عن حوار الأحزاب وأجندة للمستقبل
بقلم/ علي أحمد العمراني
نشر منذ: 17 سنة و 4 أشهر و 30 يوماً
الإثنين 18 يونيو-حزيران 2007 03:57 م

مأرب برس ـ خاص

" إن الكثير من المتغيرات المتلاحقة والمتداخلة تربك القيادات الوطنية حتى أصحاب النوايا الحسنة منهم في بلدان كثيرة و قدلايستطيعون بعد ذلك إنجاز شيء ذي بال.....

"إن الولايات المتحدة تحتاج إلى جهات وهيئات نافذه وذات صلاحيات و مسئولية وطنية عالية تفكر وتخطط إستراتيجيا لمدى خمسين عاما قادمة . حيث أن أقصى مدى يفكر ويخطط فيه وله السياسيون ألأمريكيون هو كما يلي:

-أربع سنوات لساكن البيت الأبيض

-ست سنوات لأعضاء الكونجرس

 -سنتان لأعضاء مجلس النواب"

 الفِن توفلر مؤلف :صدمة المستقبل

 عندما استأنفت الأحزاب السياسية الحوار فيما بينها في لأمس فلا بد للمرء أن يتساءل هل سيكون الحوار وطنيا و استراتيجيا يستهدف المستقبل وشروط الإستقرار والنجاح والتقدم والنهوض لهذه البلاد أم سيكون مجرد حوار سيغلب عليه قصر النظر وأغراض السياسة و مقاصد الحزبية و أساليب المفاوضات واستهداف تحقيق الصفقات والمصالح والمكاسب الآنية ؟ ولا يسعنا إلا أن نأمل في أن الحوار الذي يجري الآن سيتمخض عنه رؤية وأجندة تكفل الأستقرار والنهوض والتقدم لهذه البلاد وأهلها ، ولقد طال الإنتظار ونحن منشغولون فيما هو آني ووقتي وذاتي . وإذا كان المحيط الأقليمي مجدب وعقيم بحيث يستعصي استلهام تجارب ناجحة منه ، فلا بأ س أن نمد ابصارنا في المحيط الأوسع ، وهناك تجربة ماليزيا ، مثلا ، يمكن الإستهداء بها والإسترشاد بها . فالحكم والإدارة والمشاركة والتنمية والنجاح ليس أصعب هنا منه في بلد متعدد ألأعراق والأديان وسبق وعانى من الإضطرابات والعنف والفشل كحالة ماليزيا . والغريب والعجيب أننا ما فتئا نردد على مسامع الأمم أننا شعب واحد ودين واحد . ومع ذلك فلا نزال نعيش في خضم من الخلافات والصراعات والفشل . وقد يقول قاْئل : لا ضير إذاً أن نكون أعراق متعددة وأديان متعددة ولكن يكون النجاح حليفنا وتكون رؤسنا مرفوعة بين الأمم كالماليزيين مثلا. ولا بد أن نتذكر أن الذي قاد تلك النهضة هناك هو مسلم معتز بعظمة الإسلام لكنه مستنير ومعتدل ومتسامح ، ومن لا يعرف محاضر بن محمد ؟ والآن يقود ماليزيا مسلم آخر هو عبد الله بن أحمد بدوي ، ومن خلال لقبه يبدو أنه يمت بصلة إلى اليمن ، ربما قد تكون أصوله من الجوف أو مأرب إن لم يكن من شبوة أو حضرموت أو لنقل من البيضاء ! 

في الماضي القريب: تجربة حوار ناجحة نسبيا

منذ عقود لم تعرف اليمن حوارا جادا يمكن وصفه بأنه استراتيجي نسبيا عدا ذلك الحوار الذي تمخض عنه الميثاق الوطني والمؤتمر الشعبي العام . حيث التقت غالبية القوى الفاعلة في الساحة -في الشمال - على جوامع للعمل والمشاركة .

