مأرب في عين العاصفة...تحركات خطيرة ومريبة
بقلم/ انور العنسي
نشر منذ: يوم واحد و 35 دقيقة
الأحد 09 فبراير-شباط 2025 04:28 م

 

مارب برس- مجلة المجلة 

 

كأن لم تعد هنالك من خيارات لتجنُّب عودة الحرب في اليمن سوى الحرب نفسها، ولا فرص للسلام مع جماعة الحوثيين المرتبطة بقوة مع إيران عقائديا وسياسيا وعسكريا دون حرب فاصلة وحاسمة كما حدث في غزة وجنوب لبنان وسوريا، وربما قد يحدث ذلك على نحو مختلف أو مشابه مع الفصائل الشيعية في العراق.

ذلك ما يراه كثيرون، ليس فقط مناوئو هذه الجماعة داخل اليمن، ولكن أيضا خبراء ومراقبون في الإقليم والعالم.

ما الذي يحدث الآن؟

توشك الهدنة "الهشة" القائمة منذ أكثر من عامين في اليمن على الانهيار بعد سلسلة من التحركات العسكرية لجماعة "أنصار الله" الحوثية المتحالفة مع إيران، خصوصا في محيط مدينة مأرب الاستراتيجية الغنية، في مؤشر واضح على أن الجماعة التي تستمد أسباب بقائها من استمرار حروبها سواء مع الداخل أو الخارج.

وشملت تلك التحركات التي وصفتها مصادر عسكرية بـ"الخطيرة والمريبة" خلال الأيام القليلة المنصرمة، حملات تجنيد وتعبئة معنوية "جهادية" وحشدا للآلاف من مسلحيها، وحفرا للمزيد من الخنادق ومرابض المدفعية والدبابات، على سائر الجبهات والمحاور الجنوبية والغربية والشمالية لمارب مع قصف وهجمات بالطيران المسيّر، وذلك في محاولة للتحرش بالقوات الحكومية وجرها إلى جولة جديدة من الحرب، لا تحمد عقباها.

ما الأهمية الجيوسياسية لمأرب لدى الحوثيين؟

تمثل مأرب اليوم شوكة الميزان في الحرب أو السلام، فهي الرمزية التاريخية، أصل اليمن وفصله، عاصمة مملكة سبأ، فضلا عن غناها بالنفط والغاز والطاقة الكهربائية وبالمياه والأراضي الخصبة الصالحة للزراعة، بل هي كذلك تمثل قبليا واجتماعيا "بطن الغزالة" بالنسبة لشرق وجنوب اليمن، وامتدادات "للقبيلة" حتى السعودية والإمارات إلى الكويت.

وإقليميا، وضع مأرب اليوم لا يحتمل المساس بأمنه واستقراره، فهي التي تحتضن الآن قرابة ثلاثة ملايين إنسان نزحوا إليها من سائر مناطق البلاد على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم، وذلك بعد أن كانت، قبل انفجار الصراع المسلح في اليمن عام 2015، مجرد "بلدة" أثرية نائية ومُهْمَلة، ولا يزيد عدد سكانها، في أفضل حال على 35 ألف نسمة.

وقد ابتكرت مأرب في زمن الحرب نموذجا في السلم الأهلي والتعايش الاجتماعي، جاذبا للاستثمارات المحلية في شتى المجالات، حيث أنشأت جامعة "سبأ" التي تضم كثيرا من الكليات التطبيقية البالغ عدد طلابها ما يزيد على 19 ألف طالب وطالبة.

  

ما دوافع الحوثيين للتصعيد؟

بعد اشتداد عزلتها الداخلية والخارجية تشعر جماعة الحوثيين بقلق شديد مع اقتراب العمل بالأمر التنفيذي للرئيس الأميركي دونالد ترمب، للتعامل معها كـ"منظمة إرهابية أجنبية" على أكثر من مستوى سياسي وعسكري وأمني واستخباراتي بما قد يترتب على ذلك من إجراءات مشددة، وحتى عسكرية خارج القانون الدولي والإنساني يصل حد الإضرار بالسيادة الوطنية والمصالح العليا لغالبية اليمنيين.

ويرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية والعنف السياسي، مراد بطل شيشاني، أن خطورة تصنيف الجماعات الدينية المسلحة "تمنح الولايات المتحدة وغيرها مبررا للهجوم من ناحية، وإيجاد قنوات اتصال خلفية للتفاوض في الوقت ذاته"، وفق رأيه.

استراتيجيات حرب الحوثي

خلال جولات الحرب السابقة حول مأرب وغيرها اعتمدت الحروب "الحوثية" على نظريات أو خطط الحرب التي خاضتها إيران مع العراق في ثمانينات القرن الماضي.

وتمثلت تلك الاستراتيجيات بالدفع بآلاف المجندين الشباب غير المدربين إلى محارق الموت بهدف استنزاف الخصوم وإرهاقهم، ومن ثم الدفع بالمقاتلين المحترفين لحسم معاركهم التي باءت كلها بالهزيمة والفشل في حرب إيران مع عراق صدام حسين، وهي اليوم مرشحة لملاقاة المصير نفسه مع مأرب، حيث لا يريد الحوثيون أن يعرفوا أن خصومهم في مأرب وسواها اليوم غيرهم بالأمس.

وقد أفادت تقارير لوسائل إعلام محلية بأن "القوات الحكومية في محافظة مأرب، تمكنت من إفشال هجمات عدة حاولت من خلالها الميليشيا الحوثية التقدم باتجاه مواقع للقوات المسلحة". وأن فرق "الاستطلاع والاستخبارات التابعة للقوات المسلحة التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا رصدت تحركات للميليشيات الحوثية واستمرارها في شق طرقات واستحداث تحصينات ومواقع في جبهات قتالية متفرقة".

يفسر العميد ركن خالد القارني، مسؤول ركن توجيه العمليات المشتركة، تحركات الحوثيين العسكرية الأخيرة بأنها ترتبط بعوامل رئيسة لها تأثير مباشر في المشهد الإقليمي، آخرها "تسلم الإدارة الأميركية الجديدة للسلطة، وما تبع ذلك من إجراءات صارمة ضدها بما يترتب عليه من تداعيات سياسية وعسكرية، الأمر الذي يدفع هذه الميليشيات إلى إعادة تموضعها وفقا للمعطيات الجديدة".

ويرى الخبير والباحث العسكري خالد القارني أن "توقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة يعني- وفقا لحسابات هذه الميليشيات- انتفاء "مبررات مهاجمة إسرائيل في هذه المرحلة، الأمر الذي قد يؤدي إلى إعادة توجيه أنشطتها أو تعديل استراتيجياتها بناء على التطورات الميدانية والسياسية".

لكن الأهم من كل ذلك في نظر القارني هي "دوافع البقاء والاعتراف بشرعيتها في حكم اليمن وليس لديها في هذا الجانب غير خيار استمرار الحرب والمواجهات".

 

توجس وانعدام يقين

في إجابته على سؤال لـ"المجلة" في هذا الشأن، قال السياسي والبرلماني اليمني ومحافظ تعز السابق، علي المعمري: "من الواضح أن الحوثي يتوقع تحركات عسكرية، وهناك رسائل متعددة تصله عبر زيادة وتيرة الاجتماعات بين قيادات عسكرية يمنية وكذلك أميركية، ودعوات متعددة لاستغلال ما حدث في سوريا ولبنان من أجل عمل عسكري، فهو قد يحتاط لأي احتمالات، وربما يريد الحوثي أن يبعث برسالة مفادها أنني لست كباقي الأطراف في المنطقة، وقد تدفعه إيران للقيام بتصرفات عسكرية في محاولة لنقل معركتها المتوقعة إلى منطقة بعيدة مثل اليمن". لذلك لا يزال الخيار العسكري في رأي المعمري وغيره من الساسة اليمنيين وحتى العرب "مطروحا على الطاولة، بل هو أكثر احتمالا منه قبل عام مثلا، لكن أيضا لا يمكن الجزم بشيء في الوقت الراهن"، على حد قول السياسي اليمني.

