صواريخ تضرب تل أبيب في مدارس الحوثيين.. التعليم يتحول إلى أداة لترسيخ الولاء بالقوة الأمم المتحدة تتحدث عن توقف وصول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة فيتو روسي صادم في الأمم المتحدة يشعل غضب الغرب الحوثيون يبدّلون المنازل المستولى عليها إلى مراكز احتجاز بعد اكتظاظ سجونهم بالمعتقلين الحوثيون يبدّلون المنازل المستولى عليها إلى مراكز احتجاز بعد اكتظاظ سجونهم بالمعتقلين المحكمة الجزائية في عدن تصدر حكمها النهائي في المتهمين بتفجارات القائد جواس شهادات مروعة لمعتقلين أفرجت عنهم المليشيات أخيراً وزارة الرياضة التابعة للحوثيين تهدد الأندية.. واتهامات بالتنسيق لتجميد الكرة اليمنية أحمد عايض: ناطقا رسميا باسم مؤتمر مأرب الجامع
بعد أن تناول كاتب هذا السطور في الجزء الأول بعض دوافع النقمة على رأي الشيخ الزنداني في الخمس؛ فإنّه قد تناول في الجزء الثاني مناقشة العزيز زايد جابر في بعض آرائه تجاه الشيخ ولاسيما في مسألة إنكار الظلم الذي لحق بالشريحة الهاشمية عقب ثورة سبتمبر 62م، بسبب أن الحوثيين اليوم ظلموا وبغوا وشردوا مئات العائلات في صعدة بوجه خاص ...إلخ وكذا مسألة التوقيت في حديث الشيخ عن ذلك، ليخصّص هذا الجزء لمناقشة لب رأي الأستاذين الفاضلين زايد جابر وعبد الله القيسي حول فقه الخمس، ولاسيما الأخير الذي خلص إلى استنتاج ينفي فيه دلالة ذوي القربى الواردة في الآيتين الكريمتين من سورتي الأنفال والحشر - وسيأتي ذكرهما لاحقاً- وأنّه خاص بذي قربى الرسول – ص- من الأساس، وذلك خلافاً لرأي جمهور فقهاء الإسلام وعلمائه باختلاف تفاصيل مذاهبهم، بل هي عنده ذوي قرابة المقاتلين ) القيسي، مرجع سابق)
والحق أني لم أجد لمثل هذا المذهب نظيراً إلا قولاً مضاداً أوردته بعض مصادر التفسير السنية المشتهرة بإيراد الروايات جميعها صحيحها وسقيمها، كتفسير الطبري وبعض مصادر التراث الجعفري القائل بحمل معنى الخمس الوارد في الآيتين على قرابة الرسول- ص- دون غيرهم، أي أن اليتامى والمساكين وابن السبيل جميعهم محصورون في قرابة الرسول من بني هاشم، ولا حظ ليتيم أو مسكين أو ابن سبيل من غيرهم (راجع: أمين بن صالح الحداء، فقه الآل بين دعوى الإهمال وتهمة الانتحال، 1432هـ-2012م، ط الثانية، صنعاء: مركز المتفوق، جـ 1، ص 422). وبذلك يستأثرون بالخير كلّه، وهو ما يتعارض تمام التعارض مع مقاصد الشريعة في المساواة والعدالة والكرامة الإنسانية، دون اعتداد بنسب أو سواه.