 وسادت بعد ذلك فترة من الاستقرار السياسي والأمني في شمال الوطن اليمني امتدت إلى عام 1990 عشية تحقيق الوحدة اليمنية ، و خلال فترة الاستقرار تلك استطاعت الجمهورية العربية اليمنية ، بقيادة الرئيس صالح أن تحقق نجاحات تنموية غير مسبوقة ، حيث أمكن اكتشاف النفط وإنتاجه وتصديره وكذلك أعيد بناء سد مأرب وتنامت استقلالية ورشادة ونضج القرار السياسي إلى أبعد حد ، بحيث أمكن إنهاء مشاكل سياسية واضطرابات واقتتال داخلي كان يسود مناطق عدة، خاصة منطقة الوسط .

جاء الرئيس صالح إلى سدة الحكم في ظروف استثنائية شديدة الاضطراب بعد اغتيال الرئيسين احمد الغشمي في الشمال وسالم ربيع علي في الجنوب ، وبعد مضي بضعة شهور فقط على اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي الذي كان يحظى بشعبية كبيرة جدا في أوساط الشعب لما لمس الناس من جديته في إجراء إصلاحات حقيقية كانت ضرورية وظلت منتظرة لوقت طويل ، لم يكن الرئيس صالح يحظى بشعبية كبيرة في أوساط الجماهير في البداية ، لكن صالح سرعان ما بهر الداخل والخارج بديناميكيته ونجاحاته في ميادين شتى وتعاظمت شعبيته الى حد كبيروواسع.

لقد توجت تلك المرحلة بإنجاز نوعي وتاريخي وهو تحقيق الوحدة اليمنية . وفي تقديري فإنه لو لم يسبق 22/5/1990 فترة استقرار سياسي في شمال الوطن اتسم بواقعية وعقلانية كبيرة لأكثر من عقد من الزمن مع ما رافق ذلك من نجاحات تنموية أخرى ودرجة معقولة من الاستقلال الاقتصادي و المالي ، لما كان بوسع اليمنيين أن يتوحدوا عام 1990 حيث أمكن استثمار فرصة تاريخية سانحة نادرة من النوع الذي لا يتكرر عادة في االتاريخ في المدى المنظور . ومرة أخرى فإن الحوار المسئول الجاد الذي كان قد رعاه الرئيس صالح منذ حوالي عقد من الزمن- آنذاك- كان حجر الزاوية في تلك الإنجازات الكبيرة التي سبقت يوم التوحد الذي كان هو تتويجا لها ونتيجة لها . لقد أسفر الحوار الجاد وما نتج عنه من أمن واستقرار في شمال الوطن عن طمأنينة وثقة غير مسبوقة في إمكانية استيعاب ومشاركة جميع الفعاليات والناشطين في تحمل مسئولية بناء الوطن والعيش فيه بحرية وسلام وتسامح وتعاون . ولعل قدرا كبيرا من روح الثقة البناءة تلك قد انتشر وعبرت "الحدود" إلى عدن وأهلها وما حولها . فانتعشت آمال الخلاص من التشطير إلى آفاق التوحد واللٌحمة كما وصفها الراحل أبو عمار.

عشية تحقيق الوحدة:الحماس والإرتجال والإستعجال يكتنف الحوارات

 خلال تلك الفترة تجلت الوطنية اليمانية الحقة في صورة لم تعد مألوفة في حياتنا العربية المعاصرة ، وعلى الرغم من فكرة التقاسم لأشياء كثيرة ، فقد أبدت القيادات العلياء في الشطرين استعدادا لتقديم تنازلات وتضحيات ملحوظة بدرجة أو بأخرى ، فحيث قبل السيد الرئيس صالح بقيادة جماعية لم تكن مألوفة لديه من خلال مجلس الرئاسة المكون من خمسة أشخاص ، الذي هو رئيسة ، فقد قبل السيد علي سالم البيض أن يكون الرجل الثاني بعد أن كان الأول في دولة الجنوب قبل الوحدة . 

