سنحان ليست من حاشد
بقلم/ رشاد الشرعبي
نشر منذ: 17 سنة و 3 أشهر و 21 يوماً
الخميس 19 يوليو-تموز 2007 11:52 ص

مأرب برس ـ النداء

تحرير الانسان اليمني وتحويله من "رعوي" إلى "مواطن" لا يزال بنظر الدكتور عبدالله الفقيه- استاذ العوم السياسية في جامعة صنعاء، بحاجة لتحريره من الفقر والفاقة والمرض والبطالة ومن إرهاب الأجهزة البوليسية وتدخلات الحكومة, وقبل ذلك لا زالت مواطنته السياسية تتطلب القيام بإصلاحات واسعة ومتزامنة على الصعد الدستورية والقانونية والممارساتية وبما يساعد على تحويل اليمنيين من "رعايا" إلى "مواطنين".

ويواصل نسف قواعد "دولة اليمن الفاضلة" المطلية بمساحيق دستورية وقانونية وأدوات تجميل تسمى الديمقراطية وحقوق الانسان ومؤسسات منتخبة وسلطات ثلاث وأحزاب ومنظمات وصحف, فيؤكد أن النظام القائم في ترتيباته الدستورية والقانونية والممارساتية "خلق وضعاً يتصف بكون المشرع فيه هو المنفذ وهو القاضي", جازماً أنه في ظل وضع كهذا "لا يمكن الحديث عن تحقق أي نوع من أنواع المواطنة" والتي قسمها إلى "سياسية, ومدنية واجتماعية".

وفي دراسة موسعة للفقيه حول "المواطنة السياسية في اليمن 1990-2007م: الأبعاد الدستورية والقانونية والعملية", يرى أنه "في ظل نظام كهذا لا يمكن الحديث عن علاقة مباشرة بين المواطن والدولة ينظمها الدستور والقانون", وفي ظل الترتيبات الحالية فإن "حقوق المواطنة تتحدد ليس من خلال الدولة ولكن من خلال الوسطاء بين المواطن والدولة, فحقوق النساء تمر عبر الرجال وحقوق الرجال تمر عبر المشائخ والأعيان...وهكذا". في توضيح أهمية إعادة الأمور إلى نصابها لتكون المواطنة حقيقية عبر تعديلات دستورية وقانونية وعملية أن يشدِّد على الإصلاح الدستوري المنشود "لابد أن يأخذ مسألة توزيع السلطة بمنتهى الجدية وأن يخلق الضمانات التي تمنع تركز السلطة في فرع معين من بين الفروع الثلاثة أو في يد شخص واحد داخل كل فرع أو تجعل حقوق المواطنة مرهونة بالدور الذي يلعبه الوسطاء بين المواطن والدولة, كما ولابد من التأصيل للرقابة المتبادلة ولتناسب السلطة مع المسئولية".

الدراسة التي سيصدرها ملتقى المرأة للدراسات والتدريب ونظم لها الأخير ندوة بصنعاء - الأحد الماضي - تصل إلى التأكيد بأن تجربة اليمنيين خلال العقود الماضية ليس فقط منذ قيام الوحدة وإنما أيضاً منذ قيام ثورة سبتمبر 1962م التي كان غرضها الهدف ذاته نقل الإنسان اليمني من مربع "الرعوي" إلى مربع "المواطن" أثبتت أن "النصوص الدستورية والقانونية لا تكفي بحد ذاتها لحدوث التغيير المطلوب" او التحول المنشود.

وحد قول وعلى ذمة الفقيه فإن "النصوص الجميلة قد تخفي خلفها قبحاً لا نظير له في العالم", ويعود للتأكيد بأن "قيام نظام سياسي يعزز من الرقابة المتبادلة والمساءلة يمكن أن يحدث تحولاً كبيراً في طرق العمل, إلا أنه ينبغي العمل إلى جانب ذلك وعلى كافة الجبهات ومن خلال التوعية والتثقيف ونشر المعلومات على الانتقال بالنصوص الدستورية والقانونية من كونها مجرد نصوص إلى ممارسة يومية", ويشير إلى أنه "لا بد من حدوث تغيير واسع يركز على عقلنة الفعل وتجديد الخطاب وإصلاح مناهج التعليم بما يكفل تنقيتها من المفاهيم التي تحض على العنف أو الكراهية أو التمييز".

ويقسم الباحث عبدالله الفقيه المواطنة إلى أنواع ثلاثة ركز في دراسته على الأول المتمثل في "المواطنة السياسية وترتبط بالمشاركة في العملية السياسية" التي لا تقتصر على الانتخابات, ولا تتحقق إلا عن طريق توفر مجموعة من الشروط: إعطاء حق التصويت للجميع ودون تمييز بإعتبار الانتخابات آلية لوصول أي مواطن للسلطة, إلى جانب توفر دورية الانتخابات والتنافس والحرية والعدالة فيها, مع توازن السلطات والرقابة المتبادلة والمساءلة وتوفر نظام سياسي يسمح بالمشاركة السياسية الكاملة". وبعد تحليله لكل شرط على حدة من خلال النصوص والممارسة في الأغلب خلص الفقيه إلى عدم تحقق المواطنة السياسية ناهيك عن المدنية المرتبطة بـ"المساواة القانونية, والحماية من التمييز, والحياة والأمن والسلامة الشخصية, والعدالة, وحرية الصحافة, وحق الحصول على المعلومات", والمواطنة الاجتماعية المرتبطة بـ"تمتع الفرد بالحقوق المختلفة المتصلة بالاحتياجات الأساسية التي تمكنه من تطوير قدراته وتحقيق ذاته إلى أقصى حد يمكنه بلوغه", وهو مانشكو من عدم تحققه ولا يزال غيابه يؤرق غالب اليمنيين.

