مثقفين وسياسيين وصحفيين وباحثين وناشطين مستقلين وكلهم متعلمون تعليما عاليا، باستضافتهم الى بيروت وطهران في نشاط سياسي وثقافي وسياحي مشروع تماما! ولن يستطيع أحد المزايدة عليهم وإنكار زيارتهم لبلد مسلم يستضيفهم باحترام ويعاملهم بتواضع لا تعالي فيه وبدون اشتراطات!! بالقياس – طبعا - مع طبيعة التعامل الذي يفرضه قانون العمل السعودي مع اليمنيين العاملين منذ سنوات داخل أراضي المملكة!!، ومع ملاحظة أن شريحة اليمنيين الذين دأبت السعودية على استقطابهم منذ قيام النظام الجمهوري في اليمن حتى اليوم ليسوا سوى مشائخ قبليين، معظمهم غير متعلمين !!.

والخلاصة، فإن دول الخليج وبمقدمتهم السعودية ومعهم الغرب حين يتقبلون – ببساطة - أن تكون اليمن هي ساحة حربهم البديلة مع إيران، فإن بركة البارود ستتسع أكثر وحجم الانفجار سيكون مدويا في وجه الجميع!!، وبخاصة إذا وفّرنا الذرائع والحجج لبعض المراهقين سياسيا في اليمن والسعودية ليصبوا الزيت على النار لتغذية مشاعر الكراهية بين الشعبين اللذين لطالما جمعهما تاريخ من المحبة والاحترام والنسب أيضا.