من هذا المنطلق وعلى ضوء هذه الخلفية اندلع الخلاف على هذا النحو في عصرنا – بوجه خاص- حول تخصيص بني هاشم وبني المطلب – على نزاع في ذلك- بخمس الخمس من الغنائم التي كان يحصل عليها المجاهدون المسلمون من أعدائهم المحاربين في المعارك، والفيء وهو ما يؤخذ من العدو المحارب غير المسلم من غير قتال، ثم الركاز وهو ما يستخرج من باطن الأرض من ثروات نفطية ومعدنية ونحوها، حيث تغيّر الوضع اليوم، فلم تعد ثمّة غنائم في الحرب أو الفيء، ومن ثمّ فإن لبّ المشكلة ولحمتها وسداها عند من يقفون ذلك الموقف السلبي من هذه المسألة، قائم عندهم على مسلّمة مفادها أنّه يمتنع أن يمنح الإسلام بناء على مقاصده المطلقة في العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية ورفض التمييز بين الناس، فئة من أبناء المجتمع الإسلامي – أيّاً كانت- شيئاً دون بقيّة الأفراد، وذلك حق لا ريب فيه، بيد أن الإشكال هنا نابع من التصوّر المغلوط ابتداء عن فلسفة ذلك الحكم ومقصده في ضوء التاريخ والواقع، ولذلك عبّر المناطقة عن هذا التداخل بين التصوّر والحكم بقولهم: (الحكم على الشيء فرع عن تصوّره)، فمن ذا الذي يقبل بذلك التمييز من الفقهاء والأصوليين المحقّقين النابهين، لو كان مجرّد تمييز، لا علاقة له بعلة الحكم ومقصده الشرعي المعتبر، حتى لو قال بخلاف ذلك من قال؟ ذلك أن أيّ اجتهاد يتعارض مع المقاصد المطلقة في الإسلام مثل العدالة والمساواة بين الخلق وكرامة الإنسان يعدّ أمراً مردوداً قطعاً، وينبغي حمل النصوص ذات الصلة على تلك المقاصد، عملاً بقواعد الجمع بين الأدلة عند ظهور التعارض، دون المسارعة إلى ردّ هذا النص أو ذاك من السنّة بمجرد الانطباع الذاتي، أو حتى اعتقاد مخالفته للمبادئ والمقاصد المطلقة في الإسلام، ولكن من غير الالتزام بقواعد التصحيح والتضعيف الحديثية (المحترمة)، بوصفها علماً بذل في سبيل ضبطه وصون حديث النبي – ص – فيه ما جعل هذه الأمة متميّزة بـ(الَّسنَد)، وهذا ما أعتب فيه بشدّة على أخي العزيز الأستاذ القيسي، الذي جعل أمر قبول النصوص النبوية انطباعياً، بلا قاعدة منضبطة تحكمه قبولاً ورفضاً، هذا علاوة على أن مثل تلك المبادئ من المقاصد المحكمة في الدّين، وما عداه فهو من قبيل المتشابه الذي ينبغي أن يحتكم عند النزاع فيه إلى المحكم، وحيث لا وجود لذلك التمييز إلا في أذهان بعض الفقهاء -وليس جميعهم-. ويبدو أن لعامل الظرف التاريخي دوره في ذلك، حيث طبق حكم الغنائم والفيء أو نودي به في بعض الأزمنة التي كان لذلك الحكم بيئة تقوم فيها الحرب، وتأتي الغنائم وأحياناً الفيء. وبالمناسبة فإن أولئك القائلين بذلك الحكم هم من السنّة والشيعة معاً، ومن المنتسبين إلى أهل البيت وإلى غيرهم؛ غير أن حاصل الأمر أن الحكم منوط بعلّته وجوداً وعدماً – كما تقول قواعد الأصول- . أي أنّه لمّا كانت الزكاة قدّ حرّمت على فقراء بني هاشم، في زمن الغنائم والفيء؛ فكان لابد أن يعوّضوا من غيرها، لا لأنهم خير من غيرهم، أو أنه يجوز لهم أن يتأففوا من أخذ الزكاة أو الصدقة بوصفها (أوساخ الناس)، على حين يقبل تلك الأوساخ غيرهم، لأنه أدنى منهم، بل لعلّة تربوية نفيسة توضحها جملة الأحاديث التالية:
أحاديث الخُمُس:
الحديث الأول: روى مسلم في صحيحه عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث أنه اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا: "والله لو بعثنا هذين الغلامين ( قالا لي وللفضل بن عباس ) إلى رسول الله – ص- فكّلماه فأمَّرهما على هذه الصدقات، فأدّيا ما يؤدّي الناس, وأصابا مما يصيب الناس، قال فبينما هما في ذلك جاء علي بن أبي طالب فوقف عليهما، فذكرا له ذلك، فقال علي بن أبي طالب لا تفعلا فو الله ما هو بفاعل، فانتحاه ربيعة بن الحارث (أي قصده) ، فقال والله ماتصنع ذلك إلا نفاسة منك علينا (أي حسداً لنا) ...ثم دخل – أي النبي - وهو يومئذ عند زينب بنت جحش، قال فتواكلنا الكلام، ثم تكلم أحدنا فقال: يارسول الله أنت أبر بالناس وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمّرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدي إليك كما يؤدّي الناس، ونصيب كما يصيبون، قال فسكت طويلاً، حتى أردنا أن نكلمه، قال وجعلت زينب تُلْمِعُ علينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه، قال: ثم قال: إن الصدقة لا تنبغي لآل محمّد إنما هي أوساخ الناس..." الحديث ( صحيح مسلم (بشرح النووي)، د.ت، د.ط، د.م: المطبعة المصرية ومكتبتها، جـ7، ص 178-179).
