محكمة في عدن تستدعي وزير موالي للإنتقالي استخدم نفوذه ومنصبه في ظلم مواطن العليمي يضع الإمارات أمام ما تعانيه اليمن من أزمة اقتصادية موجة برد قاسية متوقع أن تستمر في 8 محافظات البحرية البريطانية: تلقينا تقريرا عن حادث بحري على بعد 25 ميلا غرب المخا حكم قضائي يعمّق الخلاف بين الرئاسي والنواب شرطة تعز تعتقل قاتل أربعة من أفراد أسرته في صنعاء اشتعال حرب التكنولوجيا ..الصين تسبق الولايات المتحدة في التاكسي الطائر ذاتي القيادة بعداغتيال وزير الإعلام في حزب الله..مصادر تكشف تفاصيل لن تكن معروفة وغامضه احذروه…. القاتل الصامت يعيش في مطابخكم قرارات جديدة وصارمة… .اليمن يطالب الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات صارمة لوقف تهريب الأسلحة إلى الحوثيين
ليس هناك ما هو أكثر شبها بأنظمة الحكم من طريقة موتها. وعندما تصير دائرة القرار من الضيق بحيث انها لا تتسع لأكثر من خفين، فإن الحاكم يفقد قدرته على التنفس الطبيعي.
فمن المقرر أن تلقي الحكومة اليوم نظرة بروتوكولية خاطفة وأخيرة، على مشروع قانون تم طهيه على نار هادئة، في دوائر شديدة الغموض. يحمل القانون هذا الزي التنكري: "قانون حماية الوحدة ومكافحة الإرهاب".
يبدو القانون، من ألفه إلى يائه، تمريراً مموهاً لحالة طوارئ ناجزة. بدأ الأمر في أغسطس 2007، عندما انفردت صحيفة "الغد" بنشر مسودة القانون. ولقد أثار تذمراً واسع النطاق آنذاك، وحظي بجدل حاد على مستوى النخب السياسية في السلطة والمعارضة.
إنه خطوة أخرى نحو الهاوية. يقول عبد الناصر باحبيب، وهو رئيس الدائرة السياسية للإصلاح في محافظة عدن: "صدوره [القانون] في هذا الوقت بالذات، سيفاقم من حالة الاحتقانات الموجودة، ويضيف إليها مزيداً من الاحتقانات".
تكمن خطورة هذا المرسوم في كونه يضع الجميع في قفص الاتهام، دفعة واحدة. وأكثر من ذلك: إنه أبعد من مجرد قانون طوارئ محض. فهو زئبقي ولانهائي، لم يتحدد بزمان ولا بمكان معينين، كما تنص عادة القوانين الاستثنائية في العالم.
ومن الواضح ان قانون الطوارئ كناية عن مفهوم تنظيمي مشروع، يطلق على المراسيم الاستثنائية التي تتعامل مع حالات غير عادية في مجتمع وزمان محددان. وهو، فضلا عن ذلك، تدبير مستعجل آني، له شروطه ومقتضياته وقيوده. وتسن قوانين الاستثناء عادة، كي تتمكن السلطات من التعامل مع خطر ما بصورة مثلى وآمنة.
لكن قانون "حماية الوحدة الوطنية والجبهة الداخلية"، يبدو كما لو هو مرسوم عرفي فادح وبالغ القسوة. فالعقوبة القصوى فيه إعدام، والحبس مدد تتراوح بين سنة و15 سنة.
ولئن كان قانون الطوارئ العادي يخول السلطات تقليص مساحة الحريات العامة، فإن مرسوم "حماية الوحدة" يفعل أكثر من ذلك: إنه يصادر الحريات جملة وتفصيلا.
يقول الدكتور محمد عبدالملك المتوكل –الأمين المساعد لاتحاد القوى الشعبية: "اسمه يدل على أنه قانون طوارئ. وأنه يرمي إلى مزيد من تقييد الحريات. إنه ينقل الناس من الأجواء السلمية إلى أجواء استخدام العنف، والعنف يخلق العنف".
وفي حين يحدد قانون الطوارئ النطاق الزماني والمكاني للأحداث الخطرة التي تنغص النظام العام، فإن الزمان والمكان في قانون حماية الوحدة مفتوحان على مصراعيهما. وهو الأمر الذي يعني، بما لا يدع مجالاً للشك، إننا أمام مرسوم عسكري مخيف، وكارثي.
فوق ذلك، عبارات القانون مشحونة بدلالات عائمة ومجردة، يشعر المرء إزاءها أنه مدان، بطريقة أو بأخرى.
لنقرأ مثلاً نص المادة 4: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، ولا تزيد عن 15 سنة حسب جسامة الجرم، كل من ارتكب أحد الأفعال التالية: المساس بالثوابت الوطنية بأي شكل من الأشكال، إثارة النعرات القبلية أو الطائفية أو السلالية أو المذهبية أو الدعوة إلى تجزئة الوطن أو تقسيمه.
