الرئيس إبراهيم الحمدي ...تجربة ملهمة
بقلم/ علي محمود يامن
نشر منذ: شهر و 6 أيام
السبت 12 أكتوبر-تشرين الأول 2024 03:38 م
   

تناول شخصية وطنية عملاقة بحجم وقامه وقيمة وروح الراحل العظيم / ابراهيم محمد الحمدي 

كتجربة وطنية ملهمة وجادة لبناء الدولة وترسيخ مشروعية الإنجاز 

والوقوف على عمق التجربة ودلالاتها في استعداد المجتمع اليمني للنهوض الحضاري.

 

نتناول في هذه السطور لمحة تاريخية موجزة عن حياة الشهيد وظروف المرحلة التي عاشها:

 

اولا:النشأة والميلاد 

 

 ولد رحمة الله عليه في العام 1943م واليمن ترزح تحت أسوء حكم كهنوتي عرفه التاريخ و في فترة من أشد فترات التاريخ اليمني قتامة وأكثرها ظلما واعتاها بلادة واشدها قسوتا وأكثرها تمزقا وانقساما.

 

في واحدة من أجمل وأروع بقاع اليمن واكثر تضاريسها سحرا وروعة وبهاء والتي تنتمي اليها والدته في مديرية قعطبة 

الجامعة لكل شتات اليمنيين من جغرافيا لها أهمية خاصة في وقتي السلم والحرب وجسر عبور لتلاقي إرادة اليمنيين فهي التي تربط اليمن السعيد شماله وجنوبه 

وكانت ملجأ نضاليا لثوار واحرار أكتوبر المجيد.

 

ترجع جذوره العائلية وامتداده الأسري إلى قبيلة عيال سريح من أعمال محافظة عمران شمال اليمن و التي تتميز بطبيعتها الخلابة و تتشارك مع صنعاء بهوائها العليل و انسامها الرقراقة و جمالها الساحر الفتان 

 ينتمي لأسرة يمنية متوسطة فوالده يرجع لجذور أسرية من مناطق شمال الشمال لليمن الحبيب في مديرية ثلاء و من عائلة تتوشح العلم وتمارس مهنة القضاء

 

 تربى في حاضنة يمنية صرفة وفي بيت علم وصلاح وعاش في بيئة اجتماعية وسطية تعلي من العلم وتعتز بجذورها القحطانية وانتمائها العروبي و ثقافتها الإسلامية الأصيلة 

 

عاش فترة مقدرة من طفولته في مقر عائلته الرئيس في منطقة ثلاء أحد مسارح جمال الطبيعة على ثرى أرض السعيدة من أعمال محافظة عمران المتاخمة للعاصمة صنعاء سيدة مدائن الأرض 

 

في العام 1364هـ انتقل مع والده القاضي العلامة / محمد الحمدي رحمة الله تعالى تغشاه إلى انس من أعمال لواء ذمار ليشغل القاضي منصب عامل انس وقضى فيها برفقة والده قرابة السبعة أعوام مخضرة خصبة وارفة الظلال 

 وهنالك ختم القرآن الكريم في قت مبكر من ربيع عمره المبارك ودرس المتون التى تمثل القالب الشعري و التعليمي لمجموعة العلوم الشرعية والإنسانية وفنون المعرفة على يد استاذه العلامة / مطهر العيزري رحمة الله تعالى تغشاه 

 

انتقل إلى ذمار وفي المدرسة الشمسية التي تدرس العلوم الشرعية وخصوصا المذهب الزيدي و الهادوية التي تؤهل للعمل في سلك القضاء و الفصل في الخصومات بالطرق الشرعية 

 

 بداء طورا جديدا في مسيرته التعليمية على يد فقيه اليمن وحجة الجزيرة و مفتي الديار اليمانية أمام الحديث و حامل لواء السنة القاضي العلامة / احمد بن أحمد سلامة عليه من الله شائبيب الرحمة وجميل المغفرة بالإضافة إلى كوكبة نيرة من علماء وأساتذة تلك الفترة منهم من فضلاء بيت الاكوع الأسرة الشهيرة بالعلم ولاسيما التاريخ وبالنضال الوطني المناهض للاستبداد الأمامي 

 

لازم والده القاضي محمد الحمدي وعمل معه في سلك القضاء والذي اكسبه خبرة جيدة في التعامل مع قضايا المواطنين وبث روح العدالة وعزز لدية معرفة ممتازة بالمواطن اليمني وعاداته الاجتماعية وضروفه السياسية واوضاعه العامة  

