الانتخابات اليمنية.. والانتخابات الأمريكية!
بقلم/ عبده سيف القصلي
نشر منذ: 16 سنة و شهر و يومين
الأحد 23 نوفمبر-تشرين الثاني 2008 09:54 م

في البداية.. لن أهنيء الرئيس الأمريكي الجديد (باراك أوباما) ذي الأصول الإفريقية بمناسبة الفوز الذي حققه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، ولكن سأهنئ – على وجه التحديد – الزعماء العرب والمسلمون بمناسبة انتخاب باراك أوباما خليفة للمسلمين، لأن الطريقة التي استقبل بها الزعماء العرب والمسلمون فوز أوباما حيث كانوا أول السباقين في تهنئته بمناسبة فوزه جعلتني أتخيل وكأن أوباما خليفة للمسلمين وليس رئيسا لأمريكا المسيحية المنحازة دائما ضد العرب والمسلمين، والتي يذوق إخواننا المسلمون في العراق وأفغانستان وغيرهما أشد أنواع التنكيل والعذاب، وانحيازها الواضح للاحتلال الإسرائيلي لجزء يعد من أغلى البقاع على قلوب المسلمين لقدسيته، ولا ننسى أيضا ما حدث – وربما ما زال يحدث - في سجن أبو غريب ومعتقل جوانتنامو وغيرهما أيضا!

لا شك أن فوز أوباما برئاسة أقوى دولة في العالم مؤثر نوعا ما كون الرجل أسود ومن أصول إفريقية ومن أسرة فقيرة، كما أن والده كان مسلما واسمه عربي، وهو الأمر الذي جعل الكثير من الزعماء العرب والمسلمين يراهنون على أن الرجل سيتعامل معهم خلافا لما كانت تتعامل به معهم الإدارات الأمريكية السابقة سواء كانت من الجمهوريين أو الديمقراطيين، لكن المؤكد أن (عقدة ما) ستظل تلاحق أوباما، وسيعمل ما بوسعه للتخلص منها، فهو سيكون (نصرانيا) أكثر من النصارى ليؤكد لهم أن لا صلة له بالإسلام، وسيتعامل مع البيض على أنه (أبيض) أكثر منهم حتى لا يتهم بالعنصرية والانحياز للسود – ستنقلب هنا المعادلة -!

كانت أول رسائل أوباما للعرب والمسلمين الذين هللوا لفوزه، واليهود الذين كانوا متحفظين نوعا ما إزاء بعض أطروحاته، كانت أول الرسائل واضحة جدا للجميع ليعرفوا من خلالها الوجه الحقيقي لأوباما في رئاسته لأمريكا، وهذه الرسالة هي: اختيار أوباما للعضو في الكونجرس الأمريكي الديمقراطي (اليهودي رام إيمانويل) ذي الأصل الإسرائيلي لمنصب أمين عام البيت الأبيض، وهو الاختيار الذي هللت له إسرائيل واستاءت منه الشعوب العربية، كما أن وكالة رويترز نقلت عن مصادر خاصة أن أكثر من 80% من المرشحين لتولي منصب وزارة الخارجية والمناصب الأخرى الحساسة في الإدارة الأمريكية الجديدة هم إما يهودا أو على علاقة باللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي سيضع حدا لتفاؤل الكثير من العرب والمسلمين وخصوصا الزعماء ورهانهم على الرئيس الأمريكي الجديد!