ويحتفظ الخصوم الغربيون لإيران ومعها الحوثيون لما يعتبرونه "تصفية حساب مؤجل" مع طهران وبقية أذرعها في اليمن والعراق.

وتتوقع صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن يتم ذلك من خلال "فرض حصار بحري أكثر تشديدا، وعبر تعاون مع وكالات استخبارات دولية، والتخطيط لمعركة فاصلة قبل التوجه نحو طهران".

  

مجندون جدد في صفوف الحوثيين خلال مسيرة شعبية في محافظة عمران اليمنية في 20 ديسمبر 2023

حقائق عن مأرب

ما لا يريد الحوثيون معرفته عن مأرب، رغم طول تربصهم بها، أنها مختلفة عنهم ثقافيا منذ ما قبل الإسلام، ومذهبيا من بعده إلى اليوم، ولا يمكنها أن تكون، اجتماعيا، بيئة حاضنة لهم حتى لو استطاعت هذه الجماعة تجنيد بعض رجال القبائل البسطاء الذين استولت على قراهم الفقيرة ومناطقهم القاحلة في محيط مأرب.

ويقول الصحافي والناشط السياسي عبدالله أبو سعد، ناصحا لهؤلاء: "قبائل ‫مرادو‫بني عبديؤكدون المؤكد، وهو مساندتهم للجيش الوطني في معركة استعادة الدولة والعودة إلى الديار، مشددين على عدم الانتقام والثأر بينهم وبين إخوانهم من أبناء القبائل الذين تحشدهم الميليشيات الحوثية إلى الجبهات ورفض المحاولات الحوثية لشق الصف الماربي".

وفي عام 2021، شن الحوثيون بدعم مشترك من قبل إيران و"حزب الله" اللبناني هجوما واسعا على مأرب، وأكد حينها زعيم "حزب الله" حسن نصرالله، أن "الهجوم على مأرب سيستمر، وأن تداعيات معركة مأرب ستكون كبيرة جدا في اليمن والمنطقة"، مشيرا إلى أن إيران رفضت إيقاف الحرب في اليمن، لكن ذلك الهجوم سرعان ما انكسر أمام صلابة المقاومة العسكرية والشعبية ومؤازرة قوات التحالف العربي بقيادة السعودية.

وفي التحليل النهائي، يجمع مهتمون كثر على أن "محرقة" جديدة قد تنتظر الحوثيين إذا قررت طهران الزج بهم في مغامرة عسكرية، خصوصا في جبهة مأرب.

وبقليل من الاستقراء والتحليل، وليس الكثير من الذكاء، يمكن ملاحظة أن الحوثيين كآخر ذراع لإيران في المنطقة يعانون من حالة "انكشاف وخوف" كغيرهم من أضلاع ما سُمَّي "محور المقاومة" التي جرى ويجري كسرها في دول مشلولة وفاشلة، ولا يبدو أن الحوثيين لن يلقوا مصيرا مماثلا.

  

أخطر ما يقلق الحوثيين اليوم، أكثر من سواهم من تلك الأضلاع أنهم لا يعرفون من أين يمكن أن تتم مباغتتهم بعمل عسكري أو غيره، سواءٌ بتدخل دولي أو إقليمي، أو بانتفاضة شعبية من الداخل، وربما يكون وقود هذه "المعركة" هو الاحتقان المستعر داخليا، نتيجة- في نظر كثير من اليمنيين- لما وقعت فيه هذه الجماعة من أخطاء، ليس أولها "الانقلاب" على الإجماع الوطني وإسقاط البلاد في أتون نزاع مسلح أحرق أخضر البلاد ويابسها وتسبب في مقتل أكثر من ثلث مليون يمني ونزوح وتشريد ملايين أخرى من أبناء اليمن، وتجريف كل مقومات الحياة من صحة وتعليم ومن خدمات أساسية، ولم يكن آخرها التورط في حرب أوسع إقليميا ودوليا، ليس لخدمة مصلحة يمنية وطنية أو قومية عربية إسلامية، بل لتنفيذ أجندة خارجية، وتحديدا إيرانية.