إشكاليات من واقع الثورة المأزومة بدون كيشوت
بقلم/ د. بسام الأصبحي
نشر منذ: 12 سنة و شهر و يوم واحد
الثلاثاء 16 أكتوبر-تشرين الأول 2012 04:19 م

قد يلحظ البعض من قراء الأسطُر التالية أن هُناك تحامل و إستهجان و رفض أحياناً لما جاء في المقالة التأريخية للدكتور ياسين سعيد نُعمان الذي أُكن لهُ شخصياً كُل المحبة و التقدير و أكاد أُجزِم أن هذا الرجل هو المرجعية المؤتمنه للثورة التي عِمادها الشباب حتى تحقيق أهدافها , والمُتوقف على مدى قُدرتهم على التشخيص الدقيق و قراءة الرسائل المُشفرة بين ثنايا أحرُف النور التي يرسمها هذا المرجع , فأرجوا أن لا تستعجلوا في إصدار الأحكام ففي النهاية هذه المقالة ليست موقف من هذا الرجل .

" فالفكرة الكُبرى ذات البُعد الإنساني إذا لم تمتلك مقومات الإقناع و التغيير من داخلها و بأدواتها الذاتية "

أُنهي هذا الإقتباس من مطلع المقالة الأخيرة لإُستاذنا الكبير الدكتور ياسين سعيد نُعمان إشكاليات من واقع ثورة الفرصة الأخيرة , حيث أن تكملة الإقتباس السابق جعلهُ كمُبتداء ينقصه الخبر , فعلى ما يبدوا تُركت دون تكملة لإن التكملة المنطقية التي تتزن مع هذا الإقتباس ستكون على النحو التالي " أن الفكرة الكُبرى ذات البُعد الإنساني إذا لم تمتلك مقومات الإقناع و التغيير من داخلها و بأدواتها الذاتية تُصبح القوى و الشخوص التي تقف خلف هذه الفكرة مُجرد أدوات نفاق تستغل آلام الناس و أحلامهم و تمتطي تضحيات الملايين لتحقيق مصالح دنيئة لهذا الطرف أو ذاك لطالما كانت و ستظل على هذه الشاكلة " .

لم أشعر قط بأن حالة الحِراك في الساحة اليمنية مُنذُ عام و نيْف ليس بثورة شعب , لإنها إختطت النهج السلمي عنواناً مرحلياً و مستقبلياً على الرغم من همجية النظام التي قامت ضده و الذي لم يوجد لهُ مثيل على مر العصور من حيث العبثية في إدارة الدوله وظُلم مواطنيها و إهدار ثرواتها و إقصاء كفائتها لِحساب ثُله من الجهلة و المنتفعين , فهي أول دوله في التأريخ المعاصر تُحكم من قبل شخص أجوف الفِكر و العقيده و الإنتماء الوطني لا يمتلك أدنى مقومات الأمانه على مصير الأمه , إستعان باسواء نماذج المجتمع في إدارة غنيمه و ليس دوله , إلى درجه أفرغت اليمن تقريباً من الحاله المُجتمعيه و تحويلها إلى حالة اللامُجتمع بإستراتيجيه ممنهجه هدفها هدم لَبِنْات الدولة التي وضعتها الحركة الوطنية منذ عام 62 , إلى أن قرأت الإقتباس السابق للدكتور ياسين الذي دفعني إلى مُحاولة إيجاد تكملة منطقية تتزن معه , فمن خِلال مُراجعة سريعة لمُجمل الأحداث و المواقف المسؤولة عنها الجهة أو القوى السياسيه المعنيه بهذا الطرح , سنجد أن هذة القوى ليست معذورة بل تتحمل تبعات خطايا جسيمة إقترفتها في عدة محطات أساسية مُتداخلة في المسيرة الثورية تؤكد تكملة الإقتباس الذي إقترحتهُ أنفاً الذي يوصف حقيقة و طبيعة القوى التي يُفترض أنها تقف خلف الفكرة الكُبرى ذات البُعد الإنساني و المُتسلطه على هذه الفكرة الكُبرى ( ثورة شعب مقهور يصبوا نحو إستعادة آدميته المسلوبة ) .

الدون كيشوتية هي من وضعت الثورة بين فكي كماشة .

ونُتابع في ذات المقالة للدكتور ياسين الذي شن حملة عنيفة على شباب الثورة الأحرار مُتخذاً من شباب قاصرين سياسياً أنداد سياسيين بوصفه إياهم بالدونكيشوتية ( دون كيشوت ) , و نحن نفهم الدونكيشوتية بأنها حالة من الفصام التي يتصف بِها غالباً من يدعي بطولات وهمية و ينسب إلى نفسه إنجازات في الخيال تتنافى مع إمكانياته و قدراته المحدودة , فإذا كان يُؤخذ على قسم كبير من شباب الثورة إعتراضهم و رفضهم للمسار السياسي الذي رضخت لهُ المُعارضة السياسية و هذا المسار السياسي لم يكن ناجم عن رؤية سياسية لديها بل لأنها تجسيد لمُبادرة المخلوع الذي سارع إلى الإستنجاد بالسفير الأمريكي من أجل نقل السُلطة و الحصانة بعد جمعة الكرامة و بإعتراف الدكتور ياسين في الفقرة الثانية من مقالته , وهي تحديداً المسار السياسي الذي نحن فيه الأن و الذي نرتضيه بالمناسبة و نرفض الإلتفاف علية من أي طرف كان , فإذا كان هذا المسار السياسي قد أقرته المعارضة للمخلوع في 23 مارس 2011 كسقف لا تستطيع تجاوزه لأسباب عديدة أهمها أن قرارها و قرار الحاكم بيد الوصي عليهما , أما أن يكون المسار السياسي للمعارضة إستطاع حماية الثورة السلمية و كشف الطابع القمعي للنظام , فهو و اللهُ أعلم بِحد ذاته ما سيُضحك وسيُبكي الدون كيشوت , فهل العالم يجهل همجية و قمع هذا النظام الذي دشن وجودة بألاف الشهداء و المُغيبيين من إخواننا الناصرين , ألا يعلم الإنس و الجِن حجم الجرائم التي إرتكبها هذا النظام في كُل شِبر من أرض الوطن بدأً من المناطق الوسطى فالجنوب فالشمال .