ولكن لماذا ساءت الظنون بعد ذلك ؟ ولما ذا لم تستمر الثقة بين الطرفين اللذين أنجزا عملا تاريخيا عظيما غير مسبوق في واقع العرب المعاصر ؟ ولما ذا تبدلت الأحوال وتبددت الآمال ؟ 

يبدو واضحا الآن أن القيادة كما هو حال الشعب كانوا يسابقون الزمن ، وكان المهم تحقيق الوحدة في أسرع وقت ، وهذا مفهوم ومبرر ومشروع ، لكن ذلك قد أدى إلى عدم تمحيص الأفكار والمشاريع والبدائل الذي تضمنتها اتفاقية الوحدة ، إن فكرة التعددية السياسة حسنة جدا بل رائعة لكن الغريب في الأمر هو أنه تقرر الاحتكام إليها بعد نفاد الفترة الانتقالية التي حددت بسنتين ونصف فقط ، لقد كان من نتائج ذلك أن يلجأ الطرفان والقيادتان إلى تنافس محموم على الموارد مع عملية استقطاب حاد وتعبئة وتأجيج منذ الأسابيع الأولى لدولة الوحدة التي كان لا يزال عودها طريا ودخلت على الخط قوى انتهازية عملت على تأجيج الوضع من خلال اقترافها حوادث عنف واغتيالات لكوادر وقيادات في الحزب الإشتراكي . ولو قدر للفترة الانتقالية أن تكون أطول ـ خمس سنوات كحد أدنى- لأمكن لكل التحولات ( بما في ذلك التعددية ) أن تتم وتتطور وتتجذر على نحو أفضل وأكمل ولأمكن لليمن أن تتجنب مآسي حرب 1994 وويلاتها التي لا نزال نعاني منها إلى الآن وربما أن أثارها ستمتد إلى المستقبل ، مثلها مثل كل الحروب اللعينة التي خضناها منذ 1962م . 

ونتذكر أن الناس كانوا يتبرمون من الفترة الانتقالية لما شابها من إرباك وتدهور وتنازع ولقد كانت كذلك لأنها كانت اقصر من اللازم بكثير. لقد كان كثير من الناس يظنون أنه بمجرد ألتخلص من الفترة الانتقالية ، ستحل المشاكل وتنتهي المعاناة ، لكن العكس كان هو الصحيح فلقد كانت نهاية الفترة الإنتقالية إيذانا ببدايات المخاطر الكبرى والمعاناة التي لا زالت تتفاقم لحد التاريخ .

 وفي ضوء حقائق الجغرافيا والتاريخ وسنن التطور والتدرج ومهما حسنت النوايا ومهما كانت التطلعات والطموحات مشروعة فإن المرء يتساءل إلى أي مدى كانت ظروف اليمن وإمكاناتها تتحمل ذلك المشروع الحضاري العظيم المتمثل في تصور إمكانية الانتقال إلى الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة دفعة واحدة بعد سنتين وستة اشهر من انجاز عملية تاريخية عظمى وأقصد بذلك الوحدة . وسوى النوايا الحسنة ، على افتراض توفرها بالطبع ، والحرص على تحقيق الوحدة ، فإنه لم يكن يسند ذللك المشروع أي أساس معقول لا من تراكم تجارب التاريخ الوطني ولا من تراكم النجاحات الديمقراطية في المحيط الإقليمي الذي لم يكن في مجمله مرحبا بمشروع الوحدة اليمنية ، فما بالنا بالترحيب أو حتى إمكانية تقبل دولة يمنية موحدة وذات نظام ديمقراطي تعددي في نفس الوقت في جنوب جزيرة العرب في أوائل تسعينات القرن الماضي . وعلى الرغم مما أمكن إحرازه من تقدم في مجالات الحرية والتعددية إلاأن الغايات النهائية للتعددية السياسية وجوهرها التبادل السلمي للسلطة لا يزال مشروعا وأملا مستقبليا لحد الآن . وواضح ، وعلى نحو يدعو للأسف ، أن اليمن لم تسطع أن تكون استثاءا عن محيطها ولم يشفع لليمنيين توقهم إلى الريادة في المشروع الديموقراطي مثلما كان عليه حال المشروع الوحدوي الذي لم يسلم من الأذى بتداخل تحديات القصور في الداخل واوهام وتوجسات المحيط .