الحديث الثاني: روى البخاري ومسلم أيضاً عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال أخذ الحسن بن عليّ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلّم- كَخِ كَخِ (بالفتح والكسر أي اتركه وارم به) ليطرحها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة" (صحيح البخاري( بشرح ابن حجر)، د.ت، د.ط، بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، كتاب الزكاة، باب مايذكر في الصدقة للنبي –ص- حديث رقم (1491)، جـ3، ص 354، ومسلم، المصدر السابق، جـ7، ص 175، واللفظ للبخاري).
الحديث الثالث: وعند مسلم كذلك عن أبي هريرة -رضي الله عنه-عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلّم- أنه قال:" إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي، ثم أرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقها" ) المصدر نفسه، جـ7، ص 176).
الحديث الرابع: روى أبو داوود والترمذي وصححه عن أبي رافع قال: ولى رسول الله –ص- رجلاً من بني مخزوم على الصدقة فقال( أي لأبي رافع) اتبعني تصب منها( أي يكون لك ما تستفيده من وراء تحصيلها معي)فقلت: حتى أسأل رسول الله –ص- فسألته فقال لي: إن مولى القوم من أنفسهم (أي خادم القوم محسوب عليهم)، وإنا أهل بيت لاتحل لنا الصدقة (انظر: سنن أبي داوود والترمذي وصحيحي ابن خزيمة وابن حبان. والحديث صحيح كما قال الترمذي والحاكم، ووافقهما الذهبي والألباني وأورده الأخير في :سلسلة الأحاديث الصحيحة، 1404هـ، ط الثانية، عمّان: المكتبة الإسلامية والكويت الدار السلفية، جـ4، ص 149، حديث رقم ( 1613) ).
مناقشة دلالة الأحاديث:
إن جملة هذه الأحاديث وغيرها تفيد ما يلي:
1- فائدة كلية عامة تتمثل في صحّة القول -من حيث المبدأ- بحكم خمس الخمس من المغانم والفيء للنبي-ص- وقرابته من بني هاشم وبني المطلب، يؤكدها قول الحق تعالى:{ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} ( الأنفال:41) وقوله – تعالى-:{ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا تكون دولة بين الأغنياء منكم] ( الحشر:7).
2- ومما ينبغي أن يؤكّد عليه هنا – قبل مناقشة المسألة في ضوء مقاصد الشريعة والعقل والواقع وأقوال المحققين- أن القول بخمس الخمس للهاشميين ليس قولاً خاصاً بالشيخ الزنداني، أو بالفقه الشيعي على أي مذهب من مذاهبه، بل هو قول سنّي كذلك، حتى قال الإمام ابن تيمية (ت: 728هـ):" وقد أمرنا الله بالصلاة على آل محمّد، وطهرهم من الصدقة، التي هي أوساخ الناس، وجعل لهم حقّاً في الخمس والفيء" (مجموع الفتاوى،د.ت، د.ط، القاهرة: دار الرحمة، كتاب الفقه: الجهاد، جـ28، ص 492). كما قال ابن قدامة المقدسي (ت:682هـ) من الحنابلة:" لا نعلم خلافاً في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة" أي (الزكاة) (المغني، 1403هـ-1983م، د.ط، بيروت: دار الكتاب العربي، جـ2، ص 519(. كما قال الإمام المجدّد محمّد بن علي الشوكاني (ت:1250هـ) في شرحه لمتن الأزهار:" الأدلة المتواترة تواتراً معنوياً قد دلت على تحريم الزكاة، على آل محمّد، وتطويل الاستدلال في مثل هذا المقام لا يأتي بكثير فائدة" السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، (تحقيق: محمود إبراهيم زايد)، 1405هـ- 1985م، ط لأولى، بيروت: دار الكتب العلمية، جـ2، ص 64(، وذلك في إشارة منه إلى الجدل المحتدم حول المسألة من جوانبها المختلفة. وقال في سياق لاحق: " وأيضاً قد عرفناك أن الأدلة على تحريمها على بني هاشم متواترة، فهي قطعية المتن كالقرآن" (المصدر السابق، جـ2، ص 67(.
