الشباب وجدوى مشاركتهم في مؤتمر الحوار الوطني!
بقلم/ نصر طه مصطفى
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 11 يوماً
السبت 07 يوليو-تموز 2012 12:31 م

كسائر ثورات الربيع العربي بدأت الثورة الشعبية السلمية اليمنية شبابية بامتياز فلولا اندفاع الشباب بمختلف اتجاهاتهم مستقلين وحزبيين منذ اليوم التالي لسقوط الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي وخروجهم إلى الشارع ما كان يمكن أن نرى ربيعا ثوريا تغييريا في بلادنا، ولأن حسابات القوى السياسية دوما تختلف عن حسابات الشباب ما كان لقوى المعارضة أن تقرر النزول للشارع والانضمام للثورة لولا ضغط شبابها عليها، ولو أن هذه القوى - وتحديدا الإسلامية منها - قررت النزول للشارع ابتداء لربما لم يكن المواطنون سيتجاوبون معها لأن موقفها سيفسر داخليا وخارجيا كما لو أنه رفضا للعملية الديمقراطية القائمة رغم كل النواقص التي ظلت تشوبها طوال السنوات الماضية... والحال نفسه ينطبق بالطبع على تونس ومصر فالشباب كانوا الأداة الحقيقية لعملية التغيير فيما كانت قوى المعارضة بمختلف اتجاهاتها وفي مقدمتها الإسلاميون بثقلهم الشعبي السند القوي لاحقا لهذه الثورات وسر صمودها ونجاحها في تحقيق نتائجها التي انتهت بتغيير قادة جثموا على صدور شعوبهم لسنوات طويلة بوسائل وأساليب اختلفت من بلد لآخر، وفي اليمن مثلا لم تقرر أحزاب المعارضة النزول للشارع ودعم ثورة الشباب إلا بعد أكثر من شهر من أول انطلاقة لها في 15 يناير 2011م بعد أن أدركت أن نظام صالح لا يريد التجاوب لإنجاز أي إصلاحات حقيقية، وقد كان انضمام المعارضة للثورة الشبابية ضرورة لتجنيب اليمن الفوضى وتنظيم العمل الثوري وتوحيد جهوده وتنسيقها بين مختلف المحافظات.

وفي كل البلدان التي شهدت التغيير ترددت لاحقا نغمة واحدة من مخلفات الأنظمة التي سقطت وهي أن هذه الثورات قد سرقت من الشباب الذين ضحوا وقدموا الشهداء والجرحى والمعاقين فيما حصد الساسة نتائج تضحياتهم وباعوا الثورات من أجل الوصول للسلطة، وقد استخدم هذه اللغة الرئيس السابق علي عبدالله صالح بنفسه واستخدمها المرشح الرئاسي المصري الفريق أحمد شفيق في حملته الانتخابية للجولة الثانية، وذلك بغرض تعميق الاحتقانات التي حدثت في نفوس شباب الثورة المستقل والحزبي نتيجة إدراك بقايا الأنظمة السابقة أن الشباب لديهم قناعة كاملة أن ثوراتهم لم تحقق إلا بعض أهدافها التي كانوا يحلمون بها بسبب أن قوى المعارضة التي تلقفت الثورات وأسهمت فيها وقادت العملية السياسية المصاحبة واللاحقة لها قبلت بالحلول السياسية الجزئية التي أسقطت رؤوس الأنظمة السابقة وأبقت على أجسادها.