الحالة الراهنة : ملامح عن التطلعات والمخاوف والمواقف 

يبدو أنما يشغل بال الجميع هو من سيفوز في الانتخابات القادمة وكم سيكون نصيب كل حزب؟ فحيث يبدو أن هم أحزاب المشترك يتركز على هزيمة المؤتمر بأي ثمن متاح حتى لو كان إشغاله أو انشغاله أو التفرج على حكومته أو التحريض عليها وهي تخوض حربا طال أمدها في صعده ، فما دام وهي قد تضعف المؤتمر فلا باس حتى لو أكلت ألأخضر واليابس وأتت على كل شيء ربما حتى إلى حد "خيار شمشون" ، أما المؤتمر فقد تكون غايته تكريس الجهود والقدرات وكلما هو ممكن ومتاح لجعل أحزاب المشترك أبعد ما تكون عن السلطة ، وليكن ذلك إلى الأبد إذا أمكن ، وهذا ما تتوجس منه المعارضة خيفة " فالحكم هو الحكم والمعارضة هي المعارضة " . 

ومثلما أن مفاهيم التعددية "الرشيدة " لا تقبل التردد في مواقف الأحزاب الفاعلة في البلاد إزاء قضايا وطنية جامعة مثلما يحصل في صعده فإن جوهر التعددية تعني إن هناك قبولا واستعدادا حقيقيا مدعما بموقف أخلاقي وحضاري قبل توافر الشروط الدستورية والقانونية ، للتبادل السلمي للسلطة . 

إن أحزاب المعارضة وإن كانت عاجزة للوصول للحكم في المدى المنظور إلا أنها و نتيجة لذلك تملك قدرات وآليات تمكنها من التشكيك والتحريض والإرباك بما قد يشكل أذا بالغا وضررا كبيرا للبلاد سواء أكان ذلك من خلال سكوتها عن الحق أو مناصرتها للباطل أو تحريضها المربك ضد الدولة وسياستها خصوصا معارضة السياسات التي تعلم المعارضة يقينا بصحتها . و يتوقع من معارضة تعاني من إحباط متراكم تعده إقصاءا ، أن تكون لها مواقف غريبة وعدوانية وقد تكون أحيانا بالغة الخطورة والضرر .

ويتضمن خطاب المعارضة اتهامات للمؤتمر بالشمولية والاستحواذ فعندما عقب الدكتور / عيد روس النقيب على برنامج الحكومة المقدم للبرلمان لنيل الثقة يوم 16/4/2007 قال : إن هناك من يريدها حكما على طول ومعارضة على طول . ونسبت صحيفة الثوري إلى الدكتور ياسين سعيد نعمان قوله : إن الحكم يصنع شروط الانقلاب وليس شروط التحول السلمي . ويردد الأستاذ / عبد الوهاب الآنسي كثيرا عبارة مؤداها : إن الذين يحكمون البلاد يتصرفون وكأنهم يملكونها.

وفي حين يؤكد المشترك على "النضال السلمي" ، فإن جوانب من الخطاب المنسوب لبعض قياداته وإعلامه تتسم بطابع" ثوري" و " انقلابي" ، كالإيحاءات بالثورة الشعبية ، وما كان يرد في بعض صحف المشترك قبل الانتخابات كذلك العنوان البارز في صدر أحدها : الزحف الكبير يبدأ من عمران وهذا يذكر بالزحف الكبير لماو تسي تونج على العاصمة بكين قبل منتصف القرن الماضي .

وعلى الرغم من تأكيد المؤتمر على مبدأ التداول السلمي للسلطة الذي كفله الدستور بالطبع فإن الخطاب المنسوب لبعض قيادات المؤتمر لا يخلو من الإقصائية والتلويح بضرورة الحيلولة دون تسليم الحكم للمعارضة تحت أي ظرف ، فعلاوة على الاتهام بالإرهاب والانفصالية ، فالمؤتمر يظهر المخاوف من نوايا المعارضة حيث شبهت ذات مناسبات انتخابية بالتتار أو من يريد فقط أن يستولي على مقدرات البلاد ومواردها كالبنك المركزي والنفط .