وإذ أشيد بقول الأستاذ زايد جابر في الجزء الأول من حلقات تعقيبه على الشيخ الزنداني بأن رأي الشيخ ليس بدعاً من القول، بل هو رأي مشتهر في التراث الفقهي الإسلامي، وتأكيده أنه لولا مكانة الشيخ وتأثيره لما التفت أحد إلى ذلك، وما كان قد أثار ما أثار من ردود فعل (زايد جابر، الأهالي، الحلقة الأولى، مرجع سابق)؛ فإني أعتب عليه أنّه تعامل مع الأمر كما لو كان واحداً من أولئك المستثارين، دون أن يفيد من معرفته ونزاهته وحرصه على بلوغ الحقيقة في تخفيف اللوم على الشيخ، وأن يعذره من حيث المبدأ، حتى لو اختلف معه – وهو شأن صاحب هذه السطور وآخرين في مسألة الخمس ولمن تصرف اليوم- لا أن يقع في التعنيف ولاسيما في الحلقة الثانية من التعقيب، والانجرار إلى ترديد مايصم به الشيخَ خصومُه الجاحدون من أنه كان ممالئاً للنظام السابق، متحالفاً مع رئيسه، إلى حدّ أن زايد لم يجد حرجاً في أن يشايع تهمة متهافتة نزعت من سياقها، وتلك هي الزعم بأن الشيخ شبه الرئيس السابق بالخليفة الراشد عمر بن الخطاب [هكذا] (جابر، الأهالي، الحلقة الثانية، مرجع سابق)، وذلك ما لم يقله الشيخ على ذلك النحو، حيث استمعت إلى خطابه –حينذاك- بتركيز، ولفت نظري توازنه، إذ لم يدفعه الموقف إلى ما يتم عادة من مداهنة يسقط فيها كثيرون في مناسبات كتلك، وغاية ماقال الشيخ حينها: إن جمع العلماء لتدارس قضية تهم المجتمع كله سنّة حميدة كان يقوم بها أمثال الخليفة عمر بن الخطاب؟ وما الخطأ في ذلك؟ ألا يجب أن نقول لمن أحسن أحسنت ولو مرة واحدة؟ حتى وإن كنا ندرك مراميه وأهدافه من وراء ذلك، لكن الشيخ لم يخلع شخصية عمر على الرئيس السابق كما صوّره خصوم الشيخ، وجاء رأي زايد – وهو الباحث الجادّ- مشايعاً لهم – مع الأسف-!
وصفوة القول هنا: إذا كانت المسألة على ذلك النحو من الشهرة، حتى عدّها مجتهد مجدّد كالشوكاني لايؤخذ عليه تقليد ولا ضعف في الفقه – وإن كان في النهاية بشراً- من المتواتر، وقطعي المتن كالقرآن؛ فلم كل ذلك التعنيف للشيخ الزنداني إذاً؟ وما زاد عن أن نقل رأياً فقهياً شهيراً، تبناه ومعه رأي بعض أو كل هيئة علماء اليمن، الذين يمكن أن يناقشوا – ومعهم أو في مقدّمتهم الشيخ الزنداني- في ضوء مقاصد الشريعة، ودوران الفتوى وفق علتها، وجوداً وعدماً، وبناء على متغيرات الزمان والمكان والحال والنية والعادة، بعيداً عن حملة العنف الموجهة تجاه الشيخ، من قبل بعض خصومه، على خلفية تلك الثقافة المسكونة بمرحلة الصراع.