تعلم الحمدي الفتى و درس وفقا لمعطيات وإمكانيات تلك المرحلة والتحق بكلية الطيران ولم يكمل دراسته 

 

 درس في الطويلة سفر التاريخ وعلوم السير واخبار الأمم وتضاريس الأرض وعلوم الجغرافيا على يد المؤرخ الجهبذ و الجغرافي الالمع / حسين الويسي رحمه الله واستمر في أخذ العلوم على يديه في مدينة ذمار وعمل معه مساعد له حين كان عامل لذمار فاشاد بقدراته وملكاته وسبقه لسنه في مضمار الحياة العملية 

 

 سافر مع والده في رحلة علاجية إلى إيطاليا و هو في مقتبل العمر لاشك انها اكسبته معرفة قوية بما وصل إليه العالم من تطور ورقي 

و هاله الفارق الشاسع بين التقدم الحضاري التي و صلت إليه البشرية و التخلف الرهيب الذي يعيشه وطنه المكلوم 

والتقى خلالها بالطاغية / احمد حميد الدين  

والذي تفرس في الفتى نبوغ مبكر و نجابة متفردة فاقت ما سمع عنه من عامل ذمار و ربما من مصادر متعددة 

طرح على الفتى حديث السن جملة من الأسئلة 

 فقدم شهادة في حضرة التاريخ مرغما أو قل إن شئت في لحظة أنصاف قل إن تتكرر من مثله 

 ان ابنك هذا يا قاضي محمد سيكون له شأن عظيم وبين ايامة مستقبل زاهر 

 

ثانيا:مرحلة الثورة 

 

 اكمل تعليمه النظامي الثانوي في المدرسة التحضيرية و فيها تعرف على كوكبة من شباب اليمن الذين مثلوا جزء من النواة الوطنية لجيل الضباط الاحرار والتحق بكلية الطيران التي لم يكمل الدرجة العلمية فيها 

 

قدم اساتذته و رفاق دربه شهادات تاريخية منصفة عن الرجل أنه تميز بحدة الذكاء وسرعة البديهة و قوة الفهم واستنارة الفكر ومنهم المؤرخ الوشلي و الاديب الشاعر الاستاذ الدكتور / عبدالعزيز المقالح والذي درسه في المرحلة الثانوية وأكد أنه من أنجب والمع واذكاء طلاب جيله 

 

اندلعت اكرم و أعظم و أقدس ثورات الدنيا في 26 سبتمبر من العام 1962م و الشهيد ابراهيم الحمدي في ربيعه التاسع عشر من العمر

 ذلك الشاب المتميز و الذي يقوم بعمل والده بالنيابة في القضاء في لواء ذمار و كإجراء احترازي وقائي امني قامت به الثورة تحسبا لأي محاولة تربص بمسيرة الثورة الوليدة من الشخصيات البارزة و المؤثرة من رجال العهد البائد فقد أمرت قيادة الثورة بالتحفظ على كل من يشك بسعيه لإعاقة الثورة الوليدة والوقوف ضد مسيرتها الظافرة وكان ضمن من شملهم كشف التحفظ القاضي محمد الحمدي والذي لم تعثر عليه أجهزة أمن الثورة فاوقفت ابنه والقائم باعمال أبيه بغرض الضغط على والده لتسليم نفسه وعند علم مجموعة من زملاء وأصدقاء ابراهيم الحمدي المنتمين لتنظيم الضباط الاحرار و الفاعلين في قيادة الثورة قاموا بزيارته و أبدوا استغرابهم لاحتجازه و من ثم اقنعون الرئيس السلال بإلغاء قرار اعتقال القاضي محمد الحمدي وإطلاق ابراهيم على الفور لعلمهم بعدم تعصبهم للنظام الأمامي وعدم معاداتك للثورة وانتفاء اي خطر منهم على الجمهورية و من ثم اطلق سراحه من المعتقل و عاد للدراسة في كلية الطيران بصنعاء و الالتحاق بركب الثورة  

 

ثالثا: بناء الدولة 

 

تدرج الشهيد الحمدي في المناصب الادارية والقيادية ما اكسبه خبرات تراكمية وارضية معرفية ممتاز وشبكة علاقات فاعلة حيث 

تولى قيادة قوات الصاعقة، وترقى في المناصب القيادية حتى أصبح قائدا لقوات الاحتياطي العام وقوات العاصفة.

