لا تلوموا المظلوم على الشماتة بظالمه
بقلم/ إحسان الفقيه
نشر منذ: 5 ساعات و 30 دقيقة
الإثنين 13 يناير-كانون الثاني 2025 05:39 م
 

«كما لو أن قنبلة ذرية أُلقيت على هذه المناطق»، بذا وصف روبرت لونا عمدة مقاطعة لوس أنجليس، الحرائق الهائلة التي اندلعت في المقاطعة وخلفت دمارا وخسائر مهولة، ولا تزال خارج نطاق السيطرة.

الحرائق التي نشبت في المقاطعة التابعة لولاية كاليفورنيا على مدى أكثر من خمسة أيام، تواطأت فيها الرياح والنار بشكل يفوق القدرة على الاستيعاب، في واحدة من أكبر الكوارث الطبيعية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.

 

لسنا شياطين إذ نفرح ونشمت بمصاب العدو الأمريكي، بل نحن مكلومون، مظلومون، لا حيلة لنا في دفع هذا الظلم عن إخواننا في غزة، وحق لنا أن نفرح بما يصيب أعداء هذه الأمة

 

في عالمنا العربي، انقسم الناس إزاء هذا الحدث الجلل إلى فريقين، الأول ربط بين ما حدث في أمريكا، والمأساة التي تعيشها غزة منذ أكثر من خمسة عشر شهرا، بسبب القصف والدمار الذي تلحقه القوة الصهيونية الغاشمة بأهل القطاع بأسلحة وذخائر أمريكية. أصحاب هذا الاتجاه اعتبروه عقابا إلهيا طال الولايات المتحدة، الداعم والراعي الرسمي الأول والأكبر للكيان الإسرائيلي، الذي يمثل للكيان رافدا أساسيا للبقاء. كما اعتبروه آية من آيات الله، كانت ردا على تصريح دونالد ترامب الخطير، الذي هدد خلاله بتحويل المنطقة إلى جحيم، حال عدم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في غزة قبل توقيت تسلمه للسلطة.

لم تقتصر هذه النظرة على علماء ودعاة الشريعة من العرب، بل امتدت لتصبغ آراء سياسيين ورجال اقتصاد ومثقفين، رأوا أن هذه الحرائق تعبر عن العدالة الإلهية. هناك فريق آخر من العرب، انتقد هذه النظرة للحدث، واعتبروها نوعا من ظلامية التفكير والجهل والتخلف، معللين ذلك بأن هناك أسبابا علمية أدت إلى ذلك، مشككين في كونه انتقاما إلهيا، لأنه لم يطل الصهاينة أنفسهم الذين يحرقون غزة بشكل مباشر، مع أنهم هم الأولى بالانتقام الإلهي، على حد قولهم.

كلا الفريقين لا يُلام على وجهة نظره، فكلاهما يرى الحدث ويفسره بما تمليه عليه ثقافته وتوجهه الفكري، لكن الذي يلام بالفعل، هو الفريق الذي ارتدى أصحابه ثوب الإنسانية الانتقائي، وراحوا ينتقدون أهل غزة المظلومين – وكل من يدمي قلبه لمآساتهم ـ في فرحتهم بما أصاب الولايات المتحدة التي يُقتلون بصواريخها وقذائفها أمريكية الصنع. هؤلاء الانتقائيون في مشاعر الإنسانية، اعتبروا هذه الشماتة في مصائب أمريكا عملا غير إنساني، وقالوا، ينبغي عدم الشماتة في الكوارث التي تصيب أي أحد كائنا من كان. الذين يطالبون المظلوم بأن يكون بهذه المثالية غالبا لا يقيمون وزنا لمعاناة أهل غزة، وما أدراهم بما يحدث في غزة. غزة التي تحولت إلى ركام وأنقاض، دمر الصهاينة بالدعم الأمريكي أكثر من 75% من منشآتها وأبنيتها، دُمرت البنى التحتية، وخرج القطاع الصحي من الخدمة، وصار أهلها النازحون بلا مأوى، سوى الخيام المهترئة التي لم يرحمها الشيطان الصهيوني وأحرقها على أهلها. مات الأطفال جوعا وتجمدوا من شدة البرد، وأصبح حلم أحدهم أن يحصل على حفنة من الطحين أو الأرز يسد به الرمق، وانتشرت الأمراض بما يهدد بكارثة إنسانية، وما من بيت إلا وفقد عزيزا أو أكثر، أموات يشيعون أمواتا. تلك هي غزة، وهؤلاء هم أهلها الذين يضن عليهم البعض بالفرحة بما يشفي صدورهم، ويطفئ بعضا من نيران الشعور بالظلم الواقع عليهم، إن كان المعترضون على الشماتة قد ساءتهم الحرائق التي أكلت المستشفيات والمنشآت والمساكن في كاليفورنيا دون تدخل بشري، فإن الأيدي الصهيونية هي التي أحرقت المساكن والمستشفيات والخيام بقذائف أمريكية، وإن كانوا يألمون لمشاهد النزوح لعشرات الآلاف من سكان المقاطعة هربا من الحرائق، فهناك مشاهد أكثر بشاعة في غزة، حين نزح مئات الآلاف من ديارهم، وواجهوا الموت بالأسلحة الأمريكية حتى في الأماكن التي زعم الصهاينة أنها آمنة.

لماذا لا يفرح أهل غزة بمصائب أمريكا؟ أليست هي التي يدعم القاتل الصهيوني بالمليارات؟ أليست هي التي تستخدم حق الفيتو في كل مشروع يدين الوحشية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين؟ أليست هي التي أرسلت جنودها ومستشاريها وخدماتها الاستخباراتية للصهاينة في حربهم ضد الفلسطينيين؟ أليست هي الدولة التي يتسابق مرشحو حزبيها (الجمهوري والديمقراطي) في الاستجابة للوبي الصهيوني، بما يعزز الاحتلال الإسرائيلي ويدعم وجوده ويخدم أطماعه التوسعية؟ أليست هي الدولة التي تبني سياستها في المنطقة على حماية الأمن القومي الإسرائيلي؟ أليست هي التي تقف حجر عثرة أمام سقوط ذلك الكيان الذي اغتصب أرض الفلسطينيين ونهب ثرواتهم ومقدراتهم؟ أليست أمريكا وإسرائيل كيانا واحدا جسمه في الغرب ورأس حربته في الشرق؟

لطالما ارتفعت أكفّ متضرعة إلى خالقها تشكو إليه هذا الظلم، ولطالما بكت عيون في جوف الليل تدعو على الظالم الذي حرمها الأمن والأمان، فدعوا أهلها يفرحون بثمار دعواتهم، ويبتهجون بهذا القصاص الذي يشفي صدورهم. دعوا المظلوم يفرح بمُصاب من ظلمه، لا تقفوا أمام الجبلّة البشرية، ووجهوا دعوتكم لهذه المثالية إلى القاتل الظالم الجائر، الذي يبيد هذا الشعب بدولاراته وصواريخه وقذائفه، وعندما تنظرون بعين الشفقة إلى بضعة أشخاص لقوا حتفهم في الحرائق، لا تتناسوا ما يقارب خمسين ألف قتيل وأكثر من مئة ألف مصاب بخلاف المفقودين، هم ضحايا هذا العدوان السافر في غزة. لسنا شياطين إذ نفرح ونشمت بمصاب العدو الأمريكي، بل نحن مكلومون، مظلومون، لا حيلة لنا في دفع هذا الظلم عن إخواننا في غزة، وحق لنا أن نفرح بما يصيب أعداء هذه الأمة، وليذهب الشانئون إلى الجحيم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.