النفوذ الإيراني في قطاع غزة
بقلم/ الجزيرة نت
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و يوم واحد
الأربعاء 15 فبراير-شباط 2012 05:53 م
 
 

يسعى كتاب "النفوذ الإيراني في قطاع غزة.. الشواهد والدلالات" للإجابة عن عدد من التساؤلات البحثية ومنها: لماذا تسعى إيران إلى امتلاك دور ونفوذ حقيقي في قطاع غزة؟ وكيف تنظر لهذه المنطقة؟ ومدى تأثير دورها فيها على واقعها الإقليمي والدولي؟ وإلى أي حد تدخلت في القطاع لتجيير هذا التدخل خدمة لمصالحها الإستراتيجية؟ وما هو طبيعة الدور الإيراني في القطاع على مختلف الأصعدة وأثره الواقعي، والعلاقة مع "إسرائيل"؟

ويحاول المؤلف، د. عدنان أبو عامر، للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها من خلال الحديث عن دوافع النفوذ الإيراني في غزة، وأوجه دعمه، والمواقف منه، ووجوه الاختلاف بين حماس وإيران.

التدخل الخارجي:

يؤكد الكتاب في الفصل الأول أن السنوات الأخيرة شهدت تناميًا للنفوذ الإيراني في المنطقة العربية عمومًا، وفي الأراضي الفلسطينية على وجه الخصوص، وبات يوصف بـ"التدخل الخارجي"، وشكَّل تحديات خطيرة لدوائر صنع القرار المحلي والإقليمي والدولي، بالتزامن مع تنامي حركات المقاومة الفلسطينية، مما يعني أن مد النفوذ الإيراني داخل قطاع غزة، ليس انفعالاً مؤقتًا، أو حماسًا زائدًا، أو مغامرة بلا حسابات للقوة المطلوبة في إدارة الصراع، كما لا يعني في نفس الوقت الانجرار إلى حرب ضد "إسرائيل".

ومنذ بدء اتضاح النفوذ الإيراني في القطاع، يرى المؤلف أن متغيرات عديدة تداخلت في أهدافه: كالتنافس مع قوى خارجية أخرى على استمالة قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، مع تراجع قوى عربية داعمة، ورفع وتيرة التدخل الخارجي لها في القضايا الإقليمية، واعتبارها المصدر الأساسي للـ"استقرار والتوتر" في المنطقة على حد سواء، والتغطية على الاختلافات المذهبية بين السنة والشيعة، وإدارة إيران لمعركة "برنامجها النووي"، مستخدمة كل الأوراق، بما فيها القضية الفلسطينية.

ويضيف: إن قراءة فاحصة في واقع النفوذ الإيراني في المنطقة، تشير إلى أنها لا تطمح لتوسيع مساحة أراضيها على حساب جيرانها فقط، بل تعمل على تقليص الخلافات الموجودة حاليًا ضمن العالم العربي؛ واستغلال ذلك لتوسيع نفوذها في البلدان المجاورة، بتمسكها بـ"ورقة" القضية الفلسطينية، ودعم المقاومة المسلحة ضد "إسرائيل"، بما يمنحها "شيكًا على بياض"، و"بوليصة تأمين" لدى الرأي العام الفلسطيني.

وفي ضوء أن إيران قوة إقليمية، تطمح لتكريس دورها ضمن النظام الراهن، فقد جعل ذلك من سياستها الخارجية ناشطة وطامحة وقائمة على عدة ركائز، كدعم الجماعات الفلسطينية المسلحة، لأسباب رمزية، و"ممتلكات" احتياطية، وصولاً منها لكسب ود الرأي العام العربي في سبيل تطويق عداوة الأنظمة العربية لها، وهي ركائز تتأثر كل منها بعدة عوامل تعزز قوتها، وترسم حدودًا لها في الوقت نفسه.

ويستند المؤلف إلى تقارير أمنية "إسرائيلية" وغربية، بالإضافة لبعض التقديرات العربية، ومنها الفلسطينية أن طهران تمول بشكل أساسي حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بميزانيات سنوية ثابتة، تقدر بمئات ملايين الدولارات، حيث يعتقد صناع القرار فيها أن الدعم المالي المقدم إلى غزة، من شأنه أن يجهض المحاولات الحثيثة التي تبذلها دول معسكر "الاعتدال العربي" ممثلة بمصر والسعودية والأردن والسلطة الفلسطينية، لإقناع حماس بجدوى السلام واتفاقيات أوسلو، تمهيدًا لتحقيق الهدف الأكبر والأهم، وهو التضييق على نفوذ إيران في المنطقة، و"تقليم" أظفارها الإقليمية، رغم علم حماس الوثيق بأنه "لا يوجد مال بدون ثمن"، بحيث يسعى من يدفع المال لأن يفعل، وألا يكون ماله المقدم بدون أثمان.