 

عين في 1967م وكيلا لوزارة الداخلية، ثم قائدا للمحور الغربي الشمالي، ثم قائدا للمنطقة المركزية، فسكرتيرا للقائد العام. الفريق حسن العمري. ثم قائدا لقوات الاحتياطي وفي الفترة 1972/ 1973م

 

عين نائب لرئيس مجلس الوزراء مع احتفاظه لقيادة قوات الاحتياطي. وعندما استقالت حكومة الأستاذ محسن العيني رقى المقدم إبراهيم الحمدي إلى.رتبة ( عقيد ) 

 

عين نائبا للقائد العام. 

في عام 1972 عمل على إنشاء هيئة تعاونية لتطوير المنطقة الغربية الشمالية واختير رئيس لها وطور فكرة التعاونيات على امتداد الساحة اليمنية وتراس الاتحاد العام لهيئات التعاون الاهلي للتطوير في عموم مديريات الجمهورية وقد احدثت تحولات اجتماعية كبيرة في مجالات شق الطرق وبناء المدارس وتنمية الارياف بدعم الدولة ومساعدة المنظمات الدولية وبتعاون المواطنين وتفانيهم في انجاح واسناد التجربة التعاونية 

 

في 13 يونيو 1974، قاد المقدم إبراهيم الحمدي انقلابا أبيض سمي بـ«حركة 13 يونيو التصحيحية» لينهي حكم الرئيس القاضي عبد الرحمن الأرياني 

 وترأس «مجلس القيادة» ووسع دور الجيش في النظام السياسي والحياة العامة. 

والتقليل من دور ونفوذ مشائخ القبائل  

 

شهدت فترة حكمه تطورا ملحوظا في الاقتصاد، مع إرساء الأمن والاستقرار وانتعاش التنمية، والإصلاح المالي والإداري للرقابة على المؤسسات الحكومية للحد من الفساد ، وفي الجانب السياسي والمؤسسي فقد جمّد العمل بالدستور وحل مجلس الشورى المنتخب.

 

عمل على تسريع وتيرة العمل الوحدوي وكانت اهم الخطوات الوحدوية مقررة أثناء زيارة لعدن في 13 أكتوبر/تشرين الأول 

 والذي اغتيل قبلها بيومين -مع شقيقه عبد الله الحمدي قائد قوات العمالقة- يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول 1977 في ظروف غامضة وشكلت حالة صدمة في وجدان المجتمع اليمني .

 

رابعا:انجازات المرحلة 

 

إنجازات الرئيس الشهيد الحمدي خلال 46 شهراً من قيادته للجمهورية العربية اليمنية.

في مجال إعادة تنظيم الدولة واستكمال أطر بعض المؤسسات كإعادة تنظيم الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية و إنشاء اللجنة العليا للتصحيح والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة واصدار العديد من القرارات الجمهورية لتنظيم عمل المصالح والمؤسسات الحكومية 

 

انجاز العديد من الطرق الازفلتية الرابطة بين المحافظات والمدن الرئيسية وانشاء المدن السكنية العمالية 

 

- إنشاء شركة الخطوط الجوية اليمنية بالشراكة مع المملكة العربية السعودية في 20 /5 /1975 م.

وإنشاء المؤسسة العامة للنقل البري قانون رقم (23) لسنة 1977م.

وتمت تحسينات هامة في مطاري صنعاء وتعز ، وبناء مركز المراقبة الجوية ، وتحسين وتطوير الموانىء وتوسيع شبكة الاتصالات والكهرباء 

 

انجز اكثر من مائة مشروع مياه على مستوى الجمهورية وإنشاء مشاريع التعليم والصحة والثقافة بمساعدات خليجية من السعودية والكويت والامارات.

 

إقامة العديد من المجمعات الصناعية والعقارية والاستثمارية 

وإنشاء الجمعيات التعاونية الاستهلاكية والزراعية ومؤسسة التجارة الخارجية وتطوير البنوك وغيرها من مظاهر التنمية التي ما زالت شواهدها ماثلة حتى اللحظة .

 

 خامسا:تقيم التجربة 

 

 الراحل وان كانت فترته قصيرة لكنه قدم نموذج رائع يحتاج للوقوف مع كل مفردة من مسيرة عطائه الوطني على حدى بموضوع مستقل يتحدث عن أعماله وقراراته ورؤاه من خلال خطاباته و منظومة الإنجاز التي مدت من شرعيته الشعبية والأخلاقية بعد رحيله وستستمر كمشروعية تاريخية حتى يتكرر النموذج 

 

حظي الرجل بشبه اجماع شعبي وكان محط الامل الكثير من اليمنيين في امكانية استنهاض واقعهم المرير واستعادة دورهم الريادي .  