3- لعله بات أكثر وضوحاً الآن أن الحديث الأول يفيد أنه لما كان في أمر الولاية على أمر الزكاة مظنة استغلال موقع القرابة من الرسول –ص- لحظ دنيوي منع – عليه الصلاة والسلام- عبد المطلب بن ربيعة والفضل بن عباس من ذلك. وجاءت نصيحة الإمام علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- لهما، ويقينه من أن ذلك أمر غير مقبول عند رسول الله- ص- مقسماً على ذلك. ولما كان الأمر دنيوياً فقد وصفا علياً بالحاسد لهما، وهو ما أكدته السيدة زينب – رضي الله عنها- حين أشارت إليهما بعدم مفاتحة النبي في ذلك، وكـأنه أمر معلوم بالضرورة في البيت النبوي، لعلة أنهم في مقام التنزه عن أن يقال عنهم أنهم استغلوا موقع القرب من الرسول فحصلوا على حظ دنيوي، لو حصل عليه غيرهم لما التفت إلى ذلك أحد. وبذلك فقد أراد النبي-ص- أن " يجعل من آل بيته وأقاربه قدوة للناس في البذل والتضحية، لا في الغنم والانتفاع" ) يوسف القرضاوي، فقه الزكاة، 1405هـ-1985م، ط الثانية، بيروت: مؤسسة الرسالة، جـ2،ص734).
وحين طلب منه بعض أقاربه كالإمام علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- يوم فتح مكة أن يجمع لهم الحجابة (السدانة) للكعبة المشرفة مع السقاية قال له :" إنما أعطيكم ما تُرْزأون، لا ماتَرْزَأون" (ابن هشام، السيرة النبوية(تحقيق: مصطفى السقا ورفاقه)، د.ت،د.ط، بيروت: دار إحياء التراث العربي، جـ4، ص 55. قال المحققون للكتاب:" قال: أبو علي: وإنما معناه: إنما أعطيتكم ما تمنون كالسقاية التي تحتاج إلى مؤن، وأما السدانة فيرزأ لها الناس بالبعث إليها، يعني كسوة البيت" (المصدر نفسه، جـ4،ص 55 (الهامش). "فأعطاهم السقاية لما فيها من غرم وغنم وكلفة" ) يوسف القرضاوي، مرجع سابق،جـ2،ص734). ولهذا فقوله –ص- لعبد المطلب بن ربيعة والفضل بن عباس: "إن الصدقة لا تنبغي لآل محمّد إنما هي أوساخ الناس" من قبيل تطييب الخاطر لهما، كي يدركا أن مقام النبوة لايسمح بمنح المتربصين بالدعوة وقائدها مجالاً للتقول بأنه منح قرابته شيئاً من حظوظ الدنيا.
4- أما الحديث الثاني في شأن الحسن بن علي وأن النبي-ص- نهاه عن تناول تمرة من تمر الصدقة، مزهدا له في ذلك، ومذكّراً بأنها من تمر الصدقة أي الزكاة، ومثل ذلك ماحكاه الحديث الثالث عن أن الرسول –ص- ذاته كان يرغب أحياناً أن يتناول تمرة تقع على فراشه فيتذكر أنها من مال الزكاة فيتركها، وذلك كله إن دل على شيء فإنما يدل على مدى التربية على معاني التقوى والورع والزهد في التعامل مع المال العام، لمن هم في مقام القدوة، حتى بلغ بهم الأمر ذلك المبلغ توقي تمرة واحدة لأنها من مال الزكاة أو خشية أن تكون كذلك، وهذا من أبلغ ما يدل على أن المسألة تربوية أولاً وآخراً، وإلا فمسألة التمرة والتمرتين لطفل غير مكلّف لاتقدّم أو تؤخِّر، وهو ماعناه الحافظ بن حجر العسقلاني (ت:852هـ) في شرحه لحديث أبي هريرة عن الحسن بن علي، حيث استنبط ذلك بقوله عن الأطفال:"...وتأديبهم بما ينفعهم، ومنعهم مما يضرهم، ومن تناول المحرّمات، وإن كانوا غير مكلّفين ليتدربوا بذلك" (فتح الباري، شرح صحيح البخاري، د.ت، د.ط، بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، جـ3، ص 355). وفي قوله- ص- :" أما علمت أنّا لا نأكل الصدقة" ونحوه مايدل على أن لا علاقة للأمر سوى بالزهد، والنفرة من المال العام، وتلك غاية مسلك التقوى، حتى لدى خلفاء الرسول الراشدين كعمر بن الخطاب – على سبيل المثال- وهو مادفع الإمام القرضاوي ليعلّق على هذه الجملة وما في معناها بقوله:" ...فالذي يبدو لي أن النبي-ص- قاله بوصفه إمام الجماعة ورئيس الدولة، فإن اجتماع الصدقات عنده لا يحلها له، ولا لأهل بيته، لأنها ملك المسلمين جميعاً. ومن هنا روي أن عمر شرب من لبن الصدقة خطأ فتقيأه") القرضاوي، مرجع سابق، جـ2، ص735).