فالسؤال الكبير الذي يحتاج لإجابة مُقنعه لأولياء دم الشهداء الأصحاب الحقيقيون للفكرة الكُبرى ذات البُعد الإنساني, هو لماذا تم التصعيد بأكثر من ألفين شهيد طاهر من قِبل المُعارضة القائد الفعلي للثورة المُتصدره المشهد الثوري كما ذكر الدكتور في مقالة؟

فلا أجد إجابة مُقنعه سوى أنهُ إما أن الطاغية لم يرتوي من الدماء التي سُفكت فكان لِزاماً على المُعارضة المُحنكه رفده بأضاحي تشفي غليلة بحيث يرحل و قد طابت نفسه , أو أتوقع أن يرد الدون كيشوت على القول بأن المعارضة كشفت الطابع القمعي للنظام , بأن تصعيدها بآلاف الشهداء ما هو إلا مُحاولة من المعارضة الرشيدة لتحسين شروط التفاوض على الصيغة السياسية التي شعرت أنها إستعجلت في الموافقة عليها في 23 مارس .

أما سؤال سيادته عما إذا كان لدى شباب الثورة المُعترضين سابقاً على المسار السياسي للمعارضة , رؤية وطريق آخر بديل عن المسار السياسي المفروض على المُعارضة ؟

فالرد سيكون و بدون أدنى شك لا , يقولها شباب الثورة و بدون خجل لأنهم لم يكونوا على مُستوى من الوعي السياسي و لا يمتلكون الإمكانيات و القدرات التنظيمية التي تُؤهلهم لِإستثمار الزخم الثوري الناجم عن تضحياتهم وقبلها الشجاعة النوعية التي أبدوها في وجه الطاغوت بثباتهم في الساحات في وجه آلته القمعية من ناحية و ثباتهم وصمودهم في وجه عمليات الإختراقات التي كانت تستهدفهم كحركات ثورية مُستقله بهدف إحتوائهم و إفشال أي تكتل ثوري لا يخضع لإرادة القوى الضعيفة التي سخرت كافة جهودها و إمكانياتها لمنع تبللور قوة شبابية حُرة داخل الساحه يُمكن أن تبلور رؤية سياسية جديدة مُهددة لثقافة التخلف المُعشعشة في هذة الكيانات التي إستخدمت كافة وسائل الترغيب عبر شراء الذمم و الترهيب عبر القمع الجسدي والفكري للشباب الحُر , في تناغم نادر و متوقع مع ثقافة النِظام التي كانت تُمثل الركن الثاني فيه إلى جانب الحاكم .

فبعد المعرفة الحقيقية التي تشربها شباب الثورة خصوصاً معرفتهم بالقوى السياسية التي حكمت الثورة ولأنها كانت تدعي أنها هي صاحبة القرار في إنتهاج هذا المسار السياسي , هو ما دفع شباب الثورة لرفض المسار السياسي لهذه القوى السياسية لأنها غير مُؤتمنة على مُستقبل الوطن من واقع تجربتها داخل المُجتمع الثوري المُصغر ( الساحة ) خِلال عام و يزيد , أما و بعد أن إتضح لشباب الثورة أن المسار السياسي الحالي فرض حالة من توازن القوى الضعيفة ( نصفها مُجربة لمدة ثلاثة عقود و النصف الأخر تم تجربته خلال سنه أولى ثورة ) الأمر الذي إستدعى من هؤلاء الشباب تنفس الصُعداء , لإنهم أخيراً إقتنعوا بأن تحقيقهم النصر بمِفهومهم القاصر في ظِل تشخيص بسيط طفولي ساذج كان سيؤْدي بِهم إلى الإستقرار في حُضن العدو ( الخصم ) الذي ثارو علية (على إعتبار أن العدو الحقيقي المُستهدف بالتغيير هو السرطان الخبيث المُستشري في جسد الوطن ألا و هو ثقافة النِظام بِمعنى آخر هي الثقافة الطاردة بطبيعتها لقيم الحرية و العدل و التعايش و التسامح و إحترام الأخر التي أصبح مُعروف أتباعها و لا تنطبق على المخلوع ومن حوله فقط) .

وما نلمسه الأن من حالة تململ لدى هذة القوى و إعطائها إشارات تبعث على نوايا للإنقلاب على المُبادرة و حالة التوافق السياسي الحالية لإنها ليست مُستفيده من الوضع الحالي كما أنها ترى إستمرار حالة التوازن القائمه لا تخدم وجودها الإستراتيجي لإن التوازن القائم سيوفر بيئة خصبة (هي برأيي الفُرصة الأخيرة لإنجاح الثورة التي يقصدها الدكتور ياسين ) لنمو قوة سياسية رائدة فشلت هذة القوى خِلال سنه و نيف في وأْدها داخل الساحة , لا يُجاريها في هذا التوجه سِوى القتلة و المُجرمين المُتبقيين مع زعيم الغفلة من واقع إدراك هؤلاء أن مصيرهم معروف طال الزمن أم قصر.