الشيخ المؤيد .. من مطار الاعتقال إلى مطار الإفراج
بقلم/ موسى النمراني
نشر منذ: 15 سنة و 3 أشهر و 5 أيام
الأربعاء 12 أغسطس-آب 2009 05:49 م

عندما ألقي القبض على الشيخ المؤيد كانت وسائل الإعلام تتناقل خبر القبض على سمكة كبيرة في إطار الحرب على الإرهاب غير أن الخبر السار ما لبث أن تحول إلى هم يجثم على صدور المسئولين المباشرين عن عملية اعتقاله .. اتضح سريعا أن الرجل لا صلة له بتنظيم القاعدة .

كان الشيخ المؤيد مجرد عالم دين خرج من عزلته ليهتم بالشأن العام وفي مدينة الأصبحي التي كان يسكنها لاحظ أن الفرق بين الأغنياء والفقراء يزداد توسعا فقرر أن يحول نشاطه العام إلى "التسول للفقراء" وهذه هي الصفة التي أطلقها عليه المحامي خالد الآنسي الذي أوفد إلى الولايات المتحدة للدفاع عنه.

وجمع المؤيد في مشروعه بين الدين والدنيا فبدأ بأن جعل غرفة الاستقبال في منزله مسجدا للصلاة ثم مالبث أن بنى مسجدا في الطرف الشمالي من الحي السكني الذي يسكن فيه .. كان دائما يبدي استغرابه "كيف يبنى حي سكني يقال أنه نموذجي وليس فيه مسجد ولا مدرسة ولا مستوصف ولا حديقة ولا مقبرة ولا مجمع غذائي "

وفي أطراف الطابق الأرضي من المسجد بنى المؤيد غرفا تحولت إلى معهد علمي تشرف عليه الدولة ومدرسة لتحفيظ القرآن الكريم يشرف عليها شخصيا وكان يحرص على أن لا تتدخل فيها الدولة ولا المتطرفين .

ولد الشيخ محمد بن علي حسن المؤيد في صنعاء – اليمن عام 1948م لأسرة هاشمية تسكن جنوبي صنعاء ثم درس العلوم الشرعية الإسلامية في المساجد وحلقات العلم ليلتحق بعدها بجامعة صنعاء، ثم أصبح مدرسا للعلوم الشرعية في المساجد والتجمعات الطلابية والعامة وأصبح مستشارا لوزارة الأوقاف والإرشاد بدرجة نائب وزير كما كان قبل ذلك مديرا عاما للنشر والمكتبات والبحوث العلمية في اليمن ، وأشرف على تدريب الخطباء في برنامج نفذته وزارة الأوقاف والإرشاد.

وأصبح مشروعه الذي أسسه متميزا حين انتهى من بناء الطابق العلوي من المسجد الذي سماه جامع الإحسان الذي يتسع لأكثر من ثلاثة الآلف مصل وألحقه بمسجد للنساء كان حينها أكبر مسجد للنساء في البلاد قبل افتتاح جامع الصالح كما أسس مدرسة للبنات بها سبعمائة وثلاثين بنتاً في مبنى المسجد المؤلف من ثلاثين فصلاً.

وفي عام 1997م كان الشيخ المؤيد قد بدأ بتأسيس مخبز خيري يوزع الخبز على الفقراء في المنطقة المجاورة ثم توسع نشاطه ليشمل أغلب أحياء العاصمة صنعاء حيث كان يطعم كل يوم آلاف الأطفال والنساء والرجال من فئات المجتمع التي يطحنها الفقر .

كما افتتح المؤيد مركزا لتعليم الكمبيوتر يعود له الفضل في تعليم عشرات الشباب الذين يعملون الآن في حقل التكنولوجيا ويمتلكون شركات للبرمجة وتصميم المواقع الإلكترونية ويعمل بعضهم في مجل الإعلان المحترف .