وعادة فإنه عندما يغيب الرشد ويسود الخصام والعداوة والتباعد علاقات القوى الرئيسية أو العقلاء أو الذين يفترض أنهم كذلك فإن تيارات ومجاميع هدامة وخطيرة قد تكون غريبة الأفكار والأطوار تنشاْ وتتكون وتخرج من بين الصفوف نتيجة لذلك ويكون ضررها بالغ ، بل إن ذلك قد يغري المتربصين من الخارج بالاستغلال والتدخل كما حصل في 1994 ويحصل اليوم في صعده .

ويبدو لي أن ما يحدث في صعده منذ أكثر من ثلاثة أعوام ناتج عن حالة الخصام الذي يصل أحيانا في الغالب إلى حد القطيعة والبغضاء والعداوة بين الأحزاب السياسية الرئيسة : (المؤتمر وأحزاب المششترك ) ، ويصعب أن يعفى أي منهم من المسؤولية .

إنني "أشك" في إمكانية وصول المعارضة للحكم في اليمن في المدى المنظور لأسباب وتعقيدات داخلية كثيرة بدرجة أكبر ولأسباب إقليمية ودولية بدرجة أقل ، ومع ذلك فإني لا أرى أن بقاء المعارضة بعيدا عن المشاركة في مسؤلية الحكومة لوقت طويل ظاهرة صحية وملائمة للبلد ومصالحها وإن كنت في ذلك مخالفا في الرأي لزملاء أعزاء كثيرين ، ولا زلت اذكر الاندهاش الذي ظهر على ملامح الأستاذ/ غسان بن جدو الذي أدار حوار للجزيرة قبل الانتخابات ، عندما أبدى ألأخ الأستاذ / سلطان سعيد البركاني –عافاه الله- ما فهمه بن جدو وكأنه رفضا مبدئيا وثابتا من قضية المشاركة أو الائتلاف مع المشترك أو أي من أحزابه . ربما كان الأستاذ/ سلطان يستند إلى تجربة سابقة فشل فيها الائتلاف مع أي من الحزبين الكبيرين الإصلاح والاشتراكي لكني اعتقد أن الجميع لا بد قد استوعب دروسا كافية ، ومما يؤكد ذلك هو أن الإصلاح والاشتراكي اللذين كانت علاقتهما تقوم على العداء الإيديولوجي والتباعد الذي كانا يظنان أن لا يحدث تقارب بعده أبدا قد انتظما ألآن ضمن المشترك مع أحزاب أخرى وأنهما قد تبنيا مع أحزاب أخرى برنامجا سياسيا واحدا.

وإن من أسس نجاح مثل ذلك الائتلاف أو المشاركة ، هو أن تسلم المعارضة بأن المؤتمر يضم بين جنباته أكثر من ثلثي كوادر البلاد وهذا ما أشار إليه الدكتور ياسين سعيد نعمان في حديث صحفي سابق له ، وبالتالي فإن هذا يرتب حقوقا لا بد أن تؤخذ في الحسبان حال المشاركة . ولا بد للمؤتمر أن يدرك أن المعارضة تضم هي الأخرى كوادر وطنية متميزة وناشطة ، ويصعب تصور إبقائها بعيدا عن المشاركة في المسؤولية التنفيذية لإدارة البلاد لفترة أطول من اللازم دون تبعات سلبية وقد تكون خطيرة .

ومن جهة أخرى فإن المؤتمر لابد أن يدرك أن مشاريع الإصلاح التي تتطلبها البلاد بإلحاح و يتبناها المؤتمر في مجالات الاقتصاد والسياسة والإدارة والمعرفة والأمن ومكافحة الفقر والبطالة وغير ذلك ، تتطلب إجماعا وطنيا يستمر لفترة طويلة نسبيا ، وأن تحقيق النجاحات المتوخاة سيكون مأمولا أكثر وممكنا أكثر إذا أمكن لشركاء الحياة السياسية أو أكثرهم أن يساهموا في تحمل مسئولية تنفيذ ذلك. 

