الحوار الوطني ومشكلة التوافق الجنوبي
بقلم/ سلطان علي النويرة
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 21 يوماً
الأربعاء 05 سبتمبر-أيلول 2012 04:54 م

تطورات متعددة تعيشها الساحة الجنوبية في اليمن، تشير إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تصعيداً سياسياً على الأقل، لا يمكن فصله عن المرحلة الاستثنائية التي يعيشها اليمن عموماً ويبرز الاهتمام الدولي غير المسبوق بالقضية الجنوبية خصوصاً بعدما نجح الحراك الجنوبي في وضع مطلب الدولة الفيدرالية على طاولة البحث الجدي . وإن كان الوقت لا يزال مبكراً حيث والقيادات الجنوبية منقسمة بل ومتصارعة على من يحمل راية الزعامة وتم الإبتعاد عن المطالب المشروعة وحقوق الشعب اليمني في الجنوب الذي عانى كثيراً من ممارسات وتهميش النظام السابق له ولقضاياه .

معاناة اقتصادية نتج عنها أزمة في الهوية

ازدادت حالة الإحباط في الشارع اليمني بشكل عام وفي المحافظات الجنوبية بشكل خاص إزاء فشل النظام السابق في تحقيق التنمية وتضاعفت المعاناة المعيشية بسبب ارتفاع الأسعار وتدهور القيمة الفعلية للأجور والمرتبات ، وتخلي الدولة عن العديد من وظائفها الاجتماعية التي كان الأغلبية من الفقراء ومتوسطي الدخل في الجنوب يستفيدون منها قبل الوحدة ، وتحول الباقي منها كالتعليم والصحة إلى مجرد خدمات خالية المضمون أو برسوم تثقل كاهل المواطن ، وخاصة بعد أن تبنت دولة الوحدة نهج الاقتصاد الحر وتخلت الحكومة عن مبدأ توظيف المواطنين إلا وفق معايير الواسطة . وقد مثلت هذه الحالة المعيشية الصعبة الوقود الذي أدار حركة الاحتجاجات في المقام الأول ، ناهيك عن ما حصل من إشكالية وتهميش للمتقاعدين الجنوبيين المنسبين للجيش، وبالتالي أصبحت عند المواطن الجنوبي أزمة ثقة وأزمة هوية بنفس الوقت وأصبح يكره أن ينسب لشيء اسمه اليمن .

تحتاج المحافظات الجنوبية بكاملها بحاجة إلى جرعة تنموية اسعافية تعيد للناس توازنهم وقدرتهم على التفكير بشكل منطقي تجاه هويتهم وبلدهم ووطنهم في تلك المناطق هناك حالة من عدم الثقة إطلاقا لا بالدولة ولا برموزها ولا بالحركة الوطنية ولا بأحد ، حتى التنصل من شيئا اسمه اليمن سائدة بشكل واسع في المحافظات الجنوبية بسبب معاناة حقيقية ، أنا لا أتكلم عن القيادات السياسية التي تريد استغلال أوضاع الناس ولكن الواقع يقول هكذا ، لم تراعى ظروف هذه المحافظات أثناء توحيد الشطرين ، كان من المفترض اتخاذ إجراءات عميقة لضمان أن لا يتضرر مواطنون غالبيتهم كانت معتمدة على رواتب الدولة وفي الحياة المعيشية والتنموية وغيرها ، ليس هذا فحسب وإنما (تم ابتعاث لهم من يعقد معيشتهم وينهب أرضهم ويكرههم بشيء اسمه الانتماء والوطن )، هذا الأمر يستدعي الآن أن تولى المحافظات الجنوبية اهتمام خاص على الأقل خلال السنتين القادمتين لكي تؤمن للناس قدراً من معيشتهم وبالتالي يستطيعوا التفكير بشكل منطقي وعقلاني . عندما تناقش اياً من هؤلاء ابتداءً بالطفل الصغير وحتى الشباب يبدأ على التكلم عن هويته ويتهرب عن الحديث عن شيئا إسمه اليمن وإنما يتحدثوا عن جنوب عربي ورافضين أي حديث حتى الحوار في إطار المبادرة قليلون جداً هم المقتنعين فيه . إذن إعادة التوازن لهؤلاء يحتاج له اهتمام خاص بتلك المحافظات ، لا نقارنها بمحافظات اليمن الأخرى ، صحيح كل محافظات اليمن بائسة ، لكن إذا لم تحل القضية الجنوبية في سياق التحولات الجارية خلال السنة والنصف الباقية من المرحلة الانتقالية فإننا لن نخطو خطوة للأمام في عموم اليمن ، لأن المشاكل التي ستظهر هناك ستظل معيقة لأي تحرك في بقية اليمن ، هناك الآن في المحافظات الجنوبية تفكير بعواطف وردود أفعال تستغله القوى السياسية التي تؤيد فكرة فك الارتباط .