شخصيا.. أعتذر للقراء كوني ابتعدت كثيرا عن عنوان هذا المقال، لكني سأعود إليه حالا، حتى وإن كنت أرى أنه من الظلم مقارنة الانتخابات اليمنية بالانتخابات الأمريكية، لأنه من حسن حظ الأمريكيين أنه لا يوجد عندهم حزب حاكم اسمه "المؤتمر الشعبي العام"، ولا يوجد حزب حاكم يستخدم الفضائية اليمنية – أقصد الأمريكية – لصالح مرشحه، فالقنوات الفضائية هناك بالآلاف والحكومة الأمريكية لا تستطيع التدخل حتى في سياسة قناة واحدة، فكل وسائل الإعلام هناك مستقلة ومتحررة من هيمنة الحكومة، فلا صحف رسمية ولا وزارة إعلام، ولا "لوزي" ولا يخجلون، كما أن الحزب الجمهوري الحاكم في أمريكا منذ ثمان سنوات بقيادة بوش لم يستخدم إمكانيات الدولة لصالح مرشحه، وأوباما لم يفز بسبب أنه (أسود).. ولكن الإرث الذي خلفه بوش الجمهوري لأمريكا هو الذي جعل الشعب الأمريكي يؤدب الحزب الجمهوري عبر صندوق الاقتراع، ففي الغرب إذا أخطأ الزعيم خطأ واحدا الشعب لا يكتفي بتأديب هذا الزعيم فقط، ولكنه يؤدب الحزب الذي ينتمي إليه بكامله عبر صندوق الاقتراع إذا لم يكن التأديب عبر المظاهرات التي تطالب بعزله، بمعنى أن الذي يحصل هناك عكس ما يحصل في البلدان العربية، ففي البلدان العربية تتحمل الشعوب أخطاء الزعامات، وكلما أخطأ زعيم أدب شعبه بسبب خطأه هو!

منذ أشهر وأنا أتابع تداعيات الحملة الانتخابية الأمريكية، وأحرص جيدا على قراءة خطابات وتصريحات باراك أوباما إعجابا ببلاغته، كما أحرص جيدا على قراءة تصريحات "سارة بالين" التي اختارها مرشح الحزب الجمهوري جون ماكين لتكون نائبة له، أقرأ تصريحاتها إعجابا بغبائها، ومن ذلك أنها قالت عن الجنود الأمريكيين المرابطين في أفغانستان:"أنهم يبنون المدارس لأطفال جارتنا أفغانستان" رغم أن أفغانستان بعيدة عن أمريكا حيث تقع في وسط قارة آسيا، والجنود الأمريكيون هناك يحاربون تنظيم القاعدة وحركة طالبان ولا علاقة لهم ببناء المدارس لأطفال أفغانستان، لكن الشيء الذي كان يشغل بالي دائما هو مقارنتي الانتخابات الأمريكية والحملات الدعائية بالانتخابات اليمنية وما سبقها من حملات دعائية، ولن أستطيع أسرد كل ما لاحظته، وسأكتفي هنا ببعض النقاط الرئيسية والملفتة للنظر والمعبرة أيضا:

- في أمريكا يحق لأي شخص – أسود أو أبيض، (قبيلي أو خادم باليمني الفصيح) - تولي منصب الرئاسة لفترتين رئاسيتين فقط مدة كل منهما أربع سنوات، هذا إذا فاز لدورة رئاسية ثانية، وفي اليمن يحق لشخص محدد تولي منصب الرئاسة لفترتين رئاسيتين: فترة صباحية وفترة مسائية!

- بعد فوز أوباما بثت الفضائيات الأمريكية صورة إمرة أمريكية "ربة بيت" خرجت من بيتها تجري في الشارع فرحا بفوز أوباما وتحتضن وتقبل كل من تعرف ومن لا تعرف، وفي اليمن بثت الفضائية اليمنية صورة إمرة يمنية وهي تبكي مناشدة الرئيس العدول عن قراره بعدم الترشح في الانتخابات!

- في أمريكا تعطلت حركة المرور في أغلب المدن الأمريكية بعد فوز أوباما احتفالا "بالتغيير".. وفي اليمن تعطلت حركة المرور عندما حشد الحزب الحاكم حشوده في عواصم المحافظات لمناشدة الرئيس عدوله عن قراره بعدم الترشح أيضا، أي تعطلت حركة المرور ضد التغيير!

- أنصار الفائز في الانتخابات الأمريكية رفعوا بعد فوزه لافتات تحمل شعار:"ابدأ المشوار".. وفي اليمن رفع أنصار الفائز في الانتخابات - قبل فوزه طبعا - شعار:"أكمل المشوار".. والمفارقة: في أمريكا – أكبر دولة في العالم – يرفعون شعار "ابدأ المشوار".. ونحن البلد المتخلف الفقير الجائع الأمي يرفع شعار "أكمل المشوار".. ولا ادري إلى أين وصل المشوار "حتى يكمله"!