 وعلاوة على ما سبق فإن تبني مثل هذا الطرح يستند إلى أن كل الظروف التي مررت بها الجمهورية اليمنية منذ تأسيسها كانت ولا تزال اقرب إلى أن تكون مربكة و استثنائية وغير طبيعية بالمرة ، وتعرضت البلاد خلال تلك الفترة لأحداث خطيرة واضطرابات وقلاقل كالحرب عام 1994 واحتلال حنيش وتوتر العلاقات مع الجيران أو برودها إلى وقت قريب ، وما تخلل ذلك من تقطعات واختطافات وحوادث إرهاب كضرب المدمرة كول ولمبرج ومحاولة ضرب المنشآت النفطية ، إضافة إلى استمرار واننتشار حالات الاحتراب والاقتتال القبلي والعشائري وضعف الثقة في مؤسسات الدولة وشيوع اللجوء للاحتماء بالعصبيات الضيقة كيانات ما قبل الدولة كالعشيرة والقبيلة وانتشار السلاح على نحو غير مسبوق في تاريخ اليمن ، حتى أن عبد الملك الحوثي الذي يخوض حربا ضد الدولة منذ ثلاث سنوات ، أجاب على الجزيرة، عندما سأل لماذا تحملون السلاح في وجه الدولة بقوله : نحن مواطنون ونحمل السلاح مثلما يحمله غيرنا من المواطنين وندافع به عن أنفسنا . وأصبح على كثير من الناس الذين عاشوا في المدن منذ زمن أن يبحثوا عن جذوهم القبلية والعشائرية كملاذ وحماية من التعسف الذي قد يلاقونه من خصوم مستقوين بعصبيات أومن بعض متنفذين ، مع أن العودة إلى مثل تلك الانتماءات والإحتماءات هي كالمستجير من الرمضاء بالنار . 

المستقبل : خارطة طريق و أجندة للعمل

-علينا أن نعترف أن نجاحاتنا في مجالات ذات أهمية خاصة وقصوى لم يكن بالمستوى المطلوب والمامول في السبع عشرة السنة الماضية ، فحيث أمكن تحقيق نجاحات في جوانب من البنية التحتية وفي مجالات الإصلاح المالي والنقدي بالتعاون مع المؤسسات الدولية كالبنك وصندوق النقد الدوليين ، فإن إصلاح القضاء والإدارة والبناء والتطوير المؤسسي ومكافحة الفساد و الإثراء غير المشروع وتحسين نوعية التعليم ومخرجاته وتطوير وتحسين الخدمات الصحية ومكافجة البطالة والفقر وتحسين ظروف الأمن والعدل لا تزال تتطلب جهودا متعاظمة وحشد للموارد على نحو غير مسبوق.

-كما أن التهيئة لتجسيد مبدأ التداول السلمي للسلطة كحقيقة واقعة تواجهها عوائق موضوعية ومؤسسية ، حيث هناك ضرورة لتطوير البناء المؤسسي والثقافة المؤسسية الديمقراطية داخل الأحزاب الرئيسية نفسها ( المؤتمر والإصلاح والإشتراكي... ) بحيث يتخلص الجميع من العوائق الأيديولوجية التي تضعف التسامح وتقبل الـآ خر كما يجب التخلص من ادعاء ات الكمال والتفوق للأفكار أوللأشخاص والعَُصَب والأعراق والجهات . ولا بد أن نتذكر أن أقوى الأفكار في السياسة والدبلوماسية والإقتصاد والمعرفة والتقنية والأسواق والإدارة والتنظيم التي تسود العالم اليوم تأتي من أمريكا وهي خليط من الأجناس والثقا فات والديانات ويشارك في ذلك النساء والرجال من السود والبيض والصفر والملونين واليهود والمسيحين "والمسلمين" والبوذيين وحتى من لا دين لهم، ولا بد أن نتجنب الشخصنة الحزبية والسياسية التي توحي بان الأحزاب والبلاد لا تستطيع أن تقوم وتمضي دون وجود أشخاص بعينهم على رأسها أوأنها لن تمضي وتنهض إلى الأمام إلا بإزالة وذهاب أشخاص بعينهم. 