وفي اليمن تحديدا لا يمكن الجزم أن معظم الشباب الذي خرج للثورة سواء الحزبيين منهم أو المستقلين قد تأثروا بخطاب رأس النظام السابق أو وسائل إعلامه بخصوص سرقة ثورتهم فهم على هذا الصعيد كانوا ولازالوا أكثر تشددا في الموقف ضده من القوى السياسية التي وقفت مع الثورة وساندتهم وسعت لاحقا لتحقيق أهداف الثورة من خلال التسوية السياسية التي حدثت من خلال المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية تجسيدا لمبدأ سلمية الثورة، وفي الوقت نفسه فإن نسبة ليست قليلة منهم لم تكن راضية كل الرضا عن أداء القوى السياسية التي ساندتهم نتيجة أنهم لم يكونوا راضين عن بعض بنود المبادرة الخليجية كالحصانة وتقاسم الحكم مع المؤتمر الشعبي العام واستمرار مجلس النواب المنتهية ولايته واستمرار العديد من أفراد عائلة الرئيس السابق في مواقعهم القيادية وكانوا يرون أن الثورة تستلزم إنجاز تغيير جذري واستبعاد لكل الرموز التي كرست الفوضى وأجهضت سيادة القانون ودمرت هيبة الدولة ونشرت ومارست الفساد بكل صوره وأشكاله وحطمت الاقتصاد الوطني... لكن وكما هو معلوم فإن الشباب بطبيعتهم أقدر على التضحية وأكثر استعدادا لها من أجل تحقيق أهدافهم فيما تكون عادة حسابات القوى السياسية بقياداتها المجربة أكثر حذرا، ولذلك فإن هذه القوى التي ساندت ثورة الشباب قررت المضي في تسوية سلمية تجنب البلاد احتمالات الحرب الأهلية وتحفظ حياة شباب اليمن وتجنبه ويلات الصراعات المسلحة حتى لو كان الثمن (نصف انتصار للثورة) و(نصف هزيمة للنظام السابق) رغم استعداد شباب الثورة لتقديم المزيد من التضحيات من أجل الخلاص النهائي من حكم الرئيس صالح... وتغلبت وجهة نظر قوى المعارضة التي أصبحت شريكة في حكم البلاد، فانهمكت تماما كما يبدو في العملية السياسية وأهملت إلى حد ما وضع آليات واسعة الأفق شاملة الرؤية بعيدة المدى لاستمرار تواصلها كقوى سياسية مع الشباب الذي خرج للثورة ولازال كثير منهم في ساحات الحرية والتغيير في مختلف المحافظات واستيعاب وجهات نظرهم بمختلف مشاربهم السياسية وتوجهاتهم مستقلين أو حزبيين من أعضائها وبالذات في الفترة الراهنة التي تمضي فيها التحضيرات للحوار الوطني مما أدى إلى حدوث ثغرات دخل منها أنصار النظام السابق لدس السم في العسل والاصطياد في المياه العكرة كما حدث مؤخرا، وعمل فجوة كبيرة بين قادة أحزاب المشترك وشباب الثورة.

وفي تصوري أن تشتت ائتلافات ساحات الحرية والتغيير زادت المشهد تعقيدا وأصبح الحديث عن تمثيل الشباب في مؤتمر الحوار نوعا من استهلاك الوقت والعبث، وقد لاحظنا أن الجهود التي بذلت خلال الفترة الماضية من لجنة التواصل الحكومية المعنية أساسا بالتواصل مع الشباب ولجنة الاتصال الرئاسية التي سعت لمساعدتها لم تصل إلى نتيجة واضحة وأن كل تلك الجهود زادت مساحة الخلافات ولم تحصرها، خاصة مع رغبة حزب صالح مشاركة شبابه في الحوار وهو أمر غير مفهوم إذ أن آراءهم يمكن استيعابها ضمن التمثيل الذي سيحظى به الحزب في مؤتمر الحوار، ولا يعقل في ذات الوقت مساواتهم بالشباب الذي خرج للثورة وقدم الشهداء والجرحى والمعاقين والمعتقلين... ولذلك سيكون من المجدي والأفضل ألا يتحول موضوع تمثيل الشباب في مؤتمر الحوار الوطني إلى لغم يفجر التحضيرات الجارية لانعقاده، فمهما بذلت من جهود مخلصة وصادقة فسيستحيل تمثيل كل ائتلافات الساحات وهي بالعشرات بل وربما بالمئات سواء في اللجنة التحضيرية التي من المقرر إعلانها خلال الشهر الجاري أو في المؤتمر المقرر انعقاده خلال الشهور الثلاثة القادمة... وقد يكون من المفيد أكثر أن يعمل شباب الثورة الحزبي والمستقل على السواء على تنظيم ندوات ولقاءات تبدأ على مستوى كل مدينة حتى تنتهي بلقاء جامع على المستوى الوطني تخلص إليه كل الأفكار والتصورات التي تم بلورتها لتخرج برؤية موحدة أو شبه موحدة أو متقاربة تمثل وجهة نظر شباب الثورة اليمنية في مختلف القضايا التي ستطرح على مؤتمر الحوار الوطني كقضايا الجنوب وصعده والدستور بكل تفاصيله التي ستحدد شكل الدولة ونظامها السياسي ومؤسساتها المختلفة وسائر القضايا الوطنية... وهو خيار ممكن سيوحد كتلة الشباب ويجعل مخرجات الحوار الشبابي ورقة ضغط على القوى السياسية المشاركة في الحوار الوطني، لأن هذه القوى ستتمثل بالتأكيد بشخصيات على وشك أن تغرب شموسها إن لم تكن شموس بعضها قد غربت فعلا ويجري إنعاشها لتخرج مجددا، ومثل هذه الشخصيات التي لا غنى عن تجاربها المثمرة بالتأكيد لا يمكن تركها تنفرد بوضع رؤية لمستقبل لن تعيشه لأن هذا المستقبل هو ملك للجيل الذي خرج ثائرا مضحيا منجزا ما عجزت تلك القوى والشخصيات عن إنجازه طوال العقود الماضية... فكيف يمكن الجمع بين حكمة وتجارب الكبار وطموحات وآمال جيل الثورة؟ هذا ما يجب أن يتعاون الجميع من أجل الإجابة عليه...