التجريد سمة القوانين القمعية، لا ريب. فمن بوسعه تحديد معنى مفاهيم مطاطية كهذه: "الثوابت الوطنية، النعرات، الدعوة إلى تقسيم الوطن".
أظن، والحال هذه، أن الرئيس، باعتباره موظفاً عاماً، أو شخصاً، أول من سيقع تحت طائلة هذا المرسوم. فهو، عندما يهجوا في خطاباته مراراً من يسميهم بـ"الإماميين"، أو "مدارس طالبان"، إنما يثير النعرات الأكثر طائفية ومذهبية على الإطلاق. وعليه فإنه سيذهب إلى الزنزانة قبل كل شيء، ويمضي مدة لا تزيد عن 15 سنة، بموجب قانون حماية الوحدة الوطنية.
أضف إلى ذلك، فالذي يدعو إلى إعادة التقسيم الإداري للبلاد، عليه أن يوضب أشياءه تحسباً لسجن وشيك.
الراجح أننا نعيش حفلة تنكرية مغرقة في فوضاها. فالأشياء بدأت ترتدي لبوساً تختلف عن لبوسها الأصلية. يقول عبد الرزاق الهجري عضو مجلس النواب: "في بلادنا تسمى الأشياء بغير أسمائها، فمحاكم أمن الدولة تسمى عندنا المحاكم الجزائية المتخصصة، وقوانين الطوارئ، تسمى قوانين حماية الوحدة، مع أنها ليست إلا رؤى ضيقة هي أكبر خطر يهدد الوحدة الوطنية".
الحكم بالطوارئ واحدة من أبرز شيم الأنظمة الديكتاتورية. ففي سورية يرزح الناس تحت وطأة قانون طوارئ خبيث منذ 1962، ولم يزل نافذاً حتى هذه اللحظة. وعقب اغتيال الرئيس أنور السادات مطلع ثمانينيات القرن الماضي، أفلت النظام الحاكم في مصر أعنة القوانين العرفية. ولقد ذاق الناس هناك مرارة الجحيم.
في الواقع، ليس ثمة ما يشير إلى أن اختيار التوقيت كان عبثياً. فالكثير من المعطيات تقول إن عرض القانون، الذي صيغ في أغسطس 2007، هذه المرة لم يكن إلا اسلوب رد انفعالي خالص على حملة التذمر والاستهزاء والرفض، التي قوبلت بها كلمة الرئيس في مهرجان الحسينية.
"يكاد يكون الصحفيون هم المستهدفون مباشرة من هذا القانون". هذا ما قال عبد الناصر باحبيب، ولا بد أنه لم يجانب الصواب. فالمادة 11 تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين كل من يتعرض لشخص الرئيس بأي شكل من الأشكال، بما لا يليق، أو يدعو للتهكم، أو السخرية أو التشهير او التجريح.
ما يبدو أنه مؤكد هو أن هذا المرسوم سيثير حفيظة الدول المانحة. ذلك أنه بمثابة ارتداد سحيق عن الشرط الحضاري الديمقراطي، الذي بدلالته فقط تتلقى خزينة البلد المساعدات والهبات الدولية.
عبد الرزاق الهجري يتحفظ على الفكرة من حيث المبدأ. وطبقاً لإفادته، فإن الوحدة لا تصان بقانون، وإنما بممارسة سليمة لإدارة الدولة، وبنشر العدل والمساواة". وهو أضاف أن المفاضلة بين المواطنين على أساس الانتماء السياسي، أو المناطقي، أو الفئوي، من شأنه شرخ اللحمة الوطنية والنسيج الاجتماعي، حسب قوله.
كان علينا استضافة وجهة النظر الأخرى في سياق هذا النقاش. بيد أننا، بعد محاولة ملحاحة، منينا بالفشل الذريع. فعندما اتصلت بالنائب ياسر العواضي عضو اللجنة العليا بالمؤتمر الشعبي العام، حظيت باعتذار لطيف، مرفق به دعوة كريمة لحضور مقيل القات في بيته. وفيما كان تلفون أحمد صوفان مقفلاً، فقد اكتفى موظف تحويلة الدكتور رشاد الرصاص وزير الشؤون القانونية بتدوين رقمي ريثما يحضر الوزير. في حين ظل تلفون أحمد الميسري عضو اللجنة العامة يسمعني صنوفاً من الرنات.
والحق أن هذا القانون، الذي يهدف إلى تعميق أواصر الوحدة الوطنية، وفقاً لديباجته، يحمل في كنهه بذرة كارثة ماحقة. إنه يضع مشروعية الحكم على المحك.
وعلى الجملة، فالقوانين الاستثنائية لا تعدو كونها آليات تنفس اصطناعي لإطالة أمد حياة ميئوس منها.