كما أسس الشيخ المؤيد عيادة طبية خيرية تعمل يومياً وتقدم خدماتها مجاناً بإشراف أطباء متخصصين كما حفر الشيخ بئرا ارتوازية توفر المياه للمسجد ويشرب منها الأيتام الذين يقطنون دار الشوكاني لرعاية الأيتام الذي بني مؤخرا إلى الشمال من مسجد الإحسان كما حاول الشيخ توفير صندوق للقرض الخيري للشباب إلا أن الفكرة وجدت عوائق حالت دون استمرارها كما تمت تصفية مؤسسة لبيع المواد الغذائية بسعر الجملة للفقراء بعد اعتقاله.

في 5 يناير 2003 م غادر الشيخ محمد علي المؤيد اليمن للعلاج في ألمانيا وفي الـ 10 من يناير أوقف في مطار فرانكفورت مع رفيقه محمد زايد حين كان يستعد للانتقال لمدينة جينا الألمانية وأعلن حزب التجمع اليمني للإصلاح متابعة القضية قانونيا في ألمانيا وبعد أربعة أيام قام السفير اليمني في ألمانيا بزيارة المؤيد في معتقلهن ثم بدأ اللغط الإعلامي بين اليمن وألمانيا حول وجود اتفاقية تعاون أمني يتم بموجبها تبادل المطلوبين وتحرم تسليم مواطني أي من الدولتين لطرف ثالث .

 وفي 13 نوفمبر 2003 المحكمة الدستورية الألمانية ترفض الطعن الدستوري الذي تقدم به محامو المؤيد , وتعتبر حكم المحكمة العليا القاضي بتسليم الشيخ المؤيد لأمريكا قانونيا وعلى الرغم من محاولة محاميه عرقلة تسليمه للولايات المتحدة

برفع دعوى إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلا أن ألمانيا سلمته للولايات المتحدة في الـ16 من نوفمبر 2003 حينها قال محامي المؤيد أنه يعتبر هذ القرار (فضيحة) لأنه استبق أي طعن أمام المحكمة الأوروبية.

وبعد أيام تحدث مصدر مسئول بالهيئة الشعبية للدفاع عن المؤيد قال أنه "يثق في القضاء الأمريكي" وعلى الرغم من إعلان وزير الخارجية الدكتور أبو بكر القربي ثم القنصل اليمني في نيويورك عن باتصالات مع أهم مكاتب المحاماة في أمريكا للدفاع عن المؤيد ومرافقه إلا أن المؤيد وزايد يخضعان للمحاكمة بعد أن نصبت لهما الإدارة الأمريكية محامين وفي 3 ديسمبر 2003 أبلغ المؤيد وزايد محكمة بروكلن الأمريكية بعدم قبولهما بالمحاميين الذين نصبتهم عنهما وفي شهر مايو من عام 2004 أعلنت الحكومة اليمنية إسناد القضية إلى مؤسسة علاو للمحاماة وفي 3 سبتمبر 2004 توجه المحامي خالد الآنسي إلى نيويورك ، وحمل معه وثائق بالصوت والصورة لمواقف الشيخ المؤيد ومرافقه وبعدها طلب الإدعاء الأمريكي تأجيل المحاكمة للمرة الثانية ثم أجلت بعد ذلك للمرة الثالثة حتى لا تؤثر في نتائج الانتخابات الرئاسية وفي 28 يوليو 2005 قضت محكمة بروكلن بسجن المؤيد 75 عاماً ودفع غرامة قدرها مليون وربع المليون دولار, وأجلت محاكمة زايد إلى سبتمبر ليأتي حكمه مشابها لحكم صاحبة حيث قضت المحكمة بالسجن 45 عاماً مع غرامة 750000 دولار.

وفي في جلستها المنعقدة صباح الخميس 2/10/2008م ألغت المحكمة الإستئنافية الأمريكية الدائرة الثالثة الناظرة في استئناف قضية الشيخ محمد المؤيد ورفيقه محمد زايد - ألغت - الحكم الصادر من المحكمة الابتدائية بنيويورك ويعتبر قرار إبطال حكم المحكمة الإبتدائية من الأحداث النادرة في القضاء الأمريكي المعروف بدقة أحكامه القضائية، ثم تقدم المدعي العام بالتماس يطلب فيه إعادة النظر في القرار إلا أنه رفض ثم قرر المدعي العام مرة أخرى إعادة محاكمة المؤيد وزايد أمام قاض آخر.