- في أمريكا قام أحد رسامي الكاريكاتير برسم أوباما – المرشح الفائز - وهو يرتدي زي تنظيم القاعدة في إشارة إلى أصوله الإسلامية واتهامه بالإرهاب، وعندنا قام "المرشح الفائز" في أحد مهرجاناته الانتخابية برفع صورة لمنافسه الرئيسي مع أحد مرافقيه متهما إياه – ولو كانت الطريقة غير مباشرة - بالإرهاب.. في أمريكا الفائز يتهم بالإرهاب من قبل رسام كاريكاتير، وعندنا الفائز يتهم هو بنفسه منافسه بالإرهاب!

- المرشح الفائز في أمريكا كان أبرز ما وعد به ناخبيه هو تخفيض الضرائب لـ95% من العائلات الأمريكية وزيادة الضرائب على العائلات التي يزيد دخلها على 250 ألف دولار سنويا، وهو وعد معقول وتنفيذه سيكون بسهولة ولن يحتاج للجنة رئاسية تتابع تنفيذه.. أما في اليمن فقد كان أبرز ما وعد به المرشح الفائز هو تشغيل الكهرباء بالطاقة النووية وتوفير فرص عمل لكل العاطلين خلال عامين فقط.. تبقى منها شهر تقريبا.. وسأترك التعليق هنا للقراء!

- أول من هنأ المرشح الفائز في أمريكا هم الزعماء العرب والمسلمون ورؤساء معظم الدول ذات الثقل الاقتصادي والسياسي والعسكري في العالم، وكانت التهاني عبارة عن برقيات لا تتعدى نشرات الأخبار.. أما المرشح الفائز في اليمن فأول من هنأه هم أعضاء اللجنة الدائمة لحزبه وغيرهم من القيادات العليا والوسطى والسفلى والتجار وحتى المتردية والنطيحة وكانت التهاني بالمانشيتات العريضة على صدر صفحات الصحف الرسمية!

- في أمريكا تقوم بعض الأحزاب الصغيرة بتقديم مرشحين لها بغرض تفتيت الأصوات ضد الغريم، وكالعادة لا يسمع العالم بهؤلاء المرشحين سوى الأمريكيون، وفي بلادنا يقوم الحزب الحاكم بالتحالف مع أحزاب لا وجود لها على أرض الواقع معتقدا أنها ستوفر له ممثل دور "الكومبارس" في مسرحياته الهزلية التي يسميها انتخابات وديمقراطية!

- النظام الانتخابي في أمريكا إجراء بالغ التعقيد لا يتسع المجال هنا لتوضيحه، ومع ذلك فهو يسير كما هو مقررا له دون أدنى معوقات، وباختصار فالشعب الأمريكي لا ينتخب الرئيس مباشرة كما قد يظن البعض، ولكن يتم انتخابه عبر الهيئة الانتخابية التي ينتخبها الشعب، وهو إجراء انتخابي أمريكي بدأ منذ القرن الثامن عشر، أما عندنا فعلى الرغم من بساطة النظام الانتخابي إلا أنه كالعادة ترافقه العديد من الاختلالات والمشاكل وخطف الصناديق وشراء الأصوات والتزوير وأحيانا إطلاق النار والتصويت علانية وتسير الأمور كلها "كلفتة في كلفتة"!

باختصار: لا داعي للمزيد من المقارنة، لا شك أن الديمقراطية في أمريكا يشوبها الكثير من الشوائب، لكن مع ذلك تظل رائدة كونها أوصلت إلى رئاسة العالم – وليس أمريكا – رجل أسود ذو أصول إفريقية لو كان عاش في اليمن لما تمكن من الزواج بيمنية فضلا عن رئاسة الدولة، ولكان الآن يعمل إسكافي (خياط أحذية) في إحدى الشوارع!

أما ما هو حاصل في اليمن ويقال بأنه ديمقراطية وانتخابات حرة ونزيهة وغير ذلك من العبارات التي تجلب "المغص" ووجع القلب.. فهو ليس سوى مجرد "رتوش" يغطى بها على الفساد القائم والذي أهلك الحرث والنسل والبلاد والعباد.. فلا ديمقراطية.. ولا انتخابات حرة ونزيهة.. كله كذب في كذب!!  

abdualqasly@yahoo.com