الدعم العسكري:

 

كما يمكن تحديد المساعدة العسكرية الإيرانية المقدمة لفصائل المقاومة الفلسطينية في تدريب مئات النشطاء على مختلف الوسائل والأساليب القتالية، وتهريب الوسائل القتالية، بما فيها صواريخ "غراد" التي يتم إطلاقها باتجاه المدن "الإسرائيلية"، وتأهيل ونقل العلم والمهارات التكنولوجية - التنفيذية لاستخدامهما في إنتاج وتطوير الوسائل القتالية التي تمتلكها، بما فيها توسيع الطاقة الفتاكة التي تحتوي عليها العبوات الناسفة الموضوعة على جانب الطرقات، وتوسيع نوعية الصواريخ المنطلقة تجاه المناطق "الإسرائيلية"، وتحسين قدراتها على تنفيذ عمليات ضد "إسرائيل".

إلى جانب تعزيز البنية التحتية العسكرية لها في غزة، وتطوير نسبة المناعة الموجودة لدى الفصائل، وقدرتها على الصمود أمام أي مواجهة مستقبلية مع "إسرائيل"، بإتقان نشطائها عبر هذه التدريبات لمهاراتهم القتالية، وممارسة التدريبات في مجال التكتيكات التي يتميز بها القتال الميداني، وكيفية تفعيل الوسائل القتالية، ويعودون إلى غزة، مكتسبين المهارات في المجالات التكنولوجية المتطورة، وإطلاق الصواريخ وتفعيل العبوات الناسفة والقناصة، وتكتيكات أخرى.

المثير هنا - كما يقول أبو عامر - المعلومات المشيرة إلى أن التدريبات العسكرية لمقاتلي حماس في طهران لم تعد تفيدهم كثيرًا، وأن الحرس الثوري لا يقدم لهم كل ما يرغبون به من تمرينات متقدمة وتأهيل متطور، يوازي ما يقدم لنظرائهم من "حزب الله"، مما يشير بصورة لا تقبل الشك، وكما كان متوقعًا في السابق، بأن النظرة الإيرانية لحماس بعيدة كليًّا عن اعتبارها ذراعًا عسكريًّا متقدمًا لها في المنطقة.

أما الدعم الإعلامي الإيراني نحو غزة، فقد اتخذ آفاقًا رحبة لم تقدمه مؤسسات الإعلام العربي، ومنحت مساحات واسعة في ساعات البث التلفزيوني وصفحات الصحف، مما دفع بـ"إسرائيل" لزيادة وتيرة تحريض السلطة الفلسطينية على حماس، بزعم أنها معنية بـ"مأسسة" علاقتها مع إيران، للسيطرة على مقاليد الأمور في الأراضي الفلسطينية بهذا الدعم، لأن هدف الحملات الإعلامية المتبادلة بينهما يتمثل بـ"نقل مسار الشر" إلى المنطقة.

بينما اجتهدت وسائل الإعلام الفلسطينية المقربة من طهران، كالتابعة للجهاد الإسلامي، بالابتعاد في تغطيتها الإعلامية عما يغضبها، حتى لو تعلق الأمر بخلافات إيرانية عربية، ودأبت على إبراز الجوانب "المضيئة" في سياساتها في المنطقة، لتقريبها من الرأي العام العربي والفلسطيني، وفق الكاتب.

 يشير الكاتب إلى نقطة حساسة يبتعد عن إثارتها الكثيرون، وتتعلق بانتشار ظاهرة التشيع في غزة، طارحًا جملة من التساؤلات: هل ما تريده إيران من العلاقة بحماس وباقي الفصائل، إشغالهم بالتحالف السياسي، وتمرير مخططات شيعية لتكون جسرًا للتشيع إلى فلسطين وقضيتها، دون أن يطلب منهم التشيع بذواتهم، كاشفًا النقاب عن رفض حماس عرضًا إيرانيًّا بتمويل إنشاء مستشفى في غزة، طلبت أن يكون باسم "الخميني".

وقد أثار نفوذ إيران في غزة الكثير من التساؤلات حول مدى العلاقة وطبيعتها مع القوى المسلحة، حيث ذهب البعض لاعتبار حماس ورقة ضغط بيد إيران، في حين رأى آخرون أن الأولى تحافظ على مسافة جيدة مع الجميع، وأجندتها ثابتة لا يحكمها منطق "التابع والمتبوع".