-كما أن تحييد الوظيفة العامة وتحييد المؤسسة الأمنية والعسكرية عن العمل السياسي تتطلب جهودا ووقتا ، وبالنظر للتراكم والتعقيد الموروث في هذا الجانب فإن معالجته وتكييفه مع مقتضيات التحول الديمقراطي وتجسيد حقيقة التبادل السلمي للسلطة تتطلب العمل بموضوعية عالية وبمسئولية تاريخية من قبل جميع الفرقاء الساسيين الفاعلين ، وحيث يصعب تصور تراجع العملية الديمقراطية - طالما أنها قد بدأت وتفاعلت - دون أن تحقق أقصى غاياتها وهو تداول السلطة فإنه يصعب تصور نجاح التحول الديمقراطي الحقيقي السلمي دون حيادية المؤسسة الأمنية والعسكرية . وبالنظر إلى الظروف الموضوعية المتراكمة والقائمة ، فإن التعجل أكثر مما يجب أو التأخير أكثر مما ينبغي سيقودان إلى فشل المشروع الوطني الديمقراطي وربما إلى صدامات ونزاعات خطيرة تعصف بمستقبل البلاد ، وهو -أي المشروع الديمقراطي -علاوة على عظمته المطلقة كحل لمعضلة السلطة عبر التاريخ الإنساني ، فإنه بالنسبة لليمن يعد رأسمال استراتيجي يرقب العالم حراكه وتطوره ونموه وتروج اليمن لنفسها على أساسه وبموجبه ، وإذا كان عقلاء العالم يدركون مقتضيات التدرج وأفضلياته ، فإنه لا يوجد أحد يقبل استمرار الحديث عن الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة دون أن يرى أن ذلك قد تجسد في الواقع وحصل بالفعل في مدى زمني معقول ومنظور .

1. -إن الحوار الذي أستانف الأمس يتوجب أن يكون موضوعيا ووطنيا واستراتيجيا فوق أطماع ومصالح الأحزاب والأشخاص في المدى القريب والمتوسط والبعيد وفوق عقد الماضي و حساسياته وخلافاته . وفي حقيقة الأمر فإننا كثيرا ما فصلنا وكيفنا مصالح البلاد ضدا على أو وفقا لمصالح وأطماع آنية وأيديولوجيات قصيرة النظر وإدعاءات أخرى كثيرة باطلة وزائفة . ولذلك كانت نجاحاتنا محدودة وإخفاقاتنا عديدة . ويكفي أن نتذكر أننا لا نزال البلد العربي الأكثر فقرا وبؤسا وأمية ، وأننا بلد القات الذي يستنزف الماء و يمتص الدماء ويذهب بالصحة والحياة وبالعقول ويحتل مساحات الأراضي الخصبة ، وأننا البلد الذي ينتشر فيه السلاح الناري والسلاح الأبيض على نحو واسع و خطير ومتخلف ومخيف . وعندما نقتتل به فيما بيننا في القرى والطرق والشوارع وأسواق القات فإننا لا نزال ندعي وبتبجح أنه زينة ورجولة وضرورة . حتى أن كثيرا منا لم يستطع أن يتبين حقيقة أسباب مايجري في صعده هل يرتبط بالأوهام والخرافات والأدعات الباطلة والأيديولوجيات التي سادت اليمن منذ قرون كما يطرح كثيرون ؟ أم أنه يتعلق بادعاءات البطولة الزائفة والرجولة التي تزين بالسلاح الأبيض والناري المنتشر في الأوساط الشعبية بشكل لا مثيل له في التاريخ ولا في العالم ؟

أم أنها أطماع تجار الأسلحة وجشع أمراء الحروب الذي عرفاناه في حروبنا الأهلية كلها؟.

ربما أن هناك من سيقول إنه كل ذلك !