5- ومن أبرز مايدل دلالة قاطعة على أن لا علاقة لهذا المنع لبني هاشم وبني المطلب من أخذ مال الزكاة لمنزلة لهم ترفعهم كشرف النسب ونحوه على بقية أبناء المجتمع، وإنما تربية لهم على الأخذ بالعزيمة، ووضع أنفسهم في موضع القدوة التي تقبل أن تَحْرِم نفسها مما أبيح لغيرها، علاوة على أن بعضهم قد يستغل موقع ليحصل على امتيازات ما كان له أن يحصل عليها، لو لم يكن في ذلك الموقع من القرب من قائد الأمة محمّد –ص-؛ ما دل عليه الحديث الرابع حديث أبي رافع (مولى النبي –ص-) ومنعه – ص- له من أن يشارك في جمع مال الزكاة، وقوله له :" إن مولى القوم من أنفسهم". قال الشوكاني(ت: 1250هـ): " أي حكمه كحكمهم" (نيل الأوطار ، 1403هـ-1983م، ط الأولى، بيروت: دار الكتب العلمية، جـ4، ص 174). ومعلوم أن المقصود هنا من تحريم الزكاة أو الصدقة على مثل هذه الفئة إنما هو مظنة استغلال الخادم أو العبد أو العامل موقعه كذلك في القرب من الرسول –ص- بوصفه قائد الأمة وزعيمها، كما أقاربه، سواء في حياة النبي- ص- أم في زمن انتشار الغنائم والفيء، فيحصلون على امتيازات ما كان لهم أن يحصلوا عليها، لو لم يكونوا في ذلك الموقع، بدليل أن الصدقة لاتحرم على الموالي قبل أن يرتبطوا بخدمة النبي أو أيّ من أقاربه، وكذا لو انتقل المولى إلى غيرهم وصار خادماً له أو عاملاً عنده. والواقع أنّ ذلك أمر مشاهد ملحوظ في كل عصر ومصر حين يستقوي بعض العساكر أو المرافقين أو العمال أو السائقين أو المقرّبين إلى ذوي السلطة والنفوذ بمواقعهم القريبة منهم في الحصول على مكاسب وامتيازات من الناس ماكان لهم أن يحصلوا عليها، لو لم يكونوا في ذلك الموقع. ولهذا فقد ردّ ابن الأمير الصنعاني (ت:1182هـ) في سياق شرحه لحديث أبي رافع هذا على من ذهب إلى أن العلة في تحريم الزكاة على النبي-ص- وآله هي شرف النسب بقوله:"وذهبت جماعة إلى عدم تحريمها عليهم (يعني موالي بني هاشم) لعدم المشاركة في النسب، ولأنه ليس في الخمس سهم، وأجيب بأن النص (يقصد هذا الحديث وأمثاله) لاتقدّم عليه هذه العلل فهي مردودة، فإنها ترفع النص. قال ابن عبد البرّ هذا خلاف الثابت من النص، ثم هذا نص على تحريم العمالة على الموالي، وبالأولى على آل محمّد، -ص- لأنه أراد الرجل الذي عرض على أبي رافع أن يوليه على بعض عمله الذي ولّاه النبي –ص- فينال عمالة، لا أنه أراد أن يعطيه من أجرته، فإنه جائز لأبي رافع أخذه، إذ هو داخل تحت الخمس الذين تحل، لأنه قد ملك ذلك الرجل أجرته فيعطيه من ملكه، فهو حلال لأبي رافع" سبل السلام، د.ت، د.ط، صنعاء: مكتبة الجيل الجديد، جـ2، 640).
وقال الإمام القرضاوي في موسوعته (فقه الزكاة) :" وحديث أبي رافع يؤكد هذا المعنى، ويبن أن إبعاد آل بيت النبي –ص- وأقاربه عن شؤون الصدقة ليس لشرف النسب، ولكن لدفع التهمة، وقطع ألسنة المفترين، ووضع الأسوة الحسنة، وتربية الآل ومواليهم أن يوطنوا أنفسهم على تحمّل المغارم، لا الطمع في المغانم، ولو كان المنع للشرف ما دخل الموالي (الخدم والعمال عندهم) في المنع"( القرضاوي، مرجع سابق، جـ2، ص 734-735).
