اسرار تزايد الانتهاكات وتنامي ظاهرة الفوضى
بقلم/ عارف علي العمري
نشر منذ: 17 سنة و 7 أشهر و 14 يوماً
الأحد 13 مايو 2007 05:38 م

مأرب برس ـ خاص

وراء الدهاليز التي تم تقييد حركته فيها كان حظه من الإقامة الجبرية, وبين ملفات الأرشفة كان له مكان شاغر, وموقع خاص, لا يصل إليه إلا من أراد أن يقرءا عليه الفاتحة, لأنه بلا شك اليوم أو بعده سيموت ما لم يتعاون الجميع على إخراجه من مكانه المغلق, إلى فضاء رحب أكثر اتساعاً, وسيد المقام هو صاحب الجلالة الموقر ( القانون ) .

• القانون لغة تترجمها المجتمعات الراقية والمتقدمة في سلم الحضارة إلى واقع ملموس يعايشه الجميع, ويعملون في إطاره وتقيدهم نصوصه, التي تدفعهم إلى محاسبة الذات ومراقبتها, بعيداً عن الاناء المفرط والشخصنة الزائدة, فالقانون عندهم ليس عبارات تكتب ويرمى بها في سلة المحذوفات , ولا أحرف تسطر لتظل حبر على ورق, بل القانون عندهم فضيلة تبنى عليها المجتمعات, وتقوم على أساسها المؤسسات .

• القانون فضيلة يوم أن يطبق , شرف تفخر به الدولة يوم أن يسود البلاد, مفخرة يباهي بها المواطن أمام شياطين البشر, وزعماء الديكتاتورية القبيحة, شهادة حضارة وتقدم للشعوب التي تستظل تحت عدالته, وتعيش بأمان في ظلاله .

• القانون يساوي بين القوي والضعيف والحاكم والمحكوم ويجعلهم سواسية أمام القضاء لأنه مستمد أسسه من الشريعة الإسلامية السمحاء, لكن اليوم قل أن تجد قوي وضعيف يتساوون أمام القضاء, بل إن الظالم صاحب المال أو النفوذ القوي يصبح صاحب الحق حين يغيب القانون, وتختفي سلطته وهذا نذير شؤم بالهلاك إذا لم نراجع حساباتنا جميعاً ( إنما اهلك من كان قبلكم انه كان إذا سرق فيهم القوي تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد )

• غياب القانون دليل على هشاشة الأنظمة وركاكتها في تسيير شؤون الحكم .... ودليل أخر على بدائية تلك المجتمعات التي يغيب فيها القانون بعيداً عن الأنظار, إن غياب القانون يستلزم ثورة سلمية يقود زمامها المثقفين, من أصحاب الأقلام الحرة الذين يموتون ولا يأكلون بمداد أقلامهم .

• اليمن ــ وللأسف ــ واحدة من دول العالم الثالث التي تسن فيها القوانين ولا ترى اغلبها النور إلا مرتين في الحياة مرة عند صياغتها في أروقة صناعة القرار, والثانية عند مناقشتها تحت قبة البرلمان , ويكون فيها القانون مأسور في زنزانة المصالح الشخصية, مكبلاً في سلاسل القوة والنفوذ, متلاشي أمام وريقات الدراهم والريالات, منهاراً أمام الواسطة , صريعاً في مواجهة القبلية وأعرفها السائدة .

• هنا على تراب الوطن, في بلاد السعيدة, قانون البلاد الحقيقي هو الأعم والأكثر انتشاراً, وهو البديل الذي يرى فيه الأقوياء حل لمشاكلهم, وجسراً يتم من خلاله العبور إلى شاطئ الحقوق الضائعة.

• لو كان القانون موجوداً ما رأينا بلطجة تطال عاصمة الوطن , اه لو كنت حاضر أيها القانون ما وضعت على ( بلا قيود ) القيود الإعلامية , لو كنت حاضر ما استمرت قضايانا مبعثرة على امتداد الوطن, شائكة الحل, مستعصية المنال , غامضة المصير,غيبوك الذين رأوا فيك عقبة كئود أمام مصالحهم الشخصية, وتطلعاتهم الخاصة .

• لو كان القانون موجود ما أكل المواطن من براميل الزبالة, وأكلت قطط المسئولين وكلابهم أجود أنواع اللحوم, ولا بنيت ناطحات السحاب لبعض المسئولين دون محاسبة , ولا ارتدى أولاد الوزراء أجمل الملابس, وغيرهم من أولاد الآخرين لا يفكرون إلا في لبس ما يسترون به عوراتهم .

• القانون غائب إلا في بعض الحالات النادرة التي لا حكم لها, ولو كان موجوداً ما انتهك عرض أنيسة الشعيبي, ولا عذب حمدان درسي, ولا قتلت الطفلة مرام, ولا تم اقتياد بعض الصحفيين إلى أماكن توحي بالرعب والهلاك, لو كان القانون حاضرا ما رأينا سجون خاصة للمشائخ يتم فيها ممارسة أبشع أنواع التعذيب.

• قد تبدوا مندهشا أكثر من اللازم, حائراً أكثر من الحيرة ذاتها, فاقداً لشعورك, مغتاظاً إلى درجة لا تسيطر فيها على أعصابك, متنرفزاً إلى درجة البطش بمن حولك, حينما تصادر حقوقك فتسال عن القانون للجوء إليه, فيكون الجواب أن لغة المال هي الحاضرة التي تفرض بها وجودك, وترجع بها حقوقك .

• قد تتجرع الألم .. تتكبد الأسى حسرات.. تتأوه بعد أن تقلب كفيك متعجباً.. ثمة أشياء تدعوك للتسخط والتبرم .. عند أن يسألك جندي الأمن عن أوراق ملكية سيارتك, أو رخصة قيادة لها .. وقد تصيبك الدهشة حينما تخالف النظام والقانون, وتسمع من رجاله , كلمة ( تقبل ) أو ( خارج نفسك ) وبين هذا وذاك ما عليك إلا أن تكتم أنفاسك, وتخفي مواجعك خلف أناتك المثقلة بالقهر, وترتدي حلة الصبر, إذا أردت أن تساهم في استئساد الفوضى , وتنامي هيبة البلطجة.