لقد أدى هذا إلى حصول حالة من الاغتراب الداخلي لدى أبنا محافظات الجنوب، فهم من ناحية ضحوا بكل ما كانوا يحصلون عليه إبان ما قبل 1990م من خدمات طبية وتعليمية مجانية ومن فرص عمل للجميع ومن أمن واستقرار وعدل اجتماعي نسبي، دون أن يكسبوا شيئا يستحق كل هذه التضحية بل إنهم يرون أراضيهم تنهب وحقوقهم تسلب ويتفرجون عليهم تفرج الأيتام على موائد اللئام.

قيادات مختلفة تبحث عن الزعامة

حراك متسارع تشهده عدن بانتظار توافق قد يطول (وقد لا يكون )حول رؤية موحدة للقضية الجنوبية في ظل الخلاف المستمر بين قيادات الحراك بشأن السبيل الأفضل لتحقيق مطلب الجنوبيين في استعادة ما يرونه سواء حقوق أو دولة كلاً حسب وجهة نظرة .

مستوى التفاؤل بتحقيق خرق في توحيد قوى الحراك ليس بالمرتفع. الخلافات بين النخب التي تتولى الإدارة السياسية للقضية الجنوبية لا تزال على حالها. القيادي في الحراك الجنوبي، يحيى غالب الشعيبي، يتحدث من بيروت بكل ثقة عن أن شعب الجنوب المؤيد لمطلب فك الارتباط هو أكبر تجمع سياسي في الجنوب ، ويقول الشعيبي ومناصروه انه من اجل الدخول في الحوار لا بد وأن تكون هناك مجموعة من الشروط ، ويأتي في مقدمة هذه الشروط أن يكون الحوار جنوبياً ــ شمالياً موضوعه القضية الجنوبية حصراً وليس من خلال مؤتمر الحوار الوطني الذي يعد له حالياً ليشمل مختلف القضايا ، وهذا ما يذهب إلية علي سالم البيض وأنصاره .

ويصنف أصحاب فك الارتباط أصحاب الرأي المؤيد للفدرالية، الذين تُحتمل مشاركتهم في الحوار، في خانة النخب المدعومة من دول إقليمه وليس الشعب، وهو ما ترفضه هذه القوى، مشددةً على أن ما تطرحه يهدف إلى استعادة دولة الجنوب وتحقيق إرادة الشعب، لكن في إطار مدروس. وتتحدث قيادات من هذا التيار مقيمة هي أيضاً في الخارج عن أنه ليس كل من يتبنى شعار استعادة الدولة يحق له التحدث باسم الجنوبيين، بالإشارة تحديداً الى الحسني والتيار المنتمي إليه الآن. وتذكّر هذه المصادر بأن الأخير وقف إلى جانب صالح في حرب 1994 التي أعيد بموجبها فرض الوحدة بالقوة، قبل أن ينشق عنه في عام 2005، وذلك بعدما فقد مصالحه مع النظام، وفقاً لهذه المصادر. كذلك تتحدث مصادر أخرى عن ضرورة عدم تجاهل أن ما يعانيه أبناء الجنوب اليوم هو نتيجة التفرد بقرار الدخول في الوحدة عام 1990 بحجة تمثيل الشعب ولكن من دون استشارت، ولا يجب تكرار ذلك السيناريو والقرار الفردي .

الرئيس السابق علي ناصر محمد والعطاس وغيرهم من القيادات الجنوبية أكدوا في اجتماعهم في القاهرة على الاستمرار في النضال السلمي وفق لخارطة طريق كان من أهم تلك البنود ، الاعتراف والقبول الصريح بحق شعب الجنوب في تقرير مصيرهم عبر( الوسائل الديمقراطية ) ، إعادة صياغة الدولة في دولة اتحادية فيدرالية يحمل اسم الدولة الجديدة المكونة من إقليمين شمالي وجنوبي . بمعنى أن هذا الفريق يرفض قيام دولتان تنفصلان عن بعض .