والواقع أن القول بان العلّة في منع أهل البيت النبوي وقرابة النبي-ص- هو مقام الأخذ بالعزيمة أو التربية بالمعالي، منعاً للتقول والطعن في نزاهته –ص- وليس لشرف النسب هو قول غير واحد من أهل العلم المحققين قديماً وحديثاً، فمن القدامى الإمام ابن تيمية الذي قال:" وأمّا تحريم الصدقة فحرمها عليه وعلى أهل بيته تكميلاً لتطهيرهم، ودفعاً للتهمة، كما لم يورّث، فلا تأخذ ورثته درهماً ولا ديناراً، بل لا يكون له ولا لمن يمونه من مال الله إلا نفقتهم ..."(الفتاوى، مصدر سابق، جـ19، 30-31)، وكذا الحافظ ابن حجر العسقلاني، حين استدل على ذلك بقوله تعالى:{ قل ما أسألكم عليه من أجر }(ص:86)، وأعقبها بالقول:" ولو أحلها لآله لأوشك أن يطعنوا فيه" ( الفتح، مصدر سابق، جـ3، ص 354)، ومن المتأخرين الشوكاني الذي تابع ابن حجر في ذلك وأورد الآية ذاتها، ونص العلة التي أوردها، وإن لم يعزها إليه )نيل الأوطار، مصدر سابق، جـ4، ص 173).
ورد على صاحب كتاب البحر الزخار الإمام أحمد بن يحيى المرتضى(ت:840هـ) الذي زعم أن علة التحريم هي الشرف قائلاً- أي الشوكاني-:" قلنا جَزْم الخبر (أي الحديث الصحيح الصريح) يدفع ذلك، ونَصْب هذه العلة في مقابل هذا الدليل الصحيح من الغرائب التي يعتبر بها المتيقظ") المصدر السابق، جـ4، ص174).
لماذا لا تمييز هنا؟
وتبقى الإشارة جديرة بأن ليس من التميّز على الخلق في شيء، ولم يخطر ببال أحد مطلقاً، أن يأخذ القائد نفسه ومن كان في موضع القدوة من أهله بمسلك المعالي ونمط العزائم، لما يتركه ذلك في نفسه وأتباعه من أثر تربوي حميد، مترفع عن حظوظ النفس، ولعاع الدنيا، ويسمو بهم نحو المعالي، مع مافيها من المعاناة المادية. وكما لم يورّث الرسول –ص- درهما ولا ديناراً لأهله وذريته من بعده، وقد كان على رأس الدولة الإسلامية وبيت مالها - لو أراد-؛ فقد جعل الله لأزواجه أمهات المؤمنين خصوصية في بعض الأحكام من حيث الأخذ بالعزيمة، والتربية على المعالي، مع أن ذلك مباح لسائر نساء المسلمين. تأمّل في قول الحق –تعالى-:{ يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلا. وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعدّ للمحسنات منكن أجراً عظيماً . يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين، وكان ذلك على الله يسيراً. ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين، وأعتدنا لها رزقاً كريما. يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وقلن قولاً معروفاً} (الأحزاب:28-32).
كما أن من الأمثلة التاريخية الشهيرة الواردة في هذا الباب ماروته بعض المصادر التاريخية عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وأورده الكاتب المعاصر الشهير خالد محمد خالد في كتابه خلفاء الرسول، تحت عنوان( ألأنك ابن أمير المؤمنين) ، حيث كان قد لفت نظر عمر إبل سمان رآها تأكل في مرعى المسلمين، فسأل لمن هذه؟ فقيل له: "لابنك عبد الله يا أمير المؤمنين"، فاستدعى ابنه عبد الله على الفور، وخاطبه: - وهو يفتل سبلة شاربه وذلك شأنه في الأمر الجلل- لمن هذه يا عبد الله بن عمر، فقال عبد الله: هذه إبل اشتريتها من مالي، كما يعمل المسلمون، وهي أمضاء (أي هزيلة)، فأسقيتها وأعلفتها حتى صارت كما ترى، فقال عمر: ألأنك ابن أمير المؤمنين، وماذا سيقول الناس يا عبد الله بن عمر: أفسحوا الطريق لإبل ابن أمير المؤمنين، أفسحوا المرعى لإبل بن أمير المؤمنين، فأمره – من فوره- أن يبيعها برأس مالها، وأن يرجع أرباحها لبيت مال المسلمين(خلفاء الرسول، 1405هـ-1985م، ط الثالثة، بيروت: دار الكتاب العربي، ص 199).