في ذات الوقت الذي لا تعتبر فيه زيارة قادتها الكبار لطهران حدثًا عابرًا يمكن تجاوزه بسهولة، بل تحرك ينتج موجة من القراءات والمواقف التي يتردد صداها طويلاً، وهكذا نال النفوذ الإيراني في غزة نصيبًا وافرًا من النقاشات وحالة الجدل التي عاشتها النخب الفلسطينية، الحاكمة والرسمية والفكرية، بين مؤيد ومعارض.

 

التشكيك والحذر:

في حين رأى الفريق الأول أن إيران قوة صاعدة في الشرق الأوسط، ويمكن من خلالها للفلسطينيين الحصول على مساعداتها لاستمرار المعركة ضد "إسرائيل"، مقابل ما تعيشه الولايات المتحدة من ضعف لتورطها في "الوحل العراقي والمستنقع الأفغاني"، وتعتقد بأن هنالك إمكانية لإنهاء العزلة الدولية، وانهيار "الحصار" الاقتصادي للدول الغربية، دون دفع أي "ثمن" على شكل المرونة الأيديولوجية والسياسية، فإن الفريق الثاني اعتبر النفوذ الإيراني في غزة مصدرًا فارسيًّا لتهديد العروبة، وخطرًا شيعيًّا للجماعة السنية، وإن كانت بأساليب "القوة الناعمة".

يختم المؤلف كتابه بفصل إجمالي يوضح فيه جوانب الخلافات بين إيران وحماس، مما يجعل من اتهامات الأخيرة بأنها ورقة بيدها تأتمر بأوامر الأولى، وهمية وتضليلية لغايات سياسية، مبرزًا عددًا من الاختلافات العديدة بينهما، أهمها: التباينات في علاقات حماس الإقليمية عما يربطها بإيران، لاسيما مع دول الخليج العربي، التي تربطها بحماس أواصر إيجابية، في حين تعيش حالة من التشكك والحذر الشديد مع طهران، وتبنى إعلام حماس سياسة مغايرة تمامًا عن سياسات وتوصيفات وتحليلات الإعلام الإيراني فيما يخص الشأنين العراقي والأفغاني، وعمليات المقاومة فيهما، بصورة تعزز الاختلاف الكبير بينهما بهذا الصدد، وإدانة حماس عمليات التهجير والقتل والاعتقال للفلسطينيين في العراق، وأشارت في غير موضع لانزعاجها الشديد من قيام أذرع إيرانية بذلك، وغيرها من الاختلافات والفروقات بينهما.

أخيرًا، يخرج الكتاب بخلاصة تتمثل بتصميم حماس التقليدي، وعزمها الأكيد على إعلان عدم خضوعها لسيطرة إيران، أو تقع في براثنها، حتى لو كانت حليفة لها، فطبيعة علاقتهما ليست "زواجًا كاثوليكيًّا" لا يمكن الانفصال عنه، بل تحالف مصالح، حيث تؤكد حماس على التزامها ببرامجها الوطنية القومية ذات الصبغة الإسلامية، وعدم توسيعها لدائرة جدول أعمالها، أو رسم أهداف جديدة.

وكل ذلك يشير إلى أن التفسير الأكثر إقناعًا في علاقتهما، يشير إلى أن حماس تتعاطى السياسة بذكاء حاد، ولديها ثوابت تعتبر رأسمالها، وبين يديها مجال واسع للمناورة تحت سقفها، فهناك مصالح يمكن أن تتقاطع مع هذا الطرف أو ذاك، وتستفيد من المعطيات المتوفرة، وتغتنم أي فرصة لاختراق حصار يفرضه أعداؤها عليها، وفي ذات الوقت تعرف أن للأطراف الأخرى مصالح، يجب أن تراعى ضمن مجال المناورة الذي تحدد سقفه سلفًا.

علاوة على ذلك، ومما لا شك فيه بأن التطورات الإقليمية الأخيرة ضمن "الربيع العربي"، ستكون عاملاً فاصلاً في طبيعة إعادة صياغة مفهوم العمق الإستراتيجي لحماس في المنطقة، وهنا يتبادر للذهن العمق العربي المتمثل بمصر، باعتبارها "الحاضنة الأم"، خاصة عند الأخذ بعين الاعتبار إمكانية ترؤس حركة الإخوان المسلمين "السنية" للنظام السياسي المصري.

المصدر: الجزيرة نت