لماذا أعلن بشار الحرب على الأقليات في سوريا؟
بقلم/ دكتور/فيصل القاسم
نشر منذ: 3 سنوات و 10 أشهر و 30 يوماً
السبت 19 ديسمبر-كانون الأول 2020 07:35 م
 

يقف الاستحقاق الرئاسي في سوريا، اليوم، في ذروة وأولويات العمل والنشاط السياسي العام لعصابة البهرزي الحاكمة بالبلد المنكوب، وتتركز وتركّز معظم التحركات عليها، والاهتمامات بمعظمها تدور حولها. ومن هنا اعتبر كثير من المراقبين والمحللين أن لقاء بشار البهرزي بممثلي الكتلة الداخلية الإسلامية الرسمية هو انطلاق للحملة الدعائية الرسمية للبهرزي في السباق الرئاسي، وبداية إعلان للبرنامج الرئاسي، عبر التصريح العلني بالتحالف مع «الأغلبية» السنية في مواجهة الأقليات والعلمانيين واليساريين و«الملحدين» الذين اعتبرهم يقفون خلف الأحداث والحرب الأهلية الدامية بسوريا المستمرة لعشر سنوات، في تناقض صارخ مع خطابه وإعلامه الرسمي الذي دأب على تحميل «الإسلاميين» والمتطرفين، و«خريجي» الجوامع التي انطلقت منها شرارة الحرب.

و»بشار البهرزي» هو الاسم الجديد، والحقيقي، الذي انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي كانتشار النار في الهشيم في الأيام الماضية بعد أن تأكد السوريون أن العائلة الأسدية التي تحكم سوريا منذ حوالي نصف قرن بشعارات عروبية لا علاقة لها بالعروبة أو بالإسلام، ولا حتى بالعلويين، فهي من بلدة «بهرز» بين العراق وإيران ومن أصل كردي وتؤمن بالديانة الكاكائية حسب اعترافات، لا لبس فيها، للمقبور جميل الأسد الأخ الشقيق لحافظ الأسد أمام الرئيس العراقي السابق جلال طالباني. وهناك الآن حركة قوية داخل معاقل النظام السوري في الساحل بدأت تنبش أصل وفصل هذه العائلة وكبار الضباط «العليات» (مصفوفة كاملة حملت للصدفة اسم علي، وعلى رأسهم الكردي الجلاد علي دوبا مجهول الأصل والحسب والنسب وكنية دوبا ليست عربية) من المحسوبين على العلويين وهم ليسوا من العلويين، وارتكبوا مجازر و«فظـّعوا» حقيقة بحق شباب العلويين ومثقفيهم ونشطائهم وملؤوا المعتقلات التي غصت بهم في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. ويعكس ذلك حالة التململ الكبير الذي بدأ ينتاب شرائح مختلفة من العلويين في الساحل السوري. وقد أدرك كثيرون متأخرين أن العائلة التي ادعت أنها من أصول علوية لا علاقة لها بالعلويين مطلقاً، بل هي تاجرت بهم واستخدمتهم كوقود في حروبها ومشاريعها التي لا تمت لا للعلويين ولا للسوريين بصلة.

ويبدو أن هذه المعطيات الجديدة، قد ألقت بثقلها الكبير على رأس النظام البهرزي المجرم، وعصاباته التي تنسب نفسها للطائفة وتضرب بسيفها وترتكب الجرائم باسمها، وباتت تحكم وتتحكم -أي المعطيات- بسلوكياتهم، وخطابهم، بعدما بدا أن هناك عملية لفظ وتبرؤ حقيقي من قبل الطائفة العلوية من عصابة خانقين الشريرة إثر انكشاف أمرهم للجميع، وبات أن هناك ثمة اضطرارية وضرورة قصوى لاصطفاف جديد، وربما اكتساب «هوية» جديدة واستخراج بدل «ضائع» أو مفقود والتقدم بها للرأي العام، «هوية» تجد قبولاً لدى الغالبية العظمى من السوريين، مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي القادم، بعدما اتضح أن غالبية العلويين لن يصوتوا له بعدما أذاقهم الذل والهوان والجوع والإفقار، وصارت لقمة الخبز بحسرتهم وحلماً بعيد المنال يتدافعون آناء الليل وأطراف النهار للحصول على رغيف منه رغم أنهم قدموا فلذات أكبادهم وزهرات شبابهم على مذبح عصابة خانقين الكاكائية الشريرة. لقد كان لقاء بشار البهرزي بوعاظ السلطان نوعاً من الاعتراف والإقرار بعدم انتسابه وتبعيته للطائفة العلوية، ومحاولة واضحة منه لتقديم نفسه كداعية وشيخ «سني» يعظ بالفقه، ويكفـّر الأقليات، ويعلن براءته منها، وأنه «سني» الهوى والتوجه، وها هو يقدم أوراق اعتماده أمام تلك الثلة من تجار الأديان ومشعوذي البلاط البهرزي.