هذا الانقسام في الرؤى بين قيادات الحراك في الخارج، لا يختلف كثيراً عما يجري في الداخل بين القيادات الجنوبية. حيث أعلن خلال الشهور الماضية عن تأسيس تكتلات جديدة أبرزها التكتل الذي أنشأه العميد ناصر النوبة في يوليو الماضي والذي اسماه " الهيئة التنسيقية الجنوبية العليا " والتي قال بأن عدداً من مكونات الحراك والقوى السياسية الجنوبية الحاملة للقضية العادلة قد اتفقت على تأسيسها بهدف العمل على تحقيق إجماع وطني جنوبي يؤمن الوصول إلى الغاية المنشودة . غير أن القيادي في المجلس الأعلى للحراك الدكتور ناصر الخبجي حذر حينها من تعدد كيانات الحراك . وهناك القوى التي تتبع البيض مثل رئيس المجلس الأعلى للحراك السلمي حسن باعوم إلى جانب الحسني . في المقابل يعد محمد علي أحمد لمؤتمر آخر.

القوى الجنوبية وموقفها من الحوار الوطني

لم يأتي ذكر القضية الجنوبية والحراك في المبادرة الخليجية إلا في فقرتين – الأولى – تحت بند مؤتمر الحوار الوطني ، ونصها " مع بداية المرحلة الانتقالية يدعو الرئيس المنتخب وحكومة الوفاق الوطني إلى عقد مؤتمر حوار وطني شامل لكل القوى والفعاليات السياسية بما فيها الشباب والحراك الجنوبي والحوثيون وسائل الأحزاب وممثلون عن المجتمع المدني والقطاع النسائي ، - والثانية " يقف الحوار أمام القضية الجنوبية بما يفضي إلى حل وطني عادل لها يحفظ لليمن وحدته واستقراره وأمنه " .

والوقع أن كلتا الفقرتين لم ترض الكثير من مكونات الحراك الجنوبي والكثير من الشخصيات السياسية والاجتماعية في الجنوب ، حيث نظر هؤلاء إلى أن المبادرة الخليجية لم تعط القضية الجنوبية حقها من الاهتمام ولم تشر لها إلا ضمن فقرات عامة تخص الحوار الوطني ، فضلاً من أن الفقرة الثانية وضعت سقفاً مسبقاً للقضية الجنوبية عندما حصرت الحلول تحت سقف وحدة اليمن وأمنه واستقراره ، لذلك اعتبر الكثير من القادة الجنوبيين وعلى رأسهم علي سالم البيض الذي يطالب بفك الارتباط وبعض قوى الحراك أنهم غير معنيين بالحوار الوطني . كما اصدر المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير الجنوب بياناً انتقد فيه تركيز المبادرة على ما اسماه " مشكلة السلطة والمعارضة في الشمال " دون مراعاة لما اسماه " الاحتلال الشمالي للجنوب " .

وبالرغم من ذلك مازالت هناك قوى سياسية فاعلة ومعنية بالقضية الجنوبية تؤيد الحوار ، ولكن بشروط ، وفي مقدمة هذه القوى الحزب الاشتراكي اليمني الذي أصدرت أمانته العامة بياناً تضمن الدعوة إلى رئيس الجمهورية وحكومة الوفاق إلى اتخاذ جملة من القرارات المتصلة بالقضية الجنوبية من شأنها التمهيد لحوار وطني جاد ، وفي مقدمة هذه القرارات توجيه اعتذار رسمي لأبناء الجنوب لما لحق بهم من أضرار جراء السياسيات التي انتهجها النظام السابق بعد الحرب ، وهو ما قامت به اللجنة الفنية للحوار الوطني من إعلان الاعتذار الرسمي للجنوب وصعده ، كما صرح قادة جنوبيون آخرون تأييدهم للحوار إذا كان ذلك الحوار سيعيد الاعتبار للجنوبيين وقضيتهم ، بالإضافة إلى أن هناك تيارات أخرى تنظر إلى أن الحوار الوطني هو المخرج لحل عادل للقضية الجنوبية ويعتبر أمين عام الحراك الجنوبي عبدالله الناخبي من التيارات المعتدلة في الحراك الجنوبي .