الخلاصة: معاملة فقراء بني هاشم كغيرهم
في ضوء كل ماسبق فإنه لما كان من المقرّر لدى علماء أصول الفقه أن الأحكام تدور مع علتها وجوداً وعدماً، ولما كانت الفتوى تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد ) ابن قيّم الجوزية، إعلام الموقعين عن ربّ العالمين، د.ت، د.ط، القاهرة: دار الحديث، جـ3،ص 1).
ولما كانت "الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها، ومصالح كلها وحكمة كلها...") المصدر السابق، جـ3،ص1). وبالنظر إلى أن فقراء بني هاشم لم يعودوا يحصلون في زماننا على أموال الخمس أو الفيء، تلك التي كانوا يحصلون عليها زمن النبي-ص- حيث لم يعد ذلك قائماً اليوم، فصار وضع بعضهم غاية في السوء والحرمان، إذ اجتمع عليهم غياب نظام الغنيمة أو الفيء، مع اعتقادهم باستمرار حكم حرمة الصدقة عليهم، رغم انتفاء علة مظنة استغلال بعضهم لموقعه، أواستئثاره بشيء دون بقية الناس، ولأن الشريعة لا تجيز وقوع الضرر على أحد، حيث قامت على مراعاة مصالح العباد وإبعاد الضرر عنهم " فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدّها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه ، وعلى صدق رسوله-ص- أتم دلالة وأصدقها..." (المصدر نفسه، جـ3،ص1). لذلك فإن التحقيق العلمي يفضي إلى مشايعة رأي الحنفية الذين أجازوا منذ وقت مبكر منح فقراء بني هاشم من مال الصدقة الفريضة والتطوع، إذا حرموا سهم ذوي القربى (ابن حجر، فتح الباري، مصر سابق، جـ3،ص 354، والقرضاوي، مرجع سابق، جـ2، ص 731).
وهذا ترجيح بعض العلماء المتأخرين كعلامة الهند ولي الله الدهلوي (ت: 1176هـ)، الذي يؤكّد تلك العلة وهي منعهم من الصدقة في مقابل منحهم من مال الغنيمة والفيء ليسد ما قد يظنه الظانون أو يتقوله المتقولون عليه مما لايجوز، فأراد أن يسدّ هذا الباب بالكلية، ولما انتفت اليوم علّة ذلك فقد انتفى الحكم كذلك ( حجة الله البالغة، جـ2، ص 512(نقلاً عن: القرضاوي،مرجع سابق، جـ2،ص734). وكذا للعلة ذاتها ذهب الإمام القرضاوي، واستغرب أن يستمر بعض الفقهاء في القول بتحريم أخذ الزكاة على بني هاشم والمطلب، حتى لو لم يحصلوا على خمس الخمس، متسائلا باستنكار :" هل من إكرام آل بيت النبي-ص- أن يتركوا حتى يهلكوا جوعاً، ولا يعطوا من مال الزكاة الذي هو حق معلوم" (القرضاوي، المرجع السابق، جـ2،ص739). ونقل الجواز عن جماعة من علماء المذاهب الأربعة وغيرها (المرجع السابق، جـ2، ص738- 739).
ويظهر أن في الأخذ بهذا الاتجاه خروجاً من الإشكال سواء من جهتي الاستمرار في حرمان الفقراء الهاشميين من حقهم المعلوم كغيرهم في الزكاة، أو ما يحصلون عليه من صدقة التطوع كغيرهم من المستحقين، أم من جهة القول الذي تبنته هيئة علماء اليمن وأذاعه الشيخ الزنداني نيابة عنهم بحق الهاشميين من خمس الخمس في الركاز، وهو ما فتح باباً للجدل واسعاً نحن – في غنى عنه- في ظل الأخذ بذلك القول القائم على قواعد الأصول، ومقاصد الشريعة، والله أعلم.