وبعد أن بدأ بشار وعصابته البهرزية يشعر بالقلق من سحب البساط من تحته وتحت عائلته علوياً بعد انفضاح أصوله، أخذ يعزف النغمات القديمة التي أصبحت مثاراً للسخرية والتهكم لدى السوريين والعرب. عاد بشار في لقائه الأخير مع جماعة الأوقاف ليخطب ود الإسلاميين والقوميين بتمجيد العروبة والإسلام على اعتبار أنه وأباه وحزبه القومجي من رعاة هذه النزعة القومجية الممجوجة التي تاجروا وضحكوا بها على السوريين والعرب لحوالي خمسين عاماً. وهذا يذكرنا بما فعله صدام حسين عندما بدأ يفقد قاعدته الشعبية في العراق، فكتب على العلم العراقي عبارة «الله أكبر» مع العلم أنه كان يعتبر دستور الحزب أهم من كل الكتب الدينية. فجأة راح بشار أمام حشد من شيوخ الدين الذين جمعهم له المتعهد الإسلاموي وزير الأوقاف، راح يتغنى بأصول سوريا العربية والإسلامية، مما يوحي قطعاً بأنه بات يخشى من الاسم الجديد الذي بدأ الناس يصفونه به وهو بشار البهرزي. لكن الأهم من ذلك في خطابه العربجي والقومجي والإسلامجي الجديد أنه بدأ يستميل الأكثرية الإسلامية في سوريا التي شرد ثلاثة أرباعها ودمر مدنها وقراها استباقاً للانتخابات المقبلة التي ستكون هذه المرة تحت رعاية دولية ولن يكون بمقدور أجهزة مخابراته ان تفبرك وتزور النتائج قبل إجراء الانتخابات بأشهر كما كانت تفعل منذ خمسة عقود.

لقد تفاجأ كثيرون عندما سمعوا البهرزي وهو يتسول رضا الإسلاميين بعد أن كان يصفهم على مدى عشر سنوات من عمر الانتفاضة السورية بالدواعش والتكفيريين والإرهابيين والعرعوريين. فجأة يعترف بشار بأن الذي بدأ وقاد المظاهرات التي طالبت بإسقاط نظامه لم يكن الإسلاميين، بل العلمانيون واليساريون وجماعة الأقليات غير الإسلامية، مما أثار عاصفة غير مسبوقة في أوساط حلفائه القدامى، وخاصة الأقليات التي كان يدعى على مدى عقود بأنه يحميها من خطر الأكثرية السنية. فجأة صار العلوي والدرزي والإسماعيلي والمسيحي في سوريا متهمين بالثورة على النظام، بينما صار المسلمون حملاناً وديعة ويشكلون ثقافة سوريا وقاعدتها الشعبية حسب بشار البهرزي.

إنه الآن يلعب لعبة أخرى لإعادة تفخيخ المجتمع السوري، وهذه المرة بالاصطفاف مع الإسلاميين ضد الأقليات، وكأن يدق اسفيناً آخر لتمزيق السوريين وتشتيت شملهم خدمة لمشغليه المعروفين. ونحن نقول: مغفل وابن ستين ألف مغفل من يثق بالبهرزي الذي لا يهمه من سوريا سوى ضرب مكوناتها بعضها ببعض كي يعيش فترة أطول على تناقضاتها. أيها الإسلاميون في سوريا: هل ستنسون ما فعل بكم النظام الفاشي منذ أيام الهالك حافظ؟ لا يغيب عن فطنتكم أن بشار البهرزي يحاول أن يدغدغ مشاعركم ويضحك عليكم بعدما فعل بكم الأفاعيل كي تدعموه في الانتخابات القادمة، على اعتبار أن العلويين في جيبه الصغير ولا يحتاجون دغدغة. فهل انطلت عليكم لعبته القذرة المفضوحة والسخيفة؟

لقد قام نظام آل البهرزي على الغدر عندما غدر مؤسسه حافظ البهرزي برفاق دربه الذين استحضروه من القرداحة حيث كان يصلي «الدبق» ليصطاد الطيور البرية ويؤمن لقمة عيشه وتمسكن حتى تمكن وانقض على أولياء نعمته بليل وأودعهم السجون حتى ماتوا قهراً ومرضاً بها وعلى رأسهم صلاح جديد، الذي لم يكن سجنه لمجرد خلاف سياسي قدر ما تقف عوامل شخصية و«أخلاقية» أخرى وراءه. وها هو الوريث لا «يكذب خبراً» ويمضي في مسيرة الغدر فبعدما ضحى بـ 400 ألف شاب من زهرة ونخبة أبناء الطائفة من أجل عرشه الذليل، ها هو يغدر بهم بعدما شعر بالحاجة لأصوات الغالبية السنية في استحقاق الانتخابات الرئاسية القادمة، وأما هؤلاء العلويون المغلوب على أمرهم وبعدما اكتشفوا أنهم قدموا أبناءهم من أجل مهاجر كاكائي بهرزي، فيحنون أيديهم ويلعنون حظوظهم وعوضهم على الله، شربوا المقلب، أكلهم لحماً ورماهم عظماً.

فهل ستنجح لعبة وخديعة ابن البهرزي، مع السوريين، مرة أخرى، ومن جديد؟