حينها استبعد المحامي الأميركي بوب بويل الذي كان يقود فريق الدفاع عن الشيخ محمد المؤيد ومساعده زايد وقف السير في القضية بعد أن قضت محكمة الاستئناف الأميركية بإلغاء الحكم الابتدائي الصادر بحقهما استنادا إلى الأخطاء التي شابته والتي كان من بينها تقديم أدلة في غير موضوع الاتهام وعرض أدلة تؤثر على عواطف المحلفين دون أن تكون ذات علاقة في صلب الموضوع وبحسب قرار محكمة الاستئناف فإن للحكومة "الأميركية" أن تطلب من الاستئناف إعادة النظر في قرارها خلال 14 يوما أو تتقدم بطعن في قرار الاستئناف خلال 90 يوما أو تعيد القضية للمحكمة الابتدائية مع تغيير القاضي بحسب توصيات الاستئناف التي لا تقرر تغيير القاضي إلا في ظروف نادرة بحسب قانونيين أمريكان، وقال بول في حوار لموقع اليمني الأميركي نت أنه من المفترض في حال لم تقم الحكومة الأمريكية بأحد الخيارات الثلاثة السابقة فإن الخيار الرابع هو أن تقوم الولايات المتحدة بإسقاط التهم الموجهة إليهما وإرسالهما إلى بلادهما ، غير أن فريق المحامين الذي تولى القضية مؤخرا أجرى مفاوضات مضنية بين المؤيد وزايد من جهة وبين المدعي العام الأمريكي من جهة أخرى ليتوصل الجميع إلى حل وسط كان الدافع الأساسي إليه رغبة الإدارة الأمريكية في عدم تحمل نتائج وفاة الشيخ المؤيد على أراضيها نظرا لتدهور حالته الصحية، وكان الدور الأبرز في هذه الخطوة للمحامية الأمريكية اليزابيت فينك التي قادت فريق الدفاع مؤخرا وهي الوحيدة من فريق الدفاع التي لن ترافق الشيخ في طريق العودة حيث سيكون برفقته المحاميتين تينا فوستر و لميس الديك وسينظم إليهما المحامي بوب بويل الذي قدم في رحلة أخرى وسيرافق الشيخ المؤيد في الطائرة التي ستقله من مطار دبي .

وفي جلسة الجمعة 7 أغسطس2009م سحب المدعي العام القضية من أمام المحكمة واعترف المؤيد بدعمه لحماس حيث قررت القاضية أن سجن خمس سنوات كان كافيا كعقوبة لـ "جريمة دعم حماس" واحتسبت الفترة من أول يوم ألقي فيه القبض عليهما حيث قرت القاضية الإفراج عنهما من ساحة المحكمة يوم الجمعة حيث كان من المقرر ترحيلهما مباشرة إلا أن الخارجية اليمنية رفضت ترحيلهما في طائرة خاصة وعرضت على الجانب الأمريكي استئجار طائرة يدفع الأمريكان أجرتها وتقل المؤيد وزائد ومرافقيهما من المحاميين والأطباء ووفد السفارة بعد أن كانت الإدارة الأمريكية ترحيلهما برفقة طبيب واحد بطائرة مهمات خاصة .

وكان الرئيس اليمني قد قال قبل أعوام أن جريمة دعم حماس إن كانت جريمة فيجب أن تحاكم بها الحكومة اليمنية كلها .

وبعد تسلم السفارة اليمنية للمؤيد اتصل بأسرته مؤكدا أن معنوياته مرتفعة وأكد أحد أبنائه أن سيعد مؤتمرا صحفيا بعد عودته مع محاميته الأمريكية حيث من المقرر أن يعود صباح غد الثلاثاء بعد أن توقفت رحلته في دبي مساء اليوم الإثنين ويتوقع أن يجد الشيخ المؤيد استقبالا رسميا وشعبيا كبيرا لتنتهي فصول مأساة الشيخ التي بدأها بتأريخ 10يناير 2003م بفعل وشاية تقدم بها مواطن يمني كان يعيش في أمريكا ويطمع في الحصول على امتياز لدى المخابرات الأمريكية يمكنه من العيش برفاهية .