دعونا نؤكد على ما يلي:

- أن البلد يتطلب فترة ملائمة من الإستقرار ووضوح الرؤية لفترة لا تقل عن عشر سنوات قادمة بحيث يتوجب أن يتم إنجاز نجاحات عديدة في مجالات التنمية المختلفة وخصوصا في مجالات التنمية البشرية والبنية التحتية و المعرفة أيضا باعتبارها أساسا وحيدا في اقتصاديات المستقبل.

- يتطلب من الأحزاب الرائيسة في البلاد المشاركة في تحمل المسؤلية التنفيذية ، ويتوجب على تلك الأحزاب أن تعد وتهيء نفسها لتشارك في تحمل المسؤلية الوطنية في ظروف ليست عادية وليست جاذبة حيث قد يبدو بريق المعارضة والنقد من الخارج مثيرا ومغريا وجذابا أكثر كما هو الحال الآن.

-ويبدو أنه لن يكون هناك خلاف كبير بين الأحزاب حول ملاءمة برنامج الأخ الرئيس ليكون برنامجا مشتركا ...

-ودون افتئات على قدرات الدكتور/علي محمد مجور رئيس الحكومة الحالية المعروف بجدراته ونزاهته فإنه سيكون الشخصية الجديرة بقيادة حكومة تشارك فيها الأحزاب الرئيسية.

-خلال السنتين التاليتين ،وبتعجل أقل ، سيتم بحث مجالات الأصلاحات وأهمها بدائل هيكل النظام السياسي واختيار البديل الأنسب سواء النظام الرئاسي المطبق في الولايات المتحدة أو النظام البرلماني المطبق في أكثر بلدان العالم الديموقراطي وأشهرها بريطانيا ، وهناك من يتحدث عن نظام الجمعية المطبق في سويسرا باعتباره النطام الأمثل والأقل عرضة للفساد ، ولكن يتوجب مغادرة النطام المختلط المطبق في الكثير من الدول العربية ومنها اليمن ، حيث يبدو أنه ليس الوعاء الملائم والحاضنة الأنسب لتطور المؤسسية والديمقراطية في بلدان الوطن العربي ومن ذلك اليمن ، ويبدو أن ملاءمته لفرنسا يختص بفرنسا وحدها باعتبارها دولة متطورة في الأصل وصناعية و مترسخة فيها قيم الديمقراطية والمؤسسية والحرية ، ومعلوم أن النظام المختلط القائم الآن في فرنسا حديث العهد نسبيا في فرنسا نفسها حيث يرجع إلى عهد الجنرال ديجول .

وختاما فإنه سيظل الإستهداء بتجربة ماليزيا يغري كثيرا باعتبارها التجربة الأكثر نجاحا في عالمنا الإسلامي إن لم تكن هي التجربة الوحيدة الناجحة ، وكما قال الدكتور حاجي عبد الغفار: لقد حكم مهاتير ماليزيا من خلال ائتلاف واسع ضم أربعة عشر حزبا و استمر أكثر من عشرين عاما ، وقد حكم ماليزيا وهي بلد متعدد الأديان والأعراق وحقق نهضة شاملة منقطعة النظير ومكانة مرموقة لماليزيا لم تكن متوقعة بعد سلسلة من تجارب الفشل المرير والإضطرابات التي عصفت بالبلاد . وكما قال السيد عبد الله بدوي مؤخرا إن إدارة الحكم في بلد متنوع ومتعدد مسألة ليست يسيرة وهو تحد كبير ، لكننا أثبتنا أن ذلك ممكن جدا بل إن الإنجاز الباهر والنجاح الكبير مع ذلك وفي ظل ذلك ممكن أيضا ..ممكن جدا جدا !

وإن االأساس هو الإعتدال والتسامح والشراكة.

وفي حالتنا الراهنة وفي ظل الشراكة و الإعتدال والتسامح والتصميم والمصداقية والنزاهة والغيرة الوطنية والشرف الوطني فإن هناك أشياء كثيرة جدا سيكون أنجازها ممكن جدا .

  ،، والله من وراء القصد،،

علي أحمد العمراني عضو مجلس النواب