القضية الجنوبية التحديات والمعالجات

تعد القضية الجنوبية من أصعب القضايا وأكثرها تعقيداً من بين كل القضايا المزمع مناقشتها في مؤتمر الحوار القادم ، والواقع أن ابرز التحديات التي تواجه القضية الجنوبية هو عدم وجود حامل سياسي شرعي ووحيد متفق علية بين أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية ، فالحراك الجنوبي منقسم على نفسه سواء في الداخل أو الخارج ، وتشهد مكوناته صراعاً مستمراً حول الزعامة والتمثيل ، فالحراك ما زال غيرا قادر على بلورة رؤية محددة وواضحة لمشروعة ورؤيته المستقبلية للقضية وآليات تحقيقها . فضلاً عن ذلك فإن الحراك الجنوبي وخصوصاً المنادي بفك الارتباط يعاني من عزلة إقليمية ودولية ، حيث تشير كل المعطيات إلى أن القوى الإقليمية والدولية غير مستعدة لخيار فك الارتباط ، لأنه كما ترى تلك القوى أن الانفصال سيضر بمصالحها في المنطقة ، ومن هنا كان دعما الواضح والصريح لوحدة اليمن .

حتى إيران التي تدور شكوك كثيرة حول دورها في الجنوب ، لا توجد لها مصلحة مباشرة في دعم خيار فك الارتباط ، وبالتالي فإن دورها يركز في الجنوب على دعم بعض قوى الحراك فيما يتعلق بإثارة المشاكل من اجل إعاقة المبادرة الخليجية بدعم القوى الرافضة لها من أنصار الحراك ناهيك عن التغطية الإعلامية المستمرة من قبل وسائل الإعلام التي تتبعها لفعاليات الحراك ، بمعنى أن هدف إيران هو التشويش على السعودية والأمريكان ومحاولة الابتزاز والمساومة في ملفات أخرى غير قضية صعده .

يمكن القول بأن هناك مدخلين رئيسيين قد يمثلان المقاربة والحل الأمثل للقضية الجنوبية – الأول – يتعلق بالجنوبيين أنفسهم ويتمثل في خوض حوار جنوبي داخلي بغرض توحيد مكوناتهم واختيار قادتهم وممثليهم ، ومن ثم وضع تصور شامل لرؤيتهم حول القضية الجنوبية ، والبحث في آليات وسبل تحقيقها . وهذا ما تسعى إلية بعض القوى في الجنوب إلى بلورته في اللحظة الراهنة .

أما الثاني – فيتعلق بمجموعة من الإجراءات والتدابير السياسية التي يمكن أن تقوم بها رئاسة الجمهورية وحكومة الوفاق الوطني من اجل إثبات حسن النوايا وتحفيز الجنوبيين على القدوم إلى طاولة الحوار بروح ايجابية ومنفتحة على كل الخيارات ، ومن بين هذه الإجراءات إصدار بيان أو إعلان سياسي في أسرع وقت خاص بالقضية الجنوبية يمثل توجهات رئيس الدولة وحكومة الوفاق حيال الأوضاع في الجنوب ، ويتضمن الالتزام الكامل بحل القضية الجنوبية وذلك في إطار الحوار الوطني حلاً عادلاً وبما يرضي الجنوبيين دون مصادرة حقهم في تقرير مصيرهم .

كلمة أخيرة

يستحق إخواننا في الجنوب الصراحة الكاملة بأن لا يعدهم القادة في الحراك بنتائج غير واقعية تشدد المواقف وتعرقل إيجاد الحلول وعلى القادة الجنوبيين أن يشرحوا للشعب اليمني في الجنوب أن المشاركة في الحوار الوطني هي الوسيلة الصحيحة لحل القضية الجنوبية وان شعب الجنوب سيجد في المجتمع الدولي ، والرئيس هادي والقيادات الشريفة في حكومة الوفاق – شريكا في تحقيق تطلعات الشعب الجنوبي المشروعة ولكن تحتاج هذه الشراكة الحضور إلى طاولة الحوار الوطني دونما شروط مسبقة . إن دخول الحراك الجنوبي بكل مكوناته في الحوار الوطني المرتقب امراً في غاية الأهمية ، بالتحديد في هذا الظرف واليمن تحت أنظار العالم لطرح القضية الجنوبية بشكل مدروس وعقلاني وبنظرة ثاقبة لا تأخذها العواطف والانفعالات الوقتية.

al-nwirh2@hotmail.com