 

استفاد الحمدي من المداميك الجمهورية الصلبة التي شيدها ابطال سبتمر المجيد وورث ارضية مناسبة من التجربة الجمهورية الوليدة لبناء الدولة وهي الميزة التي حرم منها النظام الجمهوري ذاته الذي بداء تأسيس الدولة من الصفر الان النظام الامامي لم يورث حتى واحد بالمئة من شبه دولة ذلك انه قائم على نظرية سياسية مناقضة لفكرة الاستقرار ومتصادمة مع فلسفة قيام الدولة واستقرار النظام السياسي على العكس من الجمهوريات الوليدة في الوطن العربي التي ورثة مؤسسات دولة وتراكم فلسفي ومعرفي وقانوني لاسس بناء الدول .

 

* مارس الرجل قدر كبير من العمل السياسي والمناورة وبذل الجهد البشري في الوصول الى السلطة مستفيدا من الكثير من العوامل التي ساعدته واعطته اسبقية على الكثير من اقرانه الذين عملوا بنفس الوتيرة والطموح ولعل اهم تلك العوامل هي الكاريزما القوية التي يتمتع بها الرجل،

وقدرته الخطابية القوية على حشد الراي العام

 

- استعصي على ملذات الفساد والاستئثار بالمال العام ناهيك عن حالة الاقتراب من المزاج الشعبي المتطلع الى مفردات المساواة والحرية وتفعيل القانون واستنهاض عوامل النهوض الحضاري 

 

* حقق قدر لاباس به من التنمية مستفيدا من رغبته الذاتية في تحقيق ذلك وموظفا الطفرة المالية للاقتصاد اليمني بفعل وفرة عائدات المغتربين والنشاط الاقتصادي القوي في دول الجوار وجودة اداء واخلاص وكفاءة العامل اليمني في مواطن الاغتراب على مستوى العالم .

 

* قدم تجربة فريدة في العمل التعاوني المجتمعي والمشاركة الجماهيرية في عملية التنمية من خلال مسيرة هيئات التعاون الأهلي للتطوير التي أحدثت نقلة نوعية في التنمية والتعليم والصحة 

 

* حظي بمساندة الكثير من الشخصيات اليمنية التي تعلي من المصلحة الوطنية العليا حتى ان الرئيس الارياني رحمه الله اوصى كل من كان يحسب عليه بالتعاون مع الرئيس الحمدي رغما على انه اتى من خلال انقلاب ابيض على القاضي الارياني نفسه .

 

* عمل على احتوى وتوجيه التيار الاسلامي النشط في تلك الفترة الزمنية والمقبول اقليميا لمواجهة المدى الشيوعي ودمجه تحت سمع وبصر النظام من خلال انشاء الهيئة العامة المعاهد العلمية ومكتب الارشاد. 

 

* حاول ايجاد قدر من الاستقلال للقرار الوطني وتحجيم مراكز النفوذ القبلية وتوطيد علاقته بالرئيس سالم ربيع علي رحمه الله على طريق المشروع السلمي المتكامل لتحقيق الوحدة اليمنية. 

 

* عزز من علاقته بالمملكة العربية السعودية الشقيقة التي قام باول زيارة خارجية لها وحظي بدعم واعجاب الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله والذي قدم للحمدي دعم كبير في مواجهة ما كان يسمى المد الشيوعي حين ذاك .

 

* مما اعاق نجاح واستمرار تجربة الحمدي الفريدة ان الحامل السياسي الشريك له في السلطة المتمثل بالحركة الناصرية والذي كان في حينه اقوى الحركات السياسية المنظمة والمتوغلة في كل مفاصل السلطة والجيش والاجهزة الصلبة لم تكن تملك من الادوات والبرامج والطمواحات وبرامج الحماية الامنية والذاتية ما يتواكب وما يحمله الرجل او ما قدمه للدولة والمجتمع من انجازات بالاضافة الى الاختراقات القوية للتيار الامامي المتربص بالدولة والجمهورية والتي حدثت بشكل قوي في فترة الرئيس الحمدي رحمة الله تغشاه. 

 

- تميز بالنزاهة والشفافية في الجانب المالي وكانت معركته تنموية بفريق أمني من فلول الإمامة وقد تجاوز استكمال معركة ترسيخ مبادئ النظام الجمهوري والمؤسسات الديمقراطية الشعبية لمواجهة النفوذ الامامي المتنامي وتكونت في عهده تكتلات داخل القوات المسلحة 

 كانت تجربة الرئيس الحمدي ملهمة وما زالت حاضرة في الوجدان الوطني على امتداد اليمن من اقصاه الى اقصاه.