ويحدد الفقيه ماوصفه "أربع فجوات مثلت مشكلات متصلة بالمواطنة في السياق اليمني" توجب إجراء التعديلات الدستورية والقانونية لتوفير مواطنة كاملة لليمنيين لنقلهم من موقع الرعوي إلى موقع مواطن يتمتع بكامل حقوق المواطنة ويقوم بكامل واجباتها, ويشير إلى وجود "فجوة بين مبدأ المواطنة المتساوية الذي تبناه الدستور وبين نصوص الدستور الأخرى المفترض فيها ترجمت المبدأ إلى قواعد دستورية وقانونية وبنى مؤسسية واضحة", وفجوة ثانية "بين النصوص الدستورية والقانونية من جهة والتطبيق العملي من جهة أخرى", وثالثة "بين الدستور الذي قامت على أساسه الوحدة (دستور 1991م) والدساتير اللاحقة حيث أن التعديل الواسع بعد عام 1994م اسقط المواطنة المتساوية وشرع لـ(مواطنة تدرجية)", والفجوة الرابعة وقعت "بين الوضع الفعلي للمواطنة خلال الثلاث السنوات التالية للوحدة, والمراحل اللاحقة".

3 من الأكادييمين في 3 تخصصات مختلفة، عقبوا في ندوة الأحد على دراسة الفقية "إشادةً ونقداً وملاحظات", فأستاذة الاعلام رؤوفة حسن أشارت إلى أن "المواطنة السياسية تمارس كحدث طاريء تنتجه الانتخابات", وأخذت على الفقيه إعتبار القبيلة كقوى تقليدية حاكماً رئيسياً في اليمن لأن المجتمع "لم يعد مجتمعاً تقليدياً كالسابق, ولم يصل إلى مرتبة المجتمع الحداثي", مشيرةً إلى أن مجتمع أبوي (هجين) جديد" برز ومزج بين آليات وأدوات المجتمع الحديث وعقليات وممارسات وثقافة المجتمع القديم".

وأوضحت أن مجتمع القبيلة ذاته تعرض للمسخ وتحول المشيخ القبائلي إلى مؤسسة يتوارث الابناء اللقب والمرتبات عبر حاضن رسمي يسمى (مصلحة شئون القبائل) على عكس ماكان في السابق, مشيرةً إلى أن الانتخابات كوسيلة لتوفير بعض شروط المواطنة صارت فقط "وسيلة لإنتخاب القوى التقليدية الشيخ والعسكري والديني", مؤكدةً عدم تحمسها لإجراء أي تعديل أو تغيير دستوري "لأنه لاينفذ أي دستور", داعيةً إلى إلغاء مصلحة شئون القبائل "كمؤسسة عنصرية تمييزية تعطي أموال عامة لناس دون حق وتؤسس لثقافة مشائخية".

قال أن "المواطنة شيء متكامل ولا يمكن تجزئتها لسياسية ومدنية وإجتماعية", مشدداً على وجوب "الدمج الاجتماعي بدلاً عن المجتمع القائم على قبائل تعتبر نفسها كيانات منفردة ومستقلة عن بعضها", مؤكداً أن مشكلة اليمنيين مع المواطنة قبل أن تكون سياسية "هي ثقافية أولاً", وأن ماحدث منذ الوحدة هو "تعامل نظري دون تفعيل النصوص على الواقع العملي", ملفتاً إلى أنه حتى إطلاق التسمية على البرلمان مجلس النواب لها علاقة بالجانب الثقافي للنخبة الحاكمة وتذكر بماكانوا يعرفوا بنواب الاإمام في عهد ماقبل ثورة سبتمبر.

ويرى الشرجبي أن البرلمان مجلس النواب تشكل في أغلبه من مشائخ القبائل "ليحفظوا إستمرار النظام وبالمقابل يحفظ هو إستمرار مصالحهم الضيقة", مؤكداً أنه يجب ان يكون من أولى مهام هيئة مكافحة الفساد إلغاء مصلحة شئون القبائل كوعاء للفساد ينتقص من المواطنة لكثير من أبناء اليمن.

محمد الظاهري الباحث واستاذ العلوم السياسية دافع عن القبيلة في اليمن ككيان ظل يعبر عن إيجابيات كثيرة, متفقاً مع رؤوفة حسن أن "القبيلة لم تعد قبيلة وهناك تخلخل في بنيتها وتشويه يلحق بها", مؤكداً أن القبيلة في اليمن "متغير وسيط واليمن لاتحكم من قبلها", مشيراً إلى خطأ من يقول بذلك وأن قبيلة حاشد تحكم اليمن على إعتبار أن سنحان التي ينتمي إليها الرئيس علي عبدالله صالح من حاشد "سنحان متحيشدة وليست من القبائل الأصيلة في حاشد", منوهاً إلى أن من يحكم اليمن دائماً وخاصة من بعد قيام ثورة سبتمبر "هم من العصبيات الأضعف وليس الأقوى".

وأوضح الظاهري أنه "كلما غابت وتوارت الدولة بمؤسساتها الحديثة تحضر القبيلة" بصورتها المشوهة حديثاً, في حين أن تجربة الدولة اليمنية المعاصرة أستوردت الديمقراطية وأستبعدت في الوقت ذاته مضمونها", وأن اليمن تحولت إلى دولة تحكم من قبل من وصفها "